خطبة الجمعة (265) 8 ذي الحجة 1427هـ – 29 ديسمبر 2006م

مواضيع الخطبة:

الاخوة في ضوء الاسلام + تعزية بمناسبة استشهاد الامام الباقر(ع) + المجلس النيابي

الأخوة في ضوء الاسلام لا يقف بها دين الله عزوجل عند حدّ من النسب او الأرض او العنصر او غير ذلك، انها الاخوة التي يريد لها الاسلام أن تمتد كل الامتداد لتستوعب أفراد هذا العالم كله.

الخطبة الأولى

الحمدلله الملك الحق المبين، هو المالك الذي لا مالك قبله ولا معه، والذي لا يفنى، ولا ينقضي ملكه، ولا تزيده طاعة المطيعين، ولا تنقصه معصية العاصين، وكيف يزيد أو ينقص ملك من قدرته لا تحدّ ولا تنقص؟!
أشهد ألا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا كثيرا.
عباد الله علينا بتقوى الله فإننا عبيده وإماؤه المملوكون له، الخاضعون لتصرفه، ولا نملك حولا ولا قوة إلا به، ولا مانع يحمينا من أخذه. حقّاً إنه لسفيه الرأي من اتقى المخلوق ولم يتق الخالق، ومن أطاع المملوك ولم يطع المالك.
علينا عباد الله باصلاح قلوبنا الذي به صلاح أحوالنا في دنيانا وآخرتنا، فخارج الانسان لا يتم صلاحه مع فساد داخله، ولا يكون فساد الخارج إلا لفساد في الداخل.
اللهم أعذنا من فساد القلب، وخبث النفس، وعطب الروح، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وصلّ على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد فهذه حلقة من حديث الأخوة في ضوء الاسلام:
الاخوة في ضوء الاسلام
الأخوة في ضوء الاسلام لا يقف بها دين الله عزوجل عند حدّ من النسب او الأرض او العنصر او غير ذلك، انها الاخوة التي يريد لها الاسلام أن تمتد كل الامتداد لتستوعب أفراد هذا العالم كله. إنها الأخوة في الله تبارك وتعالى، والله للجميع، والجميع عبيده. لا يوجد ما يمتد بالأخوة وبالمحبة والصدق والوفاء كما هو دين الاسلام الحق. نعم إذا كانت الاخوات في الأرض لها حدود تقف بها عن الامتداد لاستيعاب الناس فإن الأخوة الاسلامية لا تعرف شيئا من هذه الحدود. ونقرأ بعد ذلك ما يقدم لنا بصيرة في هذا الموضوع.
الأخوة في الله عبادة
تجدون أن الاسلام يعتزّ بالأخوة في الله اعتزازا كبيرا،حتى يعدّ هذه الاخوة عبادة، “النظر إلى الأخ تودّه في الله عزوجل عبادة”1. العبادة بمعناها الواسع تشمل كل خطوة قويمة، وكل عمل نافع، وكل ما يبني الانسان أو يبني أوضاعه بناء ا صحيحا اذا كان المقصود من ذلك وجه الله تبارك وتعالى. أيّ عمل حسن تقصد به وجه ربك الكريم فهو عبادة ولاعبادة لله عزوجل الا بما هو حسن. والنظر إلى الأخ نظرة مشبّعة بروح المودة والمحبة إذا كان ذلك من أجل الله عزوجل يكتب لك عبادة. “من استفاد أخاً في الله عزوجل استفاد بيتاً في الجنة”2 جزاء كبير من الله عزوجل،كسبك أخا في الله من اجل الله عزوجل يعدّ لك بيتاً في الجنة عند الله.
“من استفاد أخاً في الله على إيمان بالله ووفاء بإخائه طلباً لمرضاة الله فقد استفاد شعاعاً من نور الله”3. أمر ينور به الله، يزيد في نوره يفتح بصيرته، يقترب به من معرفة الحق، يطرد عنه وحشة الظلمة، ظلمة الكفر والشرك والجهل، ذلك أن يستفيد الانسان اخاً في الله على إيمان بالله ووفاء بإخائه طلباً لمرضاة الله عزوجل. إنه لجزاء كبير من الله عزوجل، يجده الانسان في دنياه قبل آخرته، ويمكن ان يكون في الحديث إشارة الى هذا المعنى، إلى أن الأخ في الله المختار على مقاييس اسلامية ايمانية مركز اشعاع، مصدر معرفة، يذكر بالله عزوجل، يهدي إليه، يعين على الطاعة، وكل ذلك سبب من أسباب تولد شعاع من نور الله في قلب أخيه.
“من فقد أخاً في الله فكأنما فقد أشرف أعضائه”4 وأشرف الاعضاء ما كان مصدر هداية وإشعاع، ومعرفة وطاعة لله تبارك وتعالى. أشرف عضو في الانسان قلبه الزكي، عقله المفكر، الأخ في الله ليس عضوا بمنزلة اليد او الرجل وإنما هو أخ بمنزلة القلب والعقل.
فرق بين صداقتين
فرق هائل بين صداقة او أخوة تنشأ على أساس من مطامع الدنيا، وبين أخرى تنشأ من أجل الله وفي ضوء أحكامه وأخلاق دينه، تقول الكلمة عن علي عليه السلام “من لم تكن مودته في الله فاحذره، فإن مودته لئيمة وصحبته مشؤومة”5 إذا كانت مودته لمال، لجاه، لأمر من أمور الدنيا، ولم يكن فيه ما يجتذب من نور الدين، ومن صدق المعرفة، ومن روح الإخاء في الله تبارك وتعالى فإنه محل الحذر ذلك لأنه لن يقود الا إلى شرّ، ولن يدلّ إلا على سوء، ولن يتقدم بك خطوة في اتجاه الله تبارك وتعالى. وكيف لا تكون المودة لئيمة والصحبة مشؤومة وهما إنما تنتهيان بالطرف الآخر الى النار؟!
“الناس أخوان فمن كانت أخوته في غير ذات الله فهي عداوة، وذلك قوله عزوجل ” الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين”6. قد يكسب أحدنا من صاحبه مالا، قد يسهّل له صاحبه التسلق الى موقع رسمي كبير، قد تتبذخ حياة أحدنا بصحبة آخر، لكن يوم أن يكون كل ذلك في اطار من علاقات دنيوية بعيدة عن الله عزوجل يصحبها ضلال وتيه وضياع وانحدار عن الطريق فإن هذه الصداقة والأخوة لابدّ أن تنقلب في يوم من الأيام إلى عداوة وأشدّ عداوة” الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين”.
نحن نصادق إبليس، نحن نصادق شياطين الأرض، نحن نصادق المضلين، ونفرح بهذه الصداقات، ونفرح بعطاءاتها، ولكن يوم أن تتكشف الأمور، ونقف امام الحقيقة وجهاً لوجه، ونقف أذلّاء بين يدي الله عزوجل، وينقسم الناس إلى فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير، تقوم العداوة الشديدة بيننا وبين من صادقنا وآخينا في هذه الحياة الدنيا لغير ذات الله.
نقرأ هذه الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام
الأخ المكتسب في الله:
الأخ المكتسب في الله أخلاقه أخلاق اسلامية، روحه طاهرة، قلبه شفاف بالإيمان، سلوكه زكي رضي، والمقصود من أخوته لك هو القرب الى الله عزوجل، وهذا الأخ تقول عنه كلمة علي عليه السلام “الأخ المكتسب في الله، أقرب الأقرباء، وأرحم من الأمهات والآباء”7 وقد يكبر هذا المعنى علينا، ليس من عاطفة أحرّ من عاطفة الآباء والأمهات بالنسبة للأولاد، وليس من قلب يحترق كما يحترق قلب الوالدين لولدهما، فكيف يكون أخ من الهند او من أمريكا او من روسيا آخيته في الله أرحم عليّ من أبي وأمي؟!
السؤال هنا يثار، ومن حق حياتنا المألوفة ان تثير هذا السؤال، لكن لو التفتنا فإن الحديث يقول: أن هذا الاخ المكتسب مكتسب في الله، والأخ المكتسب في الله صفاته ما تعرفون، من تقوى ومعرفة وقرب لله عزوجل. والمقايسة بين هذا الصديق، بين هذا الأخ وبين الأمهات والآباء بما هم أمهات وآباء فحسب. وليست المقايسة بين أخ في الله وأب هو من أهل الله، بين أخ في الله وبين أمّ هي من أهل الله تعالى، المقايسة بين أخ في الله وأمّ بما هي أم، المنظور فيها أنها أمّ فقط، وبين أب المنظور فيه أنه أب فقط، وكم من أب ساق ولده إلى النار، وكم من أمّ ساقت ولدها إلى النار من خلال العاطفة البسيطة المجنونة، والرؤية القصيرة والقلب الخبيث. إذن لأخ في الله يكون في أحيان كثيرة لا أرحم من الأمهات والآباء.
صداقات وأُخوَّات تهدمها الأحداث
صداقات في الغالب لا تدوم، وأُخوَّات في الغالب تهدمها الأحداث “كل مودة عقدها الطمع حلّها اليأس”8 صادقته على انه غنيّ معطاء، فقلّ ما في يده إذن بدأ الهروب منه، صادقته على أنه قريب للسلطان يحميني فأبعده السلطان إذن بدأت الصداقة تنهدم.
“مودة أبناء الدنيا تزول لأدنى عارض”9 من مرض من فقر من تشريد الخ..
“من وادّك لأمر ولّى عند انقضائه”10 يريد أن يصل الى مأرب، فإما أن ييأس منه او ينقضي هذا المأرب، إذن ما قامت عليه الصداقة قد انتهى فلابدّ ان تنتهي هذه الصداقة.
“أسرع المودات انقطاعاً مودات الأشرار”11 زمرة من السراق، يتوادون ويتحابون، ثم يختلفون على شيء من السرقة فتشتغل السيوف بينهم.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى بن عبدالله وآله الطيبين الطاهرين واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم ألمم برحمتك شعثنا، وكثر قلتنا، وقوّ شوكتنا، وارحم ما بنا، واجعل نصرنا لدينك، وانتصر لنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3) }

الخطبة الثانية

الحمدلله ربّ العالمين، مالك يوم الين، الحيّ القيّوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، قائم على كل نفس، ومدبّر لكل موجود.
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله، وتذكّر اليوم الموعود، وذهاب الأيام والليالي، وتصرّم الاعمار، وموافاة الأجل، وعلينا بإعداد العدّة لرحلة الأبد، والاتعاظ بواعظ الموت الذي غيّب الأحبة ويغيّبنا، وهدم حياة البلايين، ويهدم حياتنا، ولا يستثني وضيعا ولا شريفا، ولا سوقة ولا ملكا، وفي كل آن له فواجع في الناس لا تردها قدرات الأرض، ولا قدرات السماء من دون الله.
اللهم اجعلنا وإخواننا من المؤمنين والمؤمنات أجمعين من الذاكرين لا الغافلين، ومن المعتبرين لا اللاهين، والمتعظين لا المهملين، ومن الساعين إليك، المجاهدين في سبيلك، الفائزين برضوانك.
اللهم اغفر لنا ولأحياء المؤمنين والمؤمنات وأمواتهم يا رحيم يا كريم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك.
تعزية بمناسبة استشهاد الامام الباقر(ص)
أمس كان يوم الذكرى الأليمة لوفاة الإمام الباقر عليه السلام، فعظم الله أجرنا وأجر المؤمنين والمؤمنات بمناسبة ذكرى الامام الخامس من أئمة اهل بيت النبوة والرسالة، الذي أحيا علوم الكتاب والسنة، وكان كآبائه عليه وعليهم السلام جميعاً مخططا عظيما وفاعلاً بقوة لحفظ الاسلام وابقائه نقيا وصادقا ومقاوما ضد كل التحديات، وهي جهود أوصلت الاسلام إلينا وما كان الاسلام لولا حراسة أهل البيت عليهم السلام وتخطيطهم الذكي وحرصهم الصادق وعصمتهم ليصل إلينا على ما هو الآن.
وإذا كان الأئمة كتابا وسنة فريقين، أئمة جنة وأئمة نار، أئمة هدى وأئمة ضلال، فأين يضع المسلم أئمة أهل البيت عليهم السلام؟ سؤال يطرح على كل مسلم وعليه ان يتأنى في إجابته إن كانت عنده ضبابية في هذا المورد، وغريب جدا أن تكون عند مسلم ضبابية في هذا المورد.
وإذا ألقي ما رواه الشيعة عن هؤلاء الأئمة عليهم السلام من عقيدة وفقه وعلوم ومواقف فأين يجد المسلم هؤلاء الهداة وفي أي تراث؟! أو أن الأئمة عليهم السلام لا شيء؟!
سيكون الأئمة عليهم السلام لا شيء في نظر الانسان المسلم لو طرحنا تراث الشيعة عن أئمتهم عليهم السلام جانباً، صحيح سيبقى هناك مديح وثناء لأهل البيت عليهم السلام نجده في تراث المسلمين جميعا، وسنجد نتفاً وآراء لأهل البيت عليهم السلام لكنّ ذلك لا يمكن أن يشكّل مدرسة بحجم مدرسة أهل البيت عليهم السلام وصفائها ونقائها وقدرتها على العطاء المستمر لحركة الحضارة والحياة.
ولا نعني بقولنا هذا أن نقبل بكل ما في بطون الكتب عنهم عليهم السلام وإن كان ما يجافي فكرهم بوضوح ولا يلتقي بكتاب الله الذي جعلوه ميزانا لصدق الحديث. نحن لا نقدس كل ما في كتب الشيعة عن أهل البيت عليهم السلام فبعضه قطعاً مطروح، وقد دلّ على طرحه أهل البيت عليهم السلام أنفسهم وبهذا يعمل كبار الشيعة وصغارهم.
المجلس النيابي
أما الآن فمع هذا الحديث عن المجلس النيابي:
لا قيمة للمجلس النيابي في نفسه كما يعرف الجميع، وإنما قيمته في نوعية انجازاته وكمها، وفي التخفيف من حالة الظلم والاحتقان الذي يسود حياة الناس، وفي التأسيس لعلاقات وطنية عادلة على المستوى السياسي وغيره، وذلك لا يتمّ إلا من خلال سنّ قوانين عادلة.
ولقد كانت الحكومة تدين المقاطعة للمجلس النيابي رغم انها كانت قد دفعت إليها دفعا من خلال تضييق الفرص الفاعلة فيه الى ما يقرب من حد التجفيف، وقد أرادته مؤسسة تبريرية لسياستها الخاطئة والظالمة. وها قد تحولت المقاطعة الى مشاركة لاتمام الحجة والتجربة من الداخل، وامتحان نية الحكومة من قرب، وبقصد الجدوى العملية للمشاركة بعد الموازنة والمقارنة.
الحكومة هي المسؤولة:-
وبعد ان وفرّت الدولة لنفسها أغلبية مريحة في المجلس القائم في كل الموارد التي لا تتطلب أغلبية الثلثين وذلك بفعل المقدمات غير الدستورية التي خططت بها للانتخابات، فهي تتحمل مسؤولية أي فشل في تجربة المجلس، والمجلس فاشل اذا تعاونت الموالاة مع الحكومة في اجهاض أي قانون وأي مشروع وأي استجواب وأي طرح ثقة او تعديل مما يخدم الوطن، ولا يرتاح له الطرف الحكومي.
والمجلس الفاشل يجب ان يكون مردودا على الحكومة. ما دخل الناس التجربة وما أتعبوا أنفسهم ليكونوا جزءا من مجلس فاشل. والمعارضة لم تدخل التجربة بهدف التلميع للوضع الحاكم، والمشاركة في عملية التبرير والتمويه على الشعب لصالح الوضع الحاكم، وإنما كان دخولها بقصد الانجازات النافعة للشعب والمثبّتة والمؤكدة لحقوقه واستحقاقاته. وهي تجد نفسها ويجدها الشعب مسؤولة عن بذل كلَّ جهد ممكن في هذا السبيل، ويدعمها كل الناخبين الذين وثقوا بها في مواقفها الايجابية، ولا يرضون لها الموقف الممالئ على حساب مصلحة الشعب أبداً وعلى الاطلاق.
الحضور الشعبي الواعي
وإذا أرادت الحكومة وبعض الكتل النيابية أن تتخذ المجلس لعبة للتخدير وتمرير الوقت مع التسلية ببعض التسهيلات المعاشية والتلهية بها عن حقوق أخرى من فئة الحقوق الأساس، وملفات أخرى مركزية، فالمعارضة بعيدٌ عليها أن تُستغفل، والشعب لن يكون مغيّب الصوت في هذه الحالة ولن يفقد حضوره في ما هو الأكثر أهمية من قضاياه.

إن الشعب قد وكّل نواباً يثق بهم لكنه هو الاصيل ولم يعزل نفسه، وتوكيله للنواب لا يعزله، ومصالحه الملحة، وحقوقه الثابتة لا تعفيه عن ممارسة واجباته التي يستكمل بها حقوقه، ويحافظ عليها.
النواب وكلاء للمطالبة بالحقوق، والوصول الى قوانين عادلة، ومواجهة الفساد عن طريق الحوار، وشرح وجهة النظر، وإقامة الدليل، بدلاً من حركة الشارع المطلبية رغبة في تجنب التوترات وما يجرّ الى ما لا يحمد من متاعب وخسائر أينما أصابت فهي خسارة عند من يعقل.
والحقوق منها معيشي، ومنها انساني، ويدخل في هذا الأخير حق الدين والسياسة والثقافة وغير ذلك مما صار يعترف به العالم، وتسعى من أجله الشعوب ويحتال لإبطاله العدد الكبير من الحكومات.
ومشاركة المعارضة واضح أنها ليست لمعارضة أصل النظام، ولكنها لمعارضة سياساته الخاطئة وغير المنصفة، وللمطالبة بالحقوق المضيّعة. وإذا اتجهت الحكومة لاستخدام التركبية غير العادلة لمجلسي النواب والشورى والتي انتجتها سياسة حكومية مجحفة وخروقات دستورية من قبل الحكومة، لتمرير مشاريع وقوانين ظالمة وتضييع الوقت والجهد فيما لا ينفع ولا يحلّ مشكلة للشعب متجاوزة بذلك صوت المعارضة النابع من ضمير الشعب وايمانه بحقوقه، فإن الشعب لن ينسى أن عليه واجب الدفاع عن هذه الحقوق والقضايا.
إن أي حالة احباط يصاب بها الشعب تجاه التجربة النيابية الماثلة بسبب التهميش والتقزيم والاستغفال، والتغافل لقضية الحقوق من أي نوع سيكون لها ردة فعل ينبغي للعقلاء من الحكومة والنواب العمل على تفاديها بتفادي سببها.
إن الشعب قد شارك بحسن نية برغم المظلوميات المتعددة التي ارتكبتها الحكومة في حقه، وشارك لتلطيف الأجواء والخروج من حالةالاحتقان، وقطعاً للطريق على أي فتنة، وهو يستهدف مع ذلك أن تسمع كلمته، وأن يستجاب لحاجاته، وأن يعترف بحقوقه، وعلى الحكومة ان تبادل الشعب حسن النية، وقصد الاصلاح، وتبرهن على جديّتها في احترام هذا الشعب الكريم، والاعتراف بحقوقه.
هذا وإن كانت الخطوة الأولى لتجربة المجلس في فصله الحالي وما رافقها من تشكيلة الشورى والحكومة ونوعية الوزراء قد سارت في الاتجاه الأخر المعاكس.
لكل فعل ردّ فعل
ولكل فعل ردّ فعل كما يقولون، وعليه قد أعطت المعارضة اشارة مخففة جدا بهذا الصدد محمّلة بالرفض لهذا السلوك السياسي الذي يكرّس الظلم ويصرّ عليه، ويتمادى في طريقة، وأنها غير مستعدة للتسليم به اليوم أو غدا.. أعطت اشارة تدين هذه الخطوات التأسيسة في التعامل مع الحقوق السياسية ولا تعطيها الاعتراف، وتبقيها على صورتها من الظلم الفاحش المنكر المردود.
نوعان من الأكثرية داخل المجلس
وفي لحاظ لتركيبة المجلس النيابي نجد أن فيه نوعين من الأكثرية:
1- أكثرية نواب بأقلية أصوات من أصوات الناخبين إذ النواب 22 من أربعين وهم بذلك أكثرية، أما نصيبهم من أصوات الناخبين فيساوي 38 في المائة أو أقل من ذلك.
2- أكثرية أصوات من أصوات الناخبين مع أقلية في عدد النواب فالنواب 18 نائبا، والأصوات 62 في المائة أو أكثر.
ومن ناحية قانونية قيمة الصوت النيابي واحدة بالنسبة الى كل النواب، وكل نائب يمثل الشعب بكامله، أما على مستوى الواقع فإن نواب المعارضة وهم 18 نائبا يمثلون قناعات الشعب بدرجة اكبر بكثير مما يمثله الاثنان والعشرون نائبا وهم بقية اعضاء المجلس من هذه القناعات. وهذه المفارقة عيب فاضح من عيوب السياسة الجائرة التي خططت للانتخابات رسميا، وتجاوز واضح لمؤدى الديموقراطية، وتقمّص مكشوف لروح الديكتاتورية.
المعارضة تشمل كل الشرائح المجتمعية
وسواء استعملنا مصطلح الموالاة والمعارضة أو لم نستعملهما، فإن المعارضة لا تتمحض في أهل مذهب واصل وكذلك الموالاة لا تتمحض في أهل مذهب ديني آخر وذلك لأمور نذكر منها ثلاثة يتحدث بها الواقع:
1- أن شيعة صوتوا لمرشحين سنة، وأن سنة كما يؤكد قد صوتوا لمرشحين شيعة.
2- أن مرشحين سنة معارضين كانوا مهيئين لأن يصلوا إلى المجلس النيابي بأصوات سنية وشيعية لولا تدابير وموانع أقامتها السياسية وهي معروفة.
3- كان يمكن العدد من المرشحين الشيعة الذين يرتقب لهم أن يكونوا من نواب الموالاة ان يصلوا المجلس لولا تدابير أخرى شعبية وقفت دون ذلك. ولا يذهب بك الوهم الى ان الاخوة الشرفاء المرشحين المستقلين كانوا كلهم كذلك أو أن بعضا منهم يقصد بخصوصه كان كذلك.
وبعد هذا كله لا يسع المجتمع البحريني الواحد لا دينيا ولا موضوعيا ان يكون مجتمعين على أساس مذهبي أو غيره وفي ذلك شقاؤه وتحطمه.
المطلوب وقفة وطنية من الجميع
من هنا فإن على جميع النواب أن يكونوا للوطن كله ولحقوق المواطنين جميعا، وان لا يتحولوا الى فريقين مذهبيين وظيفة كل منهما الهجوم على الآخر، والدفاع عن نفسه وهو الشي الذي يهدم الإسلام ، ويفرق صفوف المسلمين ويقبر الحقوق.وحيث يفعلون ذلك فانهم سيجرون البلد الى الخراب وأهله الى الهلاك.
وإذا اريد للمجلس أن يكون بديلا كافيا مستقرا عن احتجاجات الشارع فعلى الحكومة والنواب ان يتذكروا أي مجلس طالب به الشعب، وأي مجلس يمكن أن يقتنع به الشعب، وأي مجلس يحترمه شعب محترم متنبه حرّ فاعل في وسط عالمي تتمسك فيه الشعوب بقوة بالمطالبة بحقوقها، وفوق كل ذلك أنه شعب انفتح على روح العزة والكرامة، والوعي الديني الحق، ومكانة الانسان في الاسلام، وهو شعب لا يحب الفوضى، ويقدّر خطوات الاصلاح الحقيقي ويتفاعل معها.
نريد للنواب ان يكونوا كلهم كلمة واحدة مع الحق في كل مورد، وضد الباطل في كل موطن، ونتمنى تعاونا ايجابيا اصلاحيا بحق بين المجلس النيابي والحكومة.
بهذا سيستفني الشارع عن أي حركة احتجاجية وستتأسس حالة جديدة من الاستقرار والأمن والتلاحم.
والحمدلله رب العالمين.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واختم لنا ربنا بخير ختام.
اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وعملنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وسيرتنا من السوء، وحياتنا من الشّر، وأقبل بأفئدتنا عليك، واجعل أرواحنا مشتاقة دائمة اليك، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم من كل كريم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة جزء 1 صفحة46
2 – نفس المصدر
3 – نفس المصدر
4 – نفس المصدر السابق
5 – نفس المصدر
6 – نفس المصدر
7 – نفس المصدر السابق
8- ميزان الحكمة ج1 ص 48
9- نفس المصدر السابق
10- نفس المصدر السابق
11- نفس المصدر السابق

زر الذهاب إلى الأعلى