خطبة الجمعة (263) 23 ذي القعدة 1427هـ – 15 ديسمبر 2006م
مواضيع الخطبة:
تتمة موضوع الابتلاء + أولاً: جاهلية ما عرفها تاريخ الإسلام + ثانياً: صوت العدالة يتعالى + ثالثاً: كتلتان نيابيتان
بدأ صوت العدالة يتعالى في أوساط كل شعوب العالم، وفي أوساط الشعوب الإسلامية بكاملها. بدأ صوت العدالة يتعالى، ويهزّ جنبات المجتمعات، ظهرت الصحوة الإسلامية، وتفجّر الوعي الحقوقي والسياسي، وانتفضت روح الكرامة الإنسانية والإيمانية في هذا الإنسان. ولم يعد من الممكن أن يتراجع صوت العدالة في ظلّ هذه العناصر الكرمية.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً دائماً أبداً، لا يتوقّف على السّراء، ولا تنفيه الضّرّاء. الحمد لله مع كلِّ نعمة ومع كل بلاء، ومع الممات والمَحْيَا، وقبل الخلق وبعده، وعلى الإنشاء والإحياء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا خلق ولا رزق إلا من عنده، ولا حول ولا قوة إلا به، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بإذن ربه العظيم الكريم هدى العباد، وأحيا البلاد. صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله، وأن نخلع رداء الكِبْر الذي هو ليس رداءنا، فنحن عبيد الله عزّ وجل وهذه هي حقيقتنا، وهل للعبد من كبرياء إلا أن يكون واهماً كاذباً! الكبرياء الحق للقوة بلا ضعف، وللغنى بلا فقر، وللحياة بلا موت، وللعلم بلا جهل، وللجلال المطلق بلا عيب، وللجمال غير المحدود بلا قبح، وللكمال اللامتناهي بلا نقص، وذلك كلّه لله المتعال وحده، وليس لغيره منه شيء على الإطلاق.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. واجعلنا من أعرف العارفين بحقك، وأصدق الصادقين في طاعتك، وأخلص المخلصين في عبادتك، واكتب لنا توفيقاً نلازم به الطاعة، ولا نغادرها إلى معصية، وعزّاً في خلقك، وكرامة لديك، وذُلّاً في أنفسنا بين يديك يا رحمن يا رحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد يا معشر المؤمنين والمؤمنات الأكارم فهذه بعض موضوعات:
أولاً: جاهلية ما عرفها تاريخ الإسلام:
في تاريخ الإسلام كان هناك ظلمٌ من حاكمين لمحكومين، وكانت حروب بين دولة وأخرى من دول الإسلام بعد تفرُّقها، وكانت تُرتكب منكرات في هذه الحروب، لكن ما يجري في العراق من سفح دماء الأبرياء في صورة ظاهرة يومية في إطار المجتمع الواحد، وعلى مستويات مختلفة، ولمدّة طالت سنين جاهلية ما عرفها تاريخ الإسلام والمسلمين.
قتلٌ بلا استثناء لشيخ كبير، أو طفل صغير، أو امرأة عجوز. قتل بالجملة في الأسواق، في المدارس، في المستشفيات، في المساجد، في الحسينيات، في الكنائس ليلاً ونهاراً وفي كل مكان، قتلٌ لمن لا ذنب له من ساعٍ للقمة العيش، ومسكين مضطر يستجدي في الطريق، وعابر سبيل، وغريب مسافر، وعابد متوجّه إلى الله أو خارج من مسجد العبادة.
قتلٌ بالمئات في الأماكن العامة، وبركٌ من دم الآباء في البيوت أمام أبنائهم الصبية والزوجات النادبات، ومن دم الأبناء الشباب والأطفال على منظر من الآباء المفجوعين والأمهات الثواكل.
مناظر متكررة ومتنوّعة يشهدها العالم عبر شاشات التلفاز، وتُطالعه بأنهار من الدم والصيحات والصراخ والعويل والاستغاثات والموت والجراح والنزيف والآلام، وأصبح المنظر بتكرّره اليومي ولأكثر من مرّة في اليوم الواحد معتاداً مستساغاً للعالم الجاهلي، ومادة للاستثمار الكاذب عند المستكبرين وذيول المستكبرين. وسفّاحو الدم المسلم البريء الحرام المظلوم مقاتلون ومجاهدون في الإعلام العربي اليوم، وحيث يقومون بالدور المرغوب لهذا الإعلام والسياسة العادلة التي تقوم وراءه، وإرهابيون غداً ويجب قتلهم ومطاردتهم واستئصالهم حينما يُشكّلون خطراً على تلك السياسة، بل هم كذلك اليوم إذا أصابت عدوانيتهم وشراستهم شرطيّاً واحداً لأحد الأنظمة العربية في غير العراق بسوء ولو يسير.
اليوم هم أبطال ومجاهدون وأحرار ومحرّرون ما داموا يؤدّون الدور الذي تشتهيه الأنظمة وذلك في أرض الرافدين، وغداً ستلاحقهم نار الأنظمة الرسمية النصيرة في كل شبر من الأرض، وفي أي ملجأ صاروا إليه، اليوم هم إسلاميون شرفاء، وغداً تكفيريون مرتدّون أشرار سفهاء، وهم اليوم كذلك تكفيريون ومرتدّون إذا استهدفوا مكاناً غير مكان، ودماً غير دم؛ دماً يخدم السياسة الظالمة، ولا يهم من بعد ذلك أن يكون الدم الذي يُكفُّرون به مادام يخدم السياسة الظالمة سنّيّاً أو شيعيّاً، مسلماً أو كان دم غيره.
تكفي لقدسية الدم، وللغيرة على الدم أن يكون ذلك الدم من الدم الذي يخدم، من الدم الذيل للأنظمة السياسية أو كان من الدم الذي يعني سفحه تهديداً لمصالح الساسة الكبار التي لاتمسّ.
أيتها الأنظمة حاربوا بالمجاهدين حسب تسمية الإعلام العربي، حاربوا شعب العراق ووحدته ومقدراته ومقدّراته، حاربوا شعب العراق اليوم بهؤلاء المجاهدين ليحاربوكم غداً… ومدّوهم بالمال والسلاح للفتك بأبرياء العراق رجاله ونسائه، شيوخه ونسائه وأطفاله في معركتهم القائمة هناك ليوجّهوه إلى صدوركم في معركتهم الثانية والثالثة والرابعة في هذا القطر أو ذلك القطر، وفي كل الأقطار الإسلامية لأنهم أصحاب معارك لا تنتهي مع كل الآخرين ما دام إنسانٌ آخر على وجه الأرض.
ثانياً: صوت العدالة يتعالى:
بدأ صوت العدالة يتعالى في أوساط كل شعوب العالم، وفي أوساط الشعوب الإسلامية بكاملها. بدأ صوت العدالة يتعالى، ويهزّ جنبات المجتمعات، وظهرت الصحوة الإسلامية، وتفجّر الوعي الحقوقي والسياسي، وانتفضت روح الكرامة الإنسانية والإيمانية في هذا الإنسان. ولم يعد من الممكن أن يتراجع صوت العدالة في ظلّ هذه العناصر الكريمة.
وبدأ صوتٌ آخر وهو من ذلك الصوت يعمُّ المعمورة وهو صوت التحرّر من الهيمنة الأجنبية. بدأ هذا الصوت يتعالى كذلك.
والأنظمة تخوِّف فئة بأخرى، وتستميل فئة لضرب أخرى، على أن الفئتين لو وعتا لاكتشفتا أنهما مظلومتان معاً. يسرقون الجميع، ينهبون الجميع، يخيفون الجميع، يقزّمون الجميع، يستعبدون الجميع، لكن يثقّلون على طرف أكثر من طرف، ليحسب الطرف الثاني المسكين أنه يتمتّع بالنعم الكثار وأنه في جنة الفردوس.
ولبنان تردّ على هذا الدجل الأمريكي والإسرائيلي مثلاً بتوحّد الشيعي والسني والمسيحي، أما الفلسطينيون ومجتمعات أخرى إسلامية فهي تقع في الفتنة الداخلية التي تخدم الأغراض الأجنبية والداخلية الخبيثة.
من جهة أخرى: إن عقلية الشعوب قد بدأت تتصحّح، وهي آخذة في النمو على هذا الطريق، ولكن عقلية الحكومات بعدُ لم تعرف التغيُّر التصحيحي. عقلية الحكومات كانت ولا زالت ترى أن البلاد والعباد ملك السلطان، وأنه لا اعتراض على مالك يتصرف في ملكه وعبيده، وكانت هذه العقلية محلّ اقتناع الشعوب، لكن بدأت صحوة في الشعوب تسحق هذه العقلية وتستبدل عنها عقلية جديدة، عقلية الحرية والتحرّر.
من المنتصر؟ المنتصر الواهم؟ أو المنتصر الواعي؟ المنتصر الواعي، المنتصر المتمشّي مع خطّ الله، مع مفاهيم الشرائع العادلة، وأن الإنسان حرٌّ لا يستعبده إنسان، فيملك عليه فكره وشعوره وإرادته وحياته.
ثالثاً: كتلتان نيابيتان:
كتلة مقرّبة عملت الحكومة طويلا وكثيرا على إنجاحها في الانتخابات النيابية، وكتلة مبعّدة عملت الحكومة كذلك على إفشالها. وجاءت نتيجة التخطيط كما اشتهت الحكومة من ناحية المعادلة العدديَّة.
التبعيد للكتلة المبعّدة، والتقريب للكتلة المقرّبة مستمران بعد الانتخابات والتقريب له ضريبته وله ثمنه. وقد تكثّرت التصريحات من المقرّبين باستبعاد مناقشة الملفات الساخنة، بعضهم يقيّد ذلك بزمن وبعضهم لا يقيّده. ولأن المقرّبين هم الأغلبية يضطر المبعّدون إلى أن يصبروا على هذا إلى وقت.
المشاركة لم تكن لإفشال التجربة النيابية، وكيف يكون كذلك والحياة النيابية مطلوبة للمعارضة، وإنما كانت لإنجاحها الذي لا يكون إلا بإصلاحها. المشاركة تطلب إنجاح التجربة النيابية، لكن إنجاح التجربة النيابية يحتاج إلى إصلاح كبير في تلك التجربة.
وقد صبر المبعّدون على عيوب كثيرة في العملية الانتخابية وما يتّصل بها من مقدمات مخلّة بالعدالة فيها، وتلك المقدمات باعدت بين العملية الانتخابية وبين النتائج الطبيعية المترقّبة لها.
والكتلة النيابية المعارضة لجمود خط الإصلاح وتحريفاته تُحرم أول استحقاقاتها وهو منصب رئاسة النيابي الذي يُرشّحها له عدّة أمور:
1. كونها أكبر كتلة نيابية بوضوح.
2. كون الكتلة الانتخابية التي وراءها أكبر كتلة بجلاء وبفارق كبير بينها وبين الكتلة الانتخابية لكل النواب الآخرين برغم أن هؤلاء النوّاب يفوقون عدداً أعضاء الكتلة المعارضة.
3. كون مرشّح الرئاسة في الكتلة المعارضة أصواته الانتخابية أكثر الأصوات لكل واحد من النواب الآخرين.
4. يدعم حق الرئاسة لهذه الكتلة ما أُسِّس في قضية الرئاسة للمجلس الوطني في السبعينات والتي كانت من نصيب المعارضة، أما مجلس الشورى اللاحق وكذلك المجلس النيابي المقاطَع فلا عبرة بما أراد أن يؤسِّسا له من كون الرئاسة للموالاة.
فيما عُلم قرّرت الكتلة النيابية الأكبر مقاطعة الجلسة الافتتاحية التي تجري اليوم وعدم المشاركة في هيئة الرئاسة على الإطلاق، وذلك لتسجيل احتجاجها على سلب حقّها في موقع الرئاسة الأول بالإضافة إلى جملة من عمليات التهميش التي تمارسها الحكومة وأنتم كلّكم تعرفونها(1).
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين. اللهم أصلح شأننا كلّه للدنيا والآخرة، وباعد بيننا وبين كل سوء، واجعل نصرنا للدين، وحربنا على الشيطان الرجيم، وجنده الغاوين، يا أقوى من كل قوي، ويا أرحم من كل رحيم، ويا أكرم من كل كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــ
1 – هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء).