خطبة الجمعة (262) 16 ذي القعدة 1427هـ – 8 ديسمبر 2006م

مواضيع الخطبة:

تتمة موضوع الابتلاء + ماذا تقول هذه الأرقام وبما تنطق؟ + أين مال الجوعى؟ + لك الله يا عراق

لك الله أيها العراق النازف، لك الله يا لبنان المهدّد، لكِ الله يا شعوب الأمة المستغفلة، وقى الله الأمة من أن تكون وقود نار تشعلها المطامع الأمريكية، وتدخل في لعبتها الأنظمة الحاكمة الرسمية.

الخطبة الأولى

الحمد لله من أول الدّنيا إلى فنائها، ومن أول الآخرة إلى بقائها حمداً لا يبلغه حمد الحامدين، فوق كل حمد، لا مبدأ له ولا منتهى.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصِّرة بتقوى الله، والإعداد ليوم الفراق، ويوم التلاق، ويوم التّناد، ويوم يقوم الحساب، ويوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ألا من تجنّب الخوض في أعراض الناس ولم يمسسها بسوء، وانصرف عما لا ينفع فضلاً عما يضر إلى ما ينفع عند الله فقد ربح الحياة والعاقبة، ومن كان غير ذلك فقد عرّض نفسه لسخط الله الذي لا تُطيق السبع الشداد ولا الرواسي الصُّلاب سخطه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اصرفنا جميعاً عما يضر أو لا ينفع إلى ما ينفع، وعما لا تحب وترضى إلى ما تحب وترضى، واجعل رضانا من رضاك، وغضبنا من غضبك يا مالك الأمر كلّه ولا مالك معه يا رحمن يا رحيم.
أما بعد أيها الملأ المؤمن المبارك رجالاً ونساءً فهذه متابعة للحديث في موضوع البلاء:
في البلاء تخليص من الذنوب:
العبد يُذنب فلا يتوب، فيكون بذلك مستحقّاً لعقوبة الآخرة، وعقوبة الآخرة فوق كل عقوبة، ومن رحمة الله عزّ وجلّ أن يُمحِّص ذنب هذا العبد في الأرض، في الدنيا، ويخلّصه منه عن طريق البلاء.
تقول الكلمة عن علي عليه السلام:”الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم لتسلم بها طاعاتهم ويستحقّوا عليها ثوابها”(1).
فلو بقي الذنبُ لمُحقت الطاعة، وحبط العمل، ومكان ذلك يبتلي الرب عبده حتى تسلم الطاعة، ويثبت الثواب.
إنه لمن أكبر المحن محنة الثبات على الطريق، والثبات على الطريق ضريبته كبرى خاصة مع تدهور أوضاع الحياة، والانحدارة السحيقة في القيم، والبُعد عن الله عزّ وجل.
تكبر المحنة على المؤمن أي مؤمن، على المسلم أي مسلم كلّما شذّت الأوضاع، وكلّما ضلّت السفينة عن الطريق؛ سفينة الأمة، سفينة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
عن علي عليه السلام:”ألا أُخبركم بأفضل آية في كتاب الله عزّ وجل(2)، حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وآله “وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم” والله عزّ وجلّ أكرم من أن يُثنّي عليه العقوبة في الآخرة، ومن عفا عنه في الدنيا فالله تبارك وتعالى أحلم من أن يعود في عفوه”(3).
المؤمن الحقّ إذا زلّت به قدم، وحدثت منه الخطيئة وليس الاستقامة على الذنب وليس المعاندة والمكابرة حتى آخر العمر فإما أن يلقى جزاءه في الدنيا ليُعافى في الآخرة، فيُصاب بما كسبت يداه في هذه الحياة في مالٍ أو نفسٍ أو غير ذلك، وإما أن يعفو الله تبارك وتعالى، وعلى التقديرين معاً فلا عقوبة في الآخرة كما هو الحديث على مثل هذه الهفوات.
فإن كانت الصورة هي الأولى وهي أن عُوقب العبد في الحياة الدنيا فإن الله – كما في هذا الحديث – أكرم من أن يُثنّي عقوبته، وإن تكن الصورة الثانية وهي العفو في الدنيا فإن الله عزّ وجل أكبر وأحلم من أن يعود في عفوه فيعاقب بعد أن عفا.
“عن يونس بن يعقوب قال سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول: ملعون ملعون كل بدن لا يُصاب في كل أربعين يوماً(4)”
قلت ملعون؟ – بتعجّب – قال: ملعون(5)، فلما رأى عظم ذلك عليَّ قال لي يا يونس: إن من البلية الخدشة(6) واللطمة والعثرة والنكبة والقفزة وانقطاع الشسع وأشباه ذلك”(7).
هذه العوارض غير المنظورة للعبد والتي يتجاوزها بسهولة فيها حطّ ذنب، وفيها رفع درجة، وفيها تذكير وتنبيه، والمرحوم من التفت إليها. تُلفته بأنه لا يملك من أمره شيئاً، وأن التقدير بيد ربّه، وأن لو أراد الله عزّ وجل به الكثير لفعل.
هناك ربط في عدد من الأحاديث – وكما تعرفون – بين حب الله للعبد وبين ابتلائه.
أقرأ من هذه الأحاديث هاتين الروايتين:
“عن الحسين بن علوان، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال وعنده سدير: إن الله إذا أحبّ عبداً غتّه بالبلاء غتّا، وإنا وإياكم يا سدير لنصبح به ونمسي”.
يتوالى البلاء ويتدفق على العبد رحمة به من الله سبحانه وتعالى، وهو جائزة نستصعبها بلا أدنى شك من قبل الرحمةالإلهية.
“وإنا وإياكم يا سدير لنصبح به ونمسي” هذا الذيل من الرواية يُشعر بأن البلاء الذي تلتفت إليه الرواية في الأكثر هو بلاء الثبات على الطريق وهو حرمان فرص من فرص الدنيا سياسية واقتصادية ومما يتصل بالجاه والرفاه لمن أصرّ أن يبقى على طريق الحق، وهو مضايقات وإيذاء شديد من أهل الدنيا إذا مسَّت كلمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطمعاً من مطامعهم الظالمة في الدنيا.
ولقد كان الثبات على طريق الإسلام، والولاء لأهل البيت عليهم بالخصوص يتطلّب من النفر الذين وُفّقوا لهذا الأمر ضريبة عليا تصل أحياناً إلى حد الحرج الشديد.
للبلاء كما تقدمت بعض الإشارة إليه أكثر من وجه وأكثر من حكمة، نقرأ في هذا المورد بعض حديث.
تقول الكلمة عن علي عليه السلام:”إن البلاء للظلم(8) أدب(9)، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة”.
بلاء المؤمن امتحان وتجربة حتى لا تبقى كلُّ دعاواه بالطاعة حقائق في نظره الواهم، وحتى يتجلّى له ما هو الصادق من دعاواه بالالتزام وما هو الكاذب، وحتى يتجلّى يوم المحشر وزنه للناس كل الناس، لكل شيء. وهو – أي البلاء – للأنبياء درجة، الأنبياء قد تجاوزوا الامتحان من المستويات التي تجري لسائر المؤمنين، والنبي الذي لا يحتاج إلى تأديب بعد أن أدّبه الله، وعلم الله عز وجل منه أنه عبد مطيع بمعنى أنه صار عبداً مطيعاً بالفعل لله عزّ وجل كل الطاعة فحصل المعلوم فعلاً ويُعبّر بحصول العلم في مثل هذه الموارد عن حصول المعلوم.
النبي الذي هو ليس محلاً للتأديب الغضبي ولا الامتحان، وفي كثير من الأحيان يُبتلى لرفع الدرجات، ويأتي هذا أحياناً حتى في حق مؤمن يكون محلاً للتأديب أحياناً أخرى ويكون محلاً للامتحان، إلا أنه في موارد يُبتلى لرفع درجته عند الله سبحانه وتعالى.
مرض معيّن يُعطى أجراً لأعمال عشرين سنة من أعمال الطاعة، فترتفع بذلك درجته في القيامة.
“عن علي بن رئاب قال سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ربنا {وما أصابكم من مصيبة..}(10) يعني سأله: ماأصاب علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين إلخ أترى ذلك بما كسبت أيديهم؟! أتراه من إثم؟! أتراه من معصية لله؟! أتراه عقوبة من الله لهؤلاء العباد الكُمّل؟!
هناك وجوه أخرى للبلاء، ولا ينحصر وجه البلاء في أنه عقوبة وأدب.
قال:”أرأيت ما أصاب عليّاً وأهل بيته هو بما كسبت أيديهم وهم أهل طهارة معصومين” راجع البحار ج81 ص 79 أو 80 أو 78 فلعلّ الكلمة في الرواية ضبطها معصومون فتستغن عند ذلك عن هذا الكلام وهو “وللنصيب وجه..”.
قال:” إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوب إلى الله ويستغفره في كل يوم مائة مرة من غير ذنب، إن الله يخص أولياؤه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب”(11).
في هذا السياق نقرأ ما عن الصادق عليه السلام:”إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده”.
كل أعماله ترفعه درجات لكن يبقى للبلاء فاعليته الخاصة في رفع درجته. إذا ما ابتلى بأي وجه من البلاء على أنه يأتي في الحديث أن الله عز وجل إنما يبتلي عبده المؤمن بما فيه مصلحته، بمعنى أن الله عز وجل لو علم من هذا العبد المؤمن حقاً الصادق مع ربّه أنه لا يقوى على هذا البلاء وأن هذا البلاء سينقله من الطاعة إلى المعصية لا يبتليه به، وإنما يبتليه حيث يكون البلاء سبب نجاح أكبر، سبب تصحيح أكثر.
“إن الرجل ليكون له الدرجة عند الله لا يبلغها بعمله يُبتلى ببلاء في جسمه فيبلغ بذلك” أمامه مساحة للعمل الصالح ترتفع به درجته، إلا أنه لا يعمل يقصّر في العمل، فيُعوِّضه الله عزّ وجل عن ذلك العمل الصالح ببلاء يوصله إلى الدرجة التي يُرشّحه العمل الصالح لوصولها.
“إن العبد لتكون له المنزلة من الجنّة فلا يبلغها بشيء من البلاء حتى يدركه الموت”.
هناك منزلة للعبد المؤمن إلا أن كل بلاءات الحياة الدنيا عنده وكل عمله الصالح لم يحقّق له أهلية تلك الدرجة، فماذا يبقى؟
“ولم يبلغ تلك الدرجة فيشدد عليه عند الموت فيبلغها”.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين، اللهم أول ما نسألك من العافية عافية الدين، وأول ما نحذر منه أن تسلبنا نعمة الإيمان، وحاشاك أن تسلب الإيمان إلا من ظلم نفسه، وأول ما نرغب إليك فيه السلامة من الكفر والشرك وسوء الظن بك فأنت أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، اللهم وإنا نسألك تمام العافية ودوام العافية وشمول العافية؛ عافية الدين والدنيا يارؤوف يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أنشأ وأحيا، وبيده فناء الأشياء، وهو المعيد بعد الفوت، والباعث بعد الموت. جاعلٌ لكلِّ شيء قدراً، ولكلِّ خلق أجلاً، ومقدِّر لكل حيّ رزقاً، ولكل محسن أجراً، وهو الحيّ الذي لا يموت، والدائم الذي لا يفنى.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا بتقوى الله، وأن نعرف حقّ طاعته، ونخلص في عبادته، وأن لا يشغلنا شاغلٌ عن ذكره وشكره، ولا نخشى شيئاً كما نخشاه، ولا نرجو أحداً كما نرجوه. وقد كتب لعباده حقوقاً على بعضهم البعض علينا أن نرعاها ونراقبه فيها فإن ذلك من حقِّه، وما من أمر إلا وقد جعل له حدّاً، ومن يتعدَّ حدود الله فقد ظلم نفسه بأن أسقط قيمتها بمعصية ربّه، وعرّضها لشديد سخطه، وأليم عقابه، فلا نجهلنَّ على الله وعلى النفس بتعدِّي حدود الله، وتجاوز شريعته. ألا من كان له إشفاق على نفسه فليشفق عليها أول ما يشفق وأكثر ما يشفق من غضب الله، وشديد نقمته.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغرس في قلوبنا حبّ طاعتك، وبغض معصيتك، واجعل خشيتها من عدلك، وفَرَقَها من عذابك، وطمعها في رضوانك، وثقتها بك، وأملها في غفرانك، ورجاءها فيك، ولجأها إليك يا رحمن يا رحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الهداة الأبرار المعصومين الأئمة الأخيار: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذا عدد من النقاط والحديث عنها:
1. ماذا تقول هذه الأرقام وبما تنطق؟
(68405) ثمانية وستون ألف صوت وأربعمائة وخمسة أصوات من مجموع الأصوات التي حصل عليها الفائزون في الانتخابات هي للمعارضة، والمعارضة 18 نائباً. بينما يأتي عدد أقل بكثير وهو 53479 صوتاً إلى المحسوبين على الحكومة حسب تعبير الوسط. وهذا العدد من النواب هو 22 نائباً.
فالعدد الكبير من النواب وهم المحسوبون على الحكومة لهم عدد أقل بكثير من الأصوات التي للمعارضة، وهي الأقل بالقياس إلى نواب الحكومة (18/22).
2. الناخبون في الدائرة الأولى في المحافظة الشمالية هم 15449 ناخباً، ومجموع الناخبين للمحافظة الجنوبية بكل دوائرها هم 16571 ناخباً.
3. مرشّح الدائرة الأولى للمحافظة الشمالية نصيبه من الأصوات 9157 صوتاً، بينما كل النوّاب لدوائر المحافظة الجنوبية بكاملها نصيبهم 6278 صوتاً. وكل واحد من الآتين وحده يفوق في أصواته كل الأصوات التي مُنحت لنوّاب المحافظة الجنوبية:
– عبدالحسين المتغوي: 6507، بينما أولئك الإخوة 66278، فعبدالحسين وحده يفوق في أصواته أصوات كل أولئك الإخوة من النواب.
– الشيخ حسن سلطان: 8278 صوتاً.
– جلال فيروز: 7203 صوتاً.
أليس هذا الواقع فضيحة بندرية كبرى؟! أولسنا أمام تجسيد واضح للفضيحة البندرية وهي تتحدث بلغة الواقع الصارم والأرقام الصارخة؟!
علينا أن نُغطّي عيوننا، وأن نطرح عقولنا جانبا لنقول أن هناك إصلاحاً صادقاً، لنؤمن بالنزاهة التي يتحدث عنها الإعلام، بالشفافية والموضوعية والحياد. علينا أن نكون قطعاناً من الغنم لننساق بتصديق وراء الإعلام.
هذا هو العدل في الشعب؟! هذه هي المساواة؟! هكذا تُطلب التهدئة والاستقرار؟! والمعترض على هذا العدل الذي لا تعرفه سماء ولا أرض نصيبه أن يُلعن ويُخوّن ويُحرم اللقمة إن لم يُستأصل لسانه، ويُجذع أنفه.
وضدّ من هذا التخطيط؟ ولماذا يستهدف هذا المستهدف كل هذا الاستهداف؟ ولماذا السخرية بهذا المستهدَف من خلال الكلمات معسولة والإعلام المضلّل؟
الحق أن هذا فعل استفزازي صارخ تُمارسه الحكومة ضدّ فئة من أبناء هذا الوطن في وضح النهار، وهو تمييز تمارسه ضد مواطنين تحت الشمس بلا حياء.
ويأتي مجلس الشورى في تركيبته الجديدة والذي لا نُعوِّل عليه في شيء، ولا نرضاه أساساً ليمعن في قضية التمييز، والإهانة لفئة من الشعب تُمثّل الأكثر من حيث عددها.
ونواب هذه الفئة يُكمّلون حتى يُصبحوا عشرين بنائبٍ من اليهود، وبنائب من النصارى مع احترامنا لكل الأقليات ولكل الأديان. ألا تجدون في هذا دلالة خاصة؟! بل أكثر من دلالة؟!
ولك أن تُطالع التركيبة الحكومية لتجد فئة هي الأكثرية بعيدة هناك على الهامش.
أين مال الجوعى؟
الدراسة جارية لشراء نادٍ رياضي انجليزي من أمير خليجي بـ 900 مليون دولار على الظاهر، شراء النادي والفريق، ولو سمع الرجل استغرابي واستهوالي لضحك مني وأنا أستكثر هذا الثمن، فماذا يساوي هذا الثمن عند ذلك الرجل؟!
وقد تسمع أن مركباً بحريّاً للنزهة ربما فاق هذا المبلغ بمرّات، وحفلة زواج استهلكت مثله وأكثر، وتسمع عن قصر يُبنى بأضعاف هذا المبلغ بكثير، ولِمَ لا والرصيد الشخصي المسروق من ميزانيات الدول، مليارات هنا ومليارات هناك، وقد يصل أمره إلى حد النسيان؟!
وتقف بنا هذه الحقائق أمام كلمة أمير المؤمنين عليه السلام بمضمونها الكبير الذي يقول: ما حُرم فقير إلا بما استأثر به غني.
وله الويل كل الويل من وضع إصبعه على الجرح وبيّن مكمن الداء بصورة التشخيص، والكلام على مستوى المصداق. ومن نادى بالعدل فقد خان وظلم، واستحق أن يقيم عليه العدل الحد، وهو العدل في لغة السياسة والإعلام غير القويم.
أين مال الجوعى؟ مالهم عزيزي في جيوب المترفين. إنَّ أموال الشعوب في مصارف الغرب. وتسمع عن السيولة المالية في المنطقة وأنها تبلغ حوالي 77 بليون دولار. هذا والبطالة متفشية، والمساجد تجمع لحاجات المحرومين، والشوارع أنت ترى حالها، وقرى مهملة حتى بلا شوارع ولو في بعض مساحاتها. تعجّ حياة مجتمعاتنا بظواهر من الفقر والمرض، والسيولة المالية في المنطقة هذا رقمها.
لك الله يا عراق:
العراقيون يُقتلون كما يُقتل البعوض، ويُبادون كما يُباد الجراد.
والمواقف والتصريحات للأنظمة الشقيقة تزيد في أنهار الدم، وتفاقم من حالة الغليان، وتُصاعد من محنة العراق. وتوقد نار الأحقاد كلما كادت أن تنطفئ.
والصحيح أن لا تتحدث الأنظمة باسم تمثيل المذاهب، ودعوى الغيرة على الدين، وعلى المذهب، فالدين كلّه أصلاً يُداس في أقطارنا العربية والإسلامية على مختلف المستويات، ويتصرّف فيه الأجنبي كما يشتهي، وتُشاركه الأنظمة المحلية في تنفيذ خططه المضادة للدين.
لماذا لا تظهر الغيرة على المذاهب إلا عندما ينسجم الموقف مع الموقف الأمريكي في ضرباته القاتلة للمسلمين؟!
لماذا تشترك الأنظمة مع أمريكا في الحرب على المسلمين وهي تمتلك كل هذه الغيرة على هذا المذهب أو ذاك المذهب؟!
لماذا يقسو النظام على أهل مذهبه حينما لا يكون هناك مذهب آخر حتى تضطر الشعوب إلى التظاهر والثورة ضد أنظمتها؟!
أصدقونا القول: قولوا بأن كل المسألة هي مسألة مصالح سياسية ترتبط بحاضر الكرسي ومستقبله.
أي غيرة على المذهب؟! ونحن نرى مواقف الأنظمة الرسمية دائما في خندق واحد مع أمريكا، حارب صدام إيران بإيعاز ومساندة من أمريكا فكان الموقف الرسمي العربي مع صدام، ودخلت أمريكا في حرب مع العراق فكان الموقف الرسمي العربي مع أمريكا، كما وقفت أمريكا مع صدام فوقف العرب مع صدام، وقفت أمريكا مع الكويت فوقف العرب مع الكويت، وما أظنهم يقفون مع الكويت لو لا أن وقفت معها أمريكا.
حاربت أمريكا أفغانستان فحاربوا أفغانستان، اليوم حاربت إسرائيل وأمريكا لبنان فكان موقفهم أميل إلى إسرائيل.
أين الغيرة المذهبية مع كل هذا؟!
أيتها الأنظمة إن كنتِ مخلصة فنار العراق أطفئيها، ونار لبنان لا تُشعليها، لن نُصدّق بأي إخلاص إذا كان الدور العربي الرسمي أن يزيد في محنة العراق ويؤجج نار الفتنة في لبنان.
نعم، لك الله أيها العراق النازف، لك الله يا لبنان المهدّد، لكِ الله يا شعوب الأمة المستغفلة، وقى الله الأمة من أن تكون وقود نار تشعلها المطامع الأمريكية، وتدخل في لعبتها الأنظمة الحاكمة الرسمية.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحدٍ من خلقك طرفة عين، اللهم اكفنا وانصرنا وكن لنا على من أراد للإسلام سوءا، وبالمسلمين كل المسلمين أذى، وللمؤمنين إضرارا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج1 ص490.
2 – وإذانطق الإمام بقضية فإنه لا تنظَّر فيها، لأنه المعصوم.
3 – ميزان الحكمة ج1 ص490.
4 – يستهول السامع كلام الإمام عليه السلام. نعمة الصحة من أكبر النعم، وهي مركب الطاعة إلى الله تبارك وتعالى، وهي خير في الدنيا وخير في الآخرة ما وُضعت في موضعها، فكيف يأتي من الإمام عليه السلام مثل هذا الطرح؟!
5 – أي قال الإمام عليه السلام ملعون مؤكّداً كلامه الأول.
6 – هذه البليات المؤدبة المذكرة للعبد العائدة به إلى طريق الآخرة كراراً يدخل فيها الخدشة وأشباهها من الأمور البسيطة.
7 – ميزان الحكمة ج1 ص490.
8 – للظلم أي بسبب الظلم، بمناسبة الظلم.
9 – فيه تأديب للظالم. عقوبة للظالم، استفاد من درسها أو لم يستفد. يؤدّب الظالم في الأرض بعض أدب لا كلّه حتى لا تعظم الفتنة على الناس، وحتى لا يكون كل ظالم فرعونا يتعملق في نفوس الناس ومشاعرهم ذلك أنه لا يمسّه في هذه الحياة سوء.
10 – يعني يسأل أن المصائب في الناس منطلقها دائماً كسب الأيدي وإتيان الإثم؟ فيأتي الجواب من الإمام عليه السلام قال أرأيت ما أصاب عليّاً وأهل بيته هو ما كسبت أيديهم؟!
11 – ميزان الحكمة ج1 ص494.

زر الذهاب إلى الأعلى