خطبة الجمعة (261) 9 ذي القعدة 1427هـ – 1 ديسمبر 2006م
مواضيع الخطبة:
موضوع الابتلاء + كلمات تعقيبية على الانتخابات ونتائجها
لقد وقفتم أيها الإخوة والأخوات والأبناء والبنات الموقف المخلص لدينكم بحيث تحطّمت أمامه كل الروابط الأرضية وعلائقها وتفوّقت رابطة الإيمان المقدّسة، وقد قدمّتموها على كل شيء، ومن حقِّها دائماً أن تُقدَّم.
الخطبة الأولى
الحمد لله كما ينبغي له حمداً لا يعلمه إلا هو، لا يحدُّه مكان ولا زمان، ولا يحيط به جَنان، ولا يفي به حمد الإنس والملائكة والجان والخلائق أجمعين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطّاءة بتقوى الله، وأن تكون أنفاس حياتنا ثمناً للجنّة، ودرجاتها العليا، ومقاماتها الكريمة، لا مادة للتسافل في دركات النّار، فإنه لا فرصة أخرى غير هذه الحياة تُطلب فيها الجنة، ويُفرُّ من عذاب الحريق، ولا رصيد آخر غير هذه الأنفاس يُسلك بها إلى نعيم الخلد، وتكون بها النجاة من لهب النيران.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعل لنا حبّاً بالغاً لطاعتك، ويسِّر لنا سبل الوصول إليك، واغرس في قلوبنا كرهاً شديداً لمعصيتك، ونجِّنا من كيد الشيطان الرجيم، ووسوسة النفس الأمّارة بالسوء، وخذ بنا بعيداً عما يُبعِّد عنك يا كريم يا رحيم.
أما بعد أيها الكرام من المؤمنين والمؤمنات فالحديث موصول بما سبق في موضوع الابتلاء:
يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه العزيز:{وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}(1). في تفاوت الناس صحة ورزقاً ومن حيثيات أخرى فتنة وبلاء، والآية الكريمة تقول أن هذه التفاوتات جاءت بمقدار موزون من قبل الحكمة الإلهية المتعالية، فهي مع ضغطها على بعض النفوس إلا أنها في هذا الضغط ليست فوق ما يُطاق، ومن جهة أخرى فإن هذه الحياة الدنيا بما فيها من خير أو شرّ إنما هي صورة مصغّرةٌ عن الآخرة في البُعدين معاً، فما نجده من ثراء ومن صحّة وتمتّع باللذات، وجاهٍ عريض، وكلّ خير في هذه الحياة إنما هو شيء زهيد، وشيء محدود لا تُقاس به قدرة الله سبحانه وتعالى، فإن عطاء الله لا ينفد وليس له حد.
تلك فتنة وهي التي تتحدث عنها الآية الكريمة لا تتحملها الأنفس فلم يأتِ في قدر الله سبحانه وتعالى أن يكون لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون، وأن يأتوا أجساماً لا تمرض، وأعماراً معمّرة، وأحوالاً مستقيمة لا تُصيبها عوائق، وأن يكون المؤمنون دائما دون ذلك. فتنةٌ من ذلك القدر لم تأتِ في تقدير الحكيم سبحانه وتعالى حفاظاً على إيمان المؤمن، وأن لا يقع الناس كلّ الناس تحت ضغط الفتنة.
{وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أمة كفر، أمة انسلاخ عن طريق الله سبحانه وتعالى {لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}.
عن الصادق عليه السلام:”قال الله عز وجل: لولا أن يجد عبدي المؤمن(2) في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد(3) لا يصدع رأسه أبداً” يجعل له طاقة وقوة ومناعة بحيث لا يعرضه حتى الصداع، وحيث يكون الكافر في تمتّعٍ دائمٍ بصحة وافرة دون المؤمن، وذلك في عطاء الله قليل بالنسبة لما هو معدٌّ للمؤمن في الآخرة.
في قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} عنى بذلك – أي بالناس – أمة محمد أن يكونوا على دين واحد كفّاراً كلهم. هذه الأمة التي هي أشد الأمم تمسُّكاً بالإيمان، وأكثرها مقاومة على هذا الطريق وأهداها ما كانت لتُمسك نفسها أمام بريق المادة، أمام بريق الخيرات الوافرة، واللذائذ الكبرى لو تضاعفت في الأرض أضعافاً.
أيضاً وفي ضوء الآية الكريمة تقول الكلمة عن الصادق عليه السلام:”لو فعل الله ذلك لما آمن أحد” أشد الناس تعبّدا وتهجّداً وإيماناً وتقوى له حدود لنفسه وهو الممكن، وهو الإنسان الضعيف حدود، لو اشتدّ البلاء من أي نوع اشتداداً كبيراً سقط هذا المؤمن، قل هناك درجات من البلاء تتجاوز قدرة المؤمن الفذ في إيمانه.
“لو فعل الله ذلك لما آمن أحد ولكنه جعل في المؤمنين أغنياء وفي الكافرين فقراء، وجعل في الكافرين أغنياء وفي المؤمنين فقراء ثم امتحنهم بالأمر والنهي والصبر والرضا”.
قضية أخرى تفتحها الأحاديث في هذا المجال:”لن تكونوا مؤمنين حتى تعدّوا البلاء نعمة، والرخاء مصيبة، وذلك أن الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء”.
لن تكونوا مؤمنين بحق، وبصورة عالية حتى لا تختار أنفسكم غير ما اختار الله لكم، وحتى لا تجدوا في فعل من أفعال الله تهمة أو تضايقاً، حتى لتصل النفس المؤمنة بحق إلى أن تعدّ نعمة البلاء أكبر من نعمة الرخاء، بأن تظن دائما أن في فعل الله لهذا العبد المؤمن مصلحة، والوجه في أن نعمة البلاء أعظم من نعمة الرخاء يقول الحديث عنه – أي عن هذا الوجه – “أن الصبر عند البلاء أعظم من الغفلةعند الرخاء” الرخاء نعمة دنيوية، وهو يستتبع عند الكثير الغفلة، والغفلة سبب خسران أخروي مبين، الغفلة طريق المعصية، وما استقام امرء على طريق الطاعة إلا وهو ذاكر، وحال ما نغفل نسقط في الخطيئة، وإذا كان الرخاء سبب غفلة فإنه لا يمكن أن يعدل ببريقه الدنيوي، وبلذته الدنيوية ما يستتبعه الصبر على البلاء من ربح عظيم، والصبر على البلاء يعطي نتائج في الدنيا قبل نتائج الآخرة، الصبر على البلاء يبني شخصية قوية، ويصعِّد من قدرة النفس على الصعود والشموخ، الصبر عند البلاء يُطهّر النفس من نقاط ضعف كثيرة، ويبنيها ويأخذ بها على طريق الكمال.
ومن أين يأتي مستوى الآخرة؟ إنما تأتي مستويات الآخرة طبقا لما عليه مستويات النفوس في الدنيا. فالنفوس الكبار في الدنيا هي النفوس الكبار في منازلها في الآخرة، والنفوس الصغيرة، النفوس الحقيرة لا يمكن أن تتبوأ منازل عالية في الجنة، وكلما سفلت النفس كلما اقترب بها تسافلها من النار.
وفي سياق ما مرّ من فوائد البلاء تقول هذه الكلمة عن الصادق عليه السلام:”البلاء زين للمؤمن وكرامة لمن عقل ذلك بأن في مباشرته والصبر عليه والثبات عنده تصحيح نسبة الإيمان” أنا مؤمن يُنسب لي الإيمان هذه النسبة كم تملك من الصدق؟ قد تكون نسبة خاوية ليس معها صدق في الواقع، وقد تكون هذه النسبة متوفرة على شيء من الصدق، وظيفة البلاء عندما يُتعامل معه بصبر أن يُصحح نسبة الإيمان فيصدق عنوان المؤمن حقّاً على صاحبه.
نسمع هذا الحديث عن الصادق عليه السلام أيضاً:”ما أثنى الله تعالى على عبد من عباده من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله إلا بعد ابتلائه ووفاء حق العبودية فيه”(4) فمن حق العبودية الصبر على البلاء بل التسليم والرضا.
“فكرامات الله في الحقيقة نهايات بداياتها البلاء” كيف تبوأ إبراهيم عليه السلام منزل الكرامة عند الله؟ واستحق الإمامة؟ بعد أن أتمّ الكلمات، وهي كلمات من دروس عملية صعبة، وامتحانات قاسية على نفوس خلق كثير دون منزلة إبراهيم عليه السلام.
فمن أجل أن يرتفع شأن إبراهيم عليه السلام، وأن يمتلك نفساً موصولة بالله عزّ وجل وقلباً كبيراً يستطيع الصمود أمام محن الدنيا كلّها، وأن يواجه إبراهيم بذلك القلب كل التحديات كانت الدروس الصعبة، ولما صبر ونجح في الدرس تبوأ المنزلة الكبيرة عند الله سبحانه وتعالى.
البلاء مذكِّر، قد يمثّل البلاء انعطافة خيّرة كبيرة في حياة المرء أو في حياة المجتمع والأمة. يكون المرء أو الأمة سائبين لاهيين منحدرين عن الصراط فيأتي البلاء فتُفيق نفوس، وتستيقظ قلوب، وتتنبه عقول لتكون بعد الانحرافة الخطيرة استقامةٌ ثابتة على الصراط.
فيأتي البلاء هنا رحمة، ولكن هناك من لا ينفع معه أي درس إلهي يتعامل به الله عز وجل مع الحياة الإرادية للناس. وحينئذ يكون البلاء حجّة وعقوبة ومحنة.
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}(5). كانت المحنة وكان البلاء للرجوع إلى الطريق. تأديب من الله عز وجل يستبطن الرحمة ليحقق العودة من آل فرعون إلى هدى الله وإلى طاعة الله سبحانه وتعالى،ولكن البلاءات في هذه الدنيا لا تحمل طاقة قهرية تسلب الإنسان إرادته.
{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(6). هذا الدرس، هذا البلاء من أجل العودة إلى الله سبحانه وتعالى.
حديث عن الصادق عليه السلام:”ما من مؤمن إلا وهو يُذكّر في كل أربعين يوماً ببلاء إما في ماله(7) أو في ولده أو في نفسه فيُؤجر عليه أو همٌّ لا يدري من أين هو” حينما تُذكر قضية البلاء لا ينصرف ذهننا دائماً إلى المحن الضخمة التي تجعل الإنسان في قفص ضيّق، وتسلبه القدرة على التعامل مع الحياة بحيوية ونشاط.
من البلاء ما هو ضخم، ومن البلاء ما هو درجات مخففة، وجرعات الله عزّ وجل المؤدبة لعباده تأتي دائماً بحكمة ومقدار.
“عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وقد خرج للاستسقاء: إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكر متذكر ويزدجر مزدجر” هذه دروس ضاغطة للعودة بالنّاس إلى الطريق، وحتّى لا تستولي عليهم الغفلة بصورة كاملة فيخسروا النفس والمصير.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا لا تحرمنا ذكرك، ولا تنسنا شكرك، ولا تجعلنا نُسيء استعمال نعمك، وأعذنا من السرف والتبذير، والإهمال والتضييع لما تسألنا غداً عنه، وتجازينا عليه، واجعلنا من أهل رحمتك وكرامتك وعفوك وغفرانك وأهل المنزلة الرفيعة في جناتك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) }
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي له مقاليد السماوات والأرض، وهو خالقهُن؛ فلا خروج لها عن ملكه، ولا تفلّتَ لها عن إرادته، ولا استقلال لها عن سلطانه، ولا مجرى لشيء فيها إلا بإذنه، ولا معبود لها سواه، ولا قائمَ عليها غيره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
علينا عباد الله بتقوى الله، وإنَّ مجاهدة النفس على طريقه لمورثة لها يقول عزّل من قائل:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(8)، وإذا كانت مجاهدة النفس وترويضها على الطاعة مؤدّياً للتقوى، فإنه كذلك كلما ازداد العبد تقوى كلما ازداد طاعةً للمولى، وأخلص في الطاعة.
والتقوى مسهِّلة للطاعة وإن صعبت على النفس في العادة، والطاعة تزرع التقوى. ولو سألتَ بأن أيّاً منهما الغاية لكان الجواب؛ الغاية التقوى، والتي لا صدق لها إلا بالطاعة.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم لا تجعلنا مستكبرين ولا ظالمين ولا مستضعفين ولا مغلوبين، واجعلنا أعزاء بك عادلين متواضعين، ومنك مرحومين، وإليك راغبين، ولدعوتك مستجيبين، ولأمرك ونهيك ممتثلين يا أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرك القائم، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
اللهم عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه كلمات تعقيبية على الانتخابات ونتائجها:-
لم تتحدد خارطة المجلس النيابي ولا البلدي لحدّ الآن، وهي في انتظار الجولة الثانية، فإما أن يصعد إصلاحيّون تصحيحيون، وإما أن يصعد إمضائيُّون.
إصلاحيُّون تصحيحيون لا يماشون الحكومة إلا في خيرها، ويعملون دائماً على أن تأتي صورة القوانين والقرارات والإجراءات على الطريق الصحيح، وهناك نوّاب وظيفتهم أن يُمضوا ما تقرِّره الحكومة. والحسم الذي هو في صالح الشعب بوضوح بدرجة وأخرى(9) وإن كان من ناحية دنيوية إنما هو بوصول أغلبية ترفع صوتها من أجل حقوق هذا الشعب ومصالحه دنياً أو دين.
والجولة التي يتم بها الحسم غداً، والمواطن كل مواطن مسؤولٌ أن يقف مع شعبه، ومع الحق، والحق مع المظلوم، والشعب مظلوم بلا شك(10).
وقد صُمِّمت الانتخابات تصميماً حكوميا خاصّاً يستهدف نتيجتين: الأولى: تمثيل الأكثرية بأقلية نيابية، وتمثيل الأقلية بأكثرية نيابية، ونسبة الأكثرية في أحسن التقادير دون نسبة الأقلية بأربعة مقاعد، وقد تكون هذه النسبة بخمسة مقاعد، وقد جاءت النتيجة كما هو التصميم.
النتيجة الثانية التي صُمِّمت الانتخابات من أجلها هي إيصال الموالاة وإقصاء المعارضة من كلا الطائفتين، وهذا لم يتحقق كما أراد التصميم، ولكن تحقق بمقدار.
اعتُمدت وسائل عدّة في هذا السبيل نذكر منها:
1. توزيع الدوائر الانتخابية، وهي تخدم الهدف الأول، وقد أدّت دورها الواضح فيما جُعلت من أجله.
2. المراكز العامة، وتستطيعون أن تلاحظوا تأثيرها في كمّ الأصوات الهائل الذي كان من نصيب فئة خاصّة من المرشّحين دون أخرى.
3. التجنيس السياسي، وقد أدّى دوراً كبيراً في تحقيق كلا النتيجتين.
ونترك الحديث عن المال السياسي، والمغالطات التي شهدتها مراكز انتخابية متعددة من المراكز الخاصة.
ويُسأل من بعد ذلك: أين النزاهة في الموقف الحكومي؟! أين العدالة؟! أين الإصلاحية؟!
وأما إذا أراد الشعب، ونوّابه انتخابات نزيهة وعادلة في انتخابات العام العاشر بعد الألفين فلا بد من مقاومة التوزيع الحالي وفكرة المراكز العامة، وأخذ احتياطات كثيرة لنزاهة العملية الانتخابية.
عن نفسي وعن المجلس الإسلامي العلمائي أتقدم بالشكر الجزيل والتقدير الكبير والدعاء للتوفيق وقبول العمل للناخب المؤمن، وكل الذين عملوا على إنجاح الانتخابات بالقدر المستطاع رغم محدودية دائرة النجاح بفعل التدخلات الحكومية التي مرّ ذكرها(11).
وإننا لنلاحظ بإعجاب بأن إيمان الناخب المؤمن هزم المال السياسي، ووعيه غلب محاولات السياسة الماكرة، وأفشل الحملات الإعلامية المضادة الظالمة، وأن إرادته أبطلت فاعلية كل الأساليب المناهضة، والتفافه بالكلمة المخلصة الهادية أيأس كل التحركات المشبوهة.
فلقد وقفتم أيها الإخوة والأخوات والأبناء والبنات الموقف المخلص لدينكم بحيث تحطّمت أمامه كل الروابط الأرضية وعلائقها وتفوّقت رابطة الإيمان المقدّسة، وقد قدمّتموها على كل شيء، ومن حقِّها دائماً أن تُقدَّم.
نعم، فشلت كل الروابط التي قد تفصل عن الله، وتخذل الدين أمام إيمانكم، وكان التحكم في موقفكم من الانتخابات للإيمان والوعي السياسي ومراعاة مصلحة الإسلام والشعب التي لا يمكن أن تنفصل أبداً عن مقررات الدين وموحياته.
وعلينا أيها الإخوة والأخوات الكرام أن نأخذ درساً بليغاً في أهمية العمل التطوعي التقرّبي، أقول التقرّبي، وكل ما تقرب به العبد كان ثوابه فوق ما يتصور.
لو أردنا لإنجاح الانتخابات بالقدر المستطاع أن نعتمد على المال، والمال الملتزم مال المستضعفين لعجزنا أن نحقق النتيجة التي تحققت. المال يعجز عن تغطية كل الأطماع. إذا كانت كل حركة اجتماعية، كل دور سياسي، كل مساعدة، كل خطوة نطلب عليها ثمناً من المال، وثمناً من الدنيا فإن مال الحكومات يضيق عن ذلك فضلاً عن مال الشعوب والمستضعفين.
الحكومة رغم ميزانياتها الضخمة تحاول أن تصنع رأياً عامّاً ينساق وراء مشاريعها، ويبادر متبرّعاً في إنجاحها، فكيف بمشاريع الشعوب وبمشاريع المستضعفين خاصّة!
هناك جمعيات سياسية، هناك جمعيات ثقافية، هناك جمعيات خيرية، هناك مساجد، هناك صناديق خيرية، هناك مشاريع كثيرة لا يمكن أن تقوم إذا اختفى العمل التطوعي القربي، وستحيى الأمة، وتقوى شعوبها، وتفرض إرادة الخير نفسها فيها على أي إرادة أخرى إذا تعلّمت أن تبذل في سبيل الله، وأن تبادر متطوّعة على طريقه.
وعن النصر؛ النصر بأقصى درجة ممكنة قد تحقق في هذه الانتخابات، وقد تمّ هذا النصر بأدوات مكشوفة، كحسن الإدارة، تدريب الفرق الانتخابية، التكاتف، التعاون، الوعي السياسي، الحملات التوعوية المستمرة، وأسباب أخرى كانت وراء هذا النجاح، لكن كل هذه الأسباب المكشوفة ما كانت تفعل، وما كانت لتكون لولا لطف إلهي مستور، الله عزّ وجلّ لا ينزّل النصر بصورة غيبية في القانون العام، نعم تأتي مواقف يأتي فيها النصر غير المحسوب، وفوق كل التقديرات والتصورات، لكن في العادة تُعلّمنا الآية الكريمة {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}(12) بأن عملية النصر تتقوم بعنصرين: عنصر السير على طريق الدين والأخذ بمنهجه وبذل الجهد الجهيد في سبيله، وعنصر التوفيق الإلهي، والمدد الإلهي. هذه القلوب التي انساقت وسمعت الكلمة وراء انسياقها لطف إلهي، هذا التكتل وهذا الانصياع للتكتّل، وهذا الإيمان بقيمة التكتّل كان وراءه لطف إلهي. الحركة مطلوبة من العبد، أما البركة فمن الله سبحانه وتعالى.
وحينما أتحدث عن النصر هنا لا أتحدث عن نصر بمعنى أن هذا المؤمن فاز على حساب المؤمن الآخر، لا، وإنما أتحدث عن نصر بمعنى أن كل المحاولات، وكل المال، وكل الإعلام الذي اشترك لإقصاء النفر المؤمن المخلص وتقليل حظّه في هذه الانتخابات لم يستطع أن يفلح أمام الإرادة الإيمانية الواعية الصلبة لهذا الشعب. هذا هو النصر المعني، وليس أن أحمد هزم محمد.
وإذا تحدثنا عن انتخابات غد فأضع هذه الصورة أمام المواطن الناخب وُجد هنا أم لم يُوجد.
المرشحون نافع وأنفع، والعقل والدين يأخذان بالأنفع، والمرشحان ضار وأكثر ضرراً، والعقل والدين والسيرة العقلائية على دفع الضرر الأشد بالضرر الأخف، والمرشحان نافع وضار ولا يستوي ضار ونافع.
والمرشحان نافعان فيكون الخيار، والمرشحان ضاران بمستوى واحد فيأتي التخلّف، والمرشحان ضارّان بمستوى واحد ولا يعان على الضرر.
أيها النائب المحترم، وأيها الممثل البلدي المحترم:
ليكن نجاحك في الانتخابات نجاحاً لك لا إخفاقاً، وكل نجاح ساقط قيمة، وكل نجاح إخفاق ما قاد إلى النار، وكان فيه وضع اليد في يد ظالم، وليس ظالماً معيّناً، بل في يد مشروع ظالم، في يد قانون ظالم، في يد قرار ظالم، من أين جاء هذا القرار، ممن جاء من أخلص المخلصين، ولو جاء خطأ من مؤمن، وليكن نجاحك أيضا نجاحا للشعب كل الشعب، وللوطن كل الوطن، ولمحروميه ومستضعفيه خاصة، وليكن نجاحك انتصاراً للحق والعدل والإنصاف، وتركيزا والالتحام لا للفرقة والانقسام، وتثبيتاً لقيم الدين والخلق الكريم، واقتراباً من أحكام الله بل تمسُّكاً بها، وفرصة للعمل الجاد على تحسين الأوضاع المعيشية والعملية عامة، وعلى الانتصار للحقوق الأساسية ومعالجة الملفات المهمة والقضايا المركزية كقضية الدستور والقضايا المماثلة والمشابهة.
ويراد للكتلة النيابية الموحّدة أن تكون من أجل ذلك كلّه ومن أجل أن يكون للشعب حضوره الفاعل في قضاياه المرتبطة بحاضره ومستقبله، وذلك من خلال هذه الكتلة ودورها المنتصر للحق.
وهي للوحدة لا للفرقة والشتات، وللدور الإصلاحي الجاد لا للصراعات الشكلية المضيّعة للوقت المنسية للحق، المبعثرة لوحدة الشعب، المؤدّية للكوارث.
إنها للتعاون على الخير، وتصحيح المسار، وتركيز قضية الإصلاح الصادق، ومن أجل مصلحة الوطن كلّه، والشعب بكامله.
ولا أحب لإخواني إقامة ولائم بعنوان أنها تكريمية، والتكريم الحقيقي الذي ينتظره الشعب منهم أن يقفوا بصدق وقوة مع قضاياه، وأن يكونوا دائما في نصرته.
ثم فليتخلص الجميع من الآثار السلبية التي يمكن أن تكون قد خلقتها الانتخابات بسبب ما تخللها من مشاكسة هنا أو مشاكسة هناك، من كلمة هنا أو من كلمة هناك، ومن نزاعات ومشاحنات وتوافه وتعديات، فلنكبر على كل ذلك، ونتجاوز كل ذلك، ونتذكر أننا أبناء شعب واحد، وأبناء دين واحد، وأبناء وطن واحد.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم أرنا الحق حقّاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله، وارزقنا سعادة الدارين وكرامتهما، اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة، وأصلح حالها يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 33/ الزخرف.
2 – من الوجد وأن تحمل النفس شيئا من المؤاخذة، شيئاً من الشكوى، شيئا من سوء الظن.
3 – بمنزلة ما هو الحديد في فاعليته وحمايته ووقايته.
4 – أي في ذلك البلاء.
5 – 130/ الأعراف.
6 – 21/ السجدة.
7 – عناية إلهية ورفق إلهي بالمؤمن وتأديب دائم، وتذكير مستمر. مؤمن ولكن يبقى بشرا يطغى عليه النسيان، تعتريه الغفلة، يحتاج إلى المنبّه، من هو؟! فيلسوف؟ فقيه؟ العباس بن علي عليه السلام قد يحتاج إلى تذكير، بل يحتاج إلى تذكير، يحتاج إلى تنبيه، يوسف عليه السلام في محنته كان قد احتاج إلى تنبيه، إلى تذكير، إلى لطف إلهي خاص.
8 – 153/ الأنعام.
9 – أقول بقيد درجة وأخرى لتفاوت النوّاب الإصلاحيين والتصحيحيين في مستوياتهم من ناحية الكفاءة والدين.
10 – إلقاء أحد الحضور هذه الكلمات:
وفاءً وولاء لمنهج الإباء ** وفاء وولاء لمنهج الإباء
سنبقى على العهد ** من المهد إلى اللحد.
11 – هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء).
12 – 7/ محمد.