خطبة الجمعة رقم (259) 25 شوال 1427هـ – 17 نوفمبر2006م
مواضيع الخطبة:
موضوع الابتلاء + أولاً: المراكز العامة للتصويت + ثانياً: حياد العلماء وأبوّتهم + ثالثاً: ماذا يُستكثر على العلماء؟
المجلس العلمائي يأخذ بما دعا إليه إسلامه من الحياد الإيجابي، والأبوّة الحيّة الفاعلة، من دون أن يفرض نفسه على أحد، أو يُكره أحدا، وهي أبوّة علماء لرجال لا أطفال، رجالٍ يُستقبل رأيهم بتقدير، ويُنظر إلى وجهة نظرهم باحترام.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي برأ النفوس بعد عدمها، وهداها إلى غايتها، وهو باعثها بعد موتها لحسابها وجزائها. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً. أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، وعدم متابعة الهوى الذي فيه مفارقة للعقل والدين، وغفلة عن النظر إلى العواقب، وفساد الحياة، واضطراب الأوضاع، وخسارة الآخرة، وما شكوى الناس من سوء الحياة إلا لاتباع الهوى والأخذ بالباطل وتضييع الحق. اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعل دليلنا العقل، وقائدنا الدين، وفئتنا إذا انقسم الناس فئة المتقين، واجعل هوانا مغلوباً وديننا غالباً، وقصدنا نزيهاً، وسعينا كريماً، ووجهتنا رضاك يا أرحم من استُرحم، وأكرم من أعطى. أما بعد أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات فالحديث في موضوع الابتلاء، والمرجع الأكبر في كل حديث هو كتاب الله العزيز الحكيم، وما جاء عن المعصومين عليهم السلام. ونقرأ في هذا الموضوع بعض نصوص: {نبلوكم بالشر والخير فتنة} قانون إلهي لا يتخلّف، ذلك أن حياة الإنسان خاضعة لابتلائه يُبتلى بالخير والشر، بالنعماء، بالسّرّاء، بالضرّاء. وفي النعماء امتحان، وفي السراء امتحان. وربما صمد البعض في النعماء ولم يصمد في الضراء، وربما صمد آخرون في الضراء والبأساء ولم يصمدوا في الرخاء والنعماء. وإنسان واحد في هذه الحياة لا يمكن أن يمرّ من دون امتحان، إن كان غنيّاً فهو ممتحن، وإن كان فقيراً فهو ممتحن، إن كان صحيح الجسد فهو ممتحن، وإن كان مريض الجسد فهو ممتحن، ما كان عنده من خير ففيه امتحان، وما ألمّ به من شر ففيه امتحان. هل تخرجه النعمة من إيمانه؟ وهل تستخفه، ويصاب بالغرور لصحته وغناه وجاهه؟ أم يبقى الإنسان القوي أمام ظرف الغنى والترف؟ والمبتلى بالفقر وبالمرض وبسوء الأحوال يكون أمام عواصف عنيفة تمتحنه في دينه، في عقله، في تقواه، في استقامته. والإنسان المؤمن هو الأقدر على مواجهة ظرف الغنى وتحدياته، وظرف الفقر وتحدياته. الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:”أيها الناس إن الله قد أعاذكم من أن يجور عليكم(1) ولم يعذكم من أن يبتليكم” قانون الابتلاء ثابت، بينما لا ظلم في حكم الله تبارك وتعالى. فأن يصاب أحدنا بالفقر جائز، أن يصاب أحدنا بالمرض جائز، أن يبتلى شعب بمحنة جائز، كل ذلك جائز في قضاء الله وقدره وحكمه، وقد قال جلّ من قائل:{إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين}. تقول الكلمة عن الصادق عليه السلام في ما روي عنه:”ما من قبض ولا بسط(2) إلا ولله فيه المنّ والابتلاء” فينتج من هذا الحديث الشريف أن الابتلاء فيه منٌّ مِن الله تبارك وتعالى، أن هناك ترافقاً بين سنة الابتلاء، وبين تفضّل الله ومنّه لما في الابتلاء من صناعة للإنسان، وإن روح الإنسان وإرادته لتنموان وتستويان وتتنضّجان من خلال سنة الابتلاء، والموقف الإسلامي على طريق هذه السنّة. إذا كان للبدن رياضته فإن للنفس والروح رياضتهما. تبقى النفس هامدة، وتبقى الروح خاملة ما لم تواجه التحديات، وتصمد أمام هذه التحديات، وتعمل على تجاوزها بنجاح، وكلما اجتازت النفس عقبة من العقبات، وموقفا صارما من مواقف التحدي كلما أعطاها ذلك قوّة وزادها حيوية وتجاوزت نقطة من نقاط الضعف، ودخلت في مرحلة من مراحل القوة. وعلى العكس فإن الساقط بإرادته أمام الامتحان تتخلّف روحه، ويسقط مستوى إرادته. وتأتي الكلمة عن الصادق عليه السلام:”ما من قبض ولا بسط إلا ولله فيه مشية وقضاء وابتلاء” ليس من حركة ولا سكون في هذا الكون كلّه بخارج عن مشيئة الله تبارك وتعالى وقضائه وقدره، أما فلسفة ذلك في مسألة الشر فليس موضوعها هنا. على أن شرّاً بالمعنى الذي نعرفه لا يمكن أن يصدر من الله عزّ وجل ابتداءً، الله عزّ وجلّ يفيض على عباده القوة، ومن خلال سوء استعمالهم قد يحدثون في الأرض شرّاً. “مرض أمير المؤمنين عليه السلام فعاده قوم فقالوا له: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فقال: أصبحت بشرّ(3)، فقالوا له: سبحان الله هذا كلام مثلك؟!(4) فقال: يقول الله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}” وقوله عليه السلام أصبحت بشر بمعنى أصبحت مريضا، والمرض فيما نعدّه شرٌّ، والفقر فيما نعدّه شرّ، ولكن هذا المرض والفقر حيث يجريان على يد الله تبارك وتعالى إنما هما ابتلاء وفي الابتلاء حكمة، وفي الابتلاء تربية، فالابتلاء في أصله امتنان، وإنما يكون نقمة لمن تعامل معه بعقلية ونفسيَّة جاهليَّة. وتكملة الكلمة عنه عليه السلام:”فالخير الصحة والغنى، والشر المرض والفقر وأنا أصبحت مريضاً ابتلاءً واختباراً” الكلمة مروية عن الصادق عليه السلام والرواية تتحدث عن حالة من حالات أمير المؤمنين عليه السلام. نعم الابتلاء سُنّة {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} والنار التي تفتن المؤمن، وتُجلّي واقع الإنسان، وتخرج حقيقته إلى العيان هي نار الابتلاء، هي سنّة الابتلاء، سنّة الفتن، فحين تطغى الأحداث وتعظم فهل يصمد هذا الإنسان المؤمن أمامها لإيمانه؟ إذا صمد تجلّى أنه مؤمن، وإذا انهار وانحرف تجلّى أنه غير ذلك، وكلما صمد في موقف كلما ازداد قوة، وارتفع شأنا. أن نتمنى الراحة والرخاء والهدءة الدائمة، واطمئنان الأوضاع، وكف الألسن عنا فذاك أمنية لا تُنال. ما الموقف؟ الموقف أن تصنع نفسك، أن أصنع نفسي ليكون الصمود، وتكون المقاومة، وتكون القدرة على التجاوز. {وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} فالامتحان يرفع من مستوى المؤمن، ويتقدم بإيمانه، وهو محطة فشل، وموقع سقوط ومحق للكافر. {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} وخط الجهاد خط الصبر، وطريق ذات الشوكة. جهاد الكلمة، وجهاد السيف، وكل ألوان الجهاد هي ساحات صراع، وساحات تحدي، وساحات مواجهات صعبة فهي تتطلب الصبر، ولذلك فإن الآية الكريمة تربط بين الجهاد وبين الصبر فتقول:{ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}. ولم يطل جهاد غير صابر، ولابد أن يتوقف الجهاد ويتعثّر عندما يُفقد الصبر، من فقد الصبر انتهى جهاده، وانتهى نموّه الروحي، ونموّه الإرادي الكريم. {ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} على أن الله عزّ وجلّ لا يحتاج إلى اختبار أحد حتى يعلم حاله، إنما الغرض أن يصير الباطن واقعاً عياناً أمام الناس، فيكون الجزاء على ما هو فعلي، ويكون العقاب على ما هو فعلي. إذا كنت أحمل كل استعدادات الشر، وبقيت هذه الاستعدادات عند مستواها لم تتحول واقعاً مشهودا، فإن الله عزّ وجل لا يعاقبني على حالة الاستعداد للشر، إنما العقوبة على ما هو شرّ فعلاً، على الشرّ المتحوّل واقعاً مشهوداً، يعلم به الخالق وإن لم يعلم به المخلوق. والجزاء بالخير إنما يُستحقّ إذا تحولت استعدادات الخير في داخلي خيراً فعليّاً على يدي، والاختبارات تخدم هذه الناحية، الاختبار الإلهي والفتن والابتلاءات تُجلّي واقع الإنسان وتظهره على حقيقته ليكون محلّ الثواب والعقاب. تقول الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا المجال:”ألا إن الله قد كشف الخلق كشفة(5)لا أنه جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم ومكنون ضمائرهم، ولكن ليبلوهم أحسن عملا(6) فيكون الثواب جزاء والعقاب براء”. وتقول الكلمة الأخرى عنه عليه السلام:”في قوله تعالى:{إنما أموالكم وأولادكم فتنة} ومعنى ذلك أنه سبحانه يختبر عباده بالأموال والبنين ليتبيّن الساخط لرزقه(7) والراضي بقسمه، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يُستحق الثواب والعقاب”. فهذا المستعدّ هذه اللحظة إلى أن يقف الموقف الكافر عند المحنة لا يُعاقبه الله على ما يحمله من استعداد، إنما تأتي العقوبة حين تأتي المحنة فتجلّي كفر هذا الإنسان الظاهر منه الإيمان. “في تقلّب الأحوال علم جواهر الرجال” لن يعرف بعضنا البعض، بل لن يعرف أحدنا نفسه على حقيقته إلا حين الفتنة. هل تأخذه الفتنة إلى مواقف أهل الإيمان، أم تأخذه إلى مواقف أهل الكفر والنفاق والضلال؟ “في تقلّب الأحوال علم جواهر الرجال والأيام توضّح لك السرائر الكامنة”. أقرأ هذا الحديث خاتمة عن علي عليه السلام في ابتلاء الملائكة بسجدة آدم، يقول علي عليه السلام في هذا المروي عنه:”ولو أراد الله أن يخلق آدم من نورٍ يخطف الأبصار ضياؤه لفعل، ولو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة – لآدم عليه السلام – ولخفّت البلوى على الملائكة، ولكن الله سبحانه ابتلى خلقه بوضع ما يجهلون أصلاً تمييزا بالاختيار لهم ونفياً للاستكبار عنهم” وكذلك لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ملكا ابن ملك، وأكبر الأثرياء لهان على البعض أن يكون نبيّاً، ولكن أن يكون الفقير اليتيم، ثمّ تظهر على يده معجزات النبوّة فذلك أمر يكبر على النفوس المستكبرة. الابتلاء جثيراً ما يكون فيه غموض، لماذ مرضت؟ لماذا افتقرت؟ لماذا فقدت الولد؟ لماذا لماذا؟ وتأتي أمور غير محتسبة ولا تمر على البال لتختبر هذا الإنسان وصموده. الابتلاء فيه شدّة، وفيه غموض، ويحتاج إلى رضا وتسليم، وأمر الرضا والتسليم بالله أمر سهل لمن عرف الله. وكلمة أخيرة هنا: الخير في الدنيا على قدر، والشر في الدنيا على قدر، وقد راعى الله عزّ وجل فيما عليه الخير من قدر، وما عليه الشر من قدر راعى فيهما أن لا يتجاوزا طاقة الإنسان، وإلا فالجمال الذي في قدرة الله أن يخلقه في الأرض فوق هذا الجمال الذي نرى بملايين المرات، وأكثر من ملايين المرات، الغنى الذي يستطيع الله عزّ وجل أن يوفّره في الأرض أكثر مما نتصور، لكن جاء الغنى وجاء الجمال وجاءت الخيرات على قدر بحيث لا تبطش بإرادة الإنسان. لو استوى على طريق الله وتأدّب بآداب شريعته ودينه، وكذلك البلايا فليست بلايا الدنيا هي أقصى ما في قدرة الله أن يفعله، إنها لا تقاس ببلايا الآخرة، لا جمال الدنيا يقاس بجمال الآخرة، ولا سوء الدنيا يقاس بسوء الآخرة، لا النعيم ولا الشقاء في الدنيا بمستوى يقاس بمستوى ما هناك في الآخرة، وجاء كل ذلك بمقدار ليتناسب مع سنة الابتلاء وما عليه طاقة الإنسان. اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم ما ابتليتنا فلا تضلنا، وارزقنا صبرا يزيد على المصيبة، وشكراً تُحفظ به النعمة، وهب لنا عافية في ديننا ودنيانا شاملة كافية دائمة، وأخرجنا من كل سوء وهم وغم وكرب وضيق وأذى يا قوي يا عزيز، يا رحمن يا أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق والصبر}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن البغي والعدوان، وأرسل رسلاً ليحكموا بالعدل، ويُقيموا القسط في الأرض، وينصروا الحق ويمحقوا الباطل، وهو العدل الحكيم، العلي القدير، القوي العزيز، ذو الجلال والإكرام، والفضل والإحسان. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً. عباد الله علينا بتقوى الله والأخذ بما جاء به رسله، ودلَّ عليه أولياؤه وهدى إليه كتابُه، وأن لا يعدل بنا عن قول الحق والأخذ به غضب مخلوق وهوى قريب أو بعيد، وأن لا يُنسينا أذى النّاس خشية الله، ولا نرغب في نصرة غيره عن نصرته، فإن المخذول من خذله الله وإن كان النّاس جميعاً له أنصاراً. اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الأخيار الأطهار الأطياب، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة. اللهم صل وسلم على خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم. اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين. اللهم عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك. أما بعد فعظّم الله أجورنا جميعا وأجور المؤمنين والمؤمنات أجمعين بمناسبة يوم الذكرى لوفاة الإمام السادس من أئمة أهل الهدى، وحملة الكتاب من آل رسول الله صلى الله عليه وآله إمامنا الصادق عليه السلام. ثمّ تأتي هذه الكلمات: أولاً: المراكز العامة للتصويت: هذه مراكز تفتح الباب على مصراعيه للتزوير في الانتخابات من أكثر من وجه، خاصة في غياب الرقيب، وتجعل الانتخابات متّهمة سلفاً. هناك إمكان نسبة التصويت لمن لم يصوّت ممن يوجد في كشوف الناخبين حيّاً كان ولم يصوِّت أو كان قد توفّاه الله عزّ وجل، هذا ممكن. ممكن أيضا سرقة أصوات من أصوات مرشّح لآخر، ويمكن إضافة أصوات وهمية من خارج كشوف الناخبين لمرشّح معيّن. من يحمي العملية الانتخابية من كلّ هذه التزويرات في ظلّ المراكز العامة الخالية من الرقيب؟! من هنا نطالب بقوّة بإلغاء المراكز العامة العشرة والاعتماد كلّياً على المراكز الخاصة بكل دائرة، وحجة التيسيير في العملية الانتخابية منتفية لطول مدة التصويت، وقصر المسافات المطلوب قطعها للوصول إلى المراكز الخاصة. والخطأ في توفير المعدّات والإعداد للتصويت في المراكز العامة وقد ارتكبته الحكومة لا يصح أن يدفع الشعب ضريبته. ثانياً: حياد العلماء وأبوّتهم: شعاران يشيع استعمالهما على الألسن منذ بعيد، وأن على العلماء أن يعيشوا الأبوّة الجامعة الشاملة، وأن يقفوا موقف الحياد. ويعرض هذين المفهومين الخلط والخبط، والخطأ في الاستعمال، ومن هنا يسببان إرباكاً كبيراً في الفهم العام، وثقافة الإنسان المسلم. ويلعب بهما من يريد أن يلعب، ويضل بهما من يريد أن يضل، ويغالط من يغالط، فلابد من الفرز والتوضيح. ونضع الحديث في هذا الموضوع في نقاط: 1. حيادان: أ- حياد مقبول: ويعني هذا النوع من الحياد الموقف العادل في النظر والحكم والموقف العملي من كل الأطراف، فلا تحيّز عن هوى، ولا محاباة ولا مجاملة على حساب الحق، ولا كيل بمكيالين كما يعبّرون. وهذا حياد يتبنّاه الإسلام ويدعو إليه، وعليه عدد من النصوص، وهو مقتضى الأصل الأصيل في الإسلام ألا وهو العدل الإلهي الذي يقوم عليه الكون كلّه والدين جميعه. ب- حياد مرفوض: ويتمثل في الموقف المتفرّج من الحق والباطل، والصحيح والخطأ، وما صلح وما فسد، أو موقف التصفيق لداعي الهدى والضلال، وراية الحق والباطل، وجماعات الشر والخير، والنفع والضر على سواء. وهذا حياد يرفضه الإسلام، ويواجهه كتاب الله وسنة المعصومين عليهم السلام، ولا يأتي موقف التفرج إلا في نزاعات أهل الضلال والتي ليس فيها حق يُنتصر له، وإنما كلّها باطل. أما في صراعات الحق والباطل، والصحيح والخطأ فلا يسع الإنسان المسلم أن يساوي بين الحق والباطل، والنافع والضار، ويلزمه التفريق ولو على مستوى الشعور والحب والكره والنية في القلب حين لا تُتاح له فرصة التعبير. أبوّتان: أ- أبوّة علمائية مسؤولة ومراقبة، وشاهدة وموجّهة ومشجّعة ورائدة، ومربّية ومرشدة وهادية ومؤثّرة ومضحّية. وهذه الأبوة في أكبر مستوى لها، وأنصع صورة وأجلى حقيقة إنما تتمثل في أبوّة الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله، وعليّ بن أبي طالب وبنيه عليهم السلام لهذه الأمة، وينبغي أن تأتي أبوّة العلماء الصادقين المخلصين من جنس هذه الأبوّة، وعلى خطّها، وإن لم تبلغ مداها، ولم ترقَ رقيّها، وهي واجبة على العلماء. ب- أبوّة علمائية معزولة ومتقاعدة ومشلولة وشكلية وقاعدة ومؤتمرة، ووسيلة دعاية وتبرير من هذا الطرف وذاك الطرف في محاولة لكسبه الجماهير المؤمنة وقاعدة الأمة. أبوّة بلهاء مستغفلة مستغلّة وواجهة خداع لها نفسها وللأمة. وهذه أبوّة يرفضها الإسلام رفضه للزور والظلم والعدوان، وينكرها المؤمنون ويأباها تاريخ العلماء، وتبرأ منها سيرتهم ووضاءتها الكريمة، ووعيهم ونباهتهم وما ربّاهم عليه الإسلام. والمجلس العلمائي يأخذ بما دعا إليه إسلامه من الحياد الإيجابي، والأبوّة الحيّة الفاعلة، من دون أن يفرض نفسه على أحد، أو يُكره أحدا، وهي أبوّة علماء لرجال لا أطفال، رجالٍ يُستقبل رأيهم بتقدير، ويُنظر إلى وجهة نظرهم باحترام، ويُحتاج إلى مشورتهم، ويملكون أن يقدّموا الدراسات الكافية والآراء الناضجة، وأن يُحرّكوا ويقودوا ويبدعوا وتنتظم بهم الأمور، وتُبنى الأوضاع، وتتقدم المسيرة. حين نتحدث عن أبوة علمائية لا نتحدث عن أبوّة لأطفال، إنما نتحدث عن أبوّة لشعب واعٍ قادر على الفعل، قادر على العطاء، قادر على تقديم الرأي والمشورة، شعب لا بد أن يُحترم رأيه طبقاً لحدود الله وفي ضوء أحكامه. وهي أبوّة لا تستغني عن قدرات الآخرين، ولا تلغي وزنهم، ولا تستهين بأقدارهم، ولا تتعامل معهم باستخفاف، ولا يحكمها الشعور بالفوقية، ولا يعتريها شعور الاستعلاء والاستكبار الغاشم. ثم لك أن تتساءل: كيف يُطالب العلماء بتحمّل المسؤولية العامّة وهم معزولون ورأيهم معطّل؟! كيف ذاك والأمر لغيرهم عليهم؟! كيف ذاك ويُنكر عليهم أن يقولوا كلمة إلا ما وافقت هوى الكل؟! وخدمت المصالحة الخاصة لهذا الطرف بعينه وذاك الطرف بعينه؟!(8) ولأن تكون للمجلس أبوّة صالحة نافعة متفانية، ولأن يكون مظلّة مشتركة عليه أن يكون للمصلح أنت مصلح ويشجّعه على إصلاحه، وللمفسد أنت مفسد وينصحه بالكفّ عن إفساده، وأن يحتضن هذا بما يناسب من الاحتضان، ويحتضن ذاك بما يناسب من الاحتضان، لكل موقف، ولكل كلمة ما يناسبها من ردّ فعل، وإن كان ردّ الفعل من العلماء دائما يجب أن يكون حانياً، ويجب أن يكون واعياً، ويجب أن يكون أبويّاً، لكنك مع أولادك القصّر وليس الراشدين والشعب رجالٌ ونساءٌ راشدون، لا تعامل المسيء معاملة المحسن، ولا تعامل المخطئ معاملة الصحيح. دعونا نذهب للأبوة الصادقة الأصيلة الكبيرة العملاقة الحانية الإلهية أبوّة رسول الله وعليّ عليهم السلام، إن عليّاً عليه السلام ليُشفق على الفاسق، ويتكلّم معه الكلمة الهادية المؤدّبة القاسية في ظاهرها لكنها من منطلق الرحمة، ومن منطلق الشفقة، يُعطي ردّ فعل خاصَّا لإحسان محسن، وردّ فعل خاصَّا لإساءة المسيء، وهو في كل ذلك ينطلق من منطلق واحد هو منطلق أبوّته للأمة كل الأمة، وشفقته على الإنسان كل إنسان. نعم، على المجلس أن يرفق بالضعيف، ويعينه على ضعفه، ويعطي للمخطئ فرصة التراجع عن خطئه، ويغضي عن السيئة ما أمكن، ويقدّر الحسنة بأحسن ما تُقدّر، ولا يتتبع العثرات، ولا يعيش أحقاد العداوات، وأن لا يخرجه خطأ الآخرين عن سمت الحق، وعن التزام خطّ الهدى. أما أن يُوزّع الابتسامات والقبلات على من صدق ومن كذب، ومن أحسن ومن أساء، ومن أصلح ومن أفسد على حدّ سواء، وأن تكون هذه سيرته فذلك ما ليس لأحد أن يُطالبه به وليس فيه رضا الله تبارك وتعالى. وهذا الحديث كلّه في هذا الموضوع حديث عام لا يرتبط بظروف الانتخابات وملابساتها وانقساماتها، وما يدور حولها. ثالثاً: ماذا يُستكثر على العلماء؟ القائمة الموحّدة كانت لها أسباب، القائمة الموحّدة وراءها أن الاتحاد قوّة، والتفرّق ضعف، وأن الأمر القائم على المشورة، واجتماع الخبرات لا يُساويه في الغالب أمر ينطلق من الاجتهاد الشخصي، و الرأي الشخصي لغير المعصومين عليهم السلام. القائمة تعطيك أصواتاً مضمونة وغيرها لا يعطيك هذه الضمانة، النائب في القائمة الموحّدة خاضع للمحاسبة، وكل القائمة خاضعة للمحاسبة. وحتى العلماء يمكن لهم أن يحاسبو القائمة الموحّدة وليس لهم ذلك إلا بموافقة خاصّة وتنازل خاص من النائب المستقل. أيها الإخوة والأخوات: قلنا بالقائمة الموحّدة لا بقائمة خاصّة موحّدة، وأرجو أن نمتلك الفهم المفرّق، قلنا بضرورة القائمة الموحّدة لا بقائمة خاصة موحّدة، وقد كان يُرتقب للقائمة الشاخصة أن يدخل فيها أطراف أكثر مما هي عليه الآن. قلنا بالقائمة الموحّدة وباب الترشيح كان مفتوحاً، وكان لأي مستقل أن ينضم في ذلك الوقت إلى تلك القائمة لو قبلته أهل القائمة، وقلنا بذلك بالقائمة الموحّدة، ونحن نحتمل في ذلك الوقت أن يكون أقرب الناس لنا نسباً أو سبباً يتقدم للترشح مستقلاً، فأنا ما تكلّمت في مواجهة المستقل الأجنبي، حبَّذت القائمة الموحّدة وأنا أحتمل أن ابن عمّي أو ابن خالي أو أن صديقي يتقدّم للترشح مستقلاً، فضّلت القائمة الموحّدة في حين أحتمل أن قريبي ومن كان بيني وبينه نسب مصاهرة أو نسب صداقة أن يتقدّم للترشّح. و لقد أنصفنا المستقلين، وقلنا بأنه قد يوجد مستقل أكثر كفاءة من منتسب للقائمة، ولكن تبقى قيمة القائمة الموحّدة حتى عند ذلك محفوظة، وغفر الله لمن قال أن هذا كان من باب شرار قومي خير من خيار قومٍ آخرين. حين تحدثنا عن شرط الإيمان لم نتحدث عن شرط الإيمان على مستوى الاعتقاد فقط، إنما حديثنا عن شرط الإيمان على المستوى العملي التطبيقي، وحديثنا عن الإيمان في بلد الإيمان، فمن أين يأتي الاستغراب؟! أنا لا أتحدث عن شرط الإيمان في إنجلترا، لو تحدثت هناك عن الإيمان شرطاً في النائب المسلم لكان وجه، فكيف يُستنكر عليّ أن أتحدث عن شرط الإيمان في بلد الإيمان؟! وقد اشترطنا شرط الإيمان ولم نشهد به في شخص واحد، وفرق جدا بين أن تشترط شرط الإيمان في القائمة الموحّدة وأن تقول أن كل من في القائمة الموحّدة متوفر على شرط الإيمان العملي بالكامل، والإخوان يرفعون شعار أن المجلس العلمائي قال بأن هناك قائمة إيمانية موحّدة وأن ليس غيرها .. ثم إنك لو شهدت يا عزيزي بإيمان شخص أو جماعة فليس من معنى ذلك أن الآخرين ليسوا بمؤمنين، أنت حين تقول بعدالة فلان معنى ذلك أن أخاه فاسق؟! كلام انتخابي، كلام إنشائي شعري كما يسمّونه مفارق للعلم تماماً، مفارق للضوابط العلمية الدقيقة، وهذا هو شأن كلام الصحافة في الغالب يا إخوان. شرط الإيمان ضروري، أتذكر في المجلس النيابي الأسبق وحين طُرحت قضية توزيع الأراضي كانت هذه الكلمة وقد سبق ذكرها في هذا الجامع الشريف، قال احدناعن توزيع الإراضي في ذلك الوقت أنه يزيد الغنيّ غنى، والفقير فقراً، وترتب على هذه الكلمة في المجلس أن طلبت مقابلة الشخص الشخص، وكان في المقابلة، سؤال صريح هل أن لك حاجة في بيت؟ هل لأحد من العيال حاجة في بيت؟ فكان الرفض، وكان الاستغناء. فنحن في حاجة بلا أدنى إشكال إلى شرط الإيمان لأن هناك بيتاً وألف بيت، وهناك أرضا وأكثر من أرض لمن جار ومال وأعطى أهل المصالح الخاصة ما يريدون. وليأتنى من يريد أن يُحرِج، وكل من أراد بكلمة واحدة قلتها في محفل كبير أو صغير تُزكّي مرشحاً وتسقط آخر. نحن لا يضرّنا أن ينجح، مستقل كفوء مؤمن، قادر على أداء الوظيفة كما أراد الله سبحانه وتعالى، ولكن لا زلنا نؤمن بأن القائمة الموحّدة أكثر نفعاً. والإخوة المستقلون حفظهم الله يعدُ أكثرهم بأنهم سينضمون إلى قائمة موحّدة إذا نجحوا، أو اليس ذلك اعترافا منهم بجدوى القائمة الموحّدة؟! فكيف يُنكرون على غيرهم ما يؤمنون به؟! اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم. اللهم اجعل لنا قلوبا عارفة بك، ونفوساً راضية بقدرك وقضائك، وبصائر نثبت بها على صراطك، وعزائم نجدّ بها في سبيلك، وتوفيقا لطاعتك وبُعدا عن معصيتك، ونصراً على عدوّك، وعزّاً من عندك، ومجداً من مواهبك. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 – فليس في حكم الله جور، وليس في قضاء الله وقدره ظلم. 2 – ضيق أو سعة؛ ضيق في مال، في أهل، في نفس، أو سعة. 3 – استكبر القوم الكلمة من أمير المؤمنين عليه السلام الذي يعيش الرضا والتسليم لله بأكمل معانيهما. 4 – يمكن أن يصدر من شخص آخر أما من شخصك وأنت أمير المؤمنين، وأنت قمّة الإيمان بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فواعجباه أن تصدر هذه الكلمة على لسانك الشريف. 5 – وهم مكشوفون له أزلاً. 6 – قد يكون سقط في الرواية من هو أحسن عملا. 7 – ليس ليتبيّن اللهُ الساخط، وانما ليظهر ويتضح الساخط لنفسه أوغيره من المخلوقين.. 8 – إلقاء أحد المصلين قصيدة قال فيها: لا تعر من يذلّ عنادا ** أي وزن فإنك المنصور سر بنا في السواء قولا وفعلا ** قادة الدين أنتم والجذور بعدها كبّر جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء).