خطبة الجمعة رقم (257) 11 شوال 1427هـ – 3 نوفمبر2006م
مواضيع الخطبة:
تتمة حديث عن الوالدين + المشاركة والمقاطعة.. كثر الحديث ولم يكثر + مقابلة الملك + البحرين تشارك أمريكا مناوراتها
مسيءٌ جداً ومقلق جدّاً ومخجل جداً أن تشارك البحرين أمريكا في مناوراتها في الخليج، ونحن نعرف أن أمريكا لا تريد خيراً لا للبحرين ولا لغيرها من بلاد المسلمين، وهي التي تحاول دائماً أن تزرع الفتنة، وتهزّ أمن البلاد الإسلامية هزّاً عنيفاً.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا وجود لشيء إلا بفيضه، ولا حياة لحيٍّ إلا برفده، ولا قوت لأحد إلا برزقه، ولا مأوىً له إلا في ملكه، ولا خير إلا من عنده.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله، وأن نرعى حقّه في عباده، فلا نستبيح من مؤمن أو غير مؤمن ما لم يبح الله فنتجاوز حدّاً من حدوده، ونخترق حرمة من حرماته، وإن
أحدنا ليدخل النار بماللعباد من تبعات في ذمّته من كلمات جارحة، ونيل شرف من غير حقّ، وسمعة سوء يُذيعها في الناس من غير وجه، وكم لأحقاد الصدور السوداء الظالمة من حساب عند الله؟!
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى، وعلى آله الأخيار الأطهار.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم عافنا من كل ما تحاسبنا به، ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم يا رحيم.
أما بعد فقد كان لنا حديث عن الوالدين نرجع لاستمامه:
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:”الجنّة تحت أقدام الأمّهات”(1).
الأم الأمّيّة، والولد الفيلسوف الكبير، والفقيه المحلِّق، جنّة الفيلسوف الكبير، والفقيه المُحلِّق تحت قدم الأم الأُمّيّة بأن يتواضع لها، ينزل عند رغبتها ما لم تكن رغبتها مخالفة لأمر الله
تبارك وتعالى، ينسى مستواه، ويذلّ ذلّ رحمة، وذلّ توقير لها، وبذلك يدخل الجنّة.
“جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله من أبرّ؟ قال: أُمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أُمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أُمّك، قال: ثمّ من؟ قال:
أباك”(2).
هذا التأكيد على الأم قد يكون لجانبين: جانب أنها الأحوج إلى البر، والأقرب إلى انكسار الخاطر، وأنّها أضعف الأبوين، والجانب الآخر أن الضنى والنصب الذي تحمّلته يفوق كل
ما يتحمّله الأب، فالوصية بالأم وصية كبرى، وربما هاب الولدُ أباه فكان برّه به من تلك الهيبة، وربما برّ الإبن أباه بعد شبابٍ لأنه يجد أن المال الذي يصله عن طريق أبيه، ولأن أباه أقدر أن يؤثّر على
واقعه، أما برّه لأمّه بعد أن يكبر فلا ينطلق في الغالب إلا من احترام أمر الله تبارك وتعالى، فهو برٌّ أصدق.
ونقرأ هذا الحديث عن زين العابدين عليه السلام:”جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله ما من عمل قبيح إلاّ قد عملته فهل لي من توبة؟ فقال له رسول
الله: فهل من والديك أحد حيٌّ؟ قال: أبي، قال: فاذهب فبرّه.
قال: فلمّا ولّى، قال رسول الله: لو كانت أُمّه”(3).
برّ الوالد سيكون مدخلاً لطاعة الله عزّ وجلّ، ويستحقّ به العبد تنزُّل الرحمة والعناية الإلهيتين لينقله ذلك من البُعد إلى القُرب الإلهي، بعمل البرّ بوالده ستنفتح له نافذة على رحمة الله
وألطافه لتنقله من واقع المعصية إلى واقع الطاعة، وليتوفّق إلى التوبة الصادقة في كل أموره.
وقوله صلّى الله عليه وآله فيما نُقل عنه “لو كانت أُمّه” يعني لو وُجدت أمّه، لو كانت أمّه حيّة لقُدِّم الأمر بالبرّ بها على الأمر بالبرّ بوالده. فإنّ البر بالأم سينفتح به عليه باب
من الرحمة أكبر، والوجه في ذلك قد يكون ما تقدّم.
{فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ}(4) أف كلمة تضجّر بسيطة، تعني التضايق، تعني شدّة الضغط {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً
كَرِيماً}(5).
حالة كبر الأبوين حالة حدّة المزاج، وحالة كثرة المطالب، وشدّة الحاجة إلى العون، فلا يزالان يطلبان، ولا يزالان يغضبان، ولا يزالان يحتدّان، والصبر على ذلك كلّه يحتاج إلى
توفيق كبير بالنسبة للولد، وهنا قد يضيق صدر الولد لا لينفُر من الطاعة، ولا ليُعبّر عن غضب وإنما قد تأتي كلمة أُفٍّ تعبيراً عن ثقل المسؤوليات والمطالب، وهذا كبير أن يرتكبه الولد في حقّ والديه {فَلاَ
تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ}. و الأف أقل من النهر {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} فكيف يأتي الثاني بعد الأول؟ وقد كان النهي عن الأوّل كافياً جدّاً عن النهي عن الثاني؟ إذا نهيت عن القليل فقد نهيت ضمناً عن الكثير بلغة
أبلغ، فكيف يأتي في قوله تعالى {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} بعد قوله عزّ وجل {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ}؟
تأتي الرواية عن إمامنا الصادق سلام الله عليه لتجيب على ذلك:”في قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ…} إن أضجراك فلا تقل لهما أُفٍّ، ولا تنهرهما إن
ضرباك”(6) ردّ الفعل المناسبة لحالة الضجر التي يُسبِّبها الوالدان هي التضجّر بقول أُفٍّ، أما حالة أن ينهمر أحد الوالدين على الولد بالضرب المؤذي فهي حالة أن يقول كُفّا شدة صوت، وهذا نهر،
فموضوع النهر ليس موضوع الأفِّ، لكلٍّ منهما موضوع، والفعلان قبيحان أن يرتكبهما الولد في حق الوالدين. اهرب من الضرب، ولكن لا تنهر.
{وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} مع ما تُسبب طبيعة موقفهما من الضجر، ومع ما قد يأتي منهما من ضرب قل لهما قولاً كريماً. أرأيت إلى أن أين تصل الطاعة إلى والدين أنت تكبرهما
علماً بكثير، وليس لهما جاه في الناس ولك الجاه العريض، وأنت صاحب السمعة والنفوذ، وقد تكون صاحب السلطة؟!
“أدنى العقوق:{أُفٍّ} ولو علم الله شيئاً أهون منه لنهى عنه”(7) هذا عن الصادق عليه السلام.
وعن الصادق عليه السلام:”في قوله تعالى:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} لا تملأ عينيك من النّظر إليهما إلاّ برحمة ورقّة(8)، ولا ترفع صوتك فوق أوصواتهما،
ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقدّم قدامهما”(9).
هذا وأنت صاحب الموقع الكبير، والسلطان العريض، والمال الباذخ، وهما الضعيفان في كل هذه الحيثيات. وخفض الجناح للأبوين عن ذلّ رحمة، التذلل بين يدي الوالدين من منطلق
الرحمة وليس من منطلق العبودية اتجاه الربوبية.
الذّلّ والتضعضع والاستكانة التي تنطلق من منطلق الإيمان الكامل بالحاجة، وبالصغار أمام العظمة اللامتناهية إنما يكون ذلك من العبد اتجاه الرب تبارك وتعالى وحده.
عن الباقر عليه السلام:”إنّ أبي نظر إلى رجل ومعه ابن يمشي والإبن متكئ على ذراع الأب(10)، قال: فما كلّمه أبي مقتاً له حتّى فارق الدّنيا”(11).
ألا يكفيك هذا درساً من إمامك عليه السلام؟ ألا يقع هذا تعليماً مؤدّباً لك في التعامل مع والديك؟
“عن الحكم قال: قلت لأبي عبدالله عليه السّلام: إنّ والدي تصدّق عليّ بدار ثمّ بدا له أن يرجع فيها…
فقال: بئس ما صنع والدك(12)، فإن خاصمته فلا ترفع عليه صوتك(13)، وإن رفع صوته فاخفض أنت صوتك”(14).
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:”من الكبائر شتم الرّجل والديه(15)، يسبّ الرّجل أبا الرّجل فيسبّ أباه(16)، ويسبّ أمّه فيسب أمّه”(17).
لا تسبّ أمهات وآباء الآخرين فتكون بذلك عاقّاً لوالديك لما قد يتسبب ذلك في سبّهما.
“إنّ أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة(18): الإشراك بالله، وقتل النّفس المؤمنة بغير الحقّ، والفرار في سبيل الله يوم الزّحف، وعقوق الوالدين…”(19).
عقوق الوالدين إحدى كبائر أربعٍ منها الشرك بالله، وكفى هذا مانعاً لمؤمن من أن يرتكب هذه الكبيرة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا ظاهراً جميلاً، وباطناً أجمل، وعملاً حسناً ونية أحسن، واجعلنا من أهل البرّ لكل من أحببت البرّ به من ملك مقرّب، ونبيّ كريم، وإمام حق، وولي صالح، ووالدينا، ومن
محسن لنا، ومتجاوز عنّا، ورحم، وقريب، وصديق، وكل أهل طاعتك يا حنان يا منان، يا مجيب الدعاء.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الملك والملكوت، والقهر والجبروت، والعزِّ فوق كلِّ عزّ، والغنى بلا منتهى، العليمِ بلا حد، القديرِ بلا مدى، الحيِّ بلا انقضاء. على العرش استوى، تبارك وتعالى.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله، وأن نستغنيَ به فلا خوف على من به استغنى، وأن لا نستغني عنه إذ لا غنيَّ سواه، وأن نمتنع به لا بمن عداه إذ لا مِنعة ولا عِصمة إلا به، وأن نرضى بما
قسم فإنه لا يَقسم إلا عدلاً، ولا يفعلُ إلا خيراً، ولا تصدر عنه إلا الحكمة. كلُّ الخير والجميل من عنده، والحمد كلُّه له.
أستغفر الله لي ولكم، ولإخواني المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم اغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعل طاعتنا لك، وعزتنا بك، وجهادنا فيك، ولجأنا إليك،
وتوكلنا عليك، ولا معبود لنا سواك، ولا تعويل لنا على غيرك. اللهم اجعل لنا في أنسِك غنى عن طلب الأنس من غيرك، حتى لا ينصرف منا نظرٌ عنك إلى من عداك يا أرحم الراحمين وأجود
المعطين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، اللهم صل وسلم وزد وبارك على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء
الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن
موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعلى وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، المجاهد في سبيلك، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدد
خطاهم على طريقك يا كريم يا رحيم.
أما بعد أيها الأعزاء فهذه بعض كلمات:
أولاً: المشاركة والمقاطعة.. كثر الحديث ولم يكثر:
كثر حديثي شخصيّاً في المشاركة والمقاطعة فقد تكرّر مرّات، وهو مع ذلك لم يكثر بلحاظ أهمية الموضوع. مسألة تمسّ دين الناس وديناهم، وتؤثر على كل الملفّات الساخنة العالقة،
فإما أن نخفف من غلواء الشر، وإما أن يزداد طغياناً، وإما أن نحقق بعض المكاسب، أو نضيف إلى المأساة مأساة، وقد يكون الحل في المقاطعة، وقد يكون الحل في المشاركة، فلابد من بيان، وانصبّ البيان
على أن المشاركة أقرب في النظر من المقاطعة، وأنّها عطاء وحي التجارب، وعطاء وحي النظر الموضوعي، وعطاء وحي النظر الشرعي.
أربع سنوات إما أن يتولّى أمرنا فيها بالإضافة إلى من يتولاه من وزراء مجلس نيابيّ معاد، أو يتولى ذلك مجلس نيابي فيه صوتٌ حرٌّ ينطق بالحق بقوّة وجرأة، ويذود عن حمى حقوق
هذا الشعب المظلوم. والخيار هو الثاني وليس الأول.
هذه صور لمجلس نيابي قادم، فاختاروا الصورة التي ترون:
مجلس كلّه موالاة للحكومة، وهذا له مترشّحاته؛ تترشّح عنه قوانين، وتترشّح عنه توصيات، وتترشّح عنه مواقف ليس منها ما يسرُّ الشعب.
مجلس كلّه معارضة، وهذا المجلس لا يتحقق اليوم، ولن يتحقق غداً، فدائماً الحكومات قادرة على أن تجد لها ممثلين في داخل المجالس النيابية.
وفي ظل أرقى دستور فإن المال ساحر، والمال بيد الحكومات أكثر منه بيد المعارضة.
مجلسٌ فيه معارضة ضئيلة، مجلس فيه معارضة مفكّكة.
مجلس فيه معارضة بنسبة مؤثّرة وهي معارضة مترابطة ومنسجمة وواعية ومخلصة.
أتستوي كل هذه الصور عطاءً في الخارج؟! وهل تأتي النتائج بالنسبة لهذه الصور كلها على حدٍّ واحد؟ أم أن ما هو الممكن من كون المجلس فيه معارضة مؤثّرة بنسبة معيّنة، فيه عدد من النواب
يمثلون كتلة واحدة متراصة ومنسجمة وواعية ومخلصة ومنتظمة هو الخيار الأفضل عطاء حسب الممكن؟ هذه الصورة هي الصورة التي يمكن أن يُعوّل عليها، الصورة المثلى وهي أن يكون مجلس كله
معارضة صورة ليست بيد هذا البلد ولا بيد أي بلد آخر، صورة لا يمكن أن تكون من عطاء هذه الظروف، ولا من عطاء أي ظروف أخرى، الشيء الممكن دائماً أن يمثَّل الشعوب بكتلة نيابية مؤثّرة قادرة
على خوض الصراع وإدارة الصراع بكفاءة. نرجو أن نتوفر على مثل هذه الكتلة في هذه التجربة الماثلة.
مضى الميثاق بكل ما له من حسنات وسيئات، ومضى معتبراً دوليّاً ولا رجعة في ذلك، والمشاركة لن تزيد في قانونية الميثاق وفي شرعيته الدولية على الإطلاق.
المشاركة إنما هي لتقول للإيجابي في الميثاق إيجابي، وللسلبي سلبي، ولتقول للسلبي في الدستور بأنه سلبي، وللإيجابي في الدستور بأنه إيجابي، المشاركة إنما هي خطوة في اتجاه تغيير هذا الدستور
القائم.
المشاركة لا تعني إضفاء شرعية على الدستور، ذلك لأن المشاركة تقوم على هذا الوعي، على وعي أنها حق من حقوق هذا الشعب، وليست قائمة على خلفية الدستور الذي يسمح بالمشاركة، إننا
نشارك لا من منطلق أن الدستور يسمح لنا بالمشاركة، وإنما من منطلق أن من حقنا أن نشارك في قراراتنا المصيرية، وفي إدارة شؤوننا. وإذا كان هذا المنطلق، فالمشاركة لا تبارك الدستور، وكيف
تبارك الدستور وهي تعتزم وتعلن عزمها عن مناقشته والسعي إلى تغييره!!
ولا أريد أن أطيل في تفصيل هذه الموضوعات لضيق الوقت.
المشاركة والمقاطعة من الصعب جدّاً، ومن غير المنسجم دينياً أن نقول بأنهما مسألتان أجنبيتان عن الدّين، وأن الدّين لا دخل له فيهما، الدين يتحدث عن خرقة الحيض، عن قطنة الحيض، يتحدث عن
التطهير في الخلوة فحسب؟! الدين يتحدث وفي آيات كتابه الكريم وفي السنة المطهرة عن الاقتصاد والحكم والسياسة وعن كل ما يمسّ حياة هذا الإنسان.
“ما من واقعة إلا ولله فيها حكم” أين نذهب بهذا القول؟ نرميه في البحر؟ قول “ما من واقعة إلا ولله فيها حكم حتى أرش الخدش نتبرأ منه؟!
بلى وبكل تأكيد، إن للدين رأيه في المشاركة والمقاطعة، والذين يريدون أن يبحثوا في كتاب الله وسنة رسوله عن عنوان المشاركة وعن عنوان المقاطعة فلن يجدوه، لكن الفقيه يجد أن المشاركة
والمقاطعة قد تناولتهما كليات الأحكام الشرعية.
أما نصيحة سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني فأقول عنها: بأنها أقصى ما يمكن لفقيه مخلص مشفق على شؤون أمته، شؤون المسلمين كل المسلمين، وعلى أوضاع المسلمين كل المسلمين، أن
يقوله في المقام، الرجل الكبير ليس من مواطني هذا البلد، وهو أوعى بالأوضاع السياسية والعرف الدولي السائد من عدم التدخّل في شؤون البلاد الأخرى، الحاكم الشرعي لا ينطق بالكلمة على مستوى
الحكم الولائي إلا في حالات الخطورة القصوى جدا، وحين يكون المؤشّر ليس اللون البرتقالي وإنما اللون الأحمر القاني، الفقهاء عقلية ثقيلة، نفسية رزينة، وعي شديد، الفقهاء من أهل الخبرة، وأهل
الإيمان والتقوى حسابهم للمسائل حساب دقيق. هذه النصيحة تُعتبر موقفاً متقدّما جداً جداً في نظري، ولو كان الرجل في بلده وهو مبسوط اليد لجاءت كلمته بمستوى آخر، وذك(20).
ثانياً: مقابلة الملك:
العلماء يُخطون الخطوة الإيجابية، ويقفون الموقف الرسالي الذي يريدون أن يؤمّنوا من خلاله موقفهم بين يدي الله سبحانه وتعالى، فتنقلب الخطوة على بعض الألسنة إلى مؤامرة، إلى ضعف، إلى
اهتزاز ثقة، إلى جبن، إلى آخر هذه الكلمات الهُراء(21).
أنا أقول بأن إسقاط العلماء مطلب أمريكي، فصل الجماهير عن فقهائها وعلمائها مطلب أمريكي تُوظّف له الميزانية الضخمة، فالمخلصون يجب أن لا يقعوا على خطّ واحد مع خطّ الإرادة الأمريكية.
ينطلق البعض، والبعض من إخلاص لكن مع سذاجة على هذا الخط ولو وعى أنه يحقق الإرادة الأمريكية لما فعل، ولكنه في الخارج يحقق الإرادة الأمريكية بفصل الأمة عن علمائها، وما نجحت هذه الأمة
في يوم من الأيام، وما وقفت الموقف الرسالي الصامد الصادق الذي لا ينتهي إلى مؤامرة على الأمة، ولا ينتهي إلى بيع الأمة، ولا ينتهي إلى تسلق المواقع الكبيرة الدنيوية إلا بارتباطها
بالعلماء(22).
اعطوني بلداً واحداً سنيّاً أو شيعيّاً كانت المواجهة فيه للاستعمار وكان فيه الموقف الرسالي الصامد، وكان توجه الحركة فيه لله وحده أريد بلداً واحداً كان له هذا الأمر كلّه وكانت حركته مرتبطة بغير
خط العلماء؟ أبداً، لن تجدوا بلداً واحداً، مصر، الجزائر، تونس، المغرب، إيران، العراق، كل البلاد الإسلامية كان العلم الإسلامي المرفرف فيها، وكانت العزة، وكان الإباء إنما يرافق حركة العلماء، وكان
الصفاء والصدق إنما هو في صفّ العلماء دائماً.
إما أن لا أكون مخلصاً حتى أُصفِّق كلَّما صفّق الشارع، ولا أكون مخلصاً إلا إذا كلما نادى منادٍ ناديت، فهذه سذاجة، وهذا فرض محال على العلماء الذين يمتلكون من العقلية الفقهية، والعقلية الموضوعية
ما يكفي.
كان اللقاء مع الملك لبيان خطورة الموقف، وما استتبعه من قلق عميق عند العلماء أولاً، وعند الشعب عامة، وكان هو هذا المطروح، وارتباط ذلك كلّه بتقرير البندر، على أننا لم نعوّل في بياننا على
تقرير البندر بقدر ما عوّلنا على لغة الواقع، وأن لغة الواقع في نظرنا أكبر من قرار البندر، وما قرار البندر إلا واحد من شواهد ليس هو أعظمها.
كنا نطالب بطمئنة حقيقية عن طريق لغة الواقع ومعالجة الملفات العالقة، أما كم يتحقق من هذا؟ وهل يتحقق شيء أو لا يتحقق شيء أصلاً فهذا موقف الآخرين، وأنت تواجه المشاكل بآليات، وأساليب
تنطلق من واقعك ومن حجمك، وإن كان حجمك كبيراً وواقعك عملاقاً لكنه الواقع والحجم الذي لا يلغي حجم الآخرين، ولا واقعهم الكبير. وعندك العقل، وعندك الحكمة، وعندك قواعد الدين، وعندك
الحرص على وحدة الوطن وسلامة المسلمين، وإننا لأحرص على أوضاع المسلمين من كل الفئات الأخرى على أن هذا الحرص لا يصرفنا عن المطالبة بالحقوق.
أقول: نحن نتطلع إلى أن يكون هناك موقف إيجابي من حضرة الملك بالنسبة إلى مسألة تقرير البندر على أننا نعتبر ذلك اللقاء خطوة على هذا الطريق وليس كلما يمكن أن يكون، وليست هي الخطوة
الأولى والأخيرة، وليس هو اللقاء الأول والأخير في هذه المسألة… لا يوجد حزب، ولا توجد طائفة، ولا توجد أي جبهة، حتى الجبهات التي تقاتل بالسيف لا توجد جبهة منها تُعطِّل الحوار، نحن لا
نخوض حرباً حمراء مع الدولة، نحن نخوض صراعاً سياسيا مع الدولة، ونريد لهذا الصراع السياسي أن يتحول إلى تفاهم سياسي، موقف الدولة يفرض حالة من الصراع السياسي، موقفنا يتّجه إلى أن
نخرج من حالة الصراع السياسي إلى حالة التفاهم السياسي الذي فيه عدل الشعب، وفيه الاعتراف بكرامته وعزّته.
مطلوب في قضية البندر أن يُكشف اللغز، وأن يُجلّى عن منطقة ما تحت الثلج في هذه القضية، ذلك لا لتأجيج الأوضاع وإنما للاقتراب بها من حالة الأمن والاستقرار والأخوّة الصادقة.
العلماء يطالبون النظام بالإصلاح، ولا يخوضون صراعاً أحمر معه، ويميلون جداً إلى أن تكون الحالة حالة حوار وتفاهم لا يُظلم فيها الشعب، في الوقت الذي لا يمكن أن يمثّل العلماء شرطة النظام، أو
أن يكونوا الناطق الرسمي عنه، وأن يقوموا بالدور الذي يعجز عنه رجل المخابرات ورجل الشرطة.
أما الذين يرمون العلماء بمثل ذلك فحاسبهم الله حساباً يستحقونه ما لم يعدلوا عن هذا العدوان.
البحرين تشارك أمريكا مناوراتها:
مسيءٌ جداً ومقلق جدّاً ومخجل جداً أن تشارك البحرين أمريكا في مناوراتها في الخليج، ونحن نعرف أن أمريكا لا تريد خيراً لا للبحرين ولا لغيرها من بلاد المسلمين، وهي التي تحاول دائماً أن تزرع
الفتنة، وتهزّ أمن البلاد الإسلامية هزّاً عنيفاً، وتسقط كل القوى الإسلامية على الأرض، وتستعمر البلاد الإسلامية بأكملها. البحرين من بين غيرها من الدول الإسلامية والعربية تدخل في مشاركة فعلية
في مناورات أمريكا في الخليج وهو أمر مسيء إلى شعب البحرين، أمر مخجل، أمر مقلق جداً، نرجو جداً من النظام أن يعتز بهوية شعبه، ويحترم ضمير شعبه، ورأي شعبه، فلا يكون في وادٍ والشعب في
وادٍ آخر(23).
أمريكا تأتي بمناوراتها للخليج لتهديد أمن المنطقة، وزعزعة استقرارها، وللهيمنة على كل الثروة النفطية، وعلى كل مَقْدُرات ومقدّرات المنطقة والأمة.
رابعاً: من التطبيع إلى الدلال:
كانت المسألة مسألة تطبيع مع إسرائيل حتى وصلنا إلى أن إسرائيل تتدلل على دولة عربية، وتمتنع وزيرة الخارجية فيها عن حضور مؤتمر يحضره ممثل لحماس، هذا انتقال من حالة التطبيع إلى حالة
الدلال وفرض السيطرة، وفرض الشروط. صارت إسرائيل تفرض شروط حضورها في مؤتمر يعقده بلد إسلامي.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين.
اللهم اجعلنا من أتباع رسلك، والسائرين على طريق أوليائك، ومن الدعاة إلى دينك، والمجاهدين في سبيلك، والراضين لرضاك، والساخطين لسخطك، والمطمئنين بذكرك، والظاهرين بنصرك على
عدوك يا قوي يا عزيز، يا شديد يا متين، يا أكرم من كل كريم، وأرحم من كل رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج10 ص712.
2 – المصدر نفسه.
3 – المصدر ص 714.
4 – 23/ الإسراء.
5 – 23/ الإسراء.
6 – المصدر نفسه.
7 – المصدر ص 715.
8 – إيّاك وأن تنظر إلى والديك بحدّة. إذا ملئت عينيك من النظر إليهما فليكن هذا النظر نظر رحمة ورقّة.
9 – المصدر نفسه.
10 – المفروض أنه ليس بطفل.
11 – المصدر نفسه.
12 – عمل غير صحيح. فيه كسر لخاطرك، فيه إثارة أمل وكسر هذا الأمل، وإسقاط هذا الأمل.
13 – يعني إن كلّمته كيف ترجع يا أبي في هدية أهديتها لي؟ في منحة منحتها لي؟ إن كلّمته فكلّمه برفق، ولا ترفع صوتك عليه.
14 – المصدر نفسه.
15 – يعني أن يسبّهما مباشرة؟ لا، ليس المعنى هذا. ذاك شيء كبير كبير جداً.
16 – أي يسبّ الثاني أب الأول لأنه سب أباه.
17 – المصدر نفسه.
18 – الكلام ليس عن كبيرة وإنما من أكبر الكبائر.
19 – المصدر ص 716.
20 – هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء).
21 – هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
22 – هتاف جموع المصلين بالتكبير. والولاء للعلماء.
23 – هتاف جموع المصلين بـ(الموت لأمريكا).