خطبة الجمعة رقم (253) 12 شهر رمصان 1427هـ – 6 اكتوبر 2006م
مواضيع الخطبة:
متابعة لحديث الهوى + البابا يجترئ + دمج المسلمين + التقرير الفضيحة + مسألة الهلال
عرفنا أن البندر يُحال إلى المحاكمة، ولا شأن لنا في ذلك، ولكن أين الموقف الحكومي من المتورّطين الذين ينطلقون أحراراً وبلا مساءلة؟!
الخطبة الأولى
الحمد لله الخالق غير المخلوق، وكلُّ من عداه من خلقه، والرازق غير المرزوق وكلُّ خير من رزقه، والمالك غير المملوك ومن سواه وما سواه مملوك له.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله فإنّ في عدم التقوى كفراً من الكفر {وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً}(1) فما تم دين امرئ لا تقوى له، وتمام الدين من تمام التقوى.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا نحن عبيدك المذنبون وأ،ت الغفار التواب الرّحيم، ولولا رحمتك وعفوك ومغفرتك لكنّا من الهالكين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
أما بعد فهذه متابعة للحديث في موضوع الهوى:
1. خالف النفس للنفس:
من أجل النفس، ومن أجل بنائها، وصلاحها، ومن أجل دنياها وأخراها ينبغي أن نخالف النفس في كثير من الموارد وهي الموارد التي لا تستقيم بها على خط العقل والدين.
تقول الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:”أقبل على نفسك بالإدبار عنها”(2).
أقبل على صلاح نفسك، على بناء نفسك، على نجاة نفسك بأن تدبر عنها كلما تدلّلت، وكانت لها مطالب من رغائب الدنيا والشهوات مما يخالف أحكام الله الثابتة، وكلما دعت النفس إلى شبهة كان ينبغي للإنسان العاقل أن يقف في وجهها من أجل أن لا تؤول إلى الانزلاق.
وفي الكلمة الأخرى عنه عليه السلام:”خدمة النّفس صيانتها عن اللذات والمقتنيات(3)، ورياضتها بالعلوم والحكم، وإجهادها بالعبادات والطّاعة، وفي ذلك نجاة النّفس”(4).
وليس المقصود بإجهاد النفس بالعبادات والطاعة أن تصل بها بالطاعات غير الواجبة إلى حد أن تمل، وإلى حد أن تكون عندها ردة فعل وانتكاسة خطيرة.
“الرشد في خلاف الشّهوة”(5).
رشد النفس، وهداها وصلاحها في أن تحملها على خلاف شهوتين: شهوة محرمة، وشهوة تستنزف الطاقة والوقت في مجال الشهوات فحسب وإن كانت حلالاً بحيث يتعطل الدور الضخم الذي جئت من أجله إلى هذه الحياة.
وفي الكلمة عن الكاظم عليه السلام:”إذا خرّ بك(6) أمران لا تدري أيّهما خير وأصوب، فانظر أيّهما أقرب إلى هواك فخالفه، فإنّ كثير الصوّاب في مخالفة هواك”(7).
نعم كلما كان العقل والدين في جانب وكان الهوى في جانب آخر تبيّن ما هو الحق من الباطل، وقد يكون هناك غبشٌ وضبابيّةٌ إلا أن إلحاح الهوى على الفعل أو الترك مؤشّرٌ كبير في أن الخير فيما يخالف الهوى.
ونقرأ تحت عنوان أقوى الناس:
“من قوي على نفسه تناهى في القوّة”(8).
عليك أن تقوى على نفسك، ولن تقوى على نفسك حتى تجاهدها، حتى تقف الموقف الصارم أمام رغائبها مما يثلم الشرف أو يعدل بالإنسان عن خطّ الدين.(9)
“أشجع النّاس من غلب هواه”(10).
وتغلب الهوى بالركون إلى العقل، وبالركون إلى الدين، وبالركون إلى التدبّر في العواقب.
“قيل: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بقوم فيهم رجل يرفع حجراً يقال له حجر الأشدّاء(11)، قال: أفلا أخبركم بما هو أشدّ منه، رجلٌ سبّه رجل فحلم عنه فغلب نفسه وغلب شيطانه وشيطان صاحبه”(12).
هذا موقف يصرع فيه الرجل ثلاثة في دفعة واحدة، يصرع النفس الأمّارة بالسوء، والشيطان صاحب الوسوسة الكبيرة، وذلك المعتدي الذي ساء خُلُقه، وخالف به هواه دينه.
قد يقوى البدن، ويستطيع أن يحمل الأثقال الضخمة، وأن يصرع الرجال الشداد لكن قوّة البدن لا تقيسها الأحاديث الشريفة إلى قوّة النفس؛ حيث إن النفس هي الأهم والأشرف والأسمى، فقوّتها قوة أكبر وأهم كذلك.
أما تحت العنوان جبهة المقاومة فنقرأ الأحاديث التالية:
“كلّما قويت الحكمة ضعفت الشّهوة”(13).
تريد أن تستعين على الشهوة، على النزق، على خفّة النفس؛ عليك أن تطلب الحكمة، عليك أن تعمّق في روحك مضامين الحِكَم، والتعاليم الكبيرة التي جاء بها الوحي على لسان الكتاب الكريم أو النبي العظيم صلى الله عليه وآله أو أهل بيته وكذلك أقوال الرسل الهادين جميعا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهناك حِكَمٌ أخرى قد تجري ولو على لسان كافر.
“من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته”(14).
إذا كبرت النفس شرفاً وقيمة عند صاحبها، واتّجهت اتجاهاً سامياً صارت مخالفة الشهوة أمرا هيّنا، بل ذات الشهوة تتحول إلى شيء خفيف الوزن في النفس أمام طريق السموّ، وأمام معالي الأمور، النفس التي تسمو إنما تشتهي في الأكثر معالي الأمور، ومعالي الأمور قد تشغلها كثيراً عن الشهوات.
“أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السّلام: اذكر أنّك ساكن القبر فيمنعك ذلك عن كثير من الشّهوات”(15).
انشداد النفس إلى اليوم الآخر، إلى يوم الاحتضار، وإلى يوم القبر، وإلى حياة البرزخ، وإلى يوم النشور، وإلى أهوال يوم القيامة يؤدّبها، ويضعها على الطريق الصحيح، ولا يراد من ذلك أن يموت دور النفس في هذه الحياة وإنما أن يترشّد، وإنما أن تحصل النفس على التوازن الذي يبنيها ويسعدها.
“من أحبّ الدّار الباقية لَها عن اللذَّات”(16).
وكان هذا دأب الأنبياء والمرسلين والأولياء. إنهم يكبرون كثيرا على اللذات ويتجاوزون كثيرا من اللذات بعد أن كانت قلوبهم معلّقة باليوم الآخر، وبالثواب العظيم والجزاء الضخم من الله عز وجل في اليوم الآخر.
“من وصيّة لأمير المؤمنين عليه السّلام وصّى بها شريح بن هانيء لما جعله على مقدمته إلى الشّام”:… واعلم أنّك إن لم تردع نفسك عن كثير ممّا تحبّ، مخافة مكروه، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضّرر، فكن لنفسك مانعاً رادعاً…”(17).
فمن جبهة المقاومة أن تجاهد النفس، أن تكابرها على باطلها، أن تكابرها على إسفافها وانحدارها، كلما أرادت النفس أن تسفّ في طريق الشهوات، وكلما أرادت النفس أن تسفل كلما وقفت بضراوة وقوة وجرأة في وجهها؛ هذه المجاهدة تعصمها في الكثير بإذن الله.
ضمان من الله:
“قال رسول الله صلى الله عليه آله: يقول الله عزّ وجل: وعزّتي وجلالي… لا يؤثر عبد هواي على هواه(18) إلاّ استحفظته ملائكتي(19) وكفّلت السَّماوات والأرضين (الأرض – خ) رزقه، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر وأتته الدّنيا وهي راغمة”(20).
الدنيا المكتوبة له والتي تأتي في صلاحه تأتيه راغمة.
وفي الحديث الآخر وهو من سياق الحديث الأول “قال الله عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي وعظمتي وبهائي وعلوّ ارتفاعي لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شيءٍ من أمر الدّنيا إلاَ جعلت غناه في نفسه(21)، وهمّته في آخرته(22)، وضمّنت السّماوات والأرض رزقه، وكنت له من رواء تجارة كلّ تاجر”(23).
فصلاح دنيا وصلاح نفس وصلاح آخرة كل ذلك يأتي في ضمان الله عزّ وجل لمن غلّب محبة الله وإرادة الله على إرادة النفس الأمّارة بالسوء.
وأنت حين تصوم، وحين تصلّي، وحين تقوم بأي تكليف فأنت تمارس المقاومة ضدّ الهوى، فعليك بلزوم التكاليف وكلما استطعت أن تتفاعل إيجابيّاً مع المستحبات كان ذلك رصيدا كبيرا في صالحك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الأطهار، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اهدنا لما اختُلف فيه من الحق، وأتمم لنا نورنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
الخطبة الثانية
الحمد لله الأوّل والآخِر، والظاهر والباطن. أوّلٌ لا أول له، وآخِر لا آخِر له، ظاهر لا ظاهر إلا من ظهوره، وباطن لا باطن إلا من بطونه، محيط بكل شيء و لا يحيط به شيء وهو العليُّ القدير، السميع البصير، العليم الخبير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله أوصيكم ونفسي القاصرة المقصّرة بتقوى الله، والاحتراس من استيلاء الغفلة على النفس، والتفريط المؤدي إليها، الموقع في محنتها، وعدم الاسترسال في اللامبالاة وحياة اللهو واللعب والضحك الطفولي، وعدم الاشتغال بالدنيا عن الآخرة؛ والأُولى فانية، والأخرى باقية؛ فعن رسول الله صلّى الله عليه وآله:”عجب لغافل وليس بمغفول عنه(24)، وعجب لطالب الدّنيا والموت يطلبه، وعجب لضاحك ملء فيه وهو لا يدري أرضي الله أم سخط له”(25).
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم بيّض وجوهنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين يوم تسودّ فيه الوجوه، ولا تسوِّد وجوهنا يوم تبيضّ فيه الوجوه.
اللهم صل وسلم على حبيبك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الطهرة الطاهرة الصديقة المعصومة، وعلى الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء العاملين، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، والمجاهدين في سبيلك وفّقهم جميعاً لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في دين الله فإلى هذه الكلمات:
أولاً: البابا يجترئ:
جَهِل البابا على دين الإسلام ونبي الإسلام، وقد سبقه الكثيرون في الجهل على دين الله الحق، وعلى الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، وإن شيئاً من ذلك لا يثلم من عظمة الإسلام إلا أن واجب المسلمين أن يقفوا في وجه كل هذه الجهالات.
البابا حينما أطلق كلماته غير المسؤولة إما أن يكون جاهلا بالإسلام فتديّنه بالمسيحية غير علمي، لأن عليه أن ينظر في الإسلام، وينظر في المسيحية ولا يقضي بأمر باتباع المسيحية أو الإسلام إلا بعد الدراسة والمقارنة، فإذا كان يجهل بالإسلام فمسيحيته شكلية، وتديّنه غير علمي بتاتاً، وإذا كان البابا قد عرف الإسلام فإن البابا لن يعرفه إلا عظيماً، ولن يعرف رسوله إلا كريما رحيماً، لن يعرف من الإسلام إلا الحق والعدل والبناء الصالح، ولن يعرف من الرسول صلى الله عليه وآله إلا الرحمة والرأفة بالناس {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(26).
الرسول يسجّل القرآن الكريم الذي جاء يُبشِّر به أنه رحمة للعالمين فيثبت على نفسه هذه الوظيفة، وهي أن يكون رحمة للعالمين.
نعم، الرسول صلى الله عليه وآله جادٌّ في أمر الإسلام، ويواجه المستكبرين والمستغلين في الأرض، ويعمل على تحكيم كلمة الله.
وما هو دور المسلمين بإزاء الجهالات التي ترتكب ضد الإسلام؟
على المسلمين وظيفتان:
وظيفة الرد الحكيم والقوي على كل هذه الجهالات، ووظيفة عرض الإسلام الوضّاء النوراني الحقّ إلى شعوب العالم.
وهذا العرض يقوم على ركيزتين: على الدور التبليغي الناجح والجاد، وعلى إيجاد القدوة: الشخصيات القدوة، والمجتمع القدوة، السياسة القدوة، الاقتصاد القدوة، الاجتماع القدوة، والمسلمين على تقصير كبير في كلا البُعدين. والأنظمة في البلاد الإسلامية في أكثرها إنما تُقدِّم نماذج من التخلف والظلم والطبقية والفوضى وعدم العدل، وبذلك تسيء كثيراً للإسلام.
ثانياً: دمج المسلمين:-
ينادي الغرب بسياسة الدمج للمسلمين في دياره، فما معنى هذا الدمج؟
لا ينادي بالتعايش السلمي الودي والتعاون على الخير بين المسلمين وغير المسلمين في تلك الديار، إنما الشعار الذي يرفعه ويصرّ عليه ويعمل من أجله ويضايق المسلمين بفاعلياته هو دمج المسلمين في المجتمع الغربي دمجاً يلغي الهوية، ويقضي على الدين، ويحوّل الإنسان المسلم في سلوكياته ومعايشاته إلى إنسان غربيّ بكل أبعاده النفسية وبكل أخطائه العملية.
الدمج يعني أن تتعرّى المرأة المسلمة هناك كما تتعرّى المرأة الغربية، وأن ترقص المرأة المسلمة والرجل المسلم كما يرقص الرجل الغربي والمرأة الغربية، أن يشرب المسلم والمسلمة الخمر ويستبيحانه كما يستبيحه الآخرون، أن يمتلئ المسلم ضحكاً، وتمتلئ المسلمة ضحكاً، وتُسرّ لمشهد العري ومشهد الفسق ومشهد الفحشاء، هذا هو الدمج المطلوب، وهذا الدمج لا يفرضه الغرب على المسلمين في دياره فقط وإنما يسعى جادّاً وبمعونة حكومات تحكم البلاد الإسلامية على تطبيقه في البلاد الإسلامية.
نحن في مجتمعاتنا يُراد لنا أن نندمج في الحضارة الغربية، أن نتنازل عن هويتنا، هم هناك يدمجون المسلمين في مجتمعاتهم بحيث يؤدّي ذلك إلى إلغاء الإسلام، أما نحن هنا فليس لنا أن نطلب منهم التعايش السلمي، وليس لنا أن نطلب منهم التعايش الودي بل علينا أن نندمج أيضاً في حضارتهم وأن نمسخ لنكون غربيين تماما في السقوط الغربي والتسافل الغربي.
ثالثاً: التقرير الفضيحة:
عرفنا أن البندر يُحال إلى المحاكمة، ولا شأن لنا في ذلك، ولكن أين الموقف الحكومي من المتورّطين الذين ينطلقون أحراراً وبلا مساءلة؟!
أسيبقى هذا العفو على طول الخط؟ ألأنهم مدلّلون؟ أم لأنهم ينفّذون خطّة حكومية؟
والمستندات التي قيل أنها ضُبطت في بيت البندر وتحتوي على معلومات من شأنها الإضرار على المصالح العليا للدولة، وإثارة الفتن بين أفرادها أمرٌ يدفع الشعب بإلحاح شديد للوقوف على أسراره وأبعاده، ما هي تلك المعلومات التي تضرّ بالمصالح العليا للدولة، والتي تفتّت المجتمع وتخلق الفتنة فيه؟ أليست هذه الأفكار المطروحة رسميّاً تلتقي في تأشير كبير جدّاً جدّاً مع مطروحات البندر؟ إنها لكذلك وهي تأكيد جديد لما جاء في ذلك التقرير.
إنها لأسئلة ملحّة: ما هو الحجم الحقيقي للتخطيط الخائن؟ إلى أين تمتدّ الشبكة؟ أين تقف؟ من أين ابتدأت؟ وأين تنتهي؟ ما هي الأهداف المحدّدة لها بالضبط؟
وإذا كان الظاهر القاسي المتجسّد في مثل مشروع التجنيس والتفرقة الطائفية والتمييز، هناك ما هو أكبر منه مما يتوجّب أن يُتستّر عليه فهو مصيبة كبرى ونحن أمام خطر كبير محدق، وإذا كنا متوهّمين فعلى الحكومة أن ترفع بتحقيق مكشوف تُشارك فيه المؤسسات الأهلية توهمنا، يتوجب على الحكومة أن ترفع هذا التوهم بنتائج واضحة لتحقيق موضوعي تشترك فيه الجمعيات الأهلية.
والصمت وعدم التحقيق، أو التحقيق الانفرادي الذي قد تدّعي الحكومة أنها تمارسه هو تصديق لما عليه ظنّنا بل يقيننا ما لم يأتِ ما يزيحه.
وهناك تقرير مزوّر كما تعرفون تناول الأبرياء وهو للتشكيك في التقرير الأصل، والتشويش عليه، وإيقاع من يُراد الإضرار به في التُّهمة. وإذا كانت هناك مصيبة فلتكن هذه المصيبة عامّة وليس بخاصة كما يهدف التقرير الثاني المزوّر.
رابعاً: مسألة الهلال:
باختصار صارت تمثّل محل اختلاف مزعج في الأوساط المسلمة والمؤمنة العامة. هذه المسألة التي تحوّلت إلى ظاهرة متعبة ينبغي النظر فيها.
الفقه الواصل للفقهاء وللمتشرِّعة يرشد إلى الأخذ في المسألة بالحجّة الوجدانية، والتعبد فيها بالحجة الشرعية، وعدم التقدّم عليهما أو التخلّف عنهما، وكلا الحجتين لا يؤديان بشكل حتميّ إلى وحدة الموقف، التوحّد الاعتباطي الكيفي في مسألة الهلال غير مقدورة شرعاً، والتوحّد الشرعي الطريق إليه ليس مفتوحاً بسهولة لأن الطريق الوجداني وهو أن أرى الهلال مثلا بنفسي لا يعني أن الآخرين يرونه معي، والطرق الشرعية المهولة يمكن أن تؤدي إلى اختلاف المكلّفين في الموقف، فالبيّنة قد تكون عادلة عند شخص ولا تكون عادلة عند شخص آخر. الشياع اشترطوا فيه أن يوجب العلم، والنفوس تختلف في تلقّيها، وفي درجة تصديقها سرعة وبطئاً، فالشياع الواحد بكل أبعاده ومواصفاته وقرائنه السلبية والإيجابية قد يُعطي يقيناً لشخص، واطمئناناً لشخص آخر، وظنّاً لشخص ثالث، ويُبقي على حالة الشك عند شخص آخر، وحكم الحاكم الشرعي وقع الاختلاف فيه، فإذاً ينبغي للمسلمين والمؤمنين أن يعملوا مقدار الجهد وبكل طاقة أوتوها على توحيد الموقف ولكن ليس عليهم أن يفرضوا دائماً أن الموقف يجب أن يتوحّد.
ما بيدنا لتلافي الاختلاف في المسألة ثلاثة أمور فيما أرى:
أولاً: الإعداد الجيّد للاستهلال، وهذه أكبر مقدّمة يُتوقّع لها الإنتاج. يمكن أن يُنتقى من كل قرية ومن كل منطقة عدد من المؤمنين ممن يتوفرون على سلامة البصر وقوّته، وممن يُعرفون بالوثاقة فإذا بلغ العدد مائة مثلا في البحرين من أناس يتمتعون بالوثاقة في الأوساط المؤمنة، ويحملون الشهادة الطبية لسلامة البصر هنا سنتوفر على مقدمة جيّدة جداً تعين على طريق إثبات الهلال أو عدمه، إذا كان هناك هلال فسنحصل على عدد يُطمئن إليه من الشهود من هذه الشريحة المتميّزة، وهذا أمر ليس بالصعب، ويمكن أن يُراجع في ذلك المجلس العلمائي ليقوم بإتمام العملية بكاملها.
الأمر الآخر: هو أن يلتفت الإخوة المؤمنون إلى أن الخلاف على مسألة الهلال قد يأتي خلافاً على مسألة شرعية ولا غير، وقد يفرض نفسه أحياناً ليس على الساحة البحرينية فقط وإنما على كل ساحاتنا الإيمانية والإسلامية وفي كل مكان. فبرغم عدالة الفقهاء وحرصهم على وحدة الموقف، وإدراكهم لخطورة الاختلاف إلا أن الظروف الموضوعية للاستهلال ومجمل ما يدخل في هذه العمليّة قد يفرض عليهم الاختلاف في موقف الإثبات للهلال وعدمه.
الأمر الآخر: أن يرعى العلماء حرمة بعضهم البعض، وأن يكونوا أول من يدرك بأن الخلاف في الهلال لا يستوجب القذف ولا استباحة العِرض ولا النيل من الشخص.
صاحبي قامت عنده الحجة على الصيام فعليه أن يصوم، قامت عنده الحجة على الإفطار فعليه أن يفطر، آخر لم تقم عنده هذه الحجة فلا بد أن يختلف موقفه.
ويقف المكلفان قبيل الفجر يستطلعان الإطلالة الأولى للفجر الصادق، فيتضح الفجر لأحدهما فتكون وظيفته الشرعية له أن يصلي، ويستحب له أن يبادر بالصلاة في أول الفجر، الثاني لم يحصل عنده الاطمئنان من رؤية الأول ولو لعدم ثقته في بصره، أو لمعرفته به أنه سريع التصديق وما إلى ذلك وهو لم يرَ الفجر فعليه أن يتريّث وهما صديقان حبيبان.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نسألك الهدى والعفاف والتقى والعمل بما تحب وترضى يا حميد يا مجيد يا رحيم يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(27)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 131/ النساء.
2 – ميزان الحكمة ج10 ص384.
3 – والمعني من اللذات والمقتنيات ما حرُم أو ما كان فيه إيغال شديد وحتى لو كان مباحاً مما يصرف النفس عن المهام الكبيرة التي تصلحها.أما اللذات والمقتنيات الحلال وللحد الذي يساعد الإنسان على أداء دوره الصحيح في هذه الحياة فهي أمر مقبول، ومحبوب.
4 – المصدر نفسه.
5 – المصدر نفسه.
6 – وفي بعض النسخ (إذا مرّ بك أمران) وخرّ به أمر أي نزل به وأهمه/ مح.
7 – المصدر ص 385.
8 – المصدر ص387.
9 – ومن قوي على نفسه قوي على كثير من العمل، وكثير من الصبر على الصعاب، ومن مواجهة التحديات، ومواصلة خط الصمود والسمو.
10 – المصدر نفسه.
11 – يعني كان محل مغالبة الأشداء، وكان لا يطيق حمله إلا الشديد من الرجال، وبذلك أُعطي اسم حجر الأشدّاء.
12 – المصدر ص388.
13 – المصدر ص388.
14 – المصدر نفسه.
15 – المصدر نفسه.
16 – المصدر ص 389.
17 – المصدر نفسه.
18 – التعبير للمجاراة، الله عقل، الله علم، الله كمال. هواه بمعنى المحبة، والله لا يحب إلا الخير والحق والعدل والصلاح.
19 – أي كلّفت ملائكتي بحفظه. اطلب جندا فوق كل جند، واطلب حراساً فوق كل حرّاس، جندا وحراسا يحرسون منك جسدك وعقلك وقلبك وروحك ونفسك وإرادتك وهم الملائكة بإذن الله.
20 – المصدر ص 391.
21 – وهو الكنز الثمين الذي لا ينفد.
22 – أنقله من الاهتمامات اللعبية اللهوية إلى الاهتمام الجاد الكبير الذي يثقّل ميزانه في اليوم الآخر، ويريه أن حياته كانت رابحة بالفعل.
23 – المصدر ص392.
24 – ملكان على اليمين وعلى الشمال، وملك الموت مترصّد، والله يعلم كل خافية من النفس، أجل متكوب، فالمرء ليس مغفولاً عنه، وليس من فعل نمارسه في غفلة من غفلاتنا التي تسلينا فيها إلا وهو مرصود، هذه الغفلة التي نتحمل مسؤوليتها. هناك غفلة لا نتحمل مسؤوليتها وغفلة نتحمل مسؤوليتها، الغفلة القائمة على التفريط نتحمل مسؤوليتها.
25 – ميزان الحكمة ج7 ص261.
26 – 107/ الأنبياء.
27 – 90/ النحل.