خطبة الجمعة رقم (249) 4 جمادى الثاني 1427هـ – 30 يونيو 2006م

مواضيع الخطبة:

حديث الهداية: متابعة + أولاً: بين حكومة الفقيه وغيره: تتمة + ثانياً: مع المعتقلين

 نحن نطالب بإطلاق الشباب القابعين وراء القضبان الحديدية في هذا الحر الشديد والذين يُعاملون معاملة أصحاب الجرائم الخلقية، ولا يمتازون بأي خصوصية للمعتقل السياسي في السجون، وهم يخضعون لظروف الاعتقال الذي يخضع له أولئك، ويُعانون من تلوّث الجو البيئي المعنوي بدرجة مهولة.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي هدى الإنسان للحقِّ ودعاه إليه، وأراه الباطل وحذّره منه، وبصَّره عقلاً وشرعاً بالخير والشر، وزيَّن له الأول، وأمره به، وقبَّح له الثاني ونهاه عنه، وأعدّ للمحسنين إحساناً، وللمسيئين نيراناً، وجازى بالحسنة أمثالها، ولم يُجزِ بالسيئة إلا مثلها، وفتح باب التوبة، وتفضّل بالعفو والمغفرة.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ومجاذبة الشيطان قيادَنا، وعدم الاستسلام لتزيينه وتقبيحه، وترغيبه وترهيبه، فإنه لا يزال يطمَعُ في المرء إلا من عَصَم الله من المخلَصين أن يُسلم له قياده ليعدل به عن طريق الطاعة لله تبارك وتعالى، ويُلزمَه طريق معصيته، وينتهي به إلى غضبه، ويدخله جهنم وبئس القرار.
وللشيطان جند من النّاس كثيرون فلا يأمن العاقل من مكرهم وخداعهم ووسوستهم، ولا بد من مجاذبته لهم كمجاذبته للشيطان، والتحذّر منهم كما يُتحذّر منه.
(من كتاب لأمير المؤمنين عليه السّلام إلى معاوية):”إِحذر يوماً يغتبط فيه من أَحْمَدَ عاقبة عمله، ويندم من أمكن الشّيطانُ من قياده فلم يُجاذبه”(1).
وفاز من كاد الشيطان أن ييأس منه بمجاهدة النفس، ولزوم طريق الطاعة للرب، والاعتصام به، والتوكل عليه، واللجأ إلى حصنه وحماه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الأخيار، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا جميعاً في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد، واحمنا بحماك، وادرأ عنا الشيطان الرَّجيم، وادفع عنا كل سوء برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها الأخوة والأخوات في الإيمان فهذه عودة إلى حديث الهداية:
أولاً: لا يُجنى من الشوك العنب:
نقرأ هذا في مثل هذه النصوص الكريمة:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(2).
{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }(3).
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(4).
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}(5).
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }(6).
ومحالٌ أن يكون الطريق إلى الهداية، أن يكون الطريق إلى مزيدٍ من عناية الله، وإلى مزيد من هداياته، وإلى القرب من رحمته الظلم، الكفر، الفسوق، الإسراف، الكذب.
كل ذلك لا يمكن أن يكون طريقا للبناء، لا يمكن أن يكون طريقا للكمال، وهدايات الله كمالٌ، ورحمته كمال، وإفاضاته كمال. طريق الإفاضات الإلهية الإضافية، وطريق هداياته الخاصة هو طريق الاستقامة على طريقه، طريق العدل، الإيمان، التقوى، الاعتدال، الصدق، هذا هو الطريق المنتج لمزيد من إنسانية الإنسان، ولمزيد من كماله، وللقرب الإلهي.
وآياتٌ أخرى تقول:
{يُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ }(7).
{ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ}(8).
{يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ}(9).
{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ}(10).
الظلم، الكفر، الإسراف، الشك، الفسق طريق، وهو طريق للخسار، طريق لمزيد من الضلال، طريق لمزيد من الضياع، لمزيد من التيه، للتدهور، للتبعثر، للسقوط، للانحدار.
طريقان: طريق للكمال، وطريق للنقص، طريق للعلوّ، وطريق للهبوط، طريق الهبوط هو طريق الظلم والكفر والفسق إلخ، طريق السمو والهداية هو طريق العدل طريق الإيمان.
نعم، هناك نتيجة للظلم، للكفر، للإسراف، للارتياب، للفسق، وهي نتيجة الضلال والضياع والتيه والانحدار.
وقد تكرر هذا الأمر وهو أن العلاقة بين الأسباب والمسبّبات لا تعمل بالصورة الحتمية بإذن الله في خصوص عالم الحسّ، إنما العلّية بين السبب والمسبَّب، بين العلّة والمعلول نافذة جارية ماضية في عالم المعنى، في عالم النفس، في عالم الفكر، في عالم الروح، في عالم الذات الإنسانية كما هو الأمر تماماً في عالم الحسّ. لن يلقى أحد نتائج معنويّة إيجابية من خلال مقدّمات منحرفة. المقدمات المنحرفة تعطي نتائجها السلبية، المقدّمات القويمة تعطي نتائجها الإيجابية.
“عن الهاشميّ قال: سألت أبا عبدالله جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن قول الله عزّ وجلّ: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً}(11) فقال: إنّ الله تبارك وتعالى يضلّ الظّالمين عن دار كرامته(12) ويهدي أهل الإيمان والعمل الصّالح إلى جنّته(13) كما قال عزّ وجلّ:{وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ}(14)…”(15).
فهذا الإضلال ليس إضلالا اعتباريا، وليس إضلالا خارج القانون، لا يلزم أن نحمل هذا الإضلال على أنه أمرٌ غيبيٌّ فوق ما تقتضيه العلاقة بين العلة والمعلول في عالم المعنى وهي من جعل الله تبارك وتعالى وتقديره.
“إنّ الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنّما غضبه على من لم يقبل منه رضاه، وإنّما يمنع من لم يقبل منه عطاه، وإنّما يضلّ من لم يقبل منه هداه”(16).
الله فتح للناس طريق الهدى، فمن هو الضّال؟ الذي يرفض هدى الله. من هو صاحب النار؟ الذي يرفض طريق الجنّة، فليس فوق رفض طريق الجنة شيء آخر يمكن أن يسمى ضلالاً من الله ليوصل إلى النار، فذلك الرفض هو ضلال العبد الذي فعله بنفسه. وليس فوق رفض طريق الهدى أمر آخر يُحتاج فيه إلى الضلال، حتماً سيقع من يترك طريق الهداية في طريق الضلال، ومن يترك طريق الجنة في طريق النار.
ثانياً: هذه لله وحده:
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}(17).
وفي الحديث:”بُعثت داعياً ومبلّغاً وليس إليّ من الهدى شيء، وخُلق إبليس مزيّناً وليس إليه من الضّلالة شيء”(18).
سبق أنّ الهداية هداياتان: هداية بالإراءة، وهداية بالإيصال، هداية الإراءة تصح في حق رسول الله صلى الله عليه وآله، تصح في حق الممكنات، بإفاضة من الله تبارك وتعالى، فرسول الله صلى الله عليه وآله يُري الناس الحق من خلال البيان، من خلال القدوة الحسنة، من خلال المنهج اللاحب، ولكنه لا يصنع الهداية في القلوب، ولا يملك العُلقة التكوينية بين ما يهدي وصُنع الهداية. إنتاج الهداية بكلمة الحق، إنتاج الهداية من التذكير، من الوعظ، من العلم كلّ ذلك راجع إلى العُلقة العلّية بين هذه الأسباب وبين مسبَّباتها، وهذه العلقة ليست إلا بيد الله تبارك وتعالى. فصنع الهداية للأرواح والعقول والقلوب إنما هو بيد الله تبارك وتعالى، ما يملكه الرسول صلى الله عليه وآله هو أن يطرح على الناس أسباب الهداية، هو أن يريهم الطريق، وليس أن يصل بهم تكوينيا إلى غاية الطريق.
هذا في جانب الهداية، وكذلك في جانب الضلالة، فإنّ إبليس لا يملك علينا قلوبنا، ولا يسيطر منا على نفوسنا، إنما يملك التزيين، إنما يملك التقبيح، يُزيّن القبيح، ويُقبّح الجميل، أما تأثير هذا التزيين والتقبيح فهو بيد الله تبارك وتعالى مع توسّط الإرادة الإنسانية بين تزيين إبليس والفعل الذي يشير إليه التي جعلها الله تبارك وتعالى سببا من الأسباب التي تستوجب في حكمته وتقديره حدوث الأفعال في المساحة الاختيارية من حياة الإنسان.
{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}(19) ماذا يعني قولنا: اهدانا الصراط المستقيم؟
مما يعني هذا القول وهذا الدعاء: هو طلب الإراءة التامّة والشاملة. نحن طريق الصراط المستقيم، ولكن ربما كانت رؤيتنا لهذا الطريق غير تامة ولا شاملة لكل تفاصيله وجزئياته. فنحن نطلب الإراءة التامّة للصراط المستقيم.
أيضاً مما يعنيه هذا الدعاء: طلب استمرار الإراءة، واستمرار الإراءة إنما يتم بإراءات جديدة ومتدفّقة. الرؤية التي تتوفر عليها اللحظة للطريق المستقيم لا تملكها استمراراً، ولا تُقيم معك أبدا، وأنت في اللحظة الثانية تحتاج إلى هداية جديدة من الله عز وجل، فلست – وأنت المخلوق -، ولستُ – وأنا المخلوق – اللذين يمكن أن نستمسك بخير في يدنا، ولا استمساك بخير إلا بتمسيك من الله سبحانه وتعالى في كل لحظة من لحظات الوجود.
فإذاً نحن نطلب الهداية للصراط المستقيم دائما وأبدا، ونعيش حالة الحاجة الملحّة لطلب الهداية من الله في كل آناء من الآناء، وفي كل لحظة من اللحظات.
ومما يعنيه هذا الدعاء: هو طلب الأخذ بالعقل والقلب والإرادة إلى الصراط المستقيم، وملازمته، والإيصال إلى الغاية التي ينتهى إليها من الكمال الإنساني، ونيل الرضا الإلهي.
هذه الهداية فوق هداية الإراءة، فهي هداية التوفيق، وهداية العناية الخاصّة، وعناية اللطف الإلهي الخاص المُسدِّد والموجِّه والآخذ بالقلب إلى هداياته، وإلى طريق سعادته.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين مغفرة حتماً جزماً، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم اهدنا صراطك المستقيم، واجعلنا من سعداء يوم الدِّين، وأهل جنّة النعيم. اللهم جنِّبنا شرّ الدارين، ولقّنا خيرهما، وارفع درجتنا عندك، وأكرم مثوانا يوم الرجوع.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) }

الخطبة الثانية

الحمد لله الملك الحقِّ المبين، له الحكم في التكوين والتشريع. والعدل في شريعته، والحكم لمنصوبه، والسعادةُ في منهجه، والعاقبة لمن استجاب له، ودخل راضياً في بيعته وطاعته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
علينا عباد الله بتقوى الله، فهي حقُّه الثابت على العباد، وهي التي أوجب بها تبارك وتعالى حقّاً لهم عليه بإنقاذهم من النار وإكرامهم بالجنة، وإسعادهم في الدنيا والآخرة. والتقوى خير، ولا يُطلب الخير إلا من الله، وهي صلاح، ولا صلاح لعبد إلا باللجأ إليه، وهي واقية من عذاب الله دافعة لغضبه سبحانه، ولا يردُّ غضبه إلا طاعتُه وتقواه، ومن صان التقوى صانته، ومن أخذ بها أخذت به إلى الكرامة والنعيم. عن أمير المؤمنين عليه السلام:”أُوصيكم بتقوى الله فإنّها حق الله عليكم والموجبة على الله حقّكم، وأن تستعينوا عليها بالله، وتستعينوا بها على الله(20)…. ألا فصونوها وتَصوَّنوا بها”(21).
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم افعل بنا ما أنت أهله يا أهل الكرم والجود والخير والعفو والمغفرة والرحمة والفضل والإحسان والامتنان.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى عليٍّ أمير المؤمنين وإمام المتّقين، وعلى فاطمةَ الزهراء الصّدّيقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، وعجّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحُفَّه بملائكتك المقرَّبين، وأيِّده بروح القدس يا رب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك. اللهم وفق المؤمنين والمؤمنات أجمعين لما تحب وترضى وانصرهم نصراً عزيزاً.
أما بعد فالحديث في التالي:
أولاً: بين حكومة الفقيه وغيره: تتمة:
1. مشتركات ومفترقات:
من المشتركات بين حكومة الفقيه وغيره، الاستماع إلى أهل الخبرة والمشورة، فلا بد للفقيه من أن يستمع إلى أهل الخبرة والمشورة كغيره، من الحكّام الذين يطلبون رأيا ناضجا، واستقراءً دقيقا للحالة الموضوعية من أجل أن يبني عليها الحكم الصحيح.
يُضاف إلى ذلك أنه لا بد من مرجعية دستورية وقانونية، فكما يرجع الحكّام الآخرون إلى دستور وقانون فالفقيه لا بد أن يرجع إلى دستور وقانون.
يُطلب من أي حاكم أن يفهم حكم الدستور والقانون، ولا يكون إمّعة، وأعمىً يُقاد على الطريق، لا بد له من أن يفهم الحكم الدستوري والقانوني.
بعد الاستماع إلى أهل الخبرة والمشورة ترجع إلى الفقيه كغيره من الحكام سلطة تشخيص الموضوع على أنه لا بد أن يكون هو من أهل الخبرة، وقادرا فيما لا خبرة له واسعة على فهم رأي أهل الخبرة.
تكون له سلطة تشخيص الموضوع بعد الاستماع لأهل الخبرة والمشورة، ثم سلطة إمضاء الحكم، فليس من حاكم فقيه أو غيره إلا ولا بد أن تكون له سلطة إمضاء الحكم بالقوة لإدارة المجتمع وضبط الأوضاع والدفع بالمستوى العام السياسي والاقتصادي والثقافي والخلقي والروحي وكل المستويات الأخرى على طريق التقدم. هذه مشتركات.
وهناك مفترقات:
مرجع الشرعية: تفترق حكومة الفقيه عن أي حكومة أخرى في:
1) مرجعيتها الشرعية؛ من الحكّام من يرجعون إلى حقّ الوراثة، ومن الحكّام من يرجعون إلى الرأي العام الغالب، ومن الحكّام من يرجع إلى قفزه من خلال ثورة عارمة تُمكّنه من الإمساك بالقوّة، أما الفقيه فمرجعيته تبدأ من الإذن الإلهي، وينضاف إلى ذلك بيعة الأمة.
حكومة الفقيه وعلى المستوى الشأني(22)؛ هذا الأمر مرجعه إلى الأمر الإلهي وإلى التشريع الإلهي، والحكومة الفعلية للفقيه لا بد لها من بيعة.
فيوجد مصدران لهذه الحكومة الفعلية هو مصدر التشريع الإلهي والإذن الإلهي، ومصدر بيعة المحكومين للحاكم.
2) الشروط:-
شروط الحاكم الفقيه تختلف عن شروط الحاكم غير الفقيه:
لا بد من علم الدين، لا بد من الفقه للحاكم الفقيه، وهذا غير مراعي في غيره ممن يُقابله. عنصر التقوى نجده مأخوذا بقوة في اعتبار حاكمية الفقيه، ولا حساب له في الحكومات الأخرى. تقوى الله، خوف الله، تقديم أمر الله ونهيه على أمر غيره فارقٌ بين الحكومتين، وهذه الخلفية خلفية تُمثّل ضمانة عالية جدا لحفظ الأمانة، والسير على الطريق القويم.
الخبرة والكفاءة، قد تكون مشتركة ولكن إذا كان هناك تسامح في هذا الشرط بالنسبة لغير الفقيه فلا تسامح بالنسبة لحكومة الفقيه، فلا بد من خبرة وكفاءة.
2. مغالطات وتهويل:
تسمعون عن حكومة الفقيه السياسية، وعن مرجعية العلماء الاجتماعية أن في ذلك رجوعا إلى طاغية، لا يسمع رأيا، ولا يأذن بكلمة. هكذا يُصوّر الفقيه الحاكم، ويُصوّر العالم إذا تصدّر مسألة اجتماعية: إنه طاغية لا يسمع رأياً، ولا يأذن بكلمة، ولا يجوز عليه نقد، استبداد كامل في الرأي، قلة خبرة، معبود من دون الله، مؤلّه، مصنّم، قداسة كاذبة، كل هذا تُوصف به مرجعية الفقيه السياسية ومرجعية العالم الاجتماعية.
لو حصل هذا، وأن حكومة الفقيه تُلازمها كل هذه الأوصاف والعيوب، وتُبرّأ منها حكومة غير الفقيه، فإذاً لا بد أن يكون مردّ هذه العيوب والسلبيات في حكومة الفقيه السياسية ومرجعية العالم الاجتماعية إلتى ما أُخذ فيه من شرط العلم بالدين والتقوى، فمعنى ذلك أن الشرطين المتميّزين الذين أُخذا في حكومة الفقيه وهو أن يكون عالماً في الدين، وعلى تقوىً شديدة من الله تبارك وتعالى، هما العلة وراء انحرافات الفقيه، وراء استكبار الفقيه، وراء تألّه الفقيه، استبداد الفقيه، طغيان الفقيه. هل ترى من تناسب بين شرط العلم وشرط التقوى المأخوذين في حكومة الفقيه وبين كل هذه النتائج السلبية؟! أما الجهل، أما الفسق، أما التساهل في الدين فيُنتج تواضعا، ويُنتج سماعا للرأي الآخر، ويُنتج خبرة وكفاءة ويُنتج تساهلا مع الناس؟!
ثانياً: مع المعتقلين:
تجدون أنه يطول السكوت عن قضية المعتقلين، على أنهم شباب أعزّاء كرام من شباب هذا الوطن الكريم، وحقّهم ثابت في ذمّة الجميع، فلماذا يطول السكوت عن قضيتهم؟! لأنه إذا كان المطروح هو الكلمة فالكلمة دورها إما التذكير وإما التأثير بإنتاج المطلوب مباشرة.
الحكومة لا تسمع لكلمة، ولا تُصغي أذناً لنصح، والشعب ذاكرته حيّة بالنسبة لقضية المعتقلين وكل قضاياه المأساوية الأخرى.
بتخطيط مدروس، أو بموقف ارتجالي غير مدروس كانت حادثة المطار من قبل الحكومة، وباستهداف مسبّق، أو بنتجية حتمية طبيعية كان الاستفزاز وإشعال نار الفتنة. وهذه الحادثة وما أعقبته بهذه الخلفية الخاصة إنما تكون من مسؤولية الحكومة، ولذلك فنحن نطالب بإطلاق الشباب القابعين وراء القضبان الحديدية في هذا الحر الشديد والذين يُعاملون معاملة أصحاب الجرائم الخلقية، ولا يمتازون بأي خصوصية للمعتقل السياسي في السجون، وهم يخضعون لظروف الاعتقال الذي يخضع له أولئك، ويُعانون من تلوّث الجو البيئي المعنوي بدرجة مهولة، فإلى جانب القسوة الجسدية ولو بلحاظ ظروف الحر الشديد يُوجد جوّ معنوي ملوّث فتّاك.
وقد بحّت أصوات أهالي المعتقلين وغيرهم بنداءات الإفراج، والحكومة لا تسمع نداء استرحام ولا احتجاج، ولا تكترث لمظاهرة أو اعتصام، ولا تعير اهتماماً لكل الوسائل السلمية، وكأنها تريد أن تُيئِّسَ من فاعلية هذه الوسائل لتُوقع البلد في فتنة، وتغرقها في محنة.
مطالبة الجمعيات السياسية وكل العقلاء والشرفاء والمنظّمات الحقوقية ليست تعدُّ ترفاً، وإنما هي واجب حتمي. لا بد أن يطالب الجميع بإنهاء محنة الشباب المعتقلين، وأن يُبذل أقصى ما في الوسع لإنهاء مأساة هؤلاء الأعزّاء.
ونحن نعرف أن الحكومة تتغاضى عن أحداث أخطر من حادثة المطار وما أعقبها من تداعيات، وهذا جيد، لأنه لم يرجع بأثر عكسي وإنما كان مساعدا على تهدئة الفتنة. ونحن نفرح بفرج أي مواطن، وللتسهيل على أي مواطن بما يخدم مصلحة الوطن، ويبعُد به عن المنزلقات.
نعم إن ذلك التغاضي ربما أنتج تهدئة، وجنّب فتنة وهذا ما نطلبه، ولكن الحكومة في جانب آخر من مثل حادثة المطار وما استتبعته نراها تصرّ أن تكون على أشد تشدّد، وأصلب تصلّب، ما التفسير؟ ما الخلفية؟ ما السر؟ ما الفرق؟
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى، وآله الأخيار الأطهار، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا ومن يعنينا أمره، ومن أحسن إلينا إحسانا خاصا من المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا ربنا إنك أنت التواب الرحيم.
ربّنا سلّم لنا ديننا ودنيانا، واجعل أكبر مصيبة نخشاها على أنفسنا مصيبةَ الدين، وأول ما نفر منه استحقاق غضبك، واجعل رضانا من رضاك، وسخطنا من سخطك يا كريم يا منيل، يا رحمن يا رحيم.
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج10 ص45.
2 – 50/ القصص.
3 – 67/ المائدة.
4 – 6/ المنافقون.
5 – 28/ غافر.
6 – 3/ الزمر.
7 – 27/ إبراهيم.
8 – 74/ غافر.
9 – 34/ غافر.
10 – 26/ البقرة.
11 – 17/ الكهف.
12 – للجنة طريق يهدي إليها، الطريق الذي يهدي إلى الجنة ويُوصل صاحبه إليها هو طريق الطاعة، طريق الإيمان، طريق العدل. أما طريق الانحراف، طريق الظلم، طريق الضلال فلا يمكن أن يُوصل صاحبه إلى الجنة بحسب العُلقة العلّية التي جعلها الله تبارك وتعالى بين العلل والمعلولات، بين الأسباب والمسبَّبات. ما جُعل علّة للجنة، هو طريق الهداية، طريق الصواب، ما جُعل علّة للنار هو طريق الضلال، فلا يمكن أن يهدي الله تبارك وتعالى بحسب هذا القانون العام أصحاب الغواية، والضلالة إلى الجنة.
13 – بجعل الطريق، الله عزّ وجل جعل الإيمان طريقا تكوينيا من خلال بنائه الروح، بنائه النفس، بنائه الفكر، بنائه السلوك القويم، جعل لهذا الطريق العلّية لإيصال الجنة.
14 – 27/ إبراهيم.
15 – ميزان الحكمة ج10 ص331.
16 – ميزان الحكمة ج10 ص332.
17 – 56/ القصص.
18 – ميزان الحكمة ج10 ص 327.
19 – 6/ الفاتحة.
20 – على غضب الله، على نقمة الله.
21 – ميزان الحكمة ج10 ص 622.
22 – أي بأن يكون من شأن الفقيه أن يحكم، ومن حق الفقيه أن يحكم.

زر الذهاب إلى الأعلى