خطبة الجمعة رقم (247) 19 جمادى الأول 1427هـ – 16 يونيو 2006م
مواضيع الخطبة:
حديث في النية + المنهج الرسمي للتربية الدينية
أيها النّاس: دين الدولة الإسلام، ومنهج التربية الدينية يتحرّك ضمن هذا الإطار، فهل الصلاة المأخوذة من الإمام جعفر الصادق تُخرج عن الإسلام وتهدمه؟! وتقوِّض الأوطان؟! ولا تبقي للمسلمين وحدة بينهم على الإطلاق؟!
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا تفي طاعة المطيعين بحقّه، ولا تُنال جنَّتُه إلا برحمته، ولا يتعاظم ذنبُ المذنبين عفوَه ومغفرتَه، ولا يجاوز أحدٌ بمنعةٍ عدلَه.
أشهد أن لا إلا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله، والتقرُّب إليه بالإحسان إلى خلقه بالإعمال على تفريج الكرب وتنفيس الهم، وغوث الملهوف، وهداية الضّال، ونصرة المظلوم، ونُصْح الظالم، وإشباع الجائع، وقضاء حاجة المحتاج، والسعي بالخير للناس من غير منٍّ ولا تكبّرٍ ولا تعاظم.
ويكفي في الحث على هذا ما عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):”من نفّس عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه سبعين كربة من كرب الآخرة”(1)، وما عن الصادق (عليه السلام):”من نفّس عن مؤمن كربة نفّس الله عنه كرب الآخرة، وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد”(2) وتنفيس سبعين كربة لا يتنافى مع تنفيس كل الكرب.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أنفع عبادك لعبادك في طاعتك، وأبعدهم من مضرة خلقك من خشيتك، ومن أورعهم عن محارمك لهيبتك، وأرغبهم في عبادتك اعترافاً بحقِّك، وتعلّقاً برضاك يا حميد يا مجيد، يا رحيم يا كريم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه عودة للحديث عن النية تحت العنوانين الآتيين:
1. النّيّة أكبر:
تُقرِّر الأحاديث أن النيّة أكبر قيمة من العمل، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك.
“نيّة المؤمن خيرٌ من عمله، ونيّة الفاجر شرٌّ من عمله”(3).
العمل اليدو يجهد ويُضني، فيه تصبّب عرق، وفيه بذل طاقة، واستنزاف قوى، والنية ليست إلا أمراً نفسيّاً، فواعجباه.. كيف تكون النيّة عند المؤمن خيراً عمله؟! ولكن لا عجب، لأن مجاهدة النفس على الاستقامة، وإخلاص القصد إلى الله أكبر وأكبر وأكبر من كلّ ما يتحمّله البدن من تعب، والبدن إنما يتحمّل التعب في ضوء النّيّة.
والنّيّة قد تقبح وقد تأتي جميلة، وجمال النية، صفاء النية، إخلاص النية لله عزّ وجل يحتاج إلى التربية الطويلة، ومجاهدة كبيرة جدّاً. فقد يتغلب أحدنا على تعب البدن، ولكن من الصعب جدّاً أن يستقيم بنفسه على النّيّة الخالصة.
“ونيّة الفاجر شرٌّ من عمله” إذا كان قتله قبيحاً، زناه قبيحاً، فإن القبح في نفسه أكبر من قبح عمله، عمله سيء قبيح جدّا، ولكن نفسه أظلم، وأقبح وأسوأ.
“نيّة المؤمن خير من عمله، ونيّة الفاجر شرٌّ من عمله، وكلّ عامل يعمل على نيّته”(4).
وفي وجوه كون نية الخير أحسن من عمل الخير، ونية الشر أقبح من عمل الشر، تأتي هذه الأحاديث:
“عن زيد الشّحّام، قال: قلت لأبي عبدالله(5) عليه السّلام: إنّي سمعتك تقول: نيّة المؤمن خير من عمله فكيف تكون النيّة خيراً من العمل؟. قال: لأنّ العمل ربّما كان رياء المخلوقين، والنيّة خالصة لربّ العالمين، فيعطي عزّ وجلّ على النيّة ما لا يعطي على العمل”(6).
خيرٌ في العاقبة، نية المؤمن خيرٌ من عمل المؤمن بما هو عمل، وليس بما أنّه عملٌ صادر عن نيّة حسنة، العمل من المؤمن بعنوانه العام يمكن أن يأتي رياءً، هذا العمل وإن حسن في عيون الناس إلا أنّه قبيح في عين الله تبارك وتعالى.
أما النيّة حين تكون نية خير فحتّى لو لم يتوفّق العبد المؤمن إلى العمل المطابق لنيّته فإنها تعني جمال الداخل، وتعني طهره، وسلامته، وسلامة الداخل هي مصب نظر الله تبارك وتعالى، وهي محل اهتمام الإسلام. وما يجدي الإنسان هو أن ينبني بناءً صحيحاً في داخله.
كل ما تكسبه اليد من عمل صالح أو سيء مماله مردوده الإيجابي في هذه الحياة – فيما يتراءى للعبد- مفصول عن بناء داخله البناء الصالح إذا أتى عن نيّة سوء، وماذا يجدي الإنسان أن يأتي على يده العمل الصالح بينما تنطوي نفسه على القبح الشديد؟!
أنت تسعد لجمال داخلك، أنت تكسب موقعا عند الله بحسن نيّتك، ببنائك الصالح الداخلي، وتتبوأ موقعك في الجنة بمقدار ما أنت عليه من صلاح القلب والضمير، وليس لما كسبت اليد من عمل صالح أو سيء وراءه نيّة سوداء.
جمال الداخل هو المهم للإنسان، فالسعادة لا ترتبط بجمال الخارج بمقدار ما ترتبط بجمال الداخل.
في أسوأ الظروف وأحلكها حين يكون القلب موصولا بالله، وحين تكون الثقة به كبيرة، والإيمان بالهدف شديدا، والرضا بقدر الله قائما يشعر المرء بالسعادة.
وفي أحسن الظروف والنفس تعيش حالة قلق، حالة خوف، حالة اضطراب، حالة توقّع شر، حالة عدم رضا بما قسم الله سبحانه وتعالى فاللحظة لحظة شقاء.
“نيّة المؤمن خير من عمله، وذلك لأنّه ينوي من الخير ما لا يدركه، ونيّة الكافر شرّ من عمله، وذلك لأنّ الكافر ينوي الشّرّ ويأمل من الشّر ما لا يدركه”(7).
النفوس الطيبة الطاهرة تُعطي من جهدها ما تستطيع، ولكنها تستبطن نية الخير بأكبر من كل ما تستطيع أن تفعله منه، طموحات المؤمن أن يصلح هذه الدنيا بكاملها، أن لا يشقى إنسان على وجه الأرض، طموحات المؤمن أن يقضي حاجة كل محتاج يستحق قضاء حاجته، أن ينشر العدل والهدى في كل ربوع الأرض. كل هذا وبمجموعه لا يستطيع المؤمن أن يُحقِّقه في الخارج، ولكنه في عالم نفسه مستهدف لكل ذلك، فإذاً نيّته خيرٌ من عمله، والكافر يهدم في هذه الحياة، يقتل، ويفجر، ويظلم، ولكن كل ذلك لا يُغذّي حالة الشّرّ في نفسه، حالة الشّرّ متفاقمة بصورة أكبر من كل ما تكسبه يده من سوء وقبيح في الأرض.
أيضا في صفة المؤمن وفي هذا السياق؛ سياق كون نيّة المؤمن خيراً من عمله “(في صفة المؤمن) لا يبلغ بنيّته إرادته في الخير(8)، ينوي كثيراً من الخير ويعمل بطائفة منه ويتلهّف على ما فاته من الخير كيف لم يعمل به”(9).
فهذا الإشعاع في حياة المؤمنين من خلال العمل الصالح، من خلال الخلق الطاهر، من خلال إخلاص المعاملة، كل هذا الجمال الأخّاد في سيرة الصالحين هو قليلٌ جدّاً بالنسبة للضياء الذي يعيشه داخلهم، بالنسبة لحالة الطهر وحالة الشفافية وحالة الصلاح التي يعيشونها في واقع أنفسهم، هم دائما أجمل من كل الجمال الذي يأتي على أيديهم، هم دائما أكبر خيرا من كل الخير الذي يقيمونه في واقع الأرض.
“(في فقه الرضا عليه السلام): سألت العالم عليه السّلام: عن تفسير (نيّة المؤمن خير)؟ قال: إنّه ربّما انتهت بالإنسان حالة من مرض أو خوف، فتفارقه الأعمال، ومعه نيّته، فلذلك الوقت (نيّة المؤمن خير من عمله)”(10).
هذا المؤمن الطريح في الفراش الذي لا يستطيع حراكاً يحمل من أمل الخير، ومن نية الصلاح، ومن طموحات العمل الصالح، وهداية الناس، والعمل على إسعادهم الكثير الكثير، فهو هنا قلبٌ عامرٌ بحبّ الله وحبّ الناس، قلبٌ عامرٌ بحبّ الخير للناس، قلب متشوّق جدا بأن لا يبقى على الأرض شقاء شقيّ، إنه بدنٌ مكدود، وطاقة مادية ضيئلة، ولكنه نورٌ لألآٌ في الداخل، فنيّته خيرٌ من عمله.
2. حياة كلّها عبادة:
تستطيع أن تجعل حياتك كلها عبادة، وكلّها على طريق المثوبة من الله تبارك وتعالى، فتكون كل لحظات الحياة لحظات مقرّبة لوجه الله العزيز الكريم، وكسباً لمنازل رفيعة في الجنة.
ليس من درس، ولا قيام، ولا لحظ ببصر، ولا رفع ليد إلا ويمكن أن يوظّفه المؤمن من أجل آخرته.
تقول الأحاديث:
“يا أبا ذر! ليكن لك في كلّ شيء نيّة حتّى في النّوم والأكل”(11).
النيّة العادية نيّة الفعل في حدّ ذاته، ومن غير وصف زائد تحصل قهرا لكل من لم يكن في غفلة ونوم، أنا لما آكل أكون في العادة ملتفتاً إلى أنّي آكل، لما أدخل المنزل أكون ملتفتا في العادة إلى أنّي داخل، ما هذه النيّة المقصودة هنا؟ المقصود هنا نيّة القربة، نيّة أن يكون النوم على طريق إصلاح البدن من أجل العبادة، أن يكون الأكل من أجل بناء البدن للتقوّي على الطاعة، نستطيع أن نعطي المباحات وجهَ حسنٍ يجعلها محل التقرّب إلى الله تبارك وتعالى. نرتفع بغاية الأكل، نرتفع بغاية الشرب، بغاية اللبس، حتى بغاية النكاح من أجل أن يكون كل ذلك عبادة لوجه الله تبارك وتعالى.
وعن الصادق (عليه السلام):”لا بدّ للعبد من خالص النيّة في كلّ حركة وسكون، لأنّه إذا لم يكن هذا المعنى يكون غافلاً”(12).
ليست الغفلة العادية، ليست الغفلة التي تعني ذهاب الإحساس بالخارج، وإنما الغفلة عن الهدف. الحركات ثلاث: حركة هدفها خير، حركة هدفها شر، حركة عابثة، الحركة العابثة والحركة بهدف الشر تعني غفلة الهدف، غفلة قيمة الإنسان، غفلة العلاقة بالله، غفلة اليوم الآخر. اليقظة في كل هذه الأبعاد وفي كل هذه الأمور لا تسمح بأن يأتي الفعل عبثا، ولا تسمح بأن يأتي الفعل بقصد الشر.
حين يكون الإنسان متوجها إلى قيمة نفسه، متوجهاً إلى أهمية الآخرة، متوجّهاً إلى عظمة الله تبارك وتعالى يُحاول أن تأتي كل حركاته، كل سكناته من أجل تمتين العلاقة بالله عزّ وجل، والصعود بالقلب في معراج الكمال في اتجاه الله سبحانه وتعالى.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولاخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أنفع عبادك لعبادك في طاعتك، اللهم لا تجعل لنا نيّة في الشر، ولا تفرّق بيننا وبين نية الخير، واجعل نيّتنا عزماً، وعزمنا جزما، وجزمنا عملا صالحا مقبولا عندك منجيا من عذابك، مقرّبا إليك، رافعا درجاتنا لديك، وباعد بيننا وبين النفاق والرياء والعجب، وكل ما يحبط العمل، ويأكل الحسنات يا حنان يا منان، يا رؤوف يا رحيم يا رحمن.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بنوره كان للمكنات ظهورها بعد عدمها، وبتدبيره تمَّ لها نظامها على تفرّقها، الحمد لله الذي أجمعت العقول على معرفته مع تباينها، وهو الجامع ب القلوب المتنافرة لتناكُرها، يفعَل ما يشاء، وهو على كل شيء قدير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، والأخذ بالدّين القيّم وقد قال سبحانه في كتابه العزيز:{… أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ…}(13). ولا تجد نفس هداها، ولا تبلغ غايتَها إلا بالدّين القيّم، وتوحيد الله سبحانه. وقضيتا التوحيد والشرك واردتان في الفكر والشعور والسلوك، والمجاهدة عند المكلّف للثبات على صراط التوحيد تملأ كلَّ مساحة الحياة، وكلُّ المعركة مع النفس من أجل كمالِها وسعادتها مجاهدةٌ لها لتثبت على هذا الطريق الذي ينحدر بها عنه الجهلُ والغفلةُ والنزوةُ والغرور.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولاخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أخلص أهل توحيدك، وأدومهم في طاعتك، وأنزههم عن معصيتك، وأقربهم إلى رحمتك، وأرضاهم عندك، وأكبرهم منزلة لديك يا معطي، يا محسن، يا جواد، يا كريم، يارحمن يارحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى عليٍّ أمير المؤمنين وإمام المتّقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفَّه بملائكتك المقرَّبين، وأيِّده بروح القدس يا رب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، المجاهد على طريقك، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الكرام من المؤمنين والمؤمنات فالحديث في شأن واحد:
المنهج الرسمي للتربية الدّينية:-
هذا المنهج فيه عبادات توافق مذهباً إسلامياً وتُخالف مذهبا آخر من مذاهب الإسلام، هذه العبادات تُفرض على الجميع فتوقع طائفة من الطلاب في بطلان العبادة حسب مذهبهم إذا لم يتلقّوا تربية أخرى تُصحِّح لهم صورة العبادة طبقاً لما هم عليه من مذهب.
فيه قذفٌ وتكفيرٌ من طائفة لأُخرى من المسلمين، هذا القذف والتسفيه والتكفير عل الطالب من الطائفة الشيعية أن يعترف به على نفسه كُرهاً، وأن يُقدِّم إجابات في امتحانات المادّة تعترف بكفره، وخروجه على الإسلام حتّى ينجح في الامتحان، وإلا واجه هبوط الدرجة أو الرسوب في المادة.
عليَّ وأنا الطالب الشيعي أن أقول بأنّي كافر في إجابة الامتحان لممارسة زيارة القبور مثلاً وإلا سبّبتُ لنفسي الرسوب.
وأيُّ تربية هذه تكره الطالب من أجل نجاح الامتحان أن يشهد على نفسه بالكفر؟! كم تفعل من سلبية في نفسية هذا الطالب، وكم تفعل من ذلّة ومن هوان، ومن تعلّمٍ لأن يتسلّق إلى الدنيا على حساب الدين؟! في المنهج فتنة وشر لا بد أن يُتخلّص منه، وقد أُحصيت موارد التجنّي والتكفير والتسفيه والسبّ والشتم ورُفعت إلى الجهة الرسمية.
كان ما أكّدته قناةٌ رسميّة رفيعة المستوى جدّاً وما أشارت الصحافة إلى أصله أخيرا من غير تفصيل أن الديوان الملكي كان تصميمه وقراره الحاسم ومن خلال الملك نفسه أن لا يُبقي هذا المنهج على سوئه، وأن يُلغي منه كل ما يفرِّق، وكل ما هو من تكفير وتسفيه لمذهب إسلامي غالبية المواطنين هنا يأخذون بهذا المذهب. هذه خطوة تصحيحية ضرورية ومنصفة وفيها تدارك جميلٌ لحالة شاذّة وظالمة، وبرغم كونها حقّاً طال غيابه وانتظاره إلا أنها مع ذلك تستحق التقدير.
وقبل أن ينتشر الخبر بعزم تصحيح المنهج انطلق صوتٌ يعترض على التطهير من التكفير، يعترض على عملية تطهير المنهج من التكفير والسب والشتم لمذهب حقّ من مذاهب الإسلام، والغريب أن استجابة سريعة بالتوقيف للمشروع، وإحالته للدراسة صدرت من جهة رسمية عالية أيضاً.
كان ذلك الصوت يُطالب بالتحقيق في ما هو من أكبر المناكر وأشدّها، وما يعني خروجاً عن الإسلام إلى الكفر وذلك حين لا يُتعرّض لمذهب أهل البيت عليهم السلام بالإساءة.
نوّابٌ آخرون تتحرك غيرتهم على دين الله ووحدة الوطن فيجتمعون بوزير الشؤون الإسلامية ويناقشون المسألة، ويناقشون هذه الانحرافة الكبيرة المتمثّلة في رفع السبّ والشتم والتكفير عن مذهب أهل البيت عليهم السلام.
نسأل: بأي ميزان إسلامي يا حكومة يُسبّ مذهب أهل البيت عليهم السلام في مناهج التربية؟ بأي ميزان إسلامي يُفرض على الطلاب من أبناء هذا المذهب أن يحفظوا سبّهم وتكفيرهم ويقبلوا به، ولا ينجحوا في الامتحان حتى يقرّوا بصحته وهم صاغرون؟ بأي ميزان وطنيٍّ أو دستوري، حقوقي أو عرفي أو ذوقي يكون هذا؟! أهذا من الدين؟! من المروءة؟! من الخلق الكريم؟! من حقوق الإنسان؟! من حقوق المواطنة؟! من حقوق المحكوم على الحاكم؟! من حرية العقيدة والمذهب؟! من شعار الأسرة الواحدة؟! قولوا لنا: في أي وضع نحن؟ في أي وضع سخرية؟ وفي أي وضع استهزاء؟ وفي أي وضع هوان؟
إنه لا سكوت على هذا بعد اليوم، ولن نقبله أبداً، والصحيح أن يتمرّد كل الطلاب والطالبات بدفع من أولياء أمورهم على دراسة أي مادة تمسّ المذهب، وتسيء إلى المعتقد، وتغرِّر بالطالب في مقام تعلّم العبادة، ولا حضور لأي درس من هذا النوع، ولا تقديم لأي امتحان في مادة السب والشتم والتكفير للمذهب. ينبغي أن تتخذ الطائفة قرارها الجازم الحاسم في هذا الأمر وإلا فهي المهزلة.
إذا لم ينجح ولدي في الامتحان إلا بأن يسب مذهبي ومذهبه وبأن يُسفّه مذهب أهل البيت عليهم السلام فلا ينجح.
اسمعي يا دنيا منطق عدد من النوّاب: إبقاء المنهج على وضعه بما فيه من تكفير للمؤمنين، وفتنة وتهميش للمواطنين، ومخالفة لحرية المعتقد، وتجهيل لطائفة كبيرة من الطلاب والطالبات، وتغرير مذهبي بهم في المجال العقيدي والعبادي هو الأحفظ للوحدة الوطنية، بل لا وحدة وطنية إلا بها.
سبّ مذهب لمذهب، تكفير طائفة لأخرى ثابتة الإسلام، شديدة الإيمان، والظلمُ في العقيدة هو محور الوحدة الوطنية وحافظها! وهو الذي تقوم به الأخوّة، وتتمتّن العلاقة، ويقوى عن طريقه الصف!
ألا يعني هذا أن العدل يهدم ويُفسد؟! وأن الظلم يبني ويُصلح؟! وأن الكلمة الطيبة مفرّقة؟! والكلمة الخبيثة جامعة؟! كأنه كذلك في منطق الاخوة.
ألا يعني هذا بأن أخوّتي لك لا تصدق حتى تسبّني وتشتمني وتكفّرني؟! وأن أخوّتك لي لا تصدق إلاّ بأن أفعل ذلك؟! تسبّني وأسبّك، تكفّرني وأكفّرك، هذا الطريق إلى الأخوّة في نظر هؤلاء الاخوة.
أتنتظرون منطقا أقوم من هذا المنطق؟! وقولاً بالحق أصدق من هذا القول؟! وسعيا للوحدة أحرص عليها من هذا السعي؟!
لطفاً أيّها النوّاب، راجعوا منطقكم هذا لعلّكم تكتشفون أنه خطأٌ تماماً.
أيها النّاس:
دين الدولة الإسلام، ومنهج التربية الدينية يتحرّك ضمن هذا الإطار، فهل الصلاة المأخوذة من الإمام جعفر الصادق تُخرج عن الإسلام وتهدمه؟! وتقوِّض الأوطان؟! ولا تبقي للمسلمين وحدة بينهم على الإطلاق؟!
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولأخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا من يكفي من كلّ شيء، ولا يكفي منه شيء، يا ما لك كل شيء، يا من بيده الأسباب كلّها، سبّب لنا أسباب الخير، ولقّنا إيّاه، وجنّبنا أسباب الشر، وحُل بيينا وبينه، اكفنا ربّنا شر الدنيا والآخرة، واكتب لنا خيرهما يا كريم يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج4 ص 441.
2 – المصدر نفسه.
3 – ميزان الحكمة ج 10 ص 282.
4 – المصدر نفسه.
5 – وهو الإمام الصادق عليه السلام.
6 – المصدر ص 283.
7 – المصدر ص 283.
8 – لقصور الإمكانات وعجز الطاقة.
9 – المصدر 283.
10 – المصدر نفسه.
11 – المصدر ص 285.
12 – المصدر 285.
13 – 40/ يوسف.