خطبة الجمعة (238) 15 ربيع الأول 1427هـ – 14 ابريل 2006م
مواضيع الخطبة:
نظرة قرآنية حول الهدى والحق +الشيعة والولاء للوطن
أن الشيعة سيبقون هم الشيعة المخلصين لأوطانهم التي هي أوطان المسلمين جميعاً، لا يُضحِّي أحدهم بتراب وطن من هذه الأوطان، ولا يبيعه على أحد من خارج الأمة أو من داخلها، ويدافع عن حريمه، ويحرص على وحدته ووحدة الأمة، ويخدم مصالح أرضه كما علَّمه الإسلام الذي يتلقّاه من كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وآله وسنة المعصومين من أهله التي هي عينُ سُنَّته لا كما تعلّمه أمريكا، وكما يريد الإسلام وليس كما تريد أمريكا أو غيرها من بلاد الاستكبار.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا يحول علمُه، ولا يغيب عن علمه شيء، وكلُّ شيء معلوم عنده أزلا، ولا يعلم علمَه أحد، ولا علم لشيء إلا بإذنه، ولا يزيد علمُه على ذاته، كما لا شيء من صفات جماله وجلاله بزائدٍ عليه، ولا على علمه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيراً بين يدي الساعة صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله؛ فَنِعْمَ العون على الطاعة التقوى، وبها تُحفظ الدماء، وتُصان الأعراض، وتأمن السبل، ويعمُّ العدل، ويسودُ الإحسان، وتهنأ حياة الأفراد والمجتمعات، وبها تُنال السعادة الكبرى رضا الرب الكريم. ولا يقوم علم، ولا تربية لا تعتمد التقوى هدفاً مقامَها، ولا يؤسّس أمن ولا خير على شيء كما يُؤسَّس عليها.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وأمهاتنا وآبائنا وأرحامنا وذوي القرابة منا، ومن أحسن إلينا إحساناً خاصاً من المؤمنين والمؤمنات مغفرة جزما حتماً. اللهم اكتب لنا رحمة خاصة تقينا وتنجينا ونفوز بها في الدُّنيا والآخرة.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فوقفةُ استضاءة مع قوله تبارك وتعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(1) على أنها وقفة تتّسم بالقصر، ولا تنال من العمق ما الآية الكريمة أهله.
للهدى والحق على مستوى القول والفعل، والعقيدة والتشريع مقياس ثابت. متى يكون هذا هدى ومتى لا يكون كذلك؟
هناك وجدانان في عمق الإنسان، لا يغيّبان بالكامل، ولا يُقضى عليهما مطلقاً في فطرته، ما دام إنسان فهذان الوجدانان قائمان:
أول الوجدانين هو الوجدان الفكري، وبلا شرح لضيق الوقت، فإن كل القضايا البرهانية عند الإنسان لا بد أن تنقطع عند الوجدان ولا تستمر البرهنة على الفكرة إلى المطلق.
لو لم تكن في ضميرة النفس الإنسانية قناعات وارتكازات فكرية وجدانية لما ملك الإنسان أن يستقر به قرار عند أي فكرة معيّنة. فمهما كان العقل عند الإنسان جبّاراً فإنه إنما يعمل من منطلق تلك الركائز الوجدانية التي لا تحتاج في وجدان الإنسان إلى برهان، ذلك من مثل العلّية والمعلولية وعدم اجتماع النقيضين والضدّين. وراء الفكر عند الإنسان ارتكازات واضحة، ولا بد أن ينتهي الفكر إليها ولا يمكن أن تتجاوزها البنيات الفوقية للفكر الإنساني. وإذا تجاوزتها بنية فوقية فهي بناء منهار لا أساس له على الإطلاق.
الوجدان الآخر هو الوجدان الخلقي، والذي تنتهي إليه حقّانية كل القضايا السلوكية، وترتكن إليه الأخلاق القويمة عند الإنسان ومثاله الظاهر استحسان العدل واستقباح الظلم، فهما ليستا قضيتين فكريتين ولا برهانيتين وإنما هم قضيتان وجدانيتان من النوع الأخلاقي، والذي يشكّل الضمير الحي عند الإنسان.
ولستم تجدون قضية كبرى من القضايا التي يؤمن بها الإنسان يمكن أن تنفصل عن هذين الوجدانين سواء في مقام الفكر أو في مقام العمل، أما تفاصيل الأفكار وتفاصيل الأخلاق فإن الفكر البشري غير قادر على معرفة الحق فيها وفي الكثير وهو لا يملك بصيرة واضحة بالنسبة لها، لذلك احتاج إلى كتاب آخر غير الكتاب الذي تغنى به نفسه وهو الكتاب المنزّل من عند الله سبحانه وتعالى. فكتابان: كتاب الفطرة من خلق الله، وكتاب الوحي المتنزّل من الله على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين(2).
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ …} دين الحق دين يتناغم ويتناسق تماما مع ما عليه فطرة الإنسان، مع القناعات الأساس في وجدان الإنسان الفكري، ومع الأصول الخلقية الثابتة المرتكزة في فطرة الإنسان.
إن الدين الإسلامي لينطق بما في النفس وإن النفس لتنطق بما في دين الإسلام.
{…. لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ …} للإسلام ظهور برهانيٌّ على الدّين كلّه، علوٌّ في الحجة على الدّين كلّه، على كل الأطروحات، على كل الناتج البشري الفكري في مقام رسم الخط العام، وتفاصيل الخط العام للمسيرة البشرية، وفي مقام الأخلاق.
هذه الحجة البرهانية نابعة مما سبق القول من أن الإسلام مطابق للفطرة، وأن الإسلام لم تمسّه في أصله الأول الكبير وهو القرآن الكريم يد التحريف البشري.
وحين نلتقي والصورة الإسلامية الحق، والفكرة الإسلامية الثابتة فإنها هي الأكثر حجة، والأسطع برهانا، والتي لا يمكن أن تقاوم الحجة الراجعة هي إليها حجة أخرى.
فالإسلام له ظهور حجيتيٌّ برهاني، والإسلام له ظهور خلقي، ولذلك فلا يمكن لك أن تعثر في الإسلام الثابت على ما يمكن أن يخالف العقل بمعناه الفطري وليس بمعنى التفكير الشخصي عند هذا الفرد أو ذلك الفرد، أو التفكير العرفي عند هذا المجتمع، أو ذلك المجتمع.
ولا يمكن أن تجد قضية من قضايا الإسلام الثابتة تسلك خطّاً آخر غير الخط الخلقي الذي تنادي به الفطرة.
وعلى هذا فإن كل ما يمكن أن نلتقيه في تراث الإسلاميين وفي قول هذا المفكر أو ذلك المفكر مما يصطدم وقضية عقلية أساساً، أو يصطدم مع قضية أخلاقية ثابتة في النفس فمضروب به عرض الحائط، وهو ليس شيئا من الإسلام على الإطلاق.
أما الظهور العملي، وغلبة المجتمع على المجتمعات الأخرى فهي مربوطة بشرط؛ شرط أن يأخذ هذا المجتمع بالإسلام، أن يحتضن الإسلام فكراً واضحاً ظاهراً، وأن يلتحم بالإسلام شعوراً، وأن يقيم الإسلام مشروعاً.
هذا المجتمع يستحيل أن يُعلى عليه، ولا بد أن يعلو ولو من بعد حين. ولقد قالت التجربة النبوية الكبرى في تعاملها مع أمة كانت ساقطة أن المجتمع الإسلامي الآخذ بالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.
وما ضيّعت الأمة الإسلامية مستواها وتخلّفت هذا التخلّف حتى عادت مأكولة، وحتى عادت مأسورة ومهزومة في نفسها فضلا عن خارجها إلا بعد أن شطّت مسيرتها عن الإسلام.
والآية الكريمة تقول لنا بأن كل مجهود بشري يمارسه الشرك والكفر والنفاق على المستوى الثقافي والفكري لا يمكن أن ينهزم أمامه الإسلام في نفسه، ولا يمكن أن ينهزم أمامه فكرٌ يحمل الإسلام بحق. وأن الإسلام سيبقى هو الأقدر على الإنقاذ، وعلى قيادة المسيرة البشرية حتى تطوي السماوات وتنتهي الأرض. وأن للمسلمين عودة لموقع العزة و الكرامة والريادة ذلك بشرط واحد هو أن يأخذوا بالإسلام.
الغرب والشرق يبذلان الكثير الكثير في المواجهة الثقافية مع الإسلام، وسننهزم ثقافيا أمامهم حين لا نكبّ على الفكر الإسلامي والفهم الإسلامي، وحين تضلّ بنا السبل عن الإسلام.
أما الأمة التي تستقي فكرها من فكر القرآن والسنة المطهّرة، وتتوفّر على رؤية إسلامية حقّة فإن كل الثقافة الواردة أمام هذا الفكر وأمام هذه الرؤية ستذهب أدراج الرياح.
إن كل جهود الشرق والغرب والمنافقين في البلاد الإسلامية والذين يشنّون حربا لا هوادة فيها على الفكر والثقافة الإسلاميين لا يمكن أن تنجح إذا أمسكنا بالإسلام فكرا ورؤية.
إذاً فالسر الأكبر في فشل هذه الأمة ليس جهود أعداء الإسلام، وإنما عدم تحمّل المسلمين أمانة الإسلام.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اكشف كروبنا، وفرّج همومنا وغمومنا، وشافنا من أسقامنا وأمراضنا، وآمن خوفنا، واستر عيوبنا، وأذهب عنا كل سوء، وأحسن عاقبتنا يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) }
الخطبة الثانية
الحمد لله الحميد المجيد الوهَّاب التّوَّاب، مالك الرّقاب، ومسبّب الأسباب، ربّ العالمين، ملك يوم الدّين.
أشهد أن لا إله إ لا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
علينا عباد الله بتقوى الله، وعن التقوى ما جاء من وصايا النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر “يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يُحاسبَ نفسَه أشد من محاسبة الشريك لشريكه؛ فيعلمَ من أين مطعمه، ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه؟ أمِنْ حلٍّ ذلك، أمن من حرام”(3). ومن تعلّم التقوى في هذه الموارد واكتسبها سرت تقواه إلى سائر الموارد، والنجاح في هذا الامتحان نجاحٌ في الامتحانات الأخرى. وما أغلى ما فاز به امرئ عندما يفوز بالتقوى.
اللهم اهدنا هدى الصالحين، واسلك بنا طريق المتقين، وأحينا في السعداء، واجعل مأوانا جنّة النعيم.
أستغفر الله لي ولكم ولأخواني المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ونسأله تبارك وتعالى التوبة إنه أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين عليهم السلام: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واهدنا بهدى محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفَّه بملائكتك المقرَّبين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين. اللهم انصره نصراً عزيزاً.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك يا كريم.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الإيمان فإلى هذا الموضوع:-
الشيعة والولاء للوطن:
1. هل الشيعة من طبيعةٍ أخرى غير الناس؟ كل الناس مجبولون على حبّ أوطانهم، والارتباط بعاطفة خاصّة تربطهم بالتربة التي يعيشون فيها، وهي مسألة وجدانية لا تكاد تخلو منها نفس. فعجيب هذا الذي يُثار بقوة بالتشكيك في حبّ الشيعي لوطنه.
2. وما هو الولاء للوطن؟
أن سجد أن أركع للأشخاص؟ أن أُسبّح أن أقدّس ليل نهاري للأشخاص؟ إن التسبيح والتقديس لله وحده.
ما هو الولاء للوطن؟
هو الميل النفسي له بحسب الطبيعة البشرية، ثم الحرص على سلامة مصالحه، وطلب تقدم أوضاعه الكريمة، لا الساقطة والخبيثة، السعي في منفعة ووحدة وصلاح أبنائه، عدم عون أعدائه عليه، الدفاع عنه. وماذا يُراد من الشيعة أكثر من ذلك؟ وماذا يراد من السنة أكثر من ذلك؟ ماذا يُراد من السنة في دولة شيعية أكثر من ذلك؟ وماذا يراد من الشيعة في دولة تحكمها حكومة سنّية أكثر من ذلك؟
والشيعة كما أثبت واقعهم غير مستعدين أن يُسلِّموا شبراً واحداً من الأوطان التي تضمهم إلى أي طامع. أمام الدنيا ثورة العشرين في ظل الحكومة العثمانية، والتي قادها الفقهاء، وأعطى العراق من شيعته تضحيات ضخمة في سبيل إنقاذ البلد المسلم من الاستعمار الكافر.
هناك وثيقة فيما أتذكر لصاحب الكفاية الشيخ الآخوند وأضرابه تحثّ الشيعة على الانتصار لأخوتهم في المغرب العربي أمام الزحف الفرنسي.
ماهو الموقف في جنوب لبنان؟ ومن أصبر من الشيعة في مواجهة إسرائيل في تلك الساحة الساخنة؛ ساحة الدماء والأشلاء؟ كيف كان شيعة الكويت في الموقف من الغزو العربي للبلد العربي، من غزو حارس البوّابة الشرقية للكويت؟
3. دعونا نقف وقفة تسأل عن العلاقة بين الولاء للوطن والدين، بين الولاء للوطن والولاء للأمة المسلمة، والولاء للوطن والمطالبة بالحقوق. الولاء للدين وللمذهب الذي أراه الدين، وأراه الصورة الأنصع للدين كما يرى أصحاب المذاهب الأخرى أن مذاهبهم هي الصورة الأنصع للدين، ومن حقّي أن أرى مذهبي هو ما يمثّل الدين الحقّ في صورته الدقيقة الكاملة، وإن كان كل الآخرين من أصحاب المذاهب الأخرى مسلمين، كما هو من حق الآخرين أن يروا لمذاهبهم هذا الموقع وهذا الوزن.
ولائي للدين ينقض ولائي للوطن؟! إن الدين ليدفع في اتجاه ولاء الوطن، ويقوم على تعاليمه ولاء الوطن، ولكن ولاء الوطن الذي لا يعني بيعه للأجانب، الذي يعني وجود القواعد الاستعمارية في الأرض الإسلامية. هذا هو ما يسمّى الولاء للوطن؟! والذي يدافع عن أصالة وطنه، وعن إسلامه، وعن الأخلاق الموروثة لهذا البلد هو الذي يرمي عنه بعدم الولاء؟!
الذين يبيعون الأوطان للأجانب، للكفرة، ويثبّتون أقدامهم في أرض الإسلام هم أصحاب الولاء؟! والمواطن السّنّي، والمواطن الشيعي الذي ينكر على استعمار المستعمر لبلاد الإسلام يمكن أن يُتّهم بفقد الولاء؟!
وهل الولاء للوطن يقطعني عن الولاء للأمة المسلمة؟! البحرين جزء من الوطن العام الإسلامي، وحبّي للبحرين حبّ للناس، لمصر، حبّ للسعودية، حبّ لكل بلد آخر، أنا عندي حبّان لهذا الوطن: حبٌّ جبليّ، حبٌّ عادي هو الحب الذي يورثه حب الارتباط بالتربة منذ نعومة الأظفار، ولأنه وطن الآباء والأجداد، والشيعة هنا من العصر الأول في الإسلام، فهم لا بد أن يحبّوا هذا الوطن من هذا المنطلق.
وهناك حبٌّ آخر أشرق وأركز وأوعى وهو أن حبي للبحرين لأنها بلد الإسلام والإيمان، وهذا الحب منتشر على كل شبر من الأرض الإسلامية الكبرى.
الذين يريدون لي أن أحبّ البحرين لأبغض مصر، أن أحبّ البحرين لأبغض السعودية، لأبغض أفغانستان، لأبغض إيران، لأبغض أي شبر آخر من أرض الإسلام فهم يطلبون مُحالاً.
وإذا طالبت بحقوق مُضيّعة، وإذا طالبت بموقعي الوطنيّ اللائق بي، وإذا طالبت باللقمة، وإذا طالبت بالدّار، وإذا طالبت بحق أولادي في التعليم وفي التوظّف، وإذا طالبت بدستور عادل أكون قد فقدت ولائي للوطن؟! وهل الولاء للوطن مربوطٌ بالظلم؟ وبالسكوت عن الحقوق؟ فهمٌ لا يُمكن أن يُقبل.
4. الشيعة في البحرين وهم مواطنون من العصر الأول الإسلامي:-
في هذا البلد قديماً دافعوا عن هذا الوطن بكل بسالة، وأعطوا لهذه التربة العرق والدماء.
وحديثاً تظاهروا ضد الغزو الأمريكي للعراق ليقولوا بأن العراق والبحرين وطن واحد، وأن قدم الأجنبي كما لا يقبل المواطن العربي المسلم أن تُدنِّس أرض البحرين عليه أن لا يقبل أن تُدنِّس أرض العراق.
اختاروا للبحرين على المستوى القومي الانتماء العربي وقالوا باستقلالها عن إيران.
صوَّتت أغلبيتهم الساحقة مع الميثاق طلباً للإصلاح الوطني، وما تخلَّف متخلف إلا لملاحظات موضوعية داخلية لا ربط بها بالخارج على الإطلاق، ومنها ما حدث من ذهاب وعود رسمية أدراج الرياح، وهو ما كان مُتوقّعاً، ومنها خروج عن مؤدّى مواد رئيسة في الميثاق. وهذا مما كان منظوراً إليه.
5. ماذا يراد من الشيعة حتى يكونوا مواطنين صادقين، ولتُصدّق وطنيتهم؟
أن يُعلنوا البراءة من أي بلد إسلامي، وأن يُعلنوا الولاء لإسرائيل؟ أبراءة من الإسلام والمسلمين وولاء لإسرائيل وأمريكا هو شرط الوطنية؟!
الله أكبر. أنت توالي إسرائيل وأمريكا، وتتبرّأ من قضايا إسلامية كبرى وتُفسح الطريق للاستعمار الأمريكي للبلاد الإسلامية وأنت مواطن، وأنا الغيور على البحرين وعلى مصر، وعلى تركيا، وعلى أفغانستان، وعلى إيران وعلى كل شبر من بلاد الإسلام لا أكون مواطناً في بلد الإسلام؟!
براءة من الإسلام، ومن المسلمين، وولاء لإسرائيل، ولأمريكا إرضاءً للرغبة الأمريكية، أهذه هي العروبة؟ أهذه هي الوطنية؟ أهذا هو الإسلام؟ لا يمكن أن نبرأ من الإسلام والمصالح الإسلامية في أي شبر من أرض الإسلام، ومعبودنا الله وحده لا أمريكا ولا غير أمريكا.
6. ولو جئنا لتصريح الرئيس المصري فإنه خطير بمقاييس كثيرة: خطير في صراحته التي صدمت ملايين من العرب المسلمين، ومثّلت خطراً جدّياً عليهم، وتحريضاً خطيراً جدّاً، والتصريح خطير في توقيته، لأن العراق تلتهب طائفياً، ولأن العراق تحترق طائفياً، خطير بحسب الموقع الرسمي الكبير الذي يشغله صاحبه بما هو رئيس أكبر دولة عربية(4).
أصبٌّ للزيت المشتعل على محرقة الطائفية في العراق؟!
أحرقٌ أكثر للشيعة والسنة في بلاد الرافدين؟! الكلمة لا تحرق الشيعة فقط، وخاصة في العراق، إنما تحرق الشيعة والسنة.
أتوسيعٌ للمحرقة لتلتهم نارُها المنطقةَ بكاملها وكل بلد فيه شيعة وسنة، وحتى سنة فقط؟! لأن من السنة من له الوعي الكافي، والغيرة الإسلامية الكافية، ويوم يجد تحريك الاقتتال في داخل البلدان التي تعيش سنة وشيعة ربما وقف هذا في البلد الواحد السني مع السنة، وربما وقف آخر فيه كذلك مع الشيعة لو تبيَّن له أنهم المظلومون(5).
أبعثرةٌ وتشظية أكثر إمعاناً، لأمة مزّقتها الخلافات المفتعلة والفتن المثارة؟
أتتناغم الكلمة من المسؤول الرسمي الكبير جداً على مستوى الأمة العربية مع المطمح الأمريكي والإسرائيلي بأن لا تقوم لهذه الأمة قائمة من بعد فتنة شاملة مهلكة قاضية تبدأ ولا تنتهي؟ إن هذا مترتب سواء كان مقصود الكلمة هذا أو لم يكن هو المقصود ولا نريد أن تحكم على النّيّات والله هو العالم.
نحن متأكِّدون أن تصريح الرئيس ليس على خطِّ شعبه رأياً، وضميراً وتوجّهاً، وهدفاً، وموقفاً عملياً، وكلمة ناطقة. الشعب المصري المسلم شعبٌ غيور على عروبته، غيور على إسلامه، صادق الوعي، يقظ الشعور.
7. وإننا نثمن عالياً لرئيس الوزراء الكويتي كلمته الإيجابية الصريحة بحق الشيعة في الكويت التي برّأتهم تماماً كما هم بُرآء حقّاً من التهمة الجزافية لكلمة الرئيس، وفي نفس الوقت نأسف كل الأسف أن لم يكن تصريح من حكومة البحرين في حق شيعة هذا الوطن بنفس المستوى الرسمي، ودرجة التبكير، والقوة والنقاوة التي كان عليها التصريح لرئيس وزراء الكويت.
8. والتعليق الأخير في هذا الموضوع المؤلم المؤرّق، الذي مثّل إنذارا بزلزال كبير داخل الأمة:
أن الشيعة سيبقون هم الشيعة المخلصين لأوطانهم التي هي أوطان المسلمين جميعاً، لا يُضحِّي أحدهم بتراب وطن من هذه الأوطان، ولا يبيعه على أحد من خارج الأمة أو من داخلها، ويدافع عن حريمه، ويحرص على وحدته ووحدة الأمة، ويخدم مصالح أرضه كما علَّمه الإسلام الذي يتلقّاه من كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وآله وسنة المعصومين من أهله التي هي عينُ سُنَّته()6.
وإذا كانت أرض من أرض الإسلام لا يسكنها شيعيٌّ واحد فهي أرض الشيعة كما هي أرض سائر المسلمين في نظرنا، يهمُّنا أمرها، وألا تقع في اليد غير الإسلامية. والدعمُ الشيعي لقضية فلسطين من أول أيامها واضح للعيان على كل المستويات الشيعية ابتداءً من مؤسسة الفقهاء، وهذا شيء لا غبار عليه والمنطلق للوقوف مع الحق الفلسطيني إسلاميٌّ لا يمكن أن يتغير في يوم من الأيّام على الإطلاق.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم بارك لنا وللمؤمنين والمؤمنات أعمارنا، ووسع علينا أرزاقنا، وفرّج كرباتنا، وادفع عنّا أعداءَنا، وانصرنا على من ظلمنا، وكِدْ لنا ولا تكدْ علينا، ولا تتوفَّنا إلا على رضاك، حتى نلقاك مطمئنين فرحين محبورين يا كريم يا رحيم.
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 33/ التوبة.
2 – كما احتاج إلى الرسل والأئمة عليهم السلام جميعاً شراحاً لمضامين الوحي ومكنوناته وتفاصيل مسائله.
3 – ميزان الحكمة ج10 ص642.
4 – والتصريح خطير في نفسه حتّى من دون هذه الحيثيات.
5 – قد تجد من السنة من ينتصر لإخوانه الشيعة في خلاف يكون فيه السني ظالماً، والشيعي مظلوماً، وقد يجد من الشيعة مَنْ هم كذلك لو انعكس الأمر، وإن كان هذا ليس كثيراً في الطرفين لبُعدٍ عن الإسلام.
6 – وليس كما تعلّمه أمريكا، وكما يريد الإسلام لا كما تريد أمريكا أو غيرها من بلاد الاستكبار.