خطبة الجمعة (236) 1 ربيع الأول 1427هـ – 31 مارس 2006م

مواضيع الخطبة:

 

القلب + من أحكام الأسرة +  من الصحافة + دُقّ الجرس +المسؤول عن الطائفية

يكفيكم أن تواصلوا تمسّككم بالضمانات التي نادى بها العلماء، وأن تصرّوا عليها أنّكم تجدون أمريكا وفرنسا تدخلان على خط أحكام الأسرة وتحاولاني كثيرا أن تشرع لنا ما تريدان.


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي جلَّ بذاته عن تصورات العقول، وخطرات الأوهام، وليس له شريك، ولا نظير، ولا ند، ولا ظهير. خالق لا خالق معه، ورازق لا رازق من دونه. لم يكن من خلق خالق، ولا صنع صانع، وكل موجود من خلقه، وكل ما كان ويكون من صنعه، ليس له مبتدأ، ولا يلحقه منتهى. كان ولم يكن شيء قبله، ويفنى كل شيء وهو الباقي الذي لا فناء له، لا قبليّة ولا بعدية لوجود ولا عدم له سبحانه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة بتقوى الله ومجاهدة النفس وحملها على قبول الحقّ والإذعان له، والأخذ به في الأمر الكبير والصغير فعلاً ومعتقداً، فإن مجاهدة النفس تُربّيها، وتُصلح إرادتها، وتزيد في قوة هذه الإرادة في الاتجاه إلى الخير، والأخذ بالصالح، وطلب السمو الذي لا سبيل لعبد إليه إلا بطاعة الله العليّ العظيم. وإن تُهمل النفسُ تأسنْ، ويفسدْ أمرها، وتنتهي إلى بوار.
اللهم ص وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا ومن أحسن إلينا إحسانا خاصا من المؤمنين والمؤنمات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تجعل حياتنا ضلالاً، ولا آخرتنا بواراً، ولا عاقبتنا خساراً، ولا منقلبنا سيئاً، ولا مبعثنا مخزياً، واسترنا بسترك الجميل، ولا تعذبنا بكثير ولا قليل، يا غفور يا رحيم، يا عفوّ يا مقيل.
أما بعد أيها الأطايب من المؤمنين والمؤمنات فلا زال الحديث في موضوع القلب وهو في آخر حلقة من حلقاته:
نستطيع أن نقرأ تحت عنوان مرض القلب هذا الحديث:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو حديث يستوقف النفس ويستقطب القلب ما دام وعي ويقظة “تعرض الفتن على القلوب كالحصير(1) عوداً عوداً، فأي قلب أُشربها نُكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء حتّى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصّفا فلا تضرّه فتنة ما دامت السّماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً(2) كالكوز مُجَخياً(3) لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه”(4).
في قوله “تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً” يفهم منه أن نسيج القلب، وهو نسيج معنوي، من أبعاد فطرية ومعرفية وأخلاقية، هذا النسيج للقلب تعرض عليه الفتن وكأنه الحصير الذي تعرض عليه آفات التلف عوداً عوداً.
فالقلب في نسيجه المعنوي المتماسك والقوي تعرض عليه فتن الشهوة، وفتن الضلال عوداً عوداً، وخيطاً خيطاً، وبُعداً بعدا، ولكل بعد فتنته؛ فإما أن يتشرب القلب هذه الفتن فتنشأ فيه نكتة سوداء، وإما أن ينكرها وينفر منها، ويتحاشاها فتكون فيه نكتة بيضاء.
وبهذا يصير إلى قلبين: قلب أبيض مثل الصّفا لألآ، مضئيا، مشِّعا، والنتيجة الكبرى لهذا أنه لا تضرّه فتنة ما دامت السماوات والأرض. أن يقف أحدنا مجاهداً أمام الفتن، متماسكاً، يُغالب النفس وهواها، ويدافع الشيطان ووسوسته وضلالته، تكون النتيجة لمجاهدته هذه كبرى جداً، وهي أن يقوى القلب، تقوى مقاومته، ويكبر على الفتن، ويكون له من هدايات الله الخاصة ما يجعله أقوى من أن يفتتن.
أما القلب الآخر الذي يستقبل الفتنة برخاوة، ويستكين أمام الرغائب والشهوات، ويستسلم لمصائد الشيطان فإنّه يكون كالكوز مائلا أو منكوساً، والكوز إذا مال أو انتكس لا يستوعب ماءاً، يتفرغ من صلاحية الاستيعاب، يخسر ماءه، ولا يقبل ماءً جديداً يستوعبه.
فالقلب حين يميل أو ينتكس كأن هداه يتصبّب تصبّباً أو ينسكب انسكاباً سريعاً، ثم لا يقبل أن يستقبل الهدى من جديد.
وهذا هو آخر ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من سقوط، ومن فقدٍ للقابلية والاستعداد للحياة الكريمة، والمنقلب السعيد.
يقول الحديث ” لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه” يبقى القلب خالياً من الهدى مملوءاً بالهوى.
وإذا كانت للقلوب أمراض فإن لها شفاءً ودواءً، ولا يداوي القلب كذكر الله، والأخذ بشريعته تبارك وتعالى.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ}(5) هذا القرآن العظيم فيه شفاء للصدور من جهلها، وشكّها وريبتها، واضطرابها وقلقها، من حقدها وحسدها، من أوهامها وضلالاتها، من كل ما يعيق عن الوصول إلى الله تبارك وتعالى، ويكون حاجزا في داخل الذات عن بلوغ الغاية والسعادة.
جاء القرآن لأمّةٍ كان ملأ صدورها الدّاء، لأمة جاهلة، لأمة مقتتلة، لأمة قصيرة الأمل، ساقطة النظرة، لأمّة تسود فيها الفحشاء، ويسود فيها المنكر، ماذا عالج تلك الأمة؟ عالجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أساس منهج الله، ولن تشاف هذه الأمة من قصورها وتقصيرها ودونيتها وانسحاقها حتى تعود لطبيبها الأول العظيم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهدى الرب تبارك وتعالى.
القلب يحيى، والقلب يموت، وأقصى ما يصل إليه الحيّ من مأساة هو أن يموت. ولا يساوي شيئاً موت جسد بالنسبة إلى موت روح، وتعطّل عضو من أعضاء الجسد كارثة، أما الكارثة الأعظم فإنما هي في تعطل القلب والروح.
“من عشق شيئاً أعشى بصره(6)، وأمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأُذن غير سميعة، قد خرقت الشهَّوات عقله، وأماتت الدّنيا قلبه..”(7).
“أربع يمتن القلب: الذَّنب على الذّنب، وكثرة مناقشة النّساء يعني محادثتهنّ(8)، ومماراة الأحمق، تقول ويقول ولا يرجع إلى خير(9)، ومجالسة الموتى (فقيل: يا رسول الله! وما الموتى؟) قال: كلّ غنّي مترف”(10) وليس كل غني. يعني غنيّاً قد استولى الترف عليه، بقي بلا رسالية، وبقي بلا إنسانية، بلا قيم وإنما همّه الترف.
“أربع مفسدة للقلوب: الخلوة بالنّساء، والاستماع منهن، والأخذ برأيهنّ(11)، ومجالسة الموتى (فقيل له: وما مجالسة الموتى؟) قال: مجالسة كلّ ضالّ عن الإيمان وجائر في الأحكام”(12).
“في المناجاة – لزين العابدين عليه السلام – إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلّتي(13)، وجلّلني التباعد منك لباس مسكنتي(14)، وأمات قلبي عظيم جنايتي(15) (خيانتي – خ ل) فأحيه بتوبة منك يا أملي وبُغيتي…”(16).
وأقرأ حديثا في معالجة القلوب وما يحييها:
“التفكّر حياة قلب البصير”(17).
حضارة هوى وحضارة فكر، سياسة هوى وسياسة فكر، تربية هوى وتربية فكر، والحياة الصائبة القويمة العادلة، والآخرة الرابحة لا تكونان إلا على طريق التفكّر والتدبُّر. الهبة العظمى في وجودنا هو الفكر، وحيث يتعطّل ويأخذ بنا الهوى إلى مساره نرتطم بنتيجة الخسار والبوار.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وكل من أحسن إلينا إحسانا خاصا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة.
اللهم أبرئ قلوبنا من كل أمراضها، ونفوسنا من كل أرجاسها، وأرواحنا من كل أسقامها، وأبدلنا عن الشر خيراً، وعن الفساد صلاحاً، وعن الفشل نجاحاً، وعن الرجس طهراً، وعن المنكر معروفاً، وزدنا هدى من فضلك يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }

الخطبة اثانية

الحمد لله الذي لا ينتهي لذاته أحد، ولا يبلغ غايته أحد، ولا يعلم علمه أحد، ولا يقدر قدرته أحد. واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد، وهو فوق كل أحد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
علينا عباد الله بتقوى الله، وقد ظلم من عصى الرب الكريم، إذ لا نعمة إلا منه سبحانه، ولا خير إلا من جهته، وما لنفس من شيء إلا ما آتاها. وما التقوى إلا لخير العباد، وإنّ الله لغنيٌّ عن العالمين.
ومحالٌ على النّاس أن يجدوا السعادة في الدنيا، أو أن تكتمل نفوسهم، وأن تكون على صراط الغاية الكبرى من الحياة وهم يُدبرون عن الله، ولا يأخذون بهداياته، ولا يقيمون حياتهم في ضوء منهجه. وها هي الأمم على اختلاف مشاربها تُغرقها المشاكل لبعدها عن منهج الله.
ربنا اهدنا طريقك القويم، وصراطك المستقيم، واجعلنا من عبادك الصالحين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعلنا من الفائزين يوم الدين، وادفع عنا كلَّ سوء يا رحمان يا رحيم.
اللهم صل وسلم على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن القائم المنتظر المهدي.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر وحُفَّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى هذه الموضوعات أو بعضها:-
موقفنا:
أ- من أحكام الأسرة:-
1. موقفنا ثابت لم يتطور في لبّه؛ فرفض التشريع الوضعي أساساً يُساوي قبول التشريع الإلهي الذي تتكفل الضمانات بكونه كذلك ابتداءً واستمراراً. في الابتداء رفضنا التشريع، والتشريع الذي رفضناه هو التشريع الوضعي، وما كان يمكن لنا أن نرفض التشريع الإلهي أساساً.
ومن بعد حين قلنا بأن صيغوا التشريع الإلهي صياغة قانونية، هذا ما نقبله نحن، أن يُصاغ التشريع الإلهي على مستوى فتاوى المرجعية العليا للطائفة صياغة قانونية، مع وجود ضمانات كافية بأن يبقى الأمر مقتصرا على الصياغة القانونية، أما الأحكام فلا يغيّرها إلا الاجتهاد، واجتهاد المرجعية العليا للطائفة. فالموقف ثابت من أول يوم ولم يتزحزح.
2. هذا الثبات لا عن عناد ذاتي، ولا مكابرة سياسيَّة وإنما وراءه خضوع عبودي لله تبارك وتعالى لا تُغيِّره إلا المعصية لله سبحانه، الشيء الذي نسأل الله العافية منه. لا يمكن أن نقبل لأنفسنا سخط الخالق برضا المخلوق.
3. لا لن نخون الدين ولن نتآمر عليه، ولن نشارك أحداً مطلقاً رغبته في التحريف الديني.
4. خيارنا ثابت، والمرجعية في الأحكام لا في القانون فهي مرجعية فقهية. المرجعية التي ننادي بها هي مرجعية في جانب الأحكام الفقهية، وهذه الدعاوى وهذا التهريج الذي يقول بأن الأخذ برأي المرجعية العليا للطائفة يعني تدخلا في الشؤون الداخلية واضح البطلان وهو من الهراء الصحافي فقط، لأن المرجعية التي ننادي بها هي مرجعية في الأحكام من حيث هي أحكام وليست من حيث هي قانون. المرجعية العليا للطائفة ليس دورها أن تعطي الاعتبار القانوني والصفة القانونية للأحكام الشرعية، وإنما دورها أن تقول بأن هذه الأحكام مطابقة للفتوى. وما من أتباع ملة إلا ولهم مرجعية، أخوتنا السنة لهم مرجعية في الأزهر وفي غيره، النصارى لهم مرجعيتهم الدينية، واليهود لهم مرجعيتهم الدينية، ما من أهل ملة إلا ولهم مرجعيتهم في دينهم، وما من أهل مذهب إلا ولهم مرجعيتهم في مذهبهم.
5. نلفت النظر إلى أن أحكام الميراث شرعيتها الإلهية عليها نصٌّ دستوري، وأنها تبقى في الإطار الشرعي، على أن الميراث يتناول مسألة المال، والمال غير مقدّم في الإسلام ولو حتى في الحس العربي على العِرض. المال يُبذل للعرض، ولا يُبذل العرض للمال.
فإذا كان التصرف في المال في إطار الإرث يستحق الضمانة الدستورية فالعرض أحق بذلك.
6. ويكفيكم أن تواصلوا تمسّككم بالضمانات التي نادى بها العلماء، وأن تصرّوا عليها أنّكم تجدون أمريكا وفرنسا تدخلان على خط أحكام الأسرة وتحاولان كثيرا أن تشرع لنا ما تريدان.
ب- من الصحافة:
1. الصحافة في البحرين سيفٌ رسمي حاد مسلّط على رقاب أي معارضة، وعلى شرف وكرامة وأمن ومواطنية ومذهب طائفة معيّنة.
2. والموقف بالتحديد من هذه الصحافة أننا لا نُهرّج كما تهرّج، ولا نشتم كما تشتم، ولا نُفرِّق كما تُفرِّق، ولا نشاركها زرع الفتنة، ولكننا لا نلين أبداً أمامها، ولا نعدل من أجل صياحها عن قول الحق، والمطالبة به. وسنبقى المؤمنين الحريصين على خير الوطن ومصلحته، والذين لا يريدون بالناس سوءاً أبداً، ولا بأحد ظلماً مطلقاً. هذا هو موقفنا من الصحافة.
دُقّ الجرس:
للمسجد موقف من المؤسسة الرسمية، ومنها المؤسسة الأمنية، هذا الموقف لا يمكن أن يتمثّل في التبعية، فتبعية المسجد للمؤسسة الرسمية إعطاءٌ قرار الدين بيد السلطة، ومصير الدين بيد السلطة، وبيد هوى السياسة.
حين تكون تبعية من المسجد للسلطة الرسمية، ومعناه تبعية من الدين للسلطة الرسمية يكون الدين هو المحكوم، والسلطة الرسمية هي الحاكم. وما جاء دين الله لتحكمه أي سلطة رسمية، إنما جاء الحاكم.
نحن نرفض هذه التبعية رفضاً شديداً على مستوى الكلمة والفعل، وفي الوقت نفسه لا يقف المسجد موقف المعاداة المطلقة للمؤسسة الرسمية ولكل مشاريعها، ولا يستهدف فعلاً المواجهة لهذا الوجود، إنه يقف مع الخير بما هو خير، ويقف من الشر بما هو شر، وليس لأحد علينا أن يطالبنا بأن نقف مع الظلم كما نقف مع العدل، ومع الشر كما نقف مع الخير.
الجرس الذي دُقّ والمتمثّل في تعميم وزارة الشؤون الإسلامية الذي يخاطب أئمة المساجد بأن يناصروا ويؤيدوا ويركّزوا في وعي الناس وفي شعورهم القيمة العليا والدور الكبير النافع لقوّات الأمن، هذا الجرس دقّ ليقول بأن على المسجد أن يتحوّل إلى جزء من الآلة الإعلامية الرسمية.
لمؤسسة الأمن محاسن ومساوئ، مواقف قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة، والوقوف مع مؤسسة الأمن بفرض من الدولة حتى في مواقفها الإيجابية معناه تدخّل في الشأن الديني، ومعناه تحويل المسجد إلى مركز إعلامي من مراكز الدولة.
كان ترقّبنا وكانت رؤيتنا الواضحة معلنة وبأن الكادر الجديد كادر وأئمة الجمعة والجماعة هو كادر من أجل سحب البساط من تحت قدم المسجد، وأن تتحول الكلمة الدينية في خدمة القرار السياسي.
وليس في هذا فقد المسجد دوره فحسب، وإنما فيه تحميله دورا غير دوره؛ دورا قد يتعارض مع دوره في بعض المنعطفات بصورة حاسمة وصارمة.
أيها الأعزاء من أئمة الجماعة والجمعة، أيها الأخوة الكرام من أئمة الجماعة والجمعة لم يبق عذر لغافل ولا متغافل بعد اليوم، ولا مجال للقول بأن الانضمام إلى الكادر الوظيفي لأئمة الجماعة لا يحمل مخاطر وخيمة على دين الله.
تبين تماما أن المسألة مسألة مقايضة، دُقّ الجرس ليقول: بأن المسألة مسألة مقايضة، وأن لا شيء يُدفع مجّاناً، وسيُقال لمن لم يأخذ بالتعاليم ارجع من حيث أتيت، سيقال له لستَ الموظّف الصالح، ولكن لو رجع أخونا من بعد أن يتركّز المشروع ويتثبّت فلا قيمة لرجوعه وقد شُيِّد البناء.
أما المأمومون المؤمنون فيعرفون طبيعة المقايضة كما يريدها مشروع التوظيف، وهم ينكرون عليها لما يعرفون من ضررها على الدين، ويرفضونها وينكرون على من يدخل فيها.
ولذا فإن الكثير ممن يلتحقون بالوظيفة الرسمية لإمامة الجماعة يتوارون بهذا الأمر عن الناس. والمؤمّل أن يكون المحسوب له في الموقف هو الله لا خلقه.
المسؤول عن الطائفية:
الطائفة يغذّيها ويلهبها مشروع وكلمة. وعلى مستوى المشروع نجد الطائفية في التعيينات الرسمية في مختلف الدرجات، وفي التوظيف وفي الخدمات وفي البعثات وفي التجنيس إلخ. وهذه المشاريع هي مشاريع حكومية.
وعلى مستوى الكلمة توجد مصادر؛ أصحاب الكلمة الطائفية:
أولاً: نوّابٌ محسوبون بالكامل على الحكومة.
ثانياً: مناهج مدرسية بما تتضمنّه تلك المناهج من أفكار طائفية وتكفير لطائفة معيّنة.
ثالثاً: النشاط الطائفي في الجامعة والمدرسة، من نشرات وكتيبات وتصرفات.
رابعاً: الأقلام الصحافية المحسوبة بالواضح على الحكومة.
فمن المسؤول بعد هذا كلّه عن الطائفية وتأجيجها؟!! أليس كل هذه المصادر والأنشطة تُحدّد أن المسؤول هو الحكومة؟ نحن أمام حالة حسّية ولا نتحدث على مستوى الحدس.
بإزاء هذا الواقع، على الشيعة أن لا يحمّلوا أخوتهم السنة من سائر أبناء الشعب تبعة المسألة الطائفية. إذا كان لهم خطاب في المسألة الطائفية وتحميل مسؤوليتها على طرف فإنما يكون خطابهم مع الحكومة. هذا بالنسبة للشيعة.
وعلى السنة أن لا يتخندقوا مع الحكومة في الدفاع عن طائفيتها، وليعطوا الشيعة الحق في أن يطالبوا الحكومة وبحرية في رفع كل المظالم، وفي إعطائهم حقوقهم المهضومة.
في نظري هذا هو الموقف الذي يتحتّم على الشيعة أن يتّخذوه، وعلى السنة أن يسلكوه بالنسبة لمسألة الطائفية، وتبقى الأخوّة الإسلامية على مستوى الشعب قويّة ومتينة ومتماسكة، وتبقى كذلك مع الحكومة.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا معرفتك، وزدنا من معرفتك، ولا تسلبنا شيئاً من معرفتك، وأكرمنا بمعرفتك، وأدمنا لنا معرفتك، ولا تفرق بيننا وبين معرفتك، وأنقذنا بمعرفتك، واغننا بمعرفتك، واجعلنا من أهل عافيتك، وعفوك ومغفرتك، وأنلنا رضوانك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين، ويا أجود المعطين.
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الحصير بساط من السعف أو ما يشبهه.
2 – متغيراً إلى الغيرة، مائلاً إل الرمادي. (صاحب المصدر).
3 – قوله مجخياً هو بميم المضمومة، ثم جيم المفتوحة، ثمّ خاء معجمة مكسورة: يعني مائلاً، وقسّره بعض الرّواة بأنه منكوس، ومعنى الحديث أنّ القلب إذا افتتن، وخرجت منه حرمة المعاصي والمنكرات خرج منه نور الإيمان كما يخرج الماء من الكوز إذا مال أو انتكس/ ترغيب، ج3 ص231.
4 – ميزان الحكمة ج8 ص241،242.
5 – 57/ يونس.
6 – لا تعشق صغيراً، لا تعشق أمراً دونيّاً، لا تعط كلك لدار، ولا لبستان، ولا لسيارة، هذه السيارة هذه الدار هذا البستان سيستوعب منك حياتك ويمتصّ كل عمرك ما دمت قد عشقته. لا تعشق جمال بدن لتقف عنده، فتعطيه كل حياتك، وتذهب حياتك بذهابه.
الصغير يعمى عن الحقائق الكبرى فضلا عن حقائق أخرى، قد يكون حضورها في النفس من الأمر الضروري لهذه الحياة فضلا عن أمر الآخرة.
7 – ميزان الحكمة ج8 ص242.
8 – وليس خصوص النقاش القائم على الاختلاف. وأنت تعلم أنّ محادثة مع رجل غير محادثة مع امرأة، وليدخل كل واحد منّا إلى نفسه لحظة أن تكون محادثته لرجل ولحظة أن تكون محادثته لامرأة فسيرى فرقاً فيما هو الأغلب. قد تقول هل لا حديث مع النساء؟ هناك حديث مع النساء، وبقدر ما تقتضي الوظيفة ومع مراقبة النفس، لا بد من حديث مع النساء حيث تكون مقتضيات دينية وحيث تكون مقتضيات حياتية شريفة. والمعني من النساء هنا النساء الأجنبيات، على أنه أي محادثة، وأي نظر لامرأة وإن كانت من المحارم إذا وجد فيه الإنسان وسوسة من الشيطان هي في طريقها للاستيلاء عليه فلابد أن يفر منه.
9 – لا توجد قاعدة فكرية ولا قاعدة خلقية يرتكن إليها هذا النقاش، ويكون فيها الحكم.
10 – ميزان الحكمة ج8 ص244.
11 – قبل أن نستعظم. المرأة إنسان، والمرأة أنثى، فإذا كان منطلق الرأي هو الأنوثة بدلالها وضواغطها ومنطلقاتها الخاصة فرأي ينطلق من هذه الخلفية رأي لا يُؤخذ به، ولو تحدث الذكر مع الأنثى من منطلقات مشابهة فإن رأيه سقيم ورأيه مضلّ، أما المرأة حيث ينطلق رأيها من أبعادها الإنسانية البنّاءة، من عقل قويم، وفطرة مستقيمة، ودين حقّ فنعم الرأي رأيها.
12 – ميزان الحكمة ج8 ص244.
13 – التباعد عن الله عز وجل مذلة، والشعور بالعزة في وقت البعد عن الله وهم، فلذلك لا بد أن تلبس الخطايا صاحبها ثوب المذلة.
14 – هل من ملجأ؟ هل من حصن؟ هل من مانع؟
15 – فالقلب يموت كلما تعاظمت الجناية.
16 – ميزان الحكمة ج8 ص244.
17 – ميزان الحكمة ج8 ص245.

 

زر الذهاب إلى الأعلى