خطبة الجمعة (235) 24 صفر 1427هـ – 24 مارس 2006م

مواضيع الخطبة:

 

القلب + وضعنا الأمني

إذا كان في هذه الأرض من يبحث عن أزمات فإن كل المؤمنين علماء وقواعد حرصهم على أن يطفئوا نار الأزمات، وعلى أن يئدوا الفتنة لا أن يشعلوها، ولكنّ لهم صوتا سيبقى دائما مع الحق، ومع المطالبة بالحقوق.

الخطبة الأولى

الحمد لله الهادي الذي لا هُدىً إلا من عنده، ولا نور لقلبٍ إلا من فيضه، ولا بصيرة لعقل إلا من لدُنه، ولا رُشدَ لأحد إلا من عطائه، ولا توبةَ لتائب إلا بتوفيقه، ولا ضلالة لضالٍّ إلا بعدله، ولا معصية
عاصٍ خارج تقديره، أو فيها خرق لقُدرته. جلّ مِن إله لا يبخلُ، ولا يظلمُ، ولا يغلب. ربّ الجلال والإكرام، والفضل الإحسان.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلمّ تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله والرضا بما قضى ففي الحديث عن الصادق عليه السلام “لم يكن رسول الله صلَّى الله عليه وآله يقول لشيء قد مضى لو كان
غيرُه(1)”(2). وعن الباقر عليه السلام “إنّا لنحب أن نُعافى فيمن نحب فإذا جاء أمر الله سلَّمنا فيما نحب”(3). أي وإن كان قد جاء من أمر الله مما تكرهه النفس بطبيعته وطبيعتها
لكنه بما هو من عند الله فلا سخط ولا كراهة وإنما هو الرضا والتسليم.
وما سَلِم إيمان امرئ وله اعتراض على الله فيما يقضي ويُقدّر، ويأمر وينهى، في مساحة التكوين وفي مساحة التشريع، وما عَرَف الله حق معرفته مَنْ داخله الشك في قضائه وقدره،
ودينه وتشريعه.
اللهم صل وسلِّم على محمد وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين مغفرة جزما حتماً إنك أنت الغفور الرحيم.
ربنا أتمم لنا نورنا، وأكمل لنا إيماننا، وسلِّم لنا ديننا، وانصرنا على أنفسنا، ولا تجعلنا عبيد هوانا، وأنقذنا من كل سوء برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها الملأ المؤمن الكريم فإلى هذه الوقفة الأخرى من حديث القلب:
ربط الله عزّ وجل فيما قضى وقدّر بين الأمور وأسبابها، وكما أن أمراض البدن لها أسبابها فكذلك أمراض الروح، وما يعتري القلب من أمراض. وهذه أسبابٌ لظواهر مما يعتري
القلوب:-
أسباب قسوة القلب:
{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}(4) فما يذهب نقض ميثاق الله في النفس وفي الفطرة بلا نتائج من سنخ هذا النقض. إنها قسوة القلب، وإذا قسى القلب لم
يقبل الحق، ولم ينفذ فيه نوره، ولا يندُّ قلب عن خير، ولا عن موافقة لله تبارك وتعالى، وكان قد قسى.
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}(5).
حين نفارق كتاب الله، قراءته، ثقافته، أخلاقيته، مبادئه الشريفة، هداه فلا بد أن تقسو القلوب.
إنّ القلب ليتغذّى في صلاحه، وفي استقامته، ونورانيته وهداه على المادة الفكرية والروحية الصالحة. ولن تجد مادة صالحة تتقوّم بها إنسانية الإنسان، وتستقيم بها على الطريق
الحق في منهج غير منهج الله، والمنبع الأول الذي يُستقى منهج السماء إنما هو كتاب الله ومن بعده سنة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
مرّات ومرّات تُوافينا النصوص الشريفة بأن للذنوب آثارها المدمّرة في النفس، والمنحرفة بالضمير، والمفسدة للقلب. تقول الكلمة عن علي عليه السلام:”ما جفّت الدّموع إلا
لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذّنوب”(6).
فرقٌ كبير بين ذنب تقيم عليه النفس، وبين ذنب يُقارفه العبد، وما أن يُقارفه حتّى يتراجع ويتوب إلى الله تبارك وتعالى. إن لكل ذنب انعكاساً سريعا على هذه النفس، وكلما تمكّث
الذنب في النفس تثبّت أثره السيّء، وتعمّق وتجذّر، واختلط بخلجاتها وبنسيجها المعنوي فأفسد ذلك النسيج بدرجة أكبر.
من ابتُلي بالذنب حتى يتخلص من آثاره العميقة المتجذّرة عليه أن يعود سريعا إلى الله تبارك وتعالى.
يُكتفى بقراءة بعض الحديث في هذا المجال لوضوح المطالب:
“فيما ناجى الله تعالى به موسى عليه السلام: يا موسى! لا تطوّل في الدّنيا أملك فيقسو قلبك، والقاسي القلب منّي بعيد”(7).
إنها الدنيا الخسيسة؛ دنيا الشهوات والرغائب الساقطة، إنها الدنيا التي تستعبد النفس، وتنأى بها عن خط الله، وتحول بين القلب وبين بارئه تبارك وتعالى.
أن يتمنّى المرء بقاءاً في هذه الحياة ليصلح ذاته، ويتقرب إلى ربه تبارك وتعالى، ويجاهد النفس أكثر مما جاهدها، ويحاول أن يستقيم بها على الطريق، وأن يأخذ بها إلى هداها، وأن
يستثمر الأيام من أجل هدف الحياة الكبير وهو الوصول إلى الله تبارك وتعالى ذلك مما لا يفسد النفس.
أما التعلق بالدنيا، بالشهوات والرغائب، وللاندغام بها، والتفاعل معها بعيداً عن هدى الله فذلك ما يفسد النفس، ويقسّي القلب، ويعميه، ويصمه ويبكمه.
“لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسو القلب، إنّ أبعد النّاس من الله القلب القاسي”(8) عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
إنّ للكلام صنعاً في النفس كما يصنع الفعل، وشتّان بين كلام قويم هادٍ، وبين كلام ساقطٍ بذيء. فإن لكل غرس ثمرة ولكل سبب نتيجة، والنتيجة دائما من سنخ السبب.
“ثلاث يقسّين القلب: استماع اللّهو، وطلب الصّيد، وإتيان باب السّلطان”(9).
إتيان باب السلطان من أجل دنياه، من أجل مكاسب مادية يكون ثمنها دين المرء، وشرفه، وعزّته وكرامته. أما أن يأتي المرء باب السلطان ليقول كلمة الحق، ويعمل على الإصلاح
فذلك أمرٌ آخر، وصاحبه مأجور.
“كثرة المال مفسدة للدّين مقساة للقلب”(10).
المال الحرام مفسد، والوله بالمال وإن كان حلالاً، والارتماء في أحضان المال، والتلذُّذ بالمال، وعبادة المال، واستقطاب المال للنفس له أثره عليها. أنفس يستقطبها المال كنفس
يستقطبها العلم؟ أنفس يستقطبها العلم للعلم كنفس يستقطبها العلم للوصول لله؟ فرقٌ كبير.
أسباب مرض القلب:-
القلب يمرض {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }(11) المرض الأول في الآية محمول على أنه مرض مسبّب من العبد، قائم على تقصيره
وإدباره عن الله عزّ وجل، وتساهله في شريعته.
أما المرض الثاني فمرض جزائي يقوم على الرابطة بين السبب والمسبَّب، وهذه الرابطة – كما تقدم – كما هي موجودة في عالم المادة فهي موجودة في عالم الروح والضمير.
“إيّاكم والمراء والخصومة فإنّهما يمرضان القلوب على الإخوان، وينبت عليهما النّفاق”(12) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأقرأ عن الصادق عليه السلام “ما من شيء أفسد للقلب من خطيئته، إنّ القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتّى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله”(13). ” فلا تزال
به”: الخطيئة لا تحدث خارجاً مفصولة عن النفس، الخطيئة وهي حين تأتي من أي جارحة من الجوارح إنما يبدأ قبحها من النفس، ويعود قبحها بأثره السيء على النفس. لا تنفك تتفاعل مع النفس،
فهذه الخطيئة التي حدثت اللحظة تبقى متفاعلة مع النفس، تحفر فيها، تفسد مضمونها. إنها جرثومة دخلت في النفس والجرثومة حين تدخل في النفس أثرها عليها سىء بالغ السوء.

اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وجيراننا، ومن أحسن إلينا إحسانا خاصا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم
ومسلمة.
ربنا لا تجعل ضمائرنا خاوية من الخير، ولا قلوبنا لاهية عن الذكر، ولا ألسنتنا خرسى عن الحق، ولا أيدينا مبسوطة بالسوء، ولا أقدامنا ساعية بالشر، واجعلنا على أحسن حال
جعلتها لمن أحببت له سعادة الدارين يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) }

الخطبة الثانية

الحمد لله الحي الذي لا يلحق حياته موت، العليم الذي لا يخالط علمَه جهل، الحكيم الذي لا يشوب حكمتَه قصور، القدير الذي لا يَمَسُّ قدرتَه عجز، المريد الذي لا يعتري إرادته فتور،
ولا يردّه عن مُراده شيء، فعّالٌ لما يريد، ولا يريد بأحد ظلماً، ولا يفعل إلا عن علم وعدل وحكمة، وتقديره فوق كلِّ تقدير، وهو المنزّه عما يصف الظالمون.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
علينا عباد الله بتقوى الله فهو أحقُّ من يُتَّقى، وليس أولى من الله من يُخاف ويُحذر، ولا يَخاف من الله إلا الظالمون. ولنحسن القول. ولئن كان من حُسن القول فصاحته وبلاغته؛
فإن قِوام حُسنِه أن يصدق مضمونه، وترقى فكرته، ويسموَ قصده، ويخلوَ من الفحش، ويطهر من البذاءة، ولا يستجمعُ القولُ كل الخير إلا بأن يأتي كما يرضى الله، ومن أجل وجهه الكريم.
وعن علي عليه السلام:”ولقد قال رسول الله (ص) (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه)، فمن استطاع منكم أن يلقى الله سبحانه وهو
نقي الراحة من دماء المسلمين وأموالهم، سليمُ اللسان من أعراضهم فليفعل”(14). والراحة بطن الكف. والعِرض: النفس والحسب وما يدخل في شرف الإنسان وحريمه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم استعملنا في طاعتك، ولا تجعل لجانحة من جوانحنا، ولا
جارحة من جوارحنا اشتغالاً بمعصيتك، واشغل قلوبنا بذكرك، واجعل عمرنا بذلة في سبيلك يا كريم يا رحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي
بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر وحُفَّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الممهد لدولته، السائر على طريقه، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على
طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا، وأيّدهم تأييداً كبيرا يا قوي يا عزيز.
أما بعد أيها الطيبون من المؤمنين والمؤمنات فإلى هذه العناوين: ويتناول الحديث منها ما أمكن:
(وضعنا الأمني – موقفنا من أحكام الأسرة – موقفنا من الصحافة المحلية – دُقَّ الجرس – المسؤول عن الطائفية – متصيّدون باسم الدين).
وضعنا الأمني:

سبق الحديث عن الوضع المحلي من حيث البُعد السياسي وذلك في الأسبوع السابق، ويجري الحديث الآن عن هذا الوضع من حيث البعد الأمني.
الوضع الأمني سيء، ويؤلم النفس أنه يزداد سوءاً، وعلينا جميعاً أن نقف في وجه تدهوره. فكثيراً ما يفقد الناس دينهم في الفتنة، وفقد الدين أكبر من فقد الدنيا.
وكثيراً ما تُخطئ الحسابات من هذا الطرف أو ذلك الطرف ليجد الجميع أنفسهم أمام مأزقٍ لا يكاد يُوجد مخرج منه.
وإذا كان للعقل أن يعمل بعد الكارثة، وجميلٌ له أن يعمل حينذاك، فإن عليه والأحرى به أن يعمل قبل أن تقع الشدّة ليقي منها.
هناك لغتان: لغة استعراض العضلات من جانب أو أكثر، تصلّبٌ بغير حق، سجون، رصاص، قتل، مسيرات، مظاهرات، حرق، اعتداء، تدمير إلخ، هذه لغة يمكن أن يتبادلها شعب وحكومة لتخسر
كل من الحكومة والشعب.
وهذه لغة لا يأخذ بها عاقل إلا حين يُخاف أن يضيع الحق، وتنقلب الموازين، وحين لا يوجد أي مخرج آخر(15).
لغة الحرب معروفة في الأرض، ولكنها اللغة الاستثنائية عند العقلاء وفي الدين. اللغة الأصل والتي أصلحت الأرض في الغالب هي لغة غير هذه اللغة، وهذه اللغة قد يحتاجها أي مجتمع، ولكنها لما
لها من خطورة، وفداحة خسائر تحتاج إلى عقل كبير، وأمانة كبرى، وقد احتاجت الحروب وإدارة الأرض في تقدير الله إلى المعصوم عليه السلام.
وانظروا إلى خطورة الحرب، فإن المشهور من الرأى الفقهى يذهب إلى أن الجهاد الابتدائي إنما يكون بقيادة المعصوم عليه السلام، أو نائبه الخاص ولا تكفي قيادة الفقيه ممن له النيابة العامة.
وحين نتحدث بهذه اللغة ونحثُّ عليها فلسنا أخشى من يخشى على أنفسنا، وإنما هي كلمة الإصلاح التي لا بدّ منها، والضوابط الشرعيَّة التي لابد أن تراعى.
والمتديّنُ كما يشحُّ بقطرة الدم في ظروف، يسمح بأنهار من الدم في ظروف أخرى، وليس أشرف من دم الحسين عليه السلام بعد جدّه وأبيه، أو يساويه شرفاً من غير دم المعصوم صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين، وقد ضحَّى به عن طيب خاطر في سبيل الله، ولحفظ الدّين.
إنَّ دماء الأئمة عليهم السلام وجدوها رخيصةً في سبيل الله، فلا تذهبن المذاهب بأحد أنَّ من يتحدّثون بهذه اللغة واجفون خائفون بخيلون بالدم حين يقتضي الدين.
هناك ملفّات راقدة كثيرة معروفة، هي مشاكل وأزمات، وتنضاف إلى هذه الملفات قوانين متوالية قاسية مجحفة.
يأتي مع ذلك إيقاد للنار من خلال مواقف معيّنة كموقف القبض على سماحة الشيخ محمد سند وقتها، وكما في الموقف العنادي فيما يرتبط بمسألة قانون أحكام الأسرة.
هذا كلّه يُمكن أن يُطيل عمر التوتُّر، وأن يزيد في التدهور الأمني، ويُمكن أن يأخذ بالبلد إلى هوّة سحيقة.
وبرغم ذلك كلّه نحن نقول للطرف الآخر للمعارضة أن لا تأخذ بأي وسيلة يمكن لها أن تزيد في التدهور، ولا بد أن ترجع إلى قيادات حكيمة مؤمنة واعية للشرع ومقتضياته في كل موقف من هذه
المواقف.
المظاهرات يمكن أن تقف، والاعتصامات يمكن أن تنتهي، وأنا من الذين لا يرتاحون أساساً بأن تكثر المظاهرات والمسيرات والاعتصامات في البلد وقد كرّرتها كثيراً.
لكن قد يكون للمظاهرات والمسيرات والاعتصامات مقتضياتها، وعلى هذه المظاهرات والاعتصامات والمسيرات أن تنضبط في الخط الشرعي، وفي الخط العقلائي، وأن تكون عن وعي وتخطيط
ودراسة ونظرة ثاقبة.
هذه المظاهرات يمكن أن تقف بمشاريع إصلاحية، وليس بقوانين قاسية، وسجون ومعتقلات، بحوار جاد يريد أن يصل إلى حل، ويريد أن يطفئ النار، ويريد لهذا البلد أن يتفرّغ كل أبنائه وفي كل
مواقعهم للبناء والإعمار.
حين تكثر القوانين الجائرة، والخطوات الاستفزازية، وتبقى الملفات الساخنة على ركودها، هل تُقابل بسكوت النائمين أو الموتى؟ هذه ظاهرة تُدلِّل بكل وضوح على سقوط الشعب والحكومة، وعلى
فشل الشعب والحكومة، وعلى أن هذا الشعب والحكومة لا موقع لهما في حركة التاريخ الناهضة.
هذا يُعبّر عن تخلّف مجتمع وحكومة، إذا كان الموقف المقابل لكل الأزمات هو سكوت النائمين والموتى فقد طغت حالة الموت على الحياة.
هل هو ضجيج الشوارع إلى حد حالة الانفلات؟ والاستجابة لكل صيحة؟ ولنداء ولو من مجهول أو غريب عن الصف؟ ولو من صبيّ بعد لم يبلغ الحلم؟ هذا لا يصلح وإنما قد يفسد كثيراً، بل الأمر
كذلك، وهو أمر مخرج من الدّين.
أنا أقول: بأن على الحكومة إذا أرادت أن لا ينفلت الزمام من يد كل عاقل أن تجلس إلى طاولة الحوار، وأن تفتح الملفات الساخنة على مائدة الحوار، وأن تقبل بالحق، وأن تعطي من نفسها النَّصَف،
وأن تُقدِّم تنازلاتٍ وهو لصالحها أمر من صالحها.
إذا كان في هذه الأرض من يبحث عن أزمات فإن كل المؤمنين علماء وقواعد حرصهم على أن يطفئوا نار الأزمات، وعلى أن يئدوا الفتنة لا أن يشعلوها، ولكنّ لهم صوتا سيبقى دائما مع الحق، ومع
المطالبة بالحقوق.
لسنا مع أي عمل تخريبي، ولا مع أي استجابة غير مدروسة لمجهول أو غريب أو صبي لم يبلغ بعدُ الحلم، ولسنا مع الاستعلاء الحكومي، ولا مع بقاء المشكلات على ما هي عليه، ولا مع السكوت على
الأخطاء، ولا مع خنق لغة التعبير السياسي الصريح المتّزن، ولا مع القرارات الفوقية الضاغطة على حريّة الناس ومصلحتهم.
لسنا مع مضادة دين الله، ونقض أحكام شريعته كما في قانون أحكام الأسرة. لسنا مع الاستئثار الظالم والتمييز الطائفي. ولسنا مع دستور مختلف عليه على الأقل.
وأُشدِّد على الآتي من المطالب الضرورية الملحّة:
1. تصحيح الحالة الدستورية: والمسالك إلى ذلك مفتوحة، وغير منحصرة في طريق واحد. ونطالب بخصوص هذا الملف مطالبةً جادّة يجب أن تصل إلى كل الأسماع بفتح باب الحوار
الدستوري حتّى لا تُغلق الأحداث كل أبواب الحوار.
2. التجنيس: وأؤكد أن الطرف المتضرر في التجنيس هو المواطن الأصلي في عمومه من سنّيٍّ وشيعي، وليس المواطن الشيعي فقط.
لأن المسألة مسألة تزاحم مصالح، وقد أصبح ذلك واضحاً للعيان، وأن مصلحة المجنّس مقدّمة على مصلحة المواطن، وقد أحسّ بالضرر الجميع. نحن لا نخاف على الناحية المذهبية من زيادة عدد
السنة عن طريق المجنّسين، فإن المذاهب مسُّها صعب، ومسُّ المذاهب الكل يعرف أنّه يعني الدماء الغزيرة، ولو كان السنّة فلا ما يمكن للشيعة لو ساءت نيتهم من ناحية خارجية أن يمسُّوا المذهب السنّي،
ولو كان الشيعة قلّة ما أمكن من ناحية الخارج كذلك للسنة لو ساءت نيتهم أن يمسّوا المذهب الشيعي.
خوفنا على المصالح، والمصالح المتضرّرة ليست هي مصلحة الشيعي فقط وإنما مصلحة الشيعي وأخيه السني معاً، وخوفنا على استقرار المجتمع وأخلاقية المجتمع كله.
فتأطير مسألة التجنيس بالإطار المذهبي من قبل الشعب أو في محاولة الحكومة لإقناع الأخوة السنّة بسلامتهم من الآثار السلبية لهذه الفعلة أمرٌ خطأ. المقابلة الواضحة هي بين مصلحة المجنّسين
ومصلحة المواطن سنّيا كان أو شيعيا.
3. المعتقلون: فإذا كان الدستور هو الأساس النظري لمسيرة وطنية رابحة وهادئة، وبعيدة عن الهزّات العنيفة فإن مسألة المعتقلين في بقائهم معتقلين مسألة تُغذّي الساحة بحالة التوتّر وتصاعدها،
وفي إطلاق سراحهم إيقافٌ لهذا التدهور الأمني الذي فيما يُرى خارجاً أنّه سيبقى ما بقي المعتقلون.
وإطلاق سراح المعتقلين لا يعني أن نبحث عن مبرّرٍ آخر لتصعيد الحالة الأمنية وتوتّرها.
وإنما أؤكّد دائماً وجوب الميل إلى التفاهم والحوار، وكل الأساليب الأخرى القانونية الأهدأ فالأهدأ، وما هو الأقل في خسائره على أي طرف من الأطراف، فكله وطن، وكلنا مواطنون، ونحن وكل
الآخرين والحكومة في سفينة واحدة، وتضرّر هذه السفينة يعني تضرّر الجميع.
فما نحن بأهل كيد للحكومة، وإنما نحن أهل مطالب، وأهل حقوق، والمتغاضي عن حقّه من غير حكمة عالية إما ساقط الإرادة أو سفيه، ومن الحقوق ما لا يتغاضى عنه على الإطلاق.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم طهّر قلوبنا من الشرك، وأنفسنا من الدنس، وألسنتنا من الكذب، وأعيينا من الخيانة، وكل جوارحنا من الإثم، واصرفنا إليك، واجعل شوقنا إلى طاعتك، وفرارنا من معصيتك، وغايتنا رضوانك،
وطريقنا إلى جنتك، وجائزتنا الكرامة لديك، والسعادة التي ارتضيتها للصالحين من عبادك، يا أكرم من سُئل، وأجود من أعطى، يا ربنا يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد آل محمد.
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – أي لو وُجِد غيره. وتستطيع أن تقرأها “لو كان غيره” بتقدير لو كان هو غيره.
2 – ميزان الحكمة ج4 ص545.
3 – ميزان الحكمة ج4 ص545.
4 – 13/ المائدة.
5 – 16/ الحديد.
6 – ميزان الحكمة ج8 ص239.
7 – ميزان الحكمة ج8 ص239
8 – ميزان الحكمة ج8 ص239.
9 – ميزان الحكمة ج8 ص239.
10 – ميزان الحكمة ج8 ص240.
11 – 10/ البقرة.
12 – ميزان الحكمة ج8 ص241.
13 – ميزان الحكمة ج8 ص241.
14 – ميزان الحكمة ج8 ص493.
15 – ولها ضَوابطها الشرعيَّة وأحكامها المحدَّدة ولا تترك للقوضى والانفعال، ولا يلغي الاضطرار إليها على تقديره حاكميّة القيم والشريعة.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى