خطبة الجمعة (234) 17 صفر 1427هـ – 17 مارس 2006م
مواضيع الخطبة:
القلب + الوضع المحلي
أُريد التأكيد على أنه في الوقت الذي نقول فيه بأنه لا بد من دستور متقدم يُعطي الشعب موقعه المناسب ودوره في صياغة مصيره، وقوانين حركة وطنه، والقرارات التي تحكم حياته بأن دستوراً متعاقداً عليه ولو بأقل قيمة في هذا المجال فرضاً أدعى لحياة الأمن والاستقرار والتعاون السليم وبناء الثقة من دستور يتقدم عليه قيمة فرضاً كذلك ولكنه مُكرهٌ عليه، ويلغي إرداته.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا يتقدم إرادته شيء، ولا يتأخر عنها شيء، ولا يشركه فيها شيء، وكل شيء ماضٍ على إرادته، ومنساقٌ وفق مشيئته، ولا عدول لشيء عن تقديره، ولا خروج له عن
حدّه الذي حدّه به.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، التي هي ثمرة الإيمان، ولا زمته النفسية والعملية. وقد قال الله سبحانه داعياً عباده المؤمنين لما هو حق تقاته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(1). وإنه لأكبر أمنية عند المؤمن أن يموت على الإسلام.
وإن التقوى بقدر الإيمان، فمن زاد إيمانه زادت تقواه، ومن خفّ إيمانه بان ذلك في تقواه.
ومن رشد إيمانه رشدت معه التقوى، “وعن أبي بصير قال سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزّ وجل { اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال: يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا
ينسى، ويشكر فلا يُكفر”.
وهذا معناه حضور دائم لله عزّ وجل في قلب العبد، وانشداد كامل ثابت من حياة العبد الإرادية في كل ما يأتي ويدع بالله سبحانه، وتبعية لا تتوقف من إرادته وخياراته لارادة الله عزّ
وجل.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أسعدنا بتقواك، ولا تشقنا بمعصيتك، ورضّنا بقضائك، وبارك لنا في قدرك، ولا تخلنا لحظة من عناياتك الخاصة، ورحماتك المباركة، وألطافك الكريمة يا أكرم الأكرمين، ويا
أجود الأجودين.
أما بعد أيها الأعزاء من مؤمنين ومؤمنات فهذه حلقة أخرى من الحديث عن القلب، والقلب هو الإنسان، والإنسان هو القلب، وأعراض كثيرة تنتاب إنسانية الإنسان، وتعرض على
القلب كما هو في كتاب الله الكريم والسنة المطهّرة.
طبع القلب:
وهذا واحد منها ينتاب هذا المركز المهم في وجود الإنسان بل ما هو بحقّ يمثل كل إنسانية الإنسان ومستواه.
{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}(2).
{كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ}(3).
وتذكر الآيات الكريمة والنصوص الإسلامية بصورة عامة عدداً من هذه الأعراض نستعجل عناوينها:
ختم القلب، قلوب لا تفقه، تكون فاقدة لأن تفقه، عمى القلب، حجاب القلب، زيغ القلب، قسوة القلب، ومرض القلب، فعناوين كثيرة لأمراضٍ مما يعتري هذا القلب ونحن في
غفلة عن أمره.
وإنّه حقَّ أن تفزعنا أمراض الأبدان، ولكن الأحق من ذلك أن تفزعنا أمراض القلوب، فإن آخر ما تنتهي به أمراض الأبدان أن نخسر البدن، وخسارة البدن حتمية، ومهما كانت الوقاية،
ومهما كان العلاج، ومهما طال العمر فإن قبضة الطين آيلة لا محالة إلى التراب.
هذه البنية لا بد أن تنهدم، وهذه العمارة لا بد أن تتساقط، ولا بد أن يعود التراب تراباً، ولا بد أن تتناثر خلايانا، ولا بد أن نتوزّع في هذا الكون العريض شيئا لا يُرى من بعد أن كان
بناءاً منظورا.
وإذا كان هذا شأن البدن ونحن نحزن لمرضه، فكيف بنا لا نحزن لمرض القلوب، والقلوب نحن، ونحن القلوب، القلوب إنسانيتنا، وإنسانيتنا هي القلوب.
ما سيبقى هو القلب، مكنونه، مخزونه، رؤاه، مشاعره، طموحاته، آماله، أحزانه، أفراحه، توجّهاته. هذا المخزون هو الذي يمثل قيمة الإنسان، وهو الذي سيبقى، وهو الذي به
سيشقى الإنسان أو يسعد، وبه سيكون مكرّماً أو مُهاناً.
والطبع خَلْق، والختم خلق، وفقد قابلية الفقه وعمى القلب إما خلق أو سلب للخلق، وحجاب القلب خلق، فما يعتري القلب هو خلق أو سلب صلاحية مخلوقة، ولا يفعل ذلك إلا الله. لا
يطبع على قلب إلا الله، ولا يختم على قلب إلا الله، ولا يُعمي قلباً ولا يحجب قلبا إلا الله، والله غير ظلّام للعباد.
تبتدأ المسألة من العبد، يجني على نفسه، يُدبِر عن ربه، يتعامل مع هدايات ربه باستخفاف ولا مبالاة، ويعصي، ويستكبر، ولا يؤوب ولا يتوب ولا تنفع معه نداءات الله بالتوبة
والأوب، فيأتي الوقت الذي لا بد أن يُجازى بالطبع على قلبه، أو الختم أو الحجاب.
ولنحذر التمادي في المعصية، والاستمرار في الإدبار عن الله عزّ وجل، والاستكبار عليه فإن النتيجة أن يخسر إنسان قلبه، فيكون ذلك الإنسان و هو الفيلسوف الكبير، وهو الفقيه
الذي تتركّز عليه الأنظار، وهو الكاتب القدير، والباحث الدقيق أعمى عن الحقيقة، فلا يرى نفسه، ولا يرى ربّه، ولا يعرف حجم دنياه، ولا يعرف وزن آخرته.
وما قيمة كل المعرفة وأنا لا أعرف نفسي، ما قيمة كل معلوماتي، وكل معارفي، وكل نباهتي، وكل ذكائي إذا كنت على شيء من ذلك، وأنا لا أعرف نفسي؟! ولا أعرف الذي بيده
أمري وعمري ووجودي وروحي ونَفَسي؟!
ما قيمة أن أكون مجمع معلومات كثيرة، وخزانة لمعارف جمّة، إلا أني لا أعرف كيف أقضي العمر في هذه الحياة، فأخسر العمر، ويذهب مني العمر ضياعاً، بل أكثر من ذلك أن أوظّف
العمر من أجل أن أكون وقوداً مع وقود النار؟!
هذا ما يفعله طبع القلب، عمى القلب. القلوب ترى وهذا القلب لا يرى، شمس الحقيقة طالعة وهو لا يرى منها شعاعاً، الكلمة تُحيي النفوس وتبعث الحياة في القلوب وهذا القلب لا
يعى منها شيئاً. قلب لم يعد يسمع موعظة إلا كما يسمعها الحيوان، وقلب لا يرى آية إلا كما يراها الحيوان، صحيح أن صاحب هذا القلب يكتشف حقائق كونية كثيرة وأسراراً دقيقة من أسرار الخلقة،
يحدّثه النبات بأسراره، وتحدثه خلقة الحيوان بأسرارها، تحدثه كل زاوية وكل خلية وكل ذرة في هذا الكون بما فيها من آثار عظمة الله، بما فيها من آثار عناية الله وحكمته تبارك وتعالى. قلب على
كثير من أسرار الكون إلا أنها لا تعلمه الحقيقة الكبرى، ولا يملك أن يراها ويبقى الجاهل، ويبقى المنكر.
ذلك الذي لم يتعلم الكثير من علوم الدنيا، قد يكون له قلب يبصر، فآيةٌ بسيطة تنقله حالاً إلى ربه تبارك وتعالى وعظمته، وهذا يقف على ملايين من الآيات إلا أنها لا تستطيع أن تكشف له عن غطاء قلبه
فيبقى قلبه محجوبا وراء سحب من الظلام لا يكون له بصر يخترق هذه الحجب المظلمة ليرى الحقيقة الساطعة.
فلنحذر من هذه النتيجة السيئة التي لا تنتهي بصاحبها إلا إلى النار والخسار.
{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(4) الآية الكريمة لا تريد أن تنكر حقيقة خارجية واضحة. الأبصار تعمى، فكيف تقول الآية الكريمة فإنها لا تعمى
الأبصار؟!
هذا العمى لا يساوي شيئا أبدا من عمى القلوب، فكأن عمى الأبصار غير حاصل إذا قسته بعمى القلوب، ماذا سيخسر المرء من عمى البصر، فيما نراه أنه يخسر الكثير، ولكن هذا الكثير الذي يخسره
الإنسان بفقده بصره لا يعده كتاب الله شيئا فيما يخسره المرء بعمى قلبه.
سيفقد أن يرى الطريق الحسي، سيخسر منافع كثيرة بفقد البصر، لن يقرأ، ولكن له منافذ أخرى يمكن أن تعيضه، ولو بدرجة ما. فيمكن أن يقوده قائد فيصل به إلى غايته، ويمكن أن يستعين بعصى،
ويمكن أن يستعين بآلة حديثة تهديه إلى الطريق، وليخسر ما يخسر إلا أن خسارته بعمى قلبه لا يمكن أن يقاس بها شيء آخر. {ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} فتنحجب عن رؤية الله، عن
رؤية النفس، عن رؤية الإنسان كرامته، سعادته، فيما فيه ربحه، فيما فيه خسارته، فيما فيه نجاته، فيما فيه سعادته، فيما فيه شقاؤه.
هذا العمى لا يفيد معه إبصار عين، ولا سمع أذن، ولا كل النعم الأخرى. كل النعم الأخرى مع عمى القلب تتحوّل نقماً، ولا يفعل عمى العين هذا الفعل كلّه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. ربنا هيء لنا من أمرنا رشدا، ولا تمكّن منّا للظالمين أبداً، فإنا لا نبتغي من دونك ملتحدا، ولا نجد
في أحد غيرك نصيرا ولا سندا، اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك، يا رؤوف يا رحيم يا قدير يا عظيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) }
الخطبة الثانية
الحمد لله الحليم على عباده العاصين، وهو الذي لا تتجاز علمه سيئاتُ المسيئين، وقبائح المذنبين، والعافي عن الذنب وهو القادر الذي لا تقوم لقدرته جبروت الجبارين، يقابل الإساءةَ بالإحسان، ونكرانَ
النعمة بالامتنان، وهو الذي يُخاف ولا يَخاف، ويُرجى ولا يَرجو، ويُحتاج إليه ولا يحتاج.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله، وأن لا نقع في إيثار الدنيا على الآخرة وهو ما قال عنه سبحانه {فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}
(5)، وقال عزّ من قائل {أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}(6). حذار من هذه التجارة؛ تجارة بيع الآخرة بالدنيا، أن نقبل الدنيا ثمنا عن
الآخرة. وما أجدر بالعاقل أن يؤثر الآخرة على الدنيا فهذا قول الله سبحانه فيه كل البصيرة {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}(7).
ولا يتصورن أحد خيراً أعظم من رضا الله إلا جاهل، ورضاه سبحانه في إيثار الآخرة على الدنيا؛ وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله:”من عرضت له دنيا وآخرة فاختار الدُّنيا
على الآخرة لقي الله عزّ وجل وليست له حسنة تُتّقى بها النّار، ومن أخذ الآخرة وترك الدنيا لقي الله يوم القيامة وهو راض عنه”(8).
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين، وفاطمة الزهراء الطاهرة المعصومة، والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة،
وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي
العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر عليهم السلام جميعاً.
اللهم عجّل فرج محمد وآل محمد، اللهم عجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفَّه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين.
عبدك الممهد لدولته، وجميع فقهائنا وعلمائنا الصالحين، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
اللهم اجعلنا ممن ربح الدنيا والآخرة بطاعتك، وكان في السالكين الميسّر لهم طريق رضوانك وجنتك يا كريم يا رحيم، يا أرحم من كل رحيم، وأكرم من كل كريم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات أجمعين فأجدني مضطراً لاختصار الحديث:
الوضع المحلي
1. سياسيّاً متأزم، وأمنيّاً متأزم والغيور على وطنه، الناظر في عواقب الأمور لا بد أن يؤلم لهذا الوضع، ويشتد به القلق على هذا الوطن.
2. وبدأت المشكلة سياسية، والمشكلة السياسية تنبسط بآثارها السلبية على كل الأوضاع. فالتأزم سياسي أولاً، ثم أمنيٌّ ثانياً. وإنه ليستولي وخاصة مع استمراره على كل جنبات الحياة.
3. سياسيّاً بدأت الأزمة دستورية واستتبعت بقاء مشكلات قديمة وربما زادت عليها مشكلات مستجدّة، بل الأمر هو كذلك.
وللإنصاف فإن ملف البطالة وله منطلقاته السياسية توفَّر على عناية خاصة أخيراً نرجو أن تكون منتِجة وإن لم يحدث هذا بصورة تلقائية وبشكل مبادَرَةٍ من جانب الحكومة بلا متاعب تحمَّلها الطرفان
وسبّبها الموقف الرسمي المتخلف.
ومما يُمكن أن يذكر لصالح النظام الاهتمام بقضية الأرامل والأيتام، والهامش المعيّن لحرية التعبير هنا أو هناك وهو شيء جديد في البحرين، وإن بدأ التضييق يتضح ويشتد في هذا
الجانب كذلك.
وفرغت السجون من النشطاء السياسيين لمدة زمنية معروفة وهو أمر جيد آخر إلا أنها عادت لتمتلئ من جديد.
4. ولقد أضرَّ الناصحون من الداخل أو الخارج بالطريقة التي وضع بها الدستور من طرف واحد في اختراق واضح للميثاق في كل مبادئه الرئيسة ضرراً كبيراً بالبحرين نظاماً وشعباً بما سببته هذه
الطريقة من شرخ واضح بين الشعب والدولة بعد لقاء الميثاق بمدة قصيرة جدّاً، ونالت من جسر الثقة بما ليس بقليل.
وكاد فتح باب الحوار في محطة من المحطات أن يعيد القطار إلى السكة من جديد، والأمور إلى نصابها. ولا ندري بالضبط لماذا أغلقت الحكومة هذا الباب سريعاً في صورة تبرير افتعالي غير
مقبول فعاد الشرخ يتسع، والهوة تتعمق، والأمور تشتدُّ في تأزُّمها.
ولو جاء الدستور أول ما جاء بالطريقة المتوافقة مع الميثاق وما كانت عليه تطلعات الشعب التي أنشأتها مبادئ الميثاق ونصوصه والتوافق المؤكِّد على مفاد صيغته شفهياً وكتابةً لكُفيت البحرين كل هذه
المتاعب التي أعقبت ولادته بالصورة المفاجئة للشعب المحبطة للآمال، ولو أخذ الحوار مجراه بعد وقوع الخطأ الدستوري الذي نصح به من نصح، ووصل بالحكومة والمعارضة إلى وفاق في المسألة
لتوقّف الخلاف والتداعيات وتوحدت جهود الجميع على طريق البناء الصالح لهذا الوطن بدرجة ما.
وأُريد التأكيد على أنه في الوقت الذي نقول فيه بأنه لا بد من دستور متقدم يُعطي الشعب موقعه المناسب ودوره في صوغ مصيره، وقوانين حركة وطنه، والقرارات التي تحكم حياته بأن دستوراً متعاقداً
عليه ولو بأقل قيمة في هذا المجال فرضاً أدعى لحياة الأمن والاستقرار والتعاون السليم وبناء الثقة من دستور يتقدم عليه قيمة فرضاً كذلك ولكنه مُكرهٌ عليه، ويلغي إرداته.
ولكم في الميثاق مثل فهو وإن لم يكن أحسن ميثاق في دول العالم، وفيه نقاط قوة وضعف إلا أنه كفيل بأن يُجنِّب الوطن الهزّات ما دام متوافقاً عليه وتحمّل كلٌّ من الطرفين مسؤوليته الخاصة في إقراره
والالتزام به. أنت حينما تقدم على صفقة بخيارك ولو كنت الخاسر فيها فإن عليك أن تصبر، ولكن حين يفرض عليك أمر وإن كان في هذا الأمر ما يغري فإنك ستبقى دائما شاكّاً متضجّراً شاكياً.
5. وفي سياق الكلام عن الأزمة السياسية واستمرارها والذي يستتبع حالة من الخراب الأمني، قد يصعب على المطالع تفسير استهداف الدولة أن لا تهدأ الساحة في المساحة الواسعة منها وهي تتباكى
على الاقتصاد الوطني وتأثيرات الناحية الأمنية المضطربة عليه سلباً.
فطرح مسألة أحكام الأسرة على طريق التشريع الوضعي بإدخال هذه المساحة من التشريع الإلهي في المجلس النيابي للتصويت ومن غير الضمانات التي تحفظ شرعيته الإلهية ابتداءً واستمراراً والتي
أكّد عليها العلماء، وتجديد هذا الطرح بين آونة وأخرى من غير فاصل كبير مع ما تدركه الحكومة من الحساسية البالغة الصادقة التي يُسبِّبها هذا الطرح لكل الغيورين على أحكام الشريعة وأعراضهم
وأنسابهم التي اهتمَّ بها الإسلام في الشارع الإسلامي عامة في هذا البلد مع علمها بتصميمهم أن يبذلوا كل ما في الوسع في سبيل درء هذا الخطر العظيم وضمن الضوابط الدينية لا يعني إلا رغبة الحكومة
في تعميق الأزمات وتوسيعها وخلق أجواء التواتر الدائم بدل فتح طرق الحوار في الأزمات المقيمة كالأزمة الدستورية المتصاعدة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم ارحمنا برحمتك، وقنا عذابك، وتوفنا مع الأبرار.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 102/ آل عمران.
2 – 35/ غافر.
3 – 74/ يونس.
4 – 46/ الحج.
5 – 37، 38، 39/ النازعات.
6 – 86/ البقرة.
7 – 16،17/ الأعلى.
8 – ميزان الحكمة ج3 ص314.