خطبة الجمعة (230) 26 ذي الحجة 1426هـ – 27 يناير 2006م
مواضيع الخطبة :
القلوب أوعية + موسم عاشوراء + حادثة المطار
ينبغي للشباب المؤمن من مختلف المناطق أن يشارك في الهيئة الأخلاقية للمواكب في المنامة بما يسدُّ حاجة الهيئة للتغطية البشرية المطلوبة لمعالجة الوضع الخلقي في مواكب العاصمة، لقلة العناصر المطلوبة عن حدّ الحاجة في هذا المجال.
نداءٌ كم يسعدني أن يأخذ تفعيله على أيدي الشباب الغيارى.
الخطبة الأولى
الحمد لله ذي الصّفح القديم، والمنّ العميم، والفضل العظيم، الجواد الكريم، السميع، البصير، العليم. لا تُكافأ نعماؤه، ولا تُجازى آلاؤه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً.
علينا عباد الله بتقوى الله الذي لا يقي من غضبه شيء، ولا يمنع من نقمته مانع، ولا يدفع عذابه دافع، ولا ملجأ من سخطه إلا رحمتُه. ولا تتمُّ لعبد تقوى وهو يُطلق لسانه، ويقذف بكل كلمة اشتهتها نفسُه، لا يُراعي حرمة من حرمات المؤمنين، ولا يتحرَّز عن عِرض مسلم.
وفي الكلمة عن الإمام علي عليه السلام في النهج:”والله ما أرى عبداً يتّقي تقوىً تنفعه حتى يخزن لسانه”. وكلما زاد المرء في خصوماته كلما صعب عليه أمر التقوى، وشقّ عليه أن يأخذ بمقتضاها، وقد جاء عن علي عليه السلام:”لايستطيع أن يتقي الله من خاصم” وهذا محمولٌ على الأغلب. وقد نجا من شر عظيم في الدنيا والآخرة من وُقي شرَّ لسانه، ورُزق حبسه عمّا لا يعنيه ولا يُرضي الله.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن أحسن إلينا إحسانا خاصا من مسلم ومسلمة.
اللهم أحي قلوبنا بذكرك، وأوقف جوارحنا على طاعتك، ونزِّه حياتنا من معصيتك، واجعلنا من أرضى أهل رضوانك يا كريم يا رحيم.
أما بعد أيها الملأ الطيب فالقلوب أوعية، ومنها ما يكون وعاءً لخير زاد، ومنها ما يكون وعاء لشرّ زاد، وإنما القلب بما وعى، وقيمة الإنسان بما انطوى عليه قلبه ووعاه.
وكثيراً ما تتقلَّب القلوب وتتحوّل حتّى جاء عن الرسول صلّى الله عليه وآله:”إنّما سُمِّي القلبُ من تقلُّبه، إنما مثل القلبِ مثل ريشة بالفلاة تعلَّقت في أصل شجرة تقلّبها الرّيح ظهراً لبطن”(1) وقليل من القلوب ما تستقيم على الحق لا يأخذها التذبذب عنه في كثير ولا قليل. وكثيراً منها لا يكاد يثبت على شيء من هدى، أو يستمسك بنور.
وليس اتّفاقاً أن يثبت قلبٌ على حقٍّ، وتتناهب آخرَ رياح التغيير، ويكثر تقلّبه ظهراً لبطن فذلك عائدٌ إلى نوع وآخر من التربية، وإلى المجاهدة وعدمها، واستنارة المعرفة وخلافها، واستحقاق الفيوضات الربانية، والهدايات الإلهية وعدم استحقاقها.
ولنذهب مع هدى النصوص في الموضوع بعض وقت:
القلب إمام الجسد:
يأتي من النصوص هذا النص:”إنّ منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من النّاس…”(2) والكلمة عن الصادق عليه السلام.
وكان كذلك لأنه مركز الضبط، والتوجيه، والتحكّم، والأمر، والنهي، والقيادة لكل جارحة من جوارح الجسد.
ومن هنا تأتي الكلمة عن الرسول صلى الله عليه وآله:”إذا طاب قلب المرء طاب جسده، وإذا خبث القلب خبث الجسد”(3)، خبثت ممارساته، وأفعاله، وكل نتاجاته، وإن كان لها شيء من الظاهر الحسن.
وكأن هذه الكلمة على وزان كلمة أخرى:”الناس على دين ملوكهم” وذلك لكون الملوك تملك درجة من التحكّم والتوجيه والأمر والنهي والضبط، وحكومة القلب على الجسد أبلغ وأدق وأكثر استيعاباً من حكومة الملوك على الشعوب.
القلوب آنية الله سبحانه:
هي آنية لله بهذا المعنى: تستوعب ذكراً من ذكره، معرفة من معرفته، خوفاً من عظمته، شوقاً وعشقاً وانشداداً إلى جماله وجلاله.
تقول الكلمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله:”إنّ لله تعالى في الأرض أواني، ألا وهي القلوب، فأحبَّها إلى الله، أرقّها، وأصفاها، وأصلبها: أرقّها للأخوان(4)، وأصفاها من الذنوب(5)، وأصلبها في ذات الله(6)”(7).
القصد إلى الله تعالى بالقلوب:
نقرأ عن الصادق عليه السلام:”القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من القصد إليه بالبدن وحركات القلوب أبلغ من حركات الأعمال”(8).
الذي يشدّ العبد إلى ربّه، ويجعل أفكاره، مشاعره، نيّاته، طموحاته، خوفه، يأسه، أمله، حزنه، فرحه على طريق مرضاة الله، وعلى ضوء علاقته الواعية به إنّما هو القصد إلى الله تعالى بالقلوب.
عبادة الجوارح حين تخالفها القلوب لا قيمة لها أساساً، وإذا تهجّدت الجوارح، واستكبر القلب وطغى فللعبد العقوبة لا المثوبة، ونصيب أحدنا من عبادته بمقدار حضور قلبه وتوجّه قلبه، وانصياع قلبه، واستقامة قلبه.
وتأتي العبادة من القلب بلا مشاركة للجوارح في بعض الموارد، فتكون مكتملة، وتستحق المثوبة، أما إذا أتت عبادة الجارحة مفصولة عن القلب وفي حالة من غفلته تماماً، في حالة من نوم، من سهو، فإن هذا الخضوع من الجارحة لا قيمة له بالكامل.
وهذا لا يعني ما يذهب إليه خطأ الفكر عند البعض وأن عبادة القلب تكفي عن عبادة الجوارح. صفِّ قلبك، توجّه به لله، سبّح الله، انوِ خيراً، ولا تُصلّي ولا تصُم، ولا تحج، ولا تتصدق وهذا يكفيك. هذا فهم خاطئ جداً، وما من قلب سليم مرتبط بالله إلا وساق صاحبه إلى الصلاة والصوم والحج والزكاة وفعل الخير، وكفّه عن فعل الشّر.
“إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم (أقوالكم – خ ل) ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”(9).
والسر هو أن الجارحة لا تحمل وعياً، لا تغنى بالشعور والإدراك، لا تعيش حالة الخضوع الإرادي، كل ذلك من شأن القلوب، ولبُّ العبادة هو الخضوع الإرادي لله تبارك وتعالى.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام:”جعلنا الله وإيّاكم ممّن يسعى بقلبه إلى منازل الأبرار برحمته”(10).
فليكن سعيكَ برجلكَ ويدكَ على طريق الله ومسبوقاً ومقروناً بسعي من قلبك، وإلا فلا جدوى، وقد يكون ذلك السعي من اليد والرجل معصية من المعاصي. وذلك حين يُستغفل به الآخرون، حين يُعبد به الآخرون، حين يُضلّل به الآخرون.
أصناف القلوب:
فلنقرأ هذا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله في أصناف القلوب مكتفين به من أحاديث هذا العنوان كما اكتفينا من بالقليل من أحاديث العناوين السابقة.
“القلوب أربعة: قلب فيه إيمان وليس فيه قرآن، وقلب فيه إيمان وقرآن، وقلب فيه قرآن وليس فيه إيمان، وقلب لا إيمان فيه ولا قرآن:
ويشرح الحديث لنا القلوب الأربعة:
فأمّا الأول كالتّمرة طيِّبٌ طعمها ولا طيب لها، والثّاني كجراب المسك طيّب إن فتح وطيّب إن دعاه، والثّالث كالاس طيّب ريحها وخبيث طعمها، والرّابع كالحنظل خبيث ريحها وطعمها”(11).
(قلب فيه إيمان وليس فيه قرآن): فيه إيمان فطري، ودرجة من الإيمان المكتسب، ولكن ليس فيه فقه، ليس فيه علم، هذا قلب لا يحمل الفكر القرآن التفصيلي، الرؤى والمفاهيم والأخلاقيات التفصيلية للقرآن ليس له حظٌّ من الالتفات إلى أسرار القرآن.
(وقلب فيه قرآن وليس فيه إيمان): قلب يحمل علما، يحمل فقها، يحمل رؤى إسلامية كثيرة، لكن على مستوى التصوّر، حين يحمل رؤى من رؤى الإيمان، ومفاهيم من مفاهيم الإسلام إنما يحملها على مستوى التصوّر لا التصديق، فهو قلب تشبّع بالعلم، وقد يكون ذلك العلم علما قرآنياً، وتلك المعرفة معرفة إسلامية إلا أنه قلبٌ ليس فيه من نور الإيمان شيء، ولا يعيش حالة التصديق، والاطمئنان لكلمة الإسلام والإيمان.
(وقلب لا إيمان فيه ولا قرآن): قلب حيوان، صاحبه لا يزيد في وزنه على وزن حشرة.
(فأمّا الأول كالتّمرة طيِّبٌ طعمها ولا طيب لها): قلب فيه زكاة، فيه نور، فيه هدى وهو هدى الإيمان، ولكن لا نشر فيه، ولا تنبعث أنواره إلى الخارج، ولا يُزوّد الحياة والأحياء بمعرفة من معرفة القرآن، ولا بعلم من علم الإسلام، والحياة دائما في أشدّ الحاجة إلى علم القرآن وعلم الإسلام.
(والثّاني كجراب المسك طيّب إن فتح وطيّب إن دعاه): القلب الذي فيه إيمان وعلم يعيش حالة نورانية، وحالة الابتهاج بالمعرفة الربّانية، وحالة التلألؤ، والسعادة في داخله، وله زادٌ يُقوِّم الحياة، وله نور يهدي السالكين، وله معرفة تأخذ النّاس على الطريق الصاعد إلى الله.
(والثّالث كالآس طيّب ريحها وخبيث طعمها): علم بلا إيمان، تشمّ منه ريحاً طيبة، ولكن لو أردت أن تستذوق داخله لوجدت المرارة والخبث.
(والرّابع كالحنظل خبيث ريحها وطعمها): وما أكثر هذه القلوب في ظلّ الحضارة المادية الساقطة. أعاذنا الله من ذلك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا مالك القلوب أصلح قلوبنا، وطهّرها من كل رجس، وزكّها بمعرفتك وذكرك، وآنسها بمناجاتك، واحرسها من السهو والغفلة عن عظمتك، واجعل قصدها إليك، وأُمنيتها رضوانك يا رحيم ارحمنا برحمتك، واعف عنا بعفوك، وآمنا من عذابك، واحفظنا حفظاً لا نُؤتى به من سوء دنيا ولا آخرة أبداً يا من هو على كل شيء قدير.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره، وكلُّ مشيئةٍ محكومة لمشيئته، وكلُّ شيءٍ مقدَّر بِقَدَرٍ من عنده، لا جور في حكمه، ولا خلل في عدله، ولا مَيْلَ في قضائه، له الأسماء الحسنى، وله الفضل والآلاء، لا يُنال شُكره ولا يبلغ ثناؤه. تبارك الله وهو أحسن الخالقين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصيكم عباد الله ونفسي الخطّاءة بتقوى الله الذي لا حقَّ كحقّه، ولا ثواب كثوابه، ولا عذاب كعذابه، وإنّ يوماً ينتهي فيه العمل ويقوم الحسابُ ليس ببعيد(12)، وهو يوم لا خلف فيه، ولا يحتمل هوله مخلوق. والقول مرصود، والعمل محفوظ، وكتاب ربّك لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولا شفاعة عنده إلا بإذنه، ولا شفيع أفضل من الطاعة، فمن ابتغَى المكانة عند الله فعليه بطاعته، ومن حقَّ عليه غضبُ الجبار بمعصيته كان من الهالكين.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم لا تشقنا بمعصيتك، وأسعدنا بطاعتك، واحفظنا بكلاءتك، وذُدنا عن محارمك، وقنا شر الدّنيا والآخرة، ولقِّنا خيرهما يا أكرم المسؤولين، وأجود المعطين، يا رحمن يا رحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفَّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وادرأ عنهم كلّ سوء برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى هذين المحورين:-
(موسم عاشوراء / حادثة المطار)
موسم عاشوراء:
– موسم الوعي والإرادة الإيمانية القويّة والبذل والإصلاح، والتضحية. وهو كذلك موسم التعقّل والبصيرة والحكمة والخبرة الميدانية، والإلمام الموضوعي، ومعرفة الزمان والمكان. والخطة المحكمة، والتصميم الدقيق، وعدم الانفعالية والارتجال.
وفي ذلك درس فحتّى الذين يريدون أن يُضحّوا لا بُد أن تكون تضحيتهم قائمة على الخطة الدقيقة الحكيمة الهادفة.
وهو موسم المأسأة؛ مأساة أمة، تمثَّلت في ضلال أمة، انفلات أمة، زيغ أمة، ومأساة حُكمٍ يُضلّ بضلاله أمة، حكم يزيغ بزيغه أمة، مأساة حكومات يعني انحرافها انحراف المسيرة الإنسانية عن الطريق.
– هو موسم من أجل الدِّين، من أجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أجل الوحدة والعزة للمؤمنين والأمة، من أجل العبودية لله دون كل الأرباب الكاذبة، والآلهة الزائفة. هو من أجل عبودية الله، والخروج من عبودية الطاغوت.
خطوات وحدوية:
باختصار شديد، أذكر بعض الخطوات الوحدوية في الإطار الخاص، ثم في الإطار العام:
1) خطوات وحدوية في الإطار الخاص: وأعني به في حدود أهل العزاء، وإقامة الشعائر.
أ. يجب أن يكون حضور الشخص موزّعاً على الحسينيات وليس متركّزا في حسينية واحدة من حسينيات قريته أو منطقته.
ب. أن يتبادل مسؤولو الحسينيات والمواكب زيارات الحسينيات المختلفة، ولو في بعض الأيام.
ج. تنسيق أوقات الخطابة. بحيث لا تعارض الخطابة في هذه الحسينية الخطابة في الحسينية الأخرى، ويُحدث كل ذلك حالة إرباك وإزعاج وتنافسٍ غير محمود.
د. يُطلب وحدة الموكب العزائي في القرية الواحدة، وخلاف ذلك شدود، وخروج عن خط الحسين عليه السلام. وأن تتوحد مواكب عديدة من القرى المتجاورة في بعض الأيام على الأقل، ولو في يوم واحد من أيام العشرة. وكذلك الأمر في المُدن.
2) في الإطار العام:
أ. لا طرح لما يُفرِّق بين المسلمين من سبٍّ وشتم ومهاجمات لطائفة من المسلمين ومقدساتها.
ب. والإمام عليه السلام للأمة كلّ الأمة بل للعالم كلِّ العالم. وهكذا هم شيعته الذين يعون معنى التشيع، ويعيشون حقيقة التشيع، وهمهم همُّ التشيع، ورؤيتهم رؤية التشيع، ورسالتهم رسالة التشيع. فليفهم ذلك كل المسلمين وكل العالم. ولنُفهِم ذلك أيضاً كل المسلمين وكل العالم من خلال الكلمة الهادية الموزونة، ومن خلال الموقف الرسالي الصادق.
ج. وما قدّمته ثورة الإمام الحسين عليه السلام من هدى ووعي، وصوابية موقف، ومثل رائع للروح التضحوية، وإنقاذ للضمير، وزاد كبير آخر للحياة الحرة العزيزة الرشيدة إنما قدّمته للمسلمين جميعا، قد استهدفت بعطائها العالم كلّه. وهذا ما يجب أن نحمل وعيه ورسالته للعالم.
كيف نستقبل المحرم؟
– علينا أن نستقبل المحرم باحتراق فؤاد للإسلام كما كان الحسين عليه السلام محترق الفؤاد للإسلام، وأن نستقبله بوعي إسلامي كبير، وبإرادة إيمانية حيّة، وبروح للبذل السخي في سبيل الله تبارك وتعالى.
هناك بذلٌ يُدخلك النار، وبذل يدخلك الجنة، اختر الثاني على الأول، والأول بذل ينطلق من روح البطر، ومن روح المباهاة والتفاخر الجاهلي، والبذل الثاني هو من سنخ وطبيعة بذل الحسين عليه السلام الذي كان خالصا لوجه الله الكريم.
– أخوتي الكرام، أخواتي المؤمنات تنشأ مشاكل اجتماعية، وخلافات بين حسينية وأخرى، وبين موكب وآخر، وبين قرية وأخرى فلنستفت الإمام الحسين عليه السلام في كل مشاكلنا، وليس لنا أن ندع الهوى يفتينا.
حين يفتينا الهوى، وتفتينا العصبية فسنكون مُزقاً، سنكون أشلاءاً، وسنكون نُتفاً بلا وجود قوي، بلا كيان قادر على صنع الخير في الأرض.
وعلينا مسؤولية الحفاظ على الجانب الخلقي في المواكب وتنقية أجوائها من الشوائب الشيطانية، وتنزيهها عن عبث العابثين وسقوط الساقطين، وهذا يتطلّب الإشراف والمراقبة بالدرجة الكافية لما قد يحدث من مخالفات غير لائقة تؤثر على أجواء الطهر والفضيلة والشرف والعفاف التي يجب أن تتمتع بها المواكب.
ولهذا الغرض ينبغي للشباب المؤمن من مختلف المناطق أن يشارك في الهيئة الأخلاقية للمواكب في المنامة بما يسدُّ حاجة الهيئة للتغطية البشرية المطلوبة لمعالجة الوضع الخلقي في مواكب العاصمة، لقلة العناصر المطلوبة عن حدّ الحاجة في هذا المجال.
نداءٌ كم يسعدني أن يأخذ تفعيله على أيدي الشباب الغيارى.
حادثة المطار:
هذه القضية منذ بداياتها على يد السلطة كانت مزعجة ومقلقة، وهي لا زالت كذلك بذيولها وتوابعها، وفي مقدمة ذلك بقاء الموقوفين مدة طويلة في السجن وهو كبير في نفسه، ومؤلم بما يمثّله من بؤرة للتوتر المستمر التي تغذي تواصل الأحداث السيئة بصورة تحمل معها إرباكات كثيرة كبيرة منذرة.
واستمرار الفعل وردّ الفعل، والتحدي والتحدي المضاد، واستعمال القوة المفرطة لأكثر من مرة على يد قوات السلطة كما حدث في أجواء المحكمة في الإثنين الماضي حيث أُطلق الرصاص المطاطي في ظهور المسالمين الذين لم تبدُ منهم أي مخالفة قانونية وبكثافة يمثل خطرا جديا على الوضع الأمني، والوضع الشامل، وعلى حرمة الإنسان وكرامته وقيمته الإنسانية في هذا الوطن العزيز.
وإنه يمثل في عدد من موارده كالمورد المذكور انتهاكاً صارخاً للقانون، وتجاوزا كبيرا لمقتضيات ضبط الأمن.
وموقفنا من مُجمل الوضع الآخذ في الارتباك والتدهور هو المطالبة الجادة القوية بإطلاق سراح الموقوفين نزعاً لفتيل الأزمة، وتوقّياً من تفاقم الأحداث كما ننادي بتوقف كل التداعيات لقضية المطار، والعدول نهائيا إلى لغة الحوار والتفاهم، والنأي عن لغة المواجهات والتحدي والتحدي المضاد، والعمل على اعتماد مخارج جدية وفاعلة من الوضع الشائك لكل الملفات الساخنة تتسم فعلا وبقوة بالروح الإصلاحية الصادقة، وتكون قادرة على جمع كل الأطراف على طريق البناء الصالح لهذا الوطن الكريم.
رأينا أن تُسد أبواب المناطحة والمغالبة، وتفتح أبواب التعاون على العدل والخير وما ينفع الناس، والحكومة تملك الكثير على هذا الطريق بتفعيل عدد من الخطوات الإصلاحية الملحّة بصورة عاجلة، ومن بينها مسألة الدستور والتجنيس، ونظام الانتخابات، والاستعجال لإطلاق الموقوفين، كما أن المعارضة لا تفتقد القدرة على المساعدة في تخفيف حالة التوتّر، وعدم السماح للوضع بمزيد من التصعيد والغليان.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجا، واكشف كل ما بنا من همٍّ وغمٍّ وكربٍ وضرٍّ، واكتب لنا إلى رضوانك سبيلا سهلة، وخذ بيدنا على طريق طاعتك، وكرّه في نفوسنا مقاربة معصيتك حتّى لا تغشى لك معصية أبداً، يا من هو على كل شيء قدير، وبالإجابة حقيق جدير، يا عفوّ يا رحيم يا غفور يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج8 ص212.
2 – ميزان الحكمة ج8 ص216.
3 – ميزان الحكمة ج8 ص216.
4 – تحمل عواطف نبيلة، وشفقة وعطفاً على الأخوان، لكن لا يخرج بها هذا عن الحق، ولا يُعطّل منها الأخذ بالهدى، ولا يغلبها على شرٍّ. الرقة حين تكون لها الحكومة في القلب بعيداً عن العقيدة، بعيدا عن الفقه، بعيدا عن خوف الله عزّ وجل فهي تقود إلى دمار. والرقة وكل العواطف حين تتمشّى في ضوء هدى الله تكون للبناء، وللإعمار، وللصلاح.
5 – للقلوب أرجاس، ونجاسات، وقذارات، وهي أسطى على القلب من سطو قذارات البدن عليه، تأخذ منه، وتُسقط قيمته، وتُمرضه، وتنحرف به عن الجادّة أكثر مما تفعل الأمراض بالأبدان.
6 – هناك صلابة شيطانية، هناك تعنّت، قلوب متعنّتة، متجبّرة، متغطرسة، جاهلية، هذه ليست خير القلوب، إنما خير القلوب قلوب صُلبة، شديدة، قوية، متينة، ذات إرادة فولاذية، لا تلين، ولا تستكين، ولكن كلُّ ذلك من أجل الله، وعلى طريقه.
7 – ميزان الحكمة ج8 ص217 – 218.
8 – ميزان الحكمة ج8 ص218.
9 – ميزان الحكمة ج8 ص218.
10 – ميزان الحكمة ج8 ص218.
11 – ميزان الحكمة ج8 ص219.
12 – قد يكون بعد لحظة، قد يكون بعد نَفَس.