خطبة الجمعة (221) 22 شوال 1426هـ – 25 نوفمبر 2005م

مواضيع الخطبة:


موضوع الكلام +  لعبة مشتركة + من يُخطّط لنا؟

ومما يضع الشعوب على طريق الحرية والاستقلال الحقيقيين ويساعد جدّاً على تعديل الأوضاع المادية والإنسانية لأبنائها وشرائحها انتشار الوعي الديني الصحيح الذي يُثري الشعور بالكرامة، والتّوق إلى الحرية والانشداد للحق والعدل، وتعميم ثقافة الحقوق بين مختلف فئات المجتمع ومكوّناته، وهي ثقافة يُركِّز عليها الوعي الديني بشدّة.


الخطبة الأولى

الحمدلله الذي شقَّ لنا أسماعاً وأبصاراً، وجعل لنا أفئدة وعقولاً، ورزقنا جوارح نتوسل بها لمصالحنا، ونبلغ بها قضاء حاجاتنا، وندرأ بها عن أنفسنا، ومنَّ علينا بالذِّكر، وأقدرنا على النطق، وأسبغ علينا نِعَمَه ظاهرة وباطنة.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء المخادعة لي بالتقوى والعمل الصالح، وحملها على طاعة الله، فإنها إن تُهمل تكسل وتزغ، وترويضُها يُقيمها على الطريق، ويبنيها على الجدِّ والاستقامة، وإن تُصبّر تصبر، وماأُدِّبت تصلُح، ومادُلِّلت تفسُد.
نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن سوء الحياة، وسوء الممات. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرَّحيم، واكفنا ماأهمَّنا من أمر الدّنيا والآخرة، وصَلِّ وسلم على محمد بن عبدالله الصادق الأمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد أيها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمنات الأعزّاء فهذه تتمة للحديث في موضوع الكلام:
أولاً: بين السكوت والكلام:
1. الكلام أفضل: كما يظهر من هذه الأحاديث.
“سُئل علي بن الحسين عليهما السلام عن الكلام والسكوت أيّهما أفضل؟ فقال عليه السلام: لكل واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت(1).
قيل كيف ذلك ياابن رسول الله؟
قال: لأن الله عزّ وجل مابعث الأنبياء والأوصياء بالسّكوت، إنّما بعثهم بالكلام، ولااستُحقّت الجنّة بالسكوت، ولااستُوجبت ولاية الله بالسكوت، ولاتُوقّيت النّار بالسّكوت، إنّما ذلك كلّه بالكلام..”(2).
فحيث تكون الكلمة بانية، ومُصحّحة لوضع العقل والنفس، ودافعة للحياة في الطريق الصحيح فهي وظيفة إيجابية لايمكن أن يقابلها السلب في الكفاءة والفضل.
عن أبي عبدالله عليه السلام (وفي نقل آخر عن أبي عبدالله عن أبيه عليه السلام):”قال لرجل وقد كلّمه بكلام كثير فقال: أيّها الرجل تحتقر الكلام وتستصغره(3)؟! إعلم أنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث رسله حيث بعثها ومعها ذهب ولافضّة، ولكن بعثها بالكلام(4)، وإنّما عرَّف اللهُ جلّ وعزَّ نفسه إلى خلقه بالكلام والدّلالات عليه والأعلام(5)”(6).
فالقاعدة حيث يتساوى الكلام والسكوت في عدم الضرر أنّ الكلام الحكيم أولى، لأن الكلام فيه بناء، وفيه تربية، والسكوت ليس له دور إيجابي في كثير من الإحيان إلا حيث يقوم مقام النطق، وذلك في مقامات خاصة، وبقرائن معيّنة.
2. السكوت أفضل:
كما جاء أن الكلام أفضل يأتينا أن السكوت أفضل.
عن الإمام الصادق عليه السلام:”قال لقمان لابنه: يابنيّ إن كنت زعِمت أنّ الكلام من فضّة، فإنّ السّكوت من ذهب”(7).
والذهب لاشك أنه أفضل من الفضّة في العرف العام، وفي التقييم الاقتصادي.
عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:”السكوت ذهب والكلام فضّة”(8).
عن الإمام الصادق عليه السلام:”لايزال العبد المؤمن يكتب محسناً مادام ساكتاً، فإذا تكلّم كتب محسناً أو مسيئاً”(9).
وكتابته محسناً إذا لم يكن للكلام موجب، أما حيث يكون للكلام موجب فالسكوت لايكون حسناً. ولكنه في كلامه يكون بين أمرين: إما أن يُحسن الكلام فيُكتب محسنا، وإما أن يُسيئه فيكتب مسيئا، فهو على خطر في كلامه.
“قال داود لسليمان عليهما السلام: يابنيّ عليك بطول الصّمت، إلا من خير فإنّ الندامة على طول الصّمت مرّة واحدة، خير من النّدامة على كثرة الكلام مرّات، يابنيّ لو أنّ الكلام كان من فضّة ينبغي للصّمت أن يكون من ذهب”(10).
والحديث يذهب مذهب الحديث الأول لأن الكلام فيه مخاطرة، ويحتاج إلى صناعة دقيقة، وضبط لسان، وخلفية من علمٍ وحكمة.
3. تفصيل:
نقرأ تفصيلاً بين فضل الكلام، وبين فضل السكوت، فلفضل الكلام مواضع، ولفضل السكوت مواضع، وهذه الطائفة من الأحاديث تُلقي الضوء على الطائفتين السابقتين التي تُطلق إحداهما التفضيل للكلام، والأخرى التفضيل للسكوت.
تقول الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:”لاخير في الصمت عن الحكم، كما أنّه لاخير في القول بالجهل”(11).
فحيث تكون العالم، وحيث تقتضي الحكمة الكلمة، وحيث تملك الكلمة الصواب فالكلام أفضل. والصمت في هذا الموقع لاخير فيه.
أما أن يقول أحدنا الكلمة عن جهل، وفي حالٍ من الطّيش، وأن يُجانب الحكمة في كلامه فإن هذا القول لاقيمة له.
فعرفنا أين يحسن الكلام، وأين يحسن السكوت.
وهذه الكلمة عنه عليه السلام كذلك:”كلّ سكوت ليس فيه فكر فهو غفلة”(12).
سكوت البهائم، وسكوت الضائعين، سكوتٌ بلا فكر، وبلا تأمّل، سكوت البله سكوتٌ لاقيمة له.
السكوت الممدوح في الأحاديث سكوتٌ لايُمثّل فراغاً، وإنما سكوتٌ يصحبه فكر وتأمّل وتقليب نظر.
عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:”الصّمت بغير تفكّرٍ خرس”(13).
الناطق هو المُفكِّر، وحيث لافكر فليس إلا الأخرس، وكما يصيب الخرس اللسان فقد يصيب الفكر بحيث يعاني من فقد القدرة على التفكير كما قد يعاني اللسان من فقد القدرة على النطق.
هذا السكوت خير من هذا الكلام نقرأ:
عن أمير المؤمنين عليه السلام:”صمتٌ يُكسبك الوقار خير من كلام يكسوك العار”(14).
فحيث يقف المرء بين أن يتكلّم ولايملك أن يُحسن الكلام فيُكسبه كلامُه عارا، وبين أن يسكت لأنه لايملك الكلمة المناسبة الصائبة فسكوته يحفظ عليه وقاره وماء حيائه.
عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:”السكوت خير من إملاء الشّر، وإملاء الخير خير من السكوت”(15).
إذا كانت الكلمة ستقود إلى شرّ، إلى فتنة، إلى ضلال فالسكوت هو الخير، أما حيث يتقابل السكوت والكلمة المصلحة البنّاءة، فالكلمة البنّاءة هي المقدّمة.
عن الإمام علي عليه السلام:”الحصر خيرٌ من الهذر”(16).
رجل يُبتلى بالعجز عن التعبير، وبالقصور عن الكلمة المصلحة أحسن حظّاً من رجل يكثر منه الهذر الذي يُسقط قيمته، ويقترب به من النّار.
ثانياً: كيف نكون؟
نقرأ عن رسول الله صلى الله عليه وآله:”إنّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة”(17).
أن نسكت لا لنكون سلبيين، وإنّما نسكت في ذكر لله، في ذكر لقيمة الدنيا، في ذكر لقيمة الآخرة، في ذكر لإنسانيتنا، في ذكر لمصيرنا فذلك من سكوت الصلحاء وأولياء الله.
مطلوب أن نتوفّر على فرصة سكوت تكون للتأمّل والتفكّر والغوص في الأمور الكبيرة. ومطلوب لنا أن ننظر في الآثار، وننظر في الأحداث، وننظر في التقلّبات والتحوّلات لا النظر العابر، وإنما النظر المتأمّل المعتبر.
ومطلوب لنا أن نملك الكلمة، وأن نملك الفكر الذي تكون به الكلمة قادرةً على الإصلاح، وقادرةً على البناء والتّصحيح، مطلوب لنا أن نتوفّر على علم، على حكمة، على قدرة بيان من أجل أن يكون نطقنا الحكمة.
عن أمير المؤمنين عليه السلام:”إنّ لله عباداً كسرت قلوبهم خشية فأسكتتهم عن المنطق وإنّهم لفصحاء عقلاء، يستبقون إلى الله بالأعمال الزّكيّة، لايستكثرون له الكثير، ولايرضون له الكثير، ولايرضون لهم أنفسهم بالقليل…”(18).
تزدحم الكلمات على ألسن البعض، ويملك قدرةً فائقة على الكلام، وقد يتيه بقدرته هذه، وقد تسوقه الرغائب إلى أن يملك شهرة في الناس. ومنهم من له تلك القدرة ولو أراد من خلال الكلام لا متلك الشهرة، لكن له من صلاح داخله، ومن معرفة ربّه مايمنعه عن كثرة الكلام، ومايجعله يضع الكلمة في مواضعها، ولايتكلّم إلا الكلام الذي يرضي الله تبارك وتعالى.
ليسوا أهل دنيا، ولا حبِّ شهرة وظهور، ليستغلّوا فصاحتهم، ومايملكون من عقل وعلم ليعملوا على الظهور في الناس. إنهم يقدّمون العمل، والموقف الإيجابي على الكلمة، ويضعون نفسهم أمام الله عزّ وجل موضع التقصير، فينصرف بهم ذلك إلى التوبة والاستغفار.
ثالثاً: إطياب الكلام:
أي كلام نتكلّم؟ وبأي أسلوب نتحدّث إلى الناس؟
{وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}(19) { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ…..}(20).
ولا أعرف من أين جاء المسلمين أن يقدّموا لغة الشتم والسب فيما بينهم، والله عزّ وجل يقول لهم بأن يقولوا للناس حسنا، وبأن يقولوا التي هي أحسن.
أنا لاأشكّ بأن لغة السب والشتم واللعن تثير الصدور، وتستثير الأحقاد، وتشقّ الصف، وتثير الحرب، وأنت لاتستطيع أن تجمع الناس على كلمة الحق من خلال سبّ عقائدهم وشتم رموزهم.
عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله:”إنّ في الجنّة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، يسكنها من أُمّتى من أطاب الكلام(21)، وأطعم الطّعام، وأفشا السّلام، وأدام الصّيام، وصلّى بالليل والنّاس نيام”(22).
فانظر في أي سياق وُضعت وظيفة إطابة الكلام، وضعت في سياق إدامة الصيام، والصلاة بالليل والنّاس نيام.
عن الإمام الباقر عليه السلام:”في قوله تعالى:{وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}: قولوا للنّاس أحسن ماتحبون أن يقال لكم”(23).
ومن يحب أن يُشتم قائده؟ ومن يحب أن تُشتم رموزه؟ وأنْ تشتم مقدّساته؟ إن أحببت ذلك فافعل مع الآخرين.
“عن سليمان بن مهران قال:دخلت على الصّادق (عليه السلام) وعنده نفر من الشّيعة فسمعته وهو يقول:معاشر الشّيعة كونوا لنا زيناً ولاتكونوا علينا شيناً، قولوا للنّاس حسناً(24)، واحفظوا ألسنتكم، وكفّوها عن الفضول وقبيح القول”(25).
هذا تعليم أئمتنا عليهم السلام.
عن الإمام الصادق عليه السلام:”اتقوا الله ولاتحملوا الناس على أكتافكم، إنّ الله يقول في كتابه: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}”.
سيؤذيكم الناس، سيجتمع عليكم شر الناس، سيفتك بكم الناس إن أنتم أسأتم القول.
اللهم صلِّ وسلم على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله وآله الطاهرين. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين.
اللهم ارزقنا إيماناً كاملاً، وعقلاً راجحاً، وقلباً طاهراً، وعملاً زاكياً، وقولاً حسناً، وحكمة وصواباً، وجنّبنا الكفر والنفاق والجهل، ورِجس الباطن، وسوء القول والعمل، واكتبنا عندك من المرضيين، وسعداء الدّارين ياكريم يارحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) }

الخطبة الثانية

الحمدلله الذي لايُعطي الخير من أعطى خوفاً ولاطمعاً، ولايمنع من مَنَع ضِيقاً ولابخلاً، ويجزي بالحسنة أضعافاً، ولايُعاقِب جُزافاً، ويُنصف أهلَ معصيته من أهل طاعته إنصافاً. عدلُه عامٌّ لكلّ شيء، وحكمه ماضٍ في كلِّ شيء، وقدرتُه خاضعٌ لها كلُّ شيء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
علينا عباد الله بتقوى الله والانصراف إلى ماخلقنا له من طاعته وعبادته، وأن نأخذ من الدنيا ما أعان على ذلك، وصَلَح به أمرُ الآخرة، ومكّن للدين في النَّاس، وعزّ به جانبُه، وقويت به الأمة، وظهرت به على أعدائها من أعداء الله، ومحاربي الحقّ، ومناصري الباطل. أمَّا أن يتحول جمع المال، وطلبُ الدنيا هدفاً في نفسه، وتُباعَ النفس من أجله، ويُشترى بالعمر فهو مما لايرتكبه إلا غافل قد هانت عليه نفسه، ولم يعرف قيمة حياته، ولم يلتفت إلى مايستقبله؛ ومايستقبل الناس أمرٌ عظيم.
وقد أنزل نفسه منزلة البهيمة من رضي من الحياة بشهواتها، وكان أكبرُ همّه التمتع فيها.
نعوذ بالله من غلبة الشيطان، وسَورة الشهوة، والسقوط في الغفلة، وغياب الحكمة، ونسيان الغاية، والركون إلى الوضاعة.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعل حياتنا حياة الأولياء، ومنقلبنا منقلب الصالحين يارحمن يارحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن القائم المنتظر المهدي.
اللهم عجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً.
ياأخوة الإيمان والفضيلة من مؤمنين ومؤمنات وقفة مع عنوانين:
لعبة مشتركة:
1. توالت هزائمُ الأمة وانتكاساتها، وتعمّق تخلّفها على يد أنظمة الحكم السائدة فيها المُتخلِّية عن الإسلام، وفي ظل الأحزاب والمنظمات المتغرّبة. وبدأت صحوة إسلامية قوية، وانبعث شعار العودة إلى الإسلام وأخذ مفعوله الكبير في صفوف أبناء الأمة.
2. ومن ردود الفعل على الصحوة الإسلامية الكاسحة الطرح الأمريكي للديموقراطية الشكلية (وأقول الشكلية) في البلاد الإسلامية لاختطاف الأنظار، وللتلهية والتخذير ولإنقاذ الأنظمة التقليدية من أن تتعرّض للإسقاط والتغيير الجذري.
وقد ذهبت أمريكا وأوروبا إلى أن تُسقط بنفسها النظام المتصلّب الذي يقف في وجه خطّتها، ويصرّ على التحرّك خارج المسار الذي تختاره، بعد صبرٍ طويل على تمرّده، وبعد دعمه في وجه الإسلام وانتفاضات الإسلاميين كما في نظام صدّام خشية تحقق مكاسب إسلامية على الأرض تقطع على أمريكا طريقها.
3. ولايُستبعد أن يوجد تنسيق وتوافق بين أمريكا والأنظمة التقليدية على فتح الساحة في البلاد الإسلامية اقتصادياً وثقافياً ودينياً وتربوياً أمام الإرادة الأمريكية وخططها وتنفيذاتها المباشرة وغير المباشرة في المنطقة.
وأما الساحة السياسية فالحكم فيها متقاسم بين الأنظمة المحلية ومايُسمّونه بالقطب الواحد صاحب الإرادة السيادية.
والثمن الذي تتمسّك به أنظمة الحكم التقليديّة هو أصل البقاء والمكاسب القبلية والفئوية والحزبية التي تتمتع بها على حساب الشعوب المظلومة.
4. وتترتب على هذه اللعبة المشتركة أمور:
‌أ. امتصاص نقمة الشعوب وخلق حالة أمل كاذب عن طريق التبشير بشعار الديموقراطية، ونصرة الشعوب وإنقاذها.
‌ب. اختطاف نظر الأمة عن الطرح الإسلامي المنقذ حقّاً والذي صار يُحقِّق واقعاً على الأرض، وشغل الساحة الإسلامية بثقافة سياسية بديلة، تُبقي على جهل الأمة وغربتها في مجال الثقافة السياسية والإسلامية المنقذة.
‌ج. الاقتراب من المعارضة في البلاد الإسلامية إلى حدّ الالتصاق والتغلغل للسيطرة المعلوماتية الشاملة.
‌د. احتواء النخب القيادية الجاهزة في البلاد الإسلامية وإعداد نخب ناشئة لتكون البديل الجاهز لتنفيذ الخطط الأمريكية في حال اقتضت المصلحة الأمريكية استبدال الحكومات القائمة.
‌ه. خلق حالة أنس شعبي عام بل ثقة واطمئنان للصديق الغازي، والعدو المنافق، ترتفع إلى درجة الموادّة والشعور بالامتنان، وواجب تقديم الشكر.
‌و. التربية والتثقيف الأجنبيان المباشران وغير المباشرين للشعوب الإسلامية في ظل أجواء الثقة بحيث تنتهي إلى حالة ولاء كامل وارتماء في أحضان الأجنبي يصاحبه انفصال واسع عن الأنظمة الحاكمة التي آلمت تجربتُها الشعوب، ويُهيء إلى الترحيب بالخيار الأمريكي الغربي المعادي للإسلام في كل مناحي الحياة عن رضىً واطمئنانٍ وشوقٍ صادق.
من يُخطّط لنا؟
هناك عمليتان تغييرتان: عملية تغييرية من داخل الإنسان، وعملية تغييرية من خارج الإنسان. ودائما تكون العملية التغييرية من داخل الإنسان أكثر تجذّراً، وأبعد غوراً، وأخطر أثراً. على أن العملية التغييرية من الخارج تعود بالأثر السلبي على الداخل وتُحدث تغييرات انتكاسية.
والتغيير سلبيٌّ وإيجابيٌّ، فسياق الآية الكريمة القائلة:{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(26) سياقٌ يُشير إلى التغيير السلبي، وأنّ الأمة تكون بخير، وتكون على طريق التقدّم حتّى تنقلب موازينها الفكرية، وحتّى تنحطّ نفسيتها، وتنهزم في إرادتها، فتأتي الأوضاع الخارجية سلبية من بعد إيجاب.
والآية الكريمة {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ…}(27) تتحدّث عن التغيير الإيجابي.
1) والبلدان الإسلامية والبحرين واحدة منها يتعرّض إنسانها المسلم للتغيير التنازلي من داخله ومن خارجه.
2) من المخطط للتغيير؟
على المكشوف: مؤسسات من منشأ أمريكي. وأخرى محليَّة بتخطيط ودعم أمريكي وأوروبي تعمل على الأرض: صرنا نسمع عن: منتدى المستقبل، مؤسسة المستقبل، منتدى صوت المرأة – فرنسي -، بيت الحرية، و(NDI)، نادي الروتاري وكلها ذات حضور فاعل وقوي في عملية التغيير والصناعة الجديدة للمجتمع. وهي صناعة سلبية منحدرة.
3) ماهو بيت الحرية؟ مؤسسة أمريكية أهلية(28)، مقرّها نيويورك تدعم حسبما جاء في بيان مكتب الإعلام الخارجي بوزارة الدفاع الأمريكية الحرية وتعمل كأداة مساعدة للحرية من خلال ماتقوم به من تحليلات ودفاع وعمل.
لها دراسة لتقييم حرية المرأة في (17) دولة عربية على هامش المنتدى الاقتصادي (دافوس) الذي عُقد في الأردن.
تمّت الدراسة بتمويل (مبادرة الشراكة الأمركيية الشرق أوسطية) وهي مبادرة رئاسية أمريكية. واستغرقت الدراسة عشرين شهراً.
المؤسسة أمريكية منبتاً وموقعاً وتمويلاً ورؤية وأخلاقية ومفاهيمَ وأفكاراً وأسلوباً وهدفاً، فهي تنظر للإنسان وللحياة وللزواج وللأسرة وللحرية والشرف بمنظار أمريكي خالص.
وإن الحرية التي يتبناها بيت الحرية ويدعو أسرَنا إليها هي الحرية الأمريكية التي لاتعترف بتشريعات الله، وقيم السماء، ومنطق الفطرة الخلقية ولايدخل قاموسَها حياء.
وهي حرية تُجيز لأمريكا في نفس الوقت أن تفرض إرادتها على شعوب العالم وتستعبدها، وتنهب ثرواتها وتقتل وتحرق وتعذِّب لفرض سيطرتها.
نسأل والجواب لايغيب عن ذهن: الحرية الأمريكية التي نُدعى إليها حرية إنسانية أو حيوانية؟
حرية تمنع من ظلم القوي للضعيف أو تُنظِّر له وتوجهه؟ حرية قائمة على القيم أو متنكّرة لها؟ حرية سياسية بنّاءة تتيح للشعوب أن تُمارس إدارتها حقّاً في اختيار المصير أم حرية شهوات ونزوات تستغفل إنساننا، وتشغله عن أهدافه الكريمة، وحقوقه الثابتة، وتحوّله إلى أداة استهلاكية تستغلها أسواق الغرب… حرية تتخذ من المرأة لعبة دعاية، وتنظر إليها جسداً لترويج البضائع، ووسيلة لتمييع الشعوب؟
وإنَّ بيت الحرية الأمريكي يطرح لبلداننا شعار المساواة بين الجنسين، وقد قرأتم هذا في الصحف، وهي المساواة التي تتيح للزوج في الغرب أن يتخذ خليلات فاحشة(29)، وللزوجة أن تتخذ أصدقاء من هذا النوع، وتُسوِّغ للمرأة أن تستغني بالمرأة، وللرجل أن يستغني بالرجل.
وبيت الحرية الأمريكي هو الذي تقول دراسته(30) “تُعد قوانين الميراث التي يتضمنها قانون الأسرة أيضاً بمثابة مصدر آخر لعدم المساواة بين المرأة والرجل”. فنظام الميثراث الإسلامي مستهدف من بيت الحرية لأنه لاينسجم مع النظرة الأمريكية. الأمريكي الله في نظره، فلايقبل بتشريع الله الحق.
وتقول هذه الدراسة”وينبغي مراجعة تفسيرات الشريعة الإسلامية التي تؤدي – أي تلك التفسيرات – إلى حرمان المرأة من الحقوق المساوية لحقوق الرجل من أجل ضمان عدم التمييز ضد المرأة”. والمساواة في الحقوق المعنيُّ بها هنا هو المساواة بمفهومها الأمريكي، والتمييز بمفهومه هنا هو التمييز بالنظر الأمريكي.
إذاً فعلينا أن نأخذ تفسيرات الشريعة من بيت الحرية الأمريكية لامن فقهاء الشريعة ولامن أهل البيت عليهم السلام.
والخط البياني الذي تعتمده دراسة بيت الحرية يضع تونس في أعلى مرتبة من بين البلاد العربية في مجال حقوق المرأة. والسببُ لايخفى.
ومن حرية الغرب التي يسعى بيت الحرية الأمريكي لأن يُنقذنا بها أنّ الأب ليس له حق الاعتراض على ابنته البالغة وهي تختار خليلاً لها يَقضي معها من الوقت مايقضي، ويفعل معها مايفعل، وقد يكون ذلك في بيته نفسه وهو ماحصل لبعض الآباء المسلمين من بعض البلاد ممن غرّبته الظروف القاهرة كما حَدَّث بذلك بعض المؤمنين.
4) بيت الحرية الأمريكي بمفاهيمه هذه ورؤاه وأخلاقياته شارك ويُشارك في الحملات المناصرة لقانون الأسرة والأحوال الشخصية في بلدنا الإسلامي البحرين، وعلينا أن نقول مع ذلك بأن منطلقه إسلامي، ولايستهدف إلا خدمة المسلمين والحفاظ على الدين، لا إقصاءه وتغييبه.
أليس من الحق أن نقول بأن خوض معركة قانون الأسرة والأحوال الشخصية من بيت الحرية الأمريكي والمال الأمريكي والسفارة الفرنسية والمؤسسات الأجنبية الأخرى فاضحٌ للتوجهات الحقيقية للمطالبة بالقانون بلاضمانات كافية؟
وإذا عدّ البعض الرجوع إلى فقيه من فقهاء الأمة خارج البلد في الفتوى المتعلّقة بأحكام الشريعة تدخّلاً أجنبيّاً في شؤون الوطن، فماذا يعدُّ هؤلاء الدور النشط المكشوف المعلن والممارسة على الأرض داخل الوطن من هذه القوى الأجنبية المناهضة لفكر الأمة وأخلاقيتها وإيمانها بشريعتها؟ وكيف صحّحوا لأنفسهم أن يلتفّوا بها ويتلقّوا دعمها، ويستندوا إلى منطقها؟!
5) إن أمريكا وفرنسا والغرب كله مشفقون علينا من الإسلام وشريعته. وقد جاءوا يعلموننا كيف نتعامل، وكيف نعيش، وكيف نبني أسرة سعيدة في ظل عطاءات حضارة الغرب الراقية ولكنهم لايُشفقون علينا من إسرائيل ولا من جيوشهم أنفسهم وصواريخها وقنابلها، ولا من تعذيبهم للمسلمين في السجون التي لم يعثر عليها أحد حتى الآن.
هؤلاء المشفقون على الأمة هم الذين كانوا يدعمون صداماً ضد شعبه وضد محيطه الإسلامي، وهم الذين يدعمون الأنظمة الجائرة التي تحكم الأمة، ويرفعون من جهة أخرى شعار الديموقراطية للتضليل والأغراض السياسية الخبيثة.
أليس هؤلاء المشفقون هم الذين سهّلوا لطاغية العراق أن يسحق انتفاضة الحرية الشعبانية بالحديد والنار والدمار؟!
هؤلاء المشفقون علينا من إسلامنا وتشريعاته هم الذين بنوا لإسرائيل ترسانة سلاحها النووي، وهم الذين يتهددون أي بلد إسلامي يسعى لتطوير قدراته النووية السلمية، أو يحاول التحرّر والاستقلال عن محور التبعية الأمريكية الذليلة.
إن كل الأنظمة السياسية المرتبطة بالمصلحة الأمريكية المتحرّكة في فلكها مدعومة من أمريكا بقوة، ومع ذلك تمارس أمريكا الكذب على الشعوب برفع شعار الديموقراطية المخادع.
وإذا نال العراق شيئاً من الديموقراطية فذلك بإصراره وتمرّده على الإرادة الأمريكية، وأمريكا تعمل في العراق بكلّ جدّ لتركيز شخصيات لايرغب فيها الشعب العراقي ولايؤمن بها، وتحاول جاهدة لأن تترك لها بصمات واضحة في دستور العراق.
6) علينا أن نقول لأمريكا والغرب كله إننا أمة غنية بقرآنها ورسولها وتاريخها ورجالها والثروة الحضارية التي تمتلكها، ولانحتاج إلى دروسهم في الأخلاق والمعاملة والتشريع والعلاقات الإنسانية، أو في الحق والعدل والإحسان.
وأن ما أخّر هذه الأمة هو ظلم أنظمتها السياسية وتقزيمها لها وهي أنظمة طالما أسندها الغرب وتآمر معها على الأمة.
وحرية الأمة الحرية الإنسانية والحقيقية واستقلالها عن تبعية الدول الأجنبية وممارستها لإرادتها الحرة الكريمة، وتقرير مصيرها واختيار حياتها بحكمة ورشد لا يأتي منحة من أمريكا ولاغيرها، ولن تُقدّمه الحكومات عن شفقة ورحمة، وإنما يعتمد على وعي أبناء شعوبها وجهدهم ونضالهم وعودتهم لإسلامهم، واستكمالهم لشروط النهضة الصالحة الناجحة.
ومما يضع الشعوب على طريق الحرية والاستقلال الحقيقيين ويساعد جدّاً على تعديل الأوضاع المادية والإنسانية لأبنائها وشرائحها انتشار الوعي الديني الصحيح الذي يُثري الشعور بالكرامة، والتّوق إلى الحرية، والانشداد للحق والعدل، وتعميمُ ثقافة الحقوق بين مختلف فئات المجتمع ومكوّناته، وهي ثقافة يُركِّز عليها الوعي الديني بشدّة.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا هب لنا العزة والكرامة والرضوان والأمن والهناءة في الدنيا، وفي دار السلام، وباعد بيننا وبين أهل الشقاء والنيران بمنّك ورحمتك يارحيم يارحمن.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – يسكت وقد لايُعاب على سكوته، يسكت لاعن عيٍّ، ولا عن قصور، ويتكلّم بحكمة، ويضع الكلام في موضعه فيكون الكلام في هذا المورد المتساوي الطرفين أفضل.
2 – ميزان الحكمة ج8 ص444.
3 – الكلام عملة زهيدة؟! الكلام بضاعة رخيصة؟!
4 – الذي هو أغلى من الذهب والفضّة.
5 – أي الآيات.
6 – ميزان الحكمة ج8 ص445.
7 – ميزان الحكمة ج8 ص445.
8 – ميزان الحكمة ج8 ص445.
9 – ميزان الحكمة ج8 ص445.
10 – ميزان الحكمة ج8 ص445.
11 – ميزان الحكمة ج8 ص446.
12 – ميزان الحكمة ج8 ص446.
13 – ميزان الحكمة ج8 ص446.
14 – ميزان الحكمة ج8 ص446.
15 – ميزان الحكمة ج8 ص447.
16 – ميزان الحكمة ج8 ص447.
17 – ميزان الحكمة ج8 ص447.
18 – ميزان الحكمة ج8 ص447.
19 – 83/ البقرة.
20 – 53/ الإسراء.
21 – إطابة الكلام عبادة. وإطابة الكلام لاتعني السكوت عن الحق، وإنما وأنا أتكلّم بالحق عليّ أن أحسن الأسلوب، وأنا أطالب بالحق عليّ أن أحسن الأسلوب، وأنا أنبّه على الحق عليّ أن أحسن الأسلوب، وأنا ألفت النظر إلى الباطل علي أن أحسن الأسلوب.
22 – ميزان الحكمة ج8 ص450.
23 – ميزان الحكمة ج8 ص450.
24 – هذه وحدة مهمة جدا من وحدات الزين الذي يدفعنا إليه أهل البيت عليهم السلام، والذي يرتفع به شأن مدرسة أهل البيت عليهم السلام في الناس، هذه الوحدة هي حسن الكلام. الزين أعم، ولكن ذُكر في الحديث مصداق مهم جدا للزَّين.
25 – ميزان الحكمة ج8 ص450.
26 – 11/ الرعد.
27 – 96/ الأعراف.
28 – والتفريق بين الأهلي والرسمي في المؤسسات الأمريكية التي تعمل في البلاد الإسلامية أمرٌ لايكاد يصحّ.
29 – المساواة في الغرب بين الذكر والأنثى أليس هذا من قراراتها، وعلى مستوى القوانين؟
30 – الدراسة التي استغرقت عشرين شهراً، والتي أُشير إليها في مطلع الحديث.

 

زر الذهاب إلى الأعلى