خطبة الجمعة (220) 15 شوال 1426هـ – 18 نوفمبر 2005م
مواضيع الخطبة:
موضوع الكلام + مسألة السواحل + ما أشبه الليلة بالبارحة + أمريكا والنظام العربي
من المؤسف أن علاقات الكثير من الأنظمة العربية مع شعوبها ليست علاقات مرضية وتحكمها في الكثير لغة القوة من جانب الحكومات وهي معرّضة للتوترات وتسودها حالة من فقد الثقة بالدرجة الكافية.
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي لاشريك له ولاعديل، ولاشيء يشبهه. لامخرج لشيء من العدم إلى الوجود إلا بفيضه، ولاغاية لموجود إلا بتقديره، ولاموت لحيّ إلا بإرادته، ولاحياة لميّت إلا بإذنه وعطائه. كلُّ شيء أسير قدرته، ولا قيام لشيء إلا به. تبارك ربنا وهو أحسن الخالقين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيراً.
علينا عباد الله بتقوى الله، ومتابعة كتابه وسنة نبيه وأهل بيت نبيه المعصومين صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.
ومن تابع الكتاب والسنة فارق الهوى إلى الحكمة، والغيَّ إلى الهدى، والضلال إلى الرشاد، والباطل إلى الحقّ، وإنهما لدليلان مأمونان، وهاديان موصلان؛ لايضل آخذٌ بهما، ولايقصر عن الغاية الكريمة متّبع لهما(1).
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واجعلنا من متّبعي الكتاب، السالكين مسلك السداد والرشاد، المقتدين بمحمد وآله الأطهار الأطياب أُولي الأبصار والألباب، يارحمن، يارحيم، ياوهّاب.
أما بعد فهذه عودة إلى موضوع الكلام:
أولاً: لافقه ولاحكمة:-
فاقدٌ للحكمة، ولايفقه الحياة، ولامراعاة دقيقة عنده لدينه من تكلَّم في ما لايعنيه، ولايرتبط بهدف واضح ينفعه. فمن جرَّته الظروف والمناسبات للكلام بلا قصد معقول، أو استهوته المجالس لأن يتكلم بكل مايحضر خاطره، ومن انطلق لسانه في القضية التي لاتهمّه دلّ منه ذلك على قلة فهم، وفقد رويَّة، وافتقار للحكمة.
عن الرسول (ص):”من فقه الرّجل قلّة كلامه في ما لايعنيه”(2).
يريدنا الإسلام أن نفقه أنفسنا، أن نفقه حياتنا، أن نفقه الأمر الكبير والأمر الصغير، أن نكون على فهم وافر، وعلم غزير كلّما أمكن. يريدنا حكماء، رزناء، يضعون كل شيء في موضعه، ويصيبون بالفعل، وبالكلمة مواقعهما.
ولم يفقه الأمور كما ينبغي، ولم يعرف وظيفة الكلام كما هي من أطلق للسانه أن يقول مااشتهت نفسه. وإنّه لمما يثقل كاهل العبد، ويسيء موقفه بين يدي ربّه أن يكثر هذره، وكلامه في مالايعنيه.
نحن في أفعالنا وأقوالنا نتعامل مع أعظم عظيم، وأكبر كبير، وهو جبَّار السماوات والأرض، والذي لاغنى لأحدٍ عنه، ولامفر لأيٍّ كان منه، فلينظر أحدنا كيف يرغب أن يكون كتاب عمله وقوله عند ربه، وهو كتاب لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلا أحصاها(3).
عن الكاظم عليه السلام:”مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام برجل يتكلّم بفضول الكلام، فوقف عليه، ثمّ قال: يا هذا إنّك تُملي على حافظيك كتاباً إلى ربّك فتكلّم بما يعنيك ودع ما لايعنيك”(4).
نحن نُملي على حافظين ملازمين لنا يكتبان منا كل كلمة، ويرصدان كل لفظ، وكتابهما لايضيع منه شيء من كلامنا، ولايُنسى ويبقى حتى نلقى الله، إلا أن يأتي مايمحو كلاماً يسوء من توبة، أو عمل صالح يُكفّر عنه، وكلامٌ في الناس بما يجرح ومن غير حق، وخارج الضوابط الشرعية يلقاه العبد في موقفه بين يدي ربّه وقد لايُسقطه عنه إلا عفو من اعتدى عليه.
الكتاب الذي نمليه على الحافظين كتاب موجّهٌ إلى الله، فأيُّ كتاب يليق بالعبد المحكوم لله، الذليل بين يديه والذي تتنزّل عليه نعم الله في كل آن، أي كتاب يليق به أن يرفعه إليه عزّ وجل؟
إنك لتحرص أن لاتدخل كلمة خارج الحكمة، وخارج ماينبغي في كتاب توجّهه لرئيس وظيفتك، أما لو أرسلت كتابك إلى رئيس جمهورية أو ملك فإن تحرّزك في هذا الكتاب سيكون شيئاً بالغاً. هذا كتاب لعبد مملوك لله، فكيف يكون الكتاب الذي تُرسله إلى الله؟!
وقد يسأل سائل أيَّ كلمة أقول، وأيَّ كلمة أدع؟ فنسمع عن أبي ذر مايمثّل ضابطة هادية في المقام:”عن أبي ذر قال: اجعل الدّنيا كلمتين: كلمة في طلب الحلال، وكلمة للآخرة، والثّالثة تضرّ ولاتنفع، فلاتُرِدها”(5).
فالضابطة أن لا أُجري على اللسان من الكلام إلاّ ما كان فيه نفع دنيوي بلا ضرر للآخرة، أو ماكان ربحاً في الآخرة. الكلمة الثالثة فضول، وزيادة مضرّة، واشتغال بما لاينبغي الاشتغال به، لأن هذه الكلمة لاتأتي على خط الهدف الكبير من الحياة. إنها كلمة لاتستقيم مع خط الخلافة عن الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: أثران:
لكثرة الكلام بلا موجب نوع أثر، ولقلته مع كفايته نوع آخر من التأثير:
نقف على شيء من آثار كثرة الكلام:
أ. كثرة الكلام:”من كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه(6)، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه(7)، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النّار”(8).
البداية قد لاتكون ملحوظة ولكنها تنتهي إلى نتائج كارثية فادحة.
وقال أيضا عليه السلام:”كان المسيح عليه السلام يقول: لاتكثروا الكلام في غير ذكر الله، فإنّ الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم، ولكن لايعلمون”(9).
فكثرة الكلام في غير ذكر الله تُقسّي القلب، تجعله لايلين إلى الحق، والمراء بعد المراء، والكلام الساقط يتلوه كلام ساقط يسقط بمستوى القلب، ويفقده صلاحية التلقّي للحق واحتضانه.
ومن آثار كثرة الكلام الزائد عن الحاجة والخارج عن الحكمة ما ينبه عليه ما عن أمير المؤمنين علي عليه السلام:”الكلام في وثاقك مالم تتكلّم به، فإذا تكلّمت به صرت في وثاقه(10)، فاخزُن لسانك كما تخزن ذهبك ووَرِقك فربّ كلمة سلبت نعمة”(11) وهذا سهل الفهم، فالكلمة قد تسلب نعمة شرف، تسلب نعمة أمن، تسلب نعمة مال. الكلمة قد يكون سطوها على وضع المرء بالغ الشدّة والضرر.
ب. أما هنا فالكلام عن قلة الكلام بحيث يكون بمقدار الحاجة لا أقل:
عن علي عليه السلام:”من قلّ كلامه بطل عيبه”(12).
كثيراً مايفصح الكلام عن العيوب، وتبقى عيوب للنفس مستورة مادام اللسان مخزوناً، وحال ماتنطلق الكلمة ومن غير حساب يبرز من النفس كثير من عيوبها المستورة.
وعنه عليه السلام:”أقلل الكلام تأمن الملام”(13).
فإنّ لوماً قد لاتحتمله النفس يمكن أن يترتب على كثرة الكلام، وأنت تأمنه بقلّة كلِمك.
وعنه أيضاً عليه السلام:”إن أحببت سلامة نفسك، وستر معايبك فاقلل كلامك وأكثر صمتك، يتوفّر فكرك، ويستنر قلبك”(14).
هذا أثر إيجابي آخر. فالفكر يكون أثقل، وأكثر توقّداً، وأجمع للفهم، وأقدر على العطاء حين يقلّ الكلام. والهذر يستنزف من طاقة العقل، ويسقط بقدرته على التفكير السليم. كثرة الكلام تجرّ إلى تسطّح التفكير، وإلى سذاجة التفكير.
غزارة التفكير، ووفرة التفكير، والحكمة إنما تتربّى في ظل الصمت الهادف، والصمت مع التأمّل ومع التفكّر.
ثم استنارة القلب، الهدى، وإشعاع الخير، وحب الفضيلة، والبصيرة النافذة كلّ ذلك يكون نماؤه في ظل خلق الصمت الحكيم، وليس في ظل مهزلة الهذر.
وعنه أيضاً عليه السلام:”إذا أراد الله سبحانه صلاح عبد ألهمه قلّة الكلام، وقلّة الطعام، وقلّة المنام”(15).
صلاح نفس، وصلاح قلب، وصلاح موقع اجتماعي، وصلاح نتاج.
ثالثاً: من أجل الحكمة:-
للحكمة، للدقة، للدين، للدنيا، للسلامة، للوثاقة، للاحتفاظ بالوزن تراعى في الكلام ضوابط تُطالعنا هذه النصوص بمهمٍّ منها:-
عن الصادق عليه السلام:”اسمعوا منّي كلاماً هو خير لكم من الدّهم الموقفة(16): لايتكلّم أحدكم بما لايعنيه، وليدع كثيراً من الكلام فيما يعنيه حتّى يجد له موضعاً فرُبّ متكلّم في غير موضعه جنى على نفسه بكلامه”(17).
خاصة أصحاب المواقع الاجتماعية، أصحاب المسؤوليات السياسية من المؤمنين، مدراء المؤسسات، رؤساء المؤسسات والتجمعات يحتاجون لهذا التعليم الراقي، ولهذا الأدب الكريم، ولهذا التوجيه السديد، لايكفي أن أحبس كلامي عن الكلمة الزائدة، الكلمة قد تعنيني، ترتبط بهدف من أهدافي، لكن أقولها هنا أو أقولها هناك؟ أقولها في هذه اللحظة أو في لحظة أخرى؟ في هذا الموقع أو في موقع آخر؟ لابد أن تتدخل الحكمة والتشخيص الدقيق، والاختيار الرشيد لأن تُوضع الكلمة التي تخدم الهدف في الموضع الذي يساعد في خدمة الهدف، وإلا فمع كونها مما يعني فإن وضعها في غير موضعها قد يضر.
وظيفة حبس اللسان وظيفة نُعاني من كلفتها، أكبر كبير منّا من فلافستنا وفقهائنا ومفكّرينا يعاني من صعوبة هذا اللون من التربية؛ التربية التي يكون بها المرء قادرا على أن يضع كلمته موضعها، وقليل هم الناجحون.
عن الإمام علي عليه السلام:”لاتقل ما لاتعلم(18)، بل لاتقل كلّ ماتعلم(19)، فإنّ الله سبحانه قد فرض على جوارحك كلّها فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة”(20).
غفر الله لي ولكم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعلى إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لاتجعلنا من ضحايا الفضول في الكلام، وخطأ القول في الدنيا، ولامن أهل النار بحصائد الألسن في الآخرة، واجعل قولنا سديدا، وعملنا صالحاً، وموقفنا رشيداً، ونجنا مما نخاف ونحذر، ومما لانخاف ونحذر مما أنت العليم به، والقادر على دفعه، ياعليما بكل شيء، وقادرا على كل شيء، ياعلي ياعظيم، يارؤوف يارحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) }
الخطبة الثانية
الحمدلله الخالق العظيم الذي لاخالق معه، الرازق الكريم الذي لارازق سواه حمداً يعظُمُ كلَّ حمد، ويتجاوز كلّ حدٍّ، ولايحصيه أحدٌ، فوق ماتتصوّره العقول، وتذهب إليه الظنون، وما قد تصل إليه الأوهام، حمداً قبل الخلق والرزق وبعدهما، وعلى كلِّ حال.
أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله، ونصيحة العباد، ومانصح عبدٌ عبداً، ولا أَمَةٌ أَمَة بفعل أو قول يبعِّد عن الله، ومامن أحد أعدى للمرء من مُغرٍ له بعداوة الله بارتكاب معصيته، والخروج عن طاعته ومحاربة دينه، والسعي بالفساد في عباده.
وما من أنصح للنّاس من دالٍّ لهم على طاعة الله، والأخذ بدينه والاقتداء بسيرة أنبيائه ورسله، وأصفيائه وأوليائه. لأنه ماكان لحياة فردٍ ولامجتمع أن تصلح بغير الطاعة لله العظيم، أو تأمن من غير قيم دينه، أو يعمَّها العدل من حكم غير حكم شريعته، ولاخير في شيء كما هو الخير في دين الله، ولابركة في شيء كما هي بركة طاعته.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر المهدي القائم.
اللهم عجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فإلى العناوين التالية:
أولاً: مسألة السواحل:
الأراضي والسواحل والبحر ثروة عامة أقصى مايمكن أن يُقال عما للدولة فيها أنها أمينة الشعب عليها، وهي ملك الأجيال المتوالية لا جيل دون جيل.
وليس لأحدٍ من أيّ موقع كان أن يدّعي الملكية الشخصية للأرض من دون الإحياء الذي ارتضاه الإسلام، والضوابط الشرعية الموضوعة في هذا الجانب. وليس لأحدٍ أن يطلب الثروة بحلالها وحرامها ليحيي ثلاثة أرباع الأرض ويتملّكها باسم الإحياء، فإن قضية التملّك بالإحياء لم تُوضع للإخلال بالعدل، وإنما وُضعت في إطار ماهو العدل الإسلامي.
وقد ذكرت كلمات المعارضة صورة مرعبة لعملية استيلاء شخصية لعدد قليل على هذه الممتلكات بالملكيَّة العامة، وهذا يعني تكديساً مخيفاً لمال ضخم بأيد قليلة، وحرماناً عاماً، وطبقية فاحشة على الصعيد الاقتصادي تستتبع هذه الطبقة طبقيات ظالمة سياسية وثقافية واجتماعية تُحيل دون إصلاح الوضع بالمرّة، وتثير حالة صراعات مستمرة، وفي ظل هذه الهيمنة والطبقية الفاحشة يبقى الوضع الفاسد على فساده لايُصحِّحه شيء.
إن هذا الواقع يُمثِّل انحرافاً تاريخيّاً يمتد إلى مدى بعيد جدّاً، ويحكم الوضع المستقبلي في الزمن الطويل، ولذا يتطلب وقفة تاريخية من كل ذي عقل ودين وضمير وإنسانية لتصحيح المسار لأن الكارثة مع بقاء هذا الواقع ستطال حياة المجتمع بكاملها، وتصبغ كل ساحاتها، وستُشقي أجيالاً متعاقبة على مدى طويل.
ستجد الأجيال من بعدنا نفسها تحت طائلة طبقية يصعب التخلّص منها؛ طبقية – كما سبق – لاتقتصر على الناحية الاقتصادية لأن الطبقية الاقتصادية لاتُبقي طبقية أخرى مضرة إلا واستتبعتها.
وإن الدين لهو أول مُنكِر لمثل هذا الوضع الظالم إذ أن الدين لايقر ذرة من الظلم، ولايسكت أبداً على اختلال الموازين.
والحكومة التي لاتريد مظاهرات ولامسيرات واعتصامات، وتُفكِّر في مصلحة الوطن لاتسمح بنهب الشعب ولاتهمّشه، ولاتكبله، ولاتجور على دينه أو دنياه.
ويُمتحن النواب والصحفيون ومؤسسات أهلية نسوية ورجالية ممن يعلو ضجيجهم باسم الحفاظ على الأمن والمصلحة الوطنية والحريات في مثل هذه المسألة الحساسة التي تخفُتُ أصواتُهم فيها، ويلوذون بالصَّمت، وينسون حقوق الإنسان، ويدوسون الحرية، ويدخلون في مؤامرة، إنهم يفعلون ذلك، وقد ينقضون على المدافعين عن الحقوق بسيل من التهم والنعوت الرديئة.
ثانياً: ما أشبه الليلة بالبارحة:
كانت ندوة في المنبر الديموقراطي كما نشرت الأيام في 13/11/205م. المتحدث حسب الأيام الباحث العراقي د.رشيد الخيوتي: الرجل متحامل على المرجعية الدينية تحاملاً شديداً، يناصر التقنين المفتوح إلى حدٍّ كبير.
1. العنوان المختار للصحيفة: المرجعية في العراق ليست ضدّ التقنين. أما ما في تفصيل الخبر فيُثبت أن المرجعية ضد التقنين، وهكذا يكون التلاعب.
2. وتذكر الصحيفة على لسان المحاضر أو المنتدي أن آية الله السيستاني ليس ضد تقنين الأحوال الشخصية ثمّ أنك لاتجد ولا كلمة لسماحة آية الله العظمى السيستاني في المقال كلّه.
3. ونقلت الصحيفة عنه: أن المعارضة كانت مختصرة على العلماء الشيعة…. واللفظ فيه عموم. والسبب الرئيسي – كما في نظر المنتدي – في معارضة المرجعية الشيعية هو “الخشية من إضعاف سلطة الفقيه”.
نفس التّهمة تُنقل إلى الأجواء الآن، وأن علماء الدين يخشون على سلطتهم، لا أدري أي سلطة هذه؟ لاأدري أي سلطة سيسلبها تحول الأكام الشرعية في الزواج والطلاق من علماء الدين؟ علماء الدين المعارضون منهم عدد لايعقد ولايطلّق.
4. تمثلت المعارضة كما في الصحيفة في آية الله السيد محسن الحكيم الذي عارض المادة (188) من القانون الذي أصدره عبدالكريم قاسم سنة 1955.
5. استشهد الخيوتي بكلام المفكر الإسلامي محمد عبده الذي قال فيه “إن تعدد الزواج مضيّق عليه وهو أقرب للحرمة”. مؤشّر من مؤشرات الهدف. انظر إلى أين يذهب تفكير العلمانية ومما يذهب إليه هذا التفكير هو تحريم تعدد الزواج الصريح الإباحة في القرآن الكريم.
6. ينقل عن محمد الرويعي أنه قال لعبد الكريم قاسم إن الله لم يأمر بالتفريق في الإرث وإنما قال “يوصيكم” ولم يقل يأمركم.
وحين يوصي رسول الله بالتقوى فهي في هذا الفهم ليست مهمَّة فتستطيع أن تأتي بها، وتستطيع أن لاتأتي بها(21).
7. كتب السيد محسن الحكيم – حسب الصحيفة عن الخيوتي – رسالة إلى البعث حين سيطرة البعث كأول مطلب للمرجعية يدعوهم فيها إلى إلغاء هذا القانون والعودة إلى عهد ما قبل المَلَكية بينما لم يف حزب البعث بذلك. انظر إلى أهمية الموضوع عند المرجعية العليا وقتها، وأنه أول مطلب يوجّهه لحكومة البعث الجديدة أن تُلغي هذا القانون.
8. عن حديث الخيوتي أيضاً: لذا فقد عمدت المعارضة على إسقاط الدولة – أي دولة البعث – من أجل إسقاط القانون وممايتضح أن العملية كانت ليست عملية شرعية بقدر ماهي دفاع عن المصالح. فعنده أن المرجعية تغالب على مصالح الدنيا.
9. يقول: ظهرت مواد جديدة في نظام صدام عام 1985 مواد جديدة تسمح بتطليق المرأة لثبوت خيانة زوجها الوطنية أو تخلّفه عن الخدمة العسكرية. ألا ترتقبون من صدام جديد في البحرين ولو بعد 40 سنة أو 50 سنة أن يطلّق للتخلّف عن الخدمة العسكرية، للتخلّف عن الانضمام في الحزب.
10. ذكر أن السيد عبدالعزيز الحكيم في وقت رئاسته مجلس الحكم في فترة مجلس الحكم الانتقالي قد عطّل قانون الأحوال الشخصية في المادة 137 مما أثار العديد من الاحتجاجات. ونحن نعرف أن تلك الاحتجاجات كانت احتجاجات علمانيين، واحتجاجات أمريكية وأوروبية والمحافل المعادية للإسلام.
11. وذكر أنه تم أخيراً بعد إقرار الدستور العراقي الجديد إرجاع العمل بالقانون لعام 1925 رقم 139 الذي يُعطي الحرية لكل عراقي للجوء إلى مذهبه في الأحوال الشخصية.
مرّة غلبة للشعب، ومرة غلب للمستكبر، مرة غلبة للاتجاه الإسلامي، ومرة غلبة للاتجاه غير الإسلامي. كلما كانت الغلبة للاتجاه غير الإسلامي جاء قانون متغرب للأحوال الشخصية، كلما كانت قوة في الاتجاه الإسلامي كلما أُرجع الأمر إلى نصابه وإلى حريم الشريعة، هذه هي المسألة.
12. وتختتم الصحيفة قولها: والحقيقة أن الاعتراض ليس تمسكاً بقواعد الشرع بل هو الموقف السياسي ومصلحة رجال الدين الذين يخشون سحب سلطات يملكها الفقيه ومنحها للدولة”.
* هي معركة بين حضارتين، بين تشريعين، بين جبهتين؛ جبهة التغريبيين، وجبهة الأمة التي يتقدّمها في هذا الصراع الفقهاء والعلماء.
* عبدالكريم قاسم، صدّام، البعث، أمريكا، العلمانيون خاضوا معركة في العراق ضدّ الأحوال الشخصية الشرعية، والمرجعية السيد الحكيم والاتجاه الإسلامي، والسيد عبدالعزيز الحكيم المدعوم وقتها من السيد السيستاني في المسألة كلهم في الخندق الآخر، إنّهم ليسوا مع تغريب الأحوال الشخصية، ولا مع تعريضها للتغريب.
* أما التّهم فنفس التهم والتطمينات الكاذبة هي نفس التطمينات الكاذبة.
ثالثاً: أمريكا والنظام العربي:
1. من المؤسف أن علاقات الكثير من الأنظمة العربية مع شعوبها ليست علاقات مرضية وتحكمها في الكثير لغة القوة من جانب الحكومات وهي معرّضة للتوترات وتسودها حالة من فقد الثقة بالدرجة الكافية.
2. هذه الحالة تُمثّل منفذاً للقوة العالمية الباطشة لفرض هيمنتها وشروطها المطلوبة على الأنظمة وتجعلها تحت التهديد دائماً باستثارة الشعوب عن طريق التلويح بالديموقراطية. وفي ذلك – التلويح – مكسب آخر تجنيه أمريكا فهي تخادع الشعوب وتربح ثقة وودّ البعض، وتحصل على ماتريده من ولاء أصحاب الطموح غير المبدئيين وتضمن خدمتهم لها، وتعتمدهم قوة موالية تكون رديفا للحكومات في الحاضر، وبديلاً في المستقبل للسيطرة على شعوب الأمة وأراضيها لصالح أمريكا.
شعار الديموقراطية تستعمله أمريكا في البلاد العربية والإسلامية لخلق بديل من أصحاب الاختصاصات والثقافات الطموحين للمناصب، والذين تغريهم الدنيا، إن أمريكا تصنح حكومات بديلة، وتُحضّر للمستقبل، وتُهدّد بهذه الحكومات التحضيرية كل الحكومات القائمة بالفعل. لتستمر في إعطاء التنازلات، وتقدم كل عزيز على الأمة في سبيل البقاء.
3. وكلما عزلت أمريكا زعيماً عربيّاً أو مسلماً عزلته الأنظمة، وكلما أمرت بالاشتراك في حرب بلد تمّت المشاركة مكشوفة أو مستورة بحسب اختلاف المواقع وحسبما ما يتم من اتفاق مع السيد الآمر.
ودور النصرة للزعيم المنكوب والقطر المستهدف هو النصحية بالاستسلام، والتزام الأدب الجمّ مع أمريكا، والاستجابة الكاملة للرغبة الأمريكية بالطريقة التي تنال موافقة السيد الكبير، والتي قد تعفي الضحية من أخذ الذي فيه عيناه.
4. أترى أن قضية رفيق الحريري تأخذ كل هذا الامتداد، وتُحدث كل هذا الزلزال، ويشترك الجميع في طلب الثأر من الفاعل، ويُضحّى بسوريا الشقيقة كل هذه التضحية لولا أن المحرك للقضية هي أمريكا التي نصّبت نفسها وليّاً على القتيل، وولياً على لبنان، ووليّاً على الأمة، وليّاً أصليا في طلب الثأر؟
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم انصر دينك وأولياءك، واخذل أعداءك ومناوئيك، وأعزز أمة الإيمان، وأذلّ الكفر وأهله، والنفاق وأهله، ياقوي ياعزيز، ياعلي ياقدير.
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – “إنّي تارك فيكم ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي..” (اللجنة الفنية).
2 – ميزان الحكمة ج8 ص436.
3 – {هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} (49/ الكهف). (اللجنة الفنية).
4 – ميزان الحكمة ج8 ص436.
5 – ميزان الحكمة ج8 ص437.
6 – أنا أستحي من الخطأ لأوّل مرة، وهذا الحياء كلما تراكمت أخطائي قلّ، لأن النفس ترخص في نظر صاحبها مع كثرة الأخطاء، وتهون فلا يكبر عليه أن يخطئ.
7 – في الحياء عصمة من اقتراف الذنب، ومن الاقدام على القبيح، فإذا انسكب الحياء وجفّت منابعه قلّ ورع المرء.
8 – ميزان الحكمة ج8 ص440.
9 – ميزان الحكمة ج8 ص440.
10 – صرت مديناً له، فنحن نكون محكومين دائما للكلمة التي تخرج على طرف اللسان.
11 – ميزان الحكمة ج8 ص441.
12 – ميزان الحكمة ج8 ص441.
13 – المصدر نفسه.
14 – المصدر نفسه.
15 – ميزان الحكمة ج8 ص441.
16 – إبل من النوع الراقي الغالي الذي كان يعزّ على العرب. أغلى من سيارتك المرسيدس.
17 – ميزان الحكمة ج8 ص443.
18 – هذه ضابطة لابد من مراعاتها، سمعت، ظننت، لايكفي، لاتقل مالاتعلم. وقد يقول المرء ما على مستوى الظن، لكن عليه أن يطرحه على مستوى أنه مظنون، وليس على مستوى أنه معلوم.
19 – تقول لي شفافية، وتفرض عليكم الشفافية أن تطرحوا كل شيء، سذاجة، إذا كانت الشفافية تعني أن تكشف كل أوراقك، وأن تعرّي داخلك لعدوك وصديقك، وأن تخرج كل معلوماتك تبرّعاً للآخر فهذه سذاجة وليست شفافية.
20 – ميزان الحكمة ج8 ص443.
21 – وماذا يقول هؤلاء عن قوله تعالى:{… وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} (31/ مريم).