خطبة الجمعة (218) 1 شوال 1426هـ – 04 نوفمبر 2005م
مواضيع الخطبة:
الذنوب + قانون الأحكام الأسرية
سكوت الجماهير المؤمنة المعارضة سيحمل على تأييد القانون بلا ضمانات وسيعتبر ضوءً أخضرَ لتمريره
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي يقوم العالم بقدرته، ويخضع كلُّ شيء لإرادته، ويتقدّر بقدره، ولايجاوز شيءٌ مقدوره، ولايأخذ مساراً غير ماكتبه، ولايصير إلى غاية غير مافرضها، ولاينتهي إلى نهاية غير ماقضى بها.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطّاءة بتقوى الله وطلب مرضاته فليس أقرَّ لعين عبد من رضى الله عنه، ولاخير يُطلب فوق ذلك، ولاعُمر أثمر وأهنأ وأبرك من عمر يُنفقه صاحبه على هذا الطريق، وينال به هذه الغاية فمن كالله تبارك وتعالى جمالاً وجلالاً وكمالاً؟! ومن كالله عزّ وجل خيراً وفضلاً وكرماً وعطاءً؟!
ولم يخرج من دنياه بشيء من كانت حياته لها، وتكالبه عليها، وانصرافه إليها، وكدُّه من أجلها إلا مايُعقبه ذلك من حسرة وندامة، وقبح عاقبة، وسوء مصير.
اللهم أعذنا بمنك وكرمك من أن يستبد بنا همُّ الدنيا، وتُعمينا زينتها، ويُصِمّنا إغراؤها، ويخدعنا إغواؤها فنلهو عما خلقتنا له، ونتشاغل بدنيانا عما دعوتنا إليه من طاعتك، وطلب رضوانك، والفوز بالكرامة لديك.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ولوالدينا ومن كان له حق خاص علينا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، وصلِّ على محمد وآله الطاهرين الأبرار الميامين ياكريم يارحمن يارحيم.
أما بعد فهذه تتمة قد تكون الأخيرة للحديث في موضوع الذنوب تحت عنوان المكفّرات:
ولقد عدَّت النصوص كثيراً من المكفّرات نأخذ منها العدد القليل من الأمثلة والتي لاتصل إلى حد الاستيعاب.
ورحمة الله تفتح على هذا الإنسان الخطّاء أبواباً لاتعد من أبواب الفرج، ومخارج مما يقع فيه من خطأ ومحذور وزلل، إنقاذاً له من سوء المصير، وقبح المنقلب وهو القائل عزّ من قائل:{…. وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}(1).
ونقف من المكفّرات على مايأتي مكتفين – كما سبق – بأمثلة من النصوص، وذكر بعض من المكفرات لضيق الوقت:
1. العقوبة في الدنيا:
والعقوبة في الدنيا تأتي مكفّراً من مكفّرات الذنوب لهذا الإنسان، ونحن نعرف أن الذنب يأكل من خير النفس للانسان، ويأتي على كثير من صفاء روحه ونقائها، ويهدم منه دينه، وينحرف به عن جادّة الاستقامة.
ودور المكفّرات أنها تعيد النفس إلى نصابها، وتأخذ بها من جديد على الطريق، فقد يكون من المكفّرات مايستقبله الإنسان بهلع وجزع، إلا أنه لو انكشف له الغطاء لوجد فيه رأفة ورحمة بالقياس إلى ما قد يواجهه هذا الإنسان من كوارث أخروية لاتعدلها كوارث.
يقول الحديث عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):”إن المؤمن إذا قارف الذنوب ابتُلي بها:(2) بالفقر فإن كان في ذلك كفّارة لذنوبه وإلا ابتُلي بالمرض، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلا ابتُلي بالخوف من السّلطان يطلبه، فإن كان ذلك كفّارةً لذنوبه وإلا ضُيِّق عليه عند خروج نفسه، حتّى يلقى الله حين يلقاه وماله من ذنبٍ يدّعيه عليه فيأمر به إلى الجنة”(3).
وقد سبق من القول في حلقة من حلقات هذا الحديث أن الذنب قد تغسله بعض البلايا في الدنيا، وقد لاتغسل إلا بعضا، أما هذا الحديث فيصارحنا أن الله عزّ وجل يتعقّب ذنب عبده بالمكفّرات هنا حتى يلقى الله عزّ وجل ولاذنب له.
وفي الحديث عن الرضا (عليه السلام):”المرض للمؤمن تطهير ورحمة….”(4)، وفي الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله):”السّقم يمحو الذنوب”(5). وفي الكلمة عن الرسول صلى الله عليه وآله:”ساعات الوجع يذهبن ساعات الخطايا”(6) بما اعترى ساعات الخطايا من وباء روحيٍّ ومن ظلمة وسوء.
“كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا رأى المريض قد برئ قال له: ليُهنِئكَ الطّهر “أي من الذنوب” فاستأنف العمل”(7). أخرجك مرضك من ذنبك بما هو كفّارة له، فصرت الجديدَ، وصارت لك جولة جديدة في هذه الحياة فابدأ جولتك متجهاً إلى الله عزّ وجل مستقيما على صراطه.
2. من هذه المكفّرات الأحزان:
والأحزان مصدرها ليس واحداً.
تقول الكلمة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وعن الصادق (عليه السلام):”إذا كثرت ذنوب المؤمن ولم يكن له من العمل ما يكفّرها، ابتلاه الله بالحزن ليكفّرها به عنه”(8).
وفي الكلمة عن الصادق (عليه السلام):”إنّ الهمّ يذهب بذنوب المسلم”(9).
فنجد هذا المفكر الآخر وهي الأحزان التي تأتي على النفس من نافذة قد تُعلم وقد لاتُعلم، وكم من هجمة للحزن على نفس في غمار سرورها، وذلك من سر فعل الله تبارك وتعالى، ومما يدل على أن هذا الإنسان لايملك من أمره شيئاً.
{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ}(10).
كلما غُلبت النفس للشيطان أو للهوى ووقعت في خطيئة كان علينا أن نسارع لاكتساب الحسنات حتى نمحو ظلمة السيئة، فإن للسيئة ظلمة في النفس لاتمحوها إلا التوبة أو الحسنة تُعقبها، وإن الحسنة لتأتي توبة من السيئة، أو بمنزلة التوبة.
“إنّ علياً عليه السلام أقبل على النّاس فقال: أيّة آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}(11) قال: حسنة وليست إيّاها(12)…
ثم أحجم النّاس فقال: مالكم يامعشر المسلمين؟ قالوا: لا والله، ماعندنا شيء قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أرجى آية في كتاب الله {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ}(13)…”(14).
أرى أن أختصر جدا لضيق المقام وأترك الإكمال.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم باعد بيننا وبين غضبك، ومواقع نقمتك، وأدم علينا نعمة ولايتك وطاعتك، وأنلنا رضوانك، وأحللنا بحبوحة جنتك، وجاور بيننا يوم القيامة وبين أنبيائك ورسلك وأهل الكرامة لديك، واجعلنا في أمانك وحفظك في الدنيا والآخرة ياأرحم الراحمين، وياأكرم الأكرمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3) }
الخطبة الثانية
الحمدلله الذي لاتنفذُ خزائنُه، ولايضيق ملكُه، ولايُحدُّ كرمُه، ولايُحسب عطاؤه، ولاتزيده كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً، يُعطي من أطاعه، ومن عصاه، ومن عرفه ومن لم يعرِفْه تفضّلاً وتكرُّماً وجوداً ورحمة.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله وطلب هدايته، والتوفيق إلى طاعته واجتناب معصيته، والأخذ بأسباب النجاة عنده، والمنزلة الكريمة لديه، فالفائز من رضي عنه ربّه وخالِقُه، والخاسر من غضب عليه وطرده من رحمته.
ألا أيها المؤمنون والمؤمنات فليملك أحدُنا عنان شهوته قبل أن تؤدِّيَ به إلى هلكته؛ فإن هذا هو العقل النافع، وهذه هي الحكمة المنجية. فعن علي عليه السلام:”الكيّس من ملك عنان شهوته”(15).
ولايشغلنا النظر في عيوب الآخرين عن مراقبة النفس ومحاسبتها ومحاكمتها، فإن ذلك يُبقي عيب النفس، ويزيدها ذنباً على الذنب. ومما جاء عن علي عليه السلام في هذا المعنى “الكيّس من كان غافلاً عن غيره، ولنفسه كثير التقاضي”(16).
والكيس هو الفطنة والحكمة وحسن الاختيار والرشد في الموقف.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولمن يعنينا أمره، ومن كان منا بسبيل، ومن كان له حق خاص علينا منهم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا عقلاً مُدرِكاً، وحكمة سابغة، وفطنة بالغة، وهدى كثيراً، ورشداً وافراً، واختياراً جميلاً صائباً، ولاتكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين ياكريم يارحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على خاتم أنبيائك ورسلك محمد الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن القائم المنتظر المهدي.
اللهم عجل فرج وليك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين. اللهم اجعلنا من أنصاره في غيبته وحضوره.
عبدك وابن عبديك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والعاملين في سبيل الله، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد فموضوعنا هذا اليوم هو موضوع أحكام الأسرة:
قانون الأحكام الأسرية:
1. نقرأ بين يدي الحديث في هذا الموضوع هذه الآيات الكريمة:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً}(17).
{… وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(18).
{… وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(19).
{… وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(20).
{… وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}(21).
وأسأل: هل أحكام الأسرة مما قضى الله ورسوله فيها أمراً أم لا؟
وهل أحكام الأسرة مما حكم به ما أنزل الله أو مما لم يحكم به ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؟
ثم أليس “حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة”؟
2. لماذا القانون؟
طرح دعاة القانون بلا ضمانات أو بضمانات غير كافية:
أ- الأسباب الإعلامية التالية:
1) صعوبة الرجوع إلى الرسائل العملية وكتب الاستدلال لاستخراج الأحكام القضائية.
2) عدم اعتماد مصدر محدد في الأحكام والانفتاح على أكثر من رسالة عملية وكتاب استدلالي يربك موقف المدّعي المدّعى عليه والمحامي، ويحرمهم الوضوح الكافي والاطلاع الكافي في القضايا التي هي محل التداعي والاهتمام.
3) تكثُّر الحكم في الواقعة الواحدة بتكثُّر الفتاوى التي يتفاوت القضاة في الرجوع إليها.
هذه هي الأسباب الإعلامية. وهذه كلّها لو صدقت لعالجها قانون تحميه الضمانات العلمائية من التلاعب الذي يحرفه عن الشريعة.
أما ما هي الخلفية الحقيقية للإصرار على هذا القانون، فهناك مطالبة تاريخية تمتد زمنا كانت تركز على قانون للأحوال الشخصية تتمتع من خلاله المرأة بالحقوق التي تمتعت بها المرأة في الغرب كما يدّعون، وتقترب بالحياة التشريعية في هذا البلد إلى النمط التشريعي في البلاد الغربية.
ونقرأ في صحيفة الأيام 2/11/2005م:
“وهي – أي الضمانات المشترطة من قبل العلماء – كما نلاحظ مطالب وشروط واشتراطات تتنافى وتتعارض مع مفاهيم الديموقراطية التي نريد إشاعتها”.
فمطلوب أن يشيع التصويت الديموقراطي بالنسبة للأحكام الشرعية(22).
ويقول أيضاً:
“بينما تأتي جماعات وجمعيات لتطالب بمنع التعديل على القوانين وتذهب إلى ماهو أبعد من ذلك حين تشترط ضمانة دستورية تمنع التعديل وتحظره حاضراً ومستقبلاً وهو مالم يحدث في التجارب الديموقراطية السابقة واللاحقة…!!”.
فالمطلوب من القانون هو أن يكون قانونا قابلا للتغيير إن لم يمكن الانحراف به عن خط الشريعة اليوم صار ذلك ممكناً غداً. وخوفهم من الضمانات أنها تقف في وجه هذه التعديلات والتغييرات، وهذا ما يعطيه ظاهر العبارة بكل وضوح.
أما صحيفة الوسط – الثلاثاء 1 نوفمبر 2005م:
فقد جاء فيها عن حوار أجراه مساعد وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى (سكوت كاربنتر) عبر الأقمار الصناعية من مقرّه في واشنطن إلى مقر السفارة الأمريكية في الزنج – المنامة:
“وفي شأن تمكين المرأة قال كاربنتر “إن منتدى المستقبل يدفع باتجاه تمكين المرأة من خلال تحسين القوانين في المنطقة مما يرفع دورها في الشأن العام كاشفاً أن البحرين هي واحدة من الدول المدرجة ضمن قائمة البلدان الشرق أوسطية التي تتقدم في تعزيز دور المرأة، ولذلك فإن البحرين ستحتضن مؤتمراً إقليمياً عن القوانين الأسرية في الشرق الأوسط الموسّع وشمال أفريقيا مطلع العام المقبل للتحاور مع مختلف الأطراف بشأن هذا الموضوع الاستراتيجي”.
أي تحسين لوضع المرأة؟! هو تحسين على الطريقة الأمريكية، ومن منطلق النظرة الأمريكية وبما ينقل الساحة كل الساحة إلى الرؤية الأمريكية
يبدو أن المرأة المسلمة محظوظة جداً دون أخيها الرجل في السياسة الأمريكية. أتصدّقون؟! أتطمئن المرأة لأمريكا، التي تستولي على أرض العراق، وتستولي على أرض أفغانستان، وتقف مع إسرائيل، وتحكم الطوق على البلاد الإسلامية، وتفرض هيمنة حكومات عميلة كثيرة على أرض الإسلام، أتطمئن المرأة المسلمة أن أمريكا تقف معها في خندق واحد ضد أخيها الرجل المسلم، ضد زوجها المسلم، وضد ابنها المسلم حرصاً على مصلحتها؟!
إنَّ قانون الأحكام الأسرية كما يريدونه لا كما نريده بضمانات كافية يعني تأهلاً للمؤتمر القادم، ويعني طلب تزكية من أمريكا، وطلب شهادة شرف، وشهادة تقدُّم، لأننا سنكون قد سبقنا البلدان الأخرى في الأخذ بالمرأة في الاتجاه الغربي، وسبقنا البلاد الأخرى على خط التشريعات الغربية، وطرد القرآن من المساحة المتبقية في حياة المسلمين.
الضمانات المطلوبة:-
أ- ليست أكثر من ثلاث ضمانات:
1. ينشأ القانون شرعياً ويبقى شرعياً.
2. شرعيته بموافقة المرجعية الدينية العليا – واخترنا أن تكون المرجعية في النجف الأشرف – عليه ابتداءً وعند أي تغيير ولو طفيف لا بموافقة المؤسسة التشريعية الوضعية. فإن موافقة المؤسسة التشريعية الوضعية على أي تغيير واضحٌ جدا أنها لاتمثل حكم الله، وأي مجلس وطني لايمثل مرجعية دينية لأي فرد مسلم. وترك مصير القانون بيد أي مؤسسة وضعية معناه توقيعٌ منّا على مجافاة الإسلام، على مجانبة الإسلام، على إدارة الظهر للإسلام.
3. لابد من مادة دستورية ضامنة لمؤدّى البندين السابقين، وغير قابلة للتغيير.
4. الضمانات والموقف العقلائي:
كل العقود والعهود والمواثيق تقوم على طلب الأطراف الداخلة فيها كل الضمانات التي تكفل لها مصلحتها. ما من عقد ولا عهد ولا ميثاق إلا ويحاسب الأطراف فيه على مستوى الكلمة، والحرف الواحد من أجل ضمان مصلحة هذا الطرف، وضمان مصلحة ذلك الطرف.
عقد إيجار بيت تحترز فيه ما أمكنك، وتأخذ من القيود كل ماتستطيع من أجل ضمان مصلحتك. هذه هي سيرة العقلاء، هذه هي سيرة التاريخ، هذه هي سيرة العالم اليوم كله، ولكم مثال في الدستور العراقي، وكم تحرص الأطراف هناك على أن تكون حظوظها وافرة، وأن تكون حقوقها مكفولة.
وماذا فعلت حكومتنا في البحرين هنا على مستوى الميثاق والدستور؟ وهي طرف قوي؟!
إن قوتها لم تكفها عن تضمين الميثاق، وعن تضمين الدستور سنة 73 وعن الدستور المُعتمد أخيرا عند الدولة عن إدراج في كل من الميثاق والدستور تضمن بقاء الحكم الوراثي، وينص فيها على أنها غير قابلة للتغيير.
فليس بدعا أن يشترط المؤمنون لأنفسهم مايضمن بقاء دينهم وسلامة أعراضهم وأنسابهم حاضرا ومستقبلا، على أن ليس كل تعويلنا على المادة الدستورية، وإنما الموقف الشعبي المؤمن هو الضمانة الكبرى بعد الاتكال على الله عزّ وجل، ولكن هذا لايعفينا أبدا أبدا أبدا عن طلب ضمانة دستورية تضمن لنا البقاء على خط الإسلام ولو في هذه المساحة المحدودة.
مع المسيرة:
تقرر عند المجلس الإسلامي العلمائي أن تكون مسيرة علمائية جماهيرية حاشدة إن شاء الله يوم الأربعاء القادم الساعة الثالثة والنصف تبتدأ من دوار كرباباد(23).
1. وإن موقف المؤمنين من القانون يمكن أن يكون أحد ثلاثة على مستوى الأرض: أن يكون موقفا مؤيدا لقانون بلاضمانات وفيه استرخاص للدين، واستهانة بالأعراض، ومفارقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أظن بمؤمن أن يرتكب مثل هذا الأمر.
موقف التفرّج. أن يقف المؤمنون من القانون موقف المتفرج، وموقف الصمت، وهو موقف لم نتعوّده من مسلم غيور، ولا يأذن به كتاب ولاسُنّة، وهو موقف يوصف بأنه موقف الشيطان الأخرس.
لم يبق للمؤمن إلا موقف المعارض.
2. لماذا المسيرة؟
1) لقد ملأوا الدنيا إعلاماً وجعلوا من القانون الذي يريدونه بلاضمانات أو بضمانات مهلهلة غير ملزمة منقذاً وخلاصاً وضرورة لابد منها.
حاولوا أن يستثيروا الهمم، وأن يحشّدوا الجماهير، وأن يسرقوا الرأي العام، وأن يستغفلوا الكثيرين بحملة إعلامية سُخّرت لها الملايين. فلابد من مقابلة الحملة الإعلامية بصوت واضح جاهر صريح.
2) صوروا وعلى المستوى الإعلامي أن غالبية الشعب مع قانون بلا ضمانات.
وعلى الشعب أن يرد، وعلى الغالبية أن تُفصح عن رأيها(24).
3) سكوت الجماهير المؤمنة المعارضة سيحمل على تأييد القانون بلا ضمانات وسيعتبر ضوءً أخضرَ لتمريره(25).
4) إذا تأخر يوم المعارضة الصارخة الجماهيرية الواسعة بعض الشيء سقطت قيمة المعارضة(26).
5) هذا القانون لو مرر فلا عودة عنه إلا بالدماء وقد لاتفيد الدماء الغزيرة كذلك ولكم في العراق مثال(27). حاولت الحكومة الانتقالية في العراق وقتها أن تعيد كل أهل مذهب إلى مذهبهم في الأحكام الأسرية إلا أن أمريكا والعلمانيين أحدثوا ضجة كبرى اضطرت الحكومة العراقية وقت ذاك أن تعود إلى قانون الأحوال الشخصية الذي سنّه صدام.
على أننا لانريد أن تصل البلد إلى أن تبذل أي قطرة دم وخاصة بين أبنائها.
6) الواجب الشرعي الحتمي المتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحماية الشريعة والذي لانملك وسيلة لأدائه أنسب من هذا الأسلوب السلمي الهادئ.
7) كون أحكام الأسرة من أحكام أحد الأمور الثلاثة الاحتياطية جداً وهي: الدماء والأعراض والأموال، ولقيمة الأعراض فإن الأموال والدماء يُضحّى بها في الإسلام من أجلها.
لأهمية الأعراض تبذل دمك ومالك في سبيل حفظ عرضك، هذه هي أهمية الأعراض في الإسلام(28).
بعد هذا كُلِّه أجزم أنّ من واجبي شخصياً أن أدعو إلى هذه المسيرة المباركة وأن أخرج فيها وحتى لاأكون شيطاناً أخرس(29).
وهي مسيرة لكل الأعمار، لكل المستويات، للرجل والمرأة، وأخص لتفحم بموقفها الرسالي الصريح المعلن الذي تخندق مع الإسلام كل الأصوات المفترية على المرأة المسلمة والتي تريد أن تستغفلها وتستخفها وتظن أنها قابلية للاستخفاف.
نريد من المرأة موقفاً صريحاً ومكثّفا وأن تكون كثافة تواجدها وحضورها في المسيرة أكثر من كثافة وتواجد الرجل.
والمسيرة لاتعني حرباً مفتوحةً مع الحكومة. ولسنا على خط المواجهة الساخنة، ولكنه الواجب الحتمي الذي لامفرّ منه، والذي نسترخص في سبيله أي شيء.
والمسيرات الحقوقية الدينية والدنيوية في نظرنا ضرورة، وليست هواية، وهذه واحدة من المسيرات الضرورية.
وأنا أسأل: كيف صارت ساحتنا ساخنة كثيراً؟ لماذا ساحتنا ساخنة في الكثير؟ إنه موقف الحكومة الذي يدفع في هذا الاتجاه.
المشكلة بعد المشكلة، وكل يوم تفتح حرباً، وكل يوم تُدخل البلد في مضيق، فمن مسألة الدستور، إلى مسألة التمييز، إلى مسألة التجنيس، إلى مسألة البطالة.. إلخ..
وتأتي الآن القوانين الجهنمية الظالمة وآخرها هذه المحاولة وليست الأخيرة، هذا الموقف الحكومي هو الذي يوقد ويشعل الساحة، ويستغرب المرء كثيراً لبلد يريد أن يهدأ، لساحة تريد أن تهدأ، لانعطافة حدثت وبشّرت بحالة استقرار وأمن وإخاء ومحبة كيف يعقبها هذا الزلزال المتواصل، وهذه التحديات المتوالية التي لن تترك للحكومة صديقا على هذه الأرض إلا من قلّ.
نصيحتي للحكومة أن تصالح شعبها لا من خلال الكلمة فقط، وإنما من خلال الموقف، وإن الشعب لأسرع في الاستجابة إلى الخير من الحكومة لو جرّبت.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد. واغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعل حبنا لمن أحببت وما أحببت، وبغضنا لمن أبغضت وماأبغضت، وسعينا لما رضيت، ونفرتنا وفرارنا مما كرهت، وتوكلنا عليك وثقتنا بك، وارزقنا خير الدنيا والآخرة وجنبنا شرهما ياأرحم من كل رحيم، ويا أكرم من كل كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 13/ سبأ.
2 – أي بسببها.
3 – ميزان الحكمة ج3 ص472.
4 – ميزان الحكمة ج3 ص473.
5 – ميزان الحكمة ج3 ص473.
6 – ميزان الحكمة ج3 ص473.
7 – ميزان الحكمة ج3 ص473.
8 – ميزان الحكمة ج3 ص474.
9 – ميزان الحكمة ج3 ص474.
10 – 114/ هود.
11 – 48/ النساء.
12 — أي الآية الكريمة حسنة في المقام، ودالة على مطلوب المقام ولكن ليست هي الآية المعنية التي تعطي للنفس البشرية أكبر الرجاء. إذن ماهي تلك الآية؟
13 – 114/ هود.
14 – ميزان الحكمة ج3 ص476.
15 – ميزان الحكمة ج8 ص460.
16 – المصدر نفسه.
17 – 36/ الأحزاب.
18 – 44/ المائدة.
19 – 45/ المائدة.
20 – 47/ المائدة.
21 – 44 – 46/ الحاقة.
22 – وإذا دخل التصويت دائرة الأحكام الشرعية في موضوع الأنساب والأعراض، لم يبعد دخوله دائرة الحج والصوم والصلاة.
23 – هتاف جموع المصلين بـ (معكم معكم ياعلماء).
24 – هتاف جموع المصلين بـ(لن نركع إلا لله).
25 – هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
26 – هتاف جموع المصلين بـ (بالروح بالدم نفديك ياإسلام).
27 – هتاف جموع المصلين بـ(الله أكبر) و(النصر للإسلام).
28 – هتاف جموع المصلين بـ(باروح بالدم نفديك يا إسلام).
29 – هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم ياعلماء).