خطبة الجمعة (215) 10 شهر رمضان 1426هـ – 14 أكتوبر 2005م
مواضيع الخطبة:
الحلقة الخامسة من موضوع الذنوب +المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية مسجدا بيجان +قانون التجمعات والمسيرات + لتشريع للأسرة +رفع المقاطعة عن إسرائيل + زلزال شبه القارة الهنديَّة:
لابد من الاسترجاس المعنوي والتحريمي للبضائع الإسرائيلية التي يراد لها أن تغرق أسواق المسلمين لتتحول إلى أسلحة فتاكة تمطر بلدانهم ورؤسهم، وإلى خطط تخريبية تفسد أبناءهم وبناتهم، وتغزو عقولهم وقلوبهم، وتقضي على منابع العزة والكرامة والشهامة والسؤدد في حياتهم ووجودهم.
الخطبة الأولى
الحمدلله قبل كل أحد، والحمدلله بعد كل أحد، والحمدلله حمداً دائماً لاينقطع أبداً، يفضل حمد الحامدين فضلاً كثيراً، ولايبلغه حمد أحد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله ومفارقة مايغضبه، وملازمة مايرضيه، والارتفاع بالنفس عن سقطاتها، وردها عن انحرافها، والأخذ بها إلى الصراط صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولاالضالين، وهو صراط لايجتمع مع أمور الجاهلية في شيء أبدا؛ وإن الغناء ومايتصل به لمنها كما يُفهم من هذه الأحاديث فعن رسول الله صلى الله عليه وآله “إن الله بعثني رحمة للعالمين، ولأمحق المعازف والمزامير وأمور الجاهلية”، وعن حفيده الصادق عليه السلام كما في خبر عبد الأعلى:”قال سألت جعفر بن محمد عليه السلام – وعليهما السلام – عن قول الله عزّ وجل { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}؟ قال: الرجس من الأوثان: الشطرنج، وقول الزور الغناء، قلت: قوله عزّ وجل:{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}؟ قال منه الغناء”، وعن الصادق عليه السلام:”الغناء مما أوعد الله عزّ وجل عليه النار وهو قوله عزّ وجل { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.
فليتجافَ المؤمن عما خبث من الأقوال والأفعال إلى ماطاب، وماأغضب الربّ إلى مايرضيه، ومايسقط بقدره عند خالقه إلى مايعليه.
رحمنا الله برحمته، ووقانا معصيته، وثبّت أقدامنا على الصراط المستقيم.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن إضلال الشيطان الرجيم. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين واهدنا إلى أطهر النيات، وأصوب القول، وأقوم العمل مما يرضيك، وتُنال به المنزلة الرفيعة عندك، والكرامة الهنيئة لديك. اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد.
أما بعد فهذه حلقة أخرى من الحديث في موضوع الذنوب، ونواصل الحديث في جانب منه عن المحقّرات:
1. القليل يكثر:
“إن المسيح قال للحورايين: إن صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد إبليس، يحقّرها لكم ويصغّرها في أعينكم، فتجتمع وتكثر وتحيق بكم”
الذنوب مما يسمى بالصغائر تبدأ قليلة حتى تجتمع فتكثر، فتحاصر النفس، وتحول بينها وبين الهدى والرحمة، وتدفع بها إلى طريق المعاصي الكبيرة.
هذه الذنوب حيث تجتمع قد تدلّ على ما تدلّ عليه الكبيرة من الاستهانة بأمر الله، ومن الاستخفاف بشأنه تبارك وتعالى. وفي ذلك أكبر الكبائر.
إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه: أأتونا بحطب. فقالوا يارسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب(1)، قال فليأت كل إنسان بما قدر عليه. فجاؤوا حتى رموا به بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هكذا تجتمع الذنوب ثم قال إياكم والمحقّرات من الذنوب، فإن لكل شيء طالبا، ألا وأن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}”.
الرسول صلى الله عليه وآله ضرب لأصحابه مثلا حيّاً وكيف أنَّ الذنوب الصغيرة تجتمع حتى تكبر وترعب، فكانت المسألة مسألة أعواد بسيطة، هذا يأتي بعود خفيف، وذاك يأتي بآخر حتى إذا تراكمت بدت كبيرة وفعّالة، وهكذا الذنوب تبدأ واحدة واحدة من الصغائر حتى تتراكم الصغائر كبيرة، وتجثم على النفس، وتسد منافذ النور في القلب.
“لاتستقل قليل الذنوب فإن قليل الذنوب تجتمع حتى تكون كثيرة”.
2. الصغيرة بداية:
قد يستهين الإنسان بأول صغيرة يرتكبها إلا أنه سيجد نفسه من بعد حين أنه أمام كمّ هائل من الذنوب قد اجتمعت لتنحرف بنفسه، ولتمثّل مسؤولية كبيرة عليه أمام الله عزّ وجل.
وما الصغيرة إلا بداية طريق خطير تسلكه النفس متساهلة في أوله حتى تجد ذاتها أنها أوغلت في طريق مظلم قد لايكون لها خلاص منه. يقول الحديث عن الرضا عليه السلام:”الصغائر من الذنوب طرق إلى الكبائر، ومن لم يخف الله في القليل لم يخفه في الكثير” تتجرأ النفس أول ما تتجرأ على الصغيرة وتهون في ناظرها. تهاب من ارتكاب الكبيرة، تتوقف عندها، يعظم عليها أن تقدم عليها إلا أنها قد يهون عليها أن تغشى الصغيرة فإذا غشيت الصغائر وجدت أنه قد هان عليها أن تقتحم الكبائر. إنها مناعة، والمناعة تنقص بالذنب، إنها قوة مقاومة، وقوة المقاومة تنهار عند النفس كلما فقدت هذه المقاومة في موقف من المواقف. انهيار في المقاومة يقود إلى انهيار آخر، وضعف في المناعة يسلك بالنفس إلى خسارة أكبر في هذه القوة التي مما يعتمد عليه الإنسان في استقامته.
الله عز وجل كما أوجد في الأبدان درجة من المناعة أوجد في الأنفس والأرواح درجة من المناعة، وفقد مناعة الجسد مصيبة وكارثة، وكذلك فقد الروح مناعتها مصيبة وكارثة وهي أشد لأنها تتصل بإنسانية الإنسان.
ونحن نهير مناعتنا، ونضعف مناعتنا بارتكاب الصغيرة حتى إذا ارتكب الإنسان الصغيرة وضعفت نفسه لم يملكها أمام الكبيرة.
وإنه لخوف الله إما أن يستولي على النفس فتستقيم، وإما أن تخف درجته في النفس فتنحرف. والحديث يقول:”ومن لم يخف الله في القليل لم يخفه في الكثير”.
“لاتستصغروا قليل الآثام فإن الصغير يُخصى، ويرجع إلى الكبير”. يرجع إلى الكبير في كمّه، أو يُرجع إلى الكبير بمعنى أنه يقود النفس من خلال انهيار بعد انهيار، ومن خلال ضعف بعد ضعف إلى أن ترتكب الكبيرة التي كان يصعب عليها أن ترتكبها قبل.
3. ذنب على ذنب:
في قوله تعالى:{ وَلَمْ يُصِرُّواْ} “الإصرار أن يذنب العبد ولايستغفر، ولايحدث نفسه بالتوبة فذلك الإصرار” يرتكب الإنسان قبحاً بأن يأتي ذنباً ثم يضيف إلى هذا القبح قبحا آخر من خلال إصراره على الذنب الأول. ويقول الحديث عن الصادق عليه السلام:”الإصرار أمن(2) ولايأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون” فالإصرار يضيف إلى الذنب وإن كان صغيرا أمرا عظيما كبيرا لأن الإصرار أمن من مكر الله، ومكر الله وصفته الآية بأنه لايرتكبه إلا الخاسرون.
“من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب، وشدة الحرص في طلب الرزق والإصرار على الذنب”. شدة الحرص كاشفة عن سوء ظن بالله، واعتماد على النفس. وشدة الحرص تصرف عن الواجبات وعن طلب استكمال المرء دينه.
“أعظم الذنوب عند الله ذنب أصر عليه عامله” ولم يفرق الحديث بين ذنب كبير في أصله أو صغير. الإصرار يحوّله كبيرا، ويعظّمه على النفس، ويأخذ بها عن طريق استقامتها.
“عجبتُ لمن علم شدة انتقام الله منه وهو مقيم على الإصرار”.
4. سقوط آخر:
“إياك والابتهاج بالذنب، فإن الابتهاج به أعظم الذنوب” النفس وهي مليئة بنور من نور الله، ومتوفّرة على نور فطرتها، ومحتفظة بدوافعها النبيلة تستوحش في أول الطريق صغائر الذنوب، وتجد نفسها أنزه وأربأ من أن تقترف الذنب، تشعر بالظلمة، وتشعر بالاشمئزاز من الذنب ولكن إذا أوغلت فقدت كل هذا وانقلبت الوحشة من الذنب إلى أنس، وانقلب الحزن للذنب إلى فرح، وانقلب ابتئاس النفس مما أتت مما لايرضي الله إلى بهجة، ذلك لأن النفس ترجست وتحولت إلى نفس شيطانية بعد أن كانت رحمانية.
فإذاً الابتهاج بالذنب مؤشر خطير خطير خطير جدا، وأن هذا المبتهج بذنبه لايكون هذا الابتهاج منه حتى يكون قد خسر نفسه.
“التبجّح بالمعاصي أقبح من ركوبها” التبجح بالمعاصي في المجتمع يعلي شأنها، ويرفع من قيمتها خاصة في نفس الجيل الناشئ، وفي نفوس المغفلين، ويعطي لها امتدادا خطيرا في المجتمع، ويحوّل القيم ويقلبها فيجعل القيمة الصالحة ساقطة، وما لم يكن صالحا صالحا، إنه قلب للموازين وهو أخطر ما يكون على المجتمعات، وعلى المسار الإنساني في هذه الحياة.
“لاوزر أعظم من التبجّح بالفجور”، “من تلذذ بمعاصي الله أورثه الله ذلاً”.
غفر الله لي ولكم. وختم لنا بخير ختام.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. اللهم افتح علينا جميعا أبواب الخير، واغلق عنا أبواب الشر، وطهر قلوبنا من الشك والشرك ومايحول دون معرفتك، واملأها بنور هداك وحبك وذكرك، ولاتسلمها لعبث الشيطان الرجيم، ووسوسة جنده الغاوين، يارحمن يارحيم ياعلي ياعظيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
الخطبة الثانية
الحمدلله الذي دان له كل شيء، ووسعت رحمته كلّ شيء، وتواضع لعظمته كل شيء، وخضع لقوته كل شيء، وانتظم بتدبيره كل شيء، واهتدى بهداه إلى سبيله كل شيء، وقام به كل شيء، ولم يقم لجبروته شيء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
ألا فلنتق الله عباد الله، ولايصرفنا عن طاعته صارف، ولايخدعنا عن صراطه خادع، فإن المخدوع من خدع عن دينه، وإن الخاسر من خسر نفسه، وإنما يخسر المرء نفسه بانصرافه عن طاعة الله. والإنسان إمّا أن يقيم على ذكر الدنيا وزينتها وآمالها فتنسيه الآخرة، وتصرفه عن ذكر الله، وتشغله عن طاعته، وإما أن يضع الآخرة نعيمها وعذابها نصب عينيه فيهون عنده شأن الدنيا، وتصغر في عينه فلاتستبد به مشاعرها، ولاتستهلكه لذتها، ويكون الصابر على متاعبها.
فمن وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن – عليه السلام – كما في الخبر:”أكثر ذكر الآخرة ومافيها من النعيم والعذاب الأليم فإن ذلك يزهّد في الدنيا، ويصغّرها عندك، وقد نبأك الله عنها، ونعتت لك نفسها….” (3) والدنيا كل يوم تنعت نفسها لنا، وأنها خدّاعة، وأنها فانية، وأن أصحاب قصورها في طريقهم إلى القبور.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ولاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك، وأدخلنا في الذاكرين يارب العالمين وأرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحيسن بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن القائم المنتظر المهدي.
اللهم عجّل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر وحفّه بملائتكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، واجعلنا من أنصاره في غيبته وحضوره.
عبدك وابن عبديك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا، وأيدهم تأييدا كبيرا.
أما بعد أيها الأطايب من المؤمنين والمؤمنات فحديث اليوم هذه محاوره:
أولاً: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية:
ثانياً: مسجدا بيجان:
ثالثاً: قانون التجمعات والمسيرات:
رابعاً: التشريع للأسرة:
خامساً: رفع المقاطعة عن إسرائيل:
سادساً: زلزال شبه القارة الهنديَّة:
أولاً: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية:
1) سبق الاشتراك في مناقشة قانونه السابق بهدف إصلاح ذلك القانون بالقدر الممكن ولم يكن الدخول في مناقشة قانونه السابق مشروطا بموقف علمائي معيّن.
لم نعط ابتداء ولااستمرارا شرطا على أنفسنا أن ندخل المجلس لو دخلت إصلاحات على القانون.
2) بعد تعديلات القانون حكمنا على المجلس مبكّراً بأنّه مؤسسة حكومية لها مالها، وعليها ماعليها، ويحتاج سيرها إلى مراقبة لدقة الحكم، فلم تكن التعديلات عندنا كافية لإعطاء الموافقة الشاملة المطلقة على المجلس.
3) صلاحيات المجلس القانونية وبحسب القانون الجديد محدودة جدا وضامرة، ومشاريعه الرئيسة ألحقت ملفاتها بجهات أخرى ككادر المؤذنين والأئمة.
قرر المجلس العلمائي عدم المشاركة في تركيب المجلس الحالي لأكثر من وجه، ولأن المبادرات الإصلاحية للعلماء لاتنال وزنها الكافي ولاشيء من وزنها مع الأسف الشديد عند الحكومة.
ولأن الموقف اللامبالية من جميع الملفات الوطنية لايشجع على المشاركة ونجد المشاريع المناهضة لمصلحة الدين تأخذ مجراها من طرق أخرى.
4) ليس البناء على مواجهة أي مؤسسة أو مشروع حكومي، ولكن لابد أن تكون مواقف المؤاخذة والمقاطعة أو المشاركة مدروسة ومتأنية ومدقّقة وفقا للموازين الدينية التي يدخل في حسابها مصلحة الدين والدنيا للوطن والمواطنين.
ثانياً: مسجدا بيجان:
1. جرف مسجدين وإخفاء آثارهما بالكامل وفي نفسه وبغض النظر عن نسبة المسجدين عمل بشع واستفزازي وينافي الحكم الشرعي والضمير المسلم.
وفيه أنه إعمال للقوة في مكان سلطة القانون. وهو مستكثر جداً ومدان جداً حيث يكون من جهة رسمية يُتوقع لها أن تكون من أول من يحترم القانون والقضاء في هذا النوع من مسائل الخلاف خاصة مع الالتفات إلى سوء التداعيات التي يسببها استخدام القوّة في مثل هذه الأمور.
2. ثم أنه صحيح ومتعقل وقانوني هذا الذي دعت إليه وزارة الشؤون الإسلامية أطراف الخلاف حول المسجدين من الاحتكام إلى الوثائق والمستندات الثبوتية عن طريق الجهات المختصة وعدم التصعيد وتبادل الاتهامات تفادياً للخلافات المذهبية.
صحيح ومتعقل وقانوني إذا بقيت القضية في أروقة جهات الاختصاص بعيدة عن المحذور الطائفي، وأصغت هذه الجهات إلى شهادات، أهل المنطقة وتابعت تاريخ القضية من بداياتها.
3. ينبغي أن يتعلم شعبنا الكريم بجميع فئاته ألاتجرنا مثل هذه القضايا إلى مواجهات ساخنة ومضرة على أن يُعمل على ردّ الأمور إلى نصابها بالطرق القانونية والعقلائية وسد باب التعديات سدّاً لباب الفوضى والغابّية والانفلات.
ثالثاً: قانون التجمعات والمسيرات:
1) يوجد تصريح لأكثر من مسؤول من مسؤولي اللجان في المجلس النيابي أو غير من مسؤولين من مسؤولي اللجان بوجود شبه إجمال داخل المجلس بين النواب لرفض المشروع. وواضح جداً أن هذا غير كاف للتعويل عليه في هذه المسألة الخطيرة وتصريحات المجلس النيابي كثيراً ماخالفتها مواقفه النهائية.
2) والقانون موجع لكل المؤسسات الأهلية بمختلف اختصاصاتها وأطيافها ولكل أفراد من المواطنين والتساهل بإزائه تساهل في مصلحة النفس والوطن وأبنائه. وردود الفعل حين تأتي متأخرة وفي غير وقتها تفقد كثيراً من جدواها ورفع الشيء بعد وضعه أصعب من منعه ودفعه.
وموقف المبادرة بالاحتجاج وبيان الرأي واتخاذ جميع الخطوات السلميّة الممكنة والمشروعة وبدرجة من الجدية والإصرار الكافيين وبصورة شعبية واسعة خير مايتّقى شر التعسف للقوانين الجائرة التي يراد إصدارها وللمشاريع المناهضة لمصلحة الشعب والمضرة بدينه أو دنياه.
وتأخر المعارضة بالدرجة الكافية والواسعة لطريقة صدور الدستور، ولقانون الجمعيّات مثلا موقف غير مبرّأ من قصور وتقصير. فمجيء المعارضة دائما بعد تحقق المحذور يخلق صعوبة أمامها في رفعه والتخلي، والوقاية خير من العلاج.
3) ومن اللعب على الذقون أن يرفض مشروع القانون المقدم من الحكومة إلى المجلس ليعدل القانون القديم بصورة تحمل مساوئ المشروع المذكور أو تزيد عليه. وليسمح لي المجلس أن أقول بأن أمانته في قضايا الشعب لم تثبت كفاءتها للحد المطلوب لحدّ الآن، وعلى الشعب أن يكون حاضراً للدفاع عن قضاياه بكل الطرق السلمية المتاحة. وينبغي جدا أن تقوم الجمعيات الأهلية السياسية عملية الاحتجاج بشكل منظم ومدروس.
رابعاً: التشريع للأسرة:
1. التشريع للأسرة جائز، وناجز ولاينتظر أحد من البشر أن يضعه. التشريع الإلهي للأسرة موجود وحاصل. ثم إن شعار أسرة آمنة – وطن آمن لايحققه تشريع كتشريع الله العدل الحكيم، وقد شقيت الأرض وأهلها بكل التشريعات الوضعية المجافية لشريعة الله، المعادية لدينه، الخارجة على طاعته.
وشقاء الأسرة في المجتمعات المسلمة للبُعد في الفهم وفي مقام العمل بمسافات شاسعة عن الإسلام في أحكامه ومفاهيمه ومقاصده وآدابه وؤاه وتخطيطاته.
والأسرة في الغرب في ظل قوانينه الوضعية أكثر بؤساً وشقاء وعلاقاتها أقرب ما يكون إلى الانحطاط.
2. والقانون الذي يمكن أن يوافق عليه دينيا هو قانون يمثل هذا العنوان: القانون الشرعي للأحكام الأسرية. وأضع تحت كلمة الشرعي خطين واضحين عريضين ثابتين.
مطلوب وصف الشرعي صدقا وحقّاً. ولايكون القانون شرعيا حتى لايعدل قيد شعرة عن شرع الله.
قانون لايدخله غريب عن حكم الشرعية وينال ابتداء وفي أي مرحلة من مراحل تغييره موافقة وإمضاء المرجعية الدينية الشيعية فيما يخص الشيعة، وإمضاء وموافقة المرجعية الدينية السنية فيما يخص السنة. ويتضمن الدستور مادة صريحة بهذا الشرط غير قابلة للتعديل وهذا الطرح قد تقدم في مجمله في إحدى خطب هذا الجامع من مدة طويلة، وقد نبع طرحه من الداخل لا من أي مكان آخر.
3. ومسألة هذا القانون مسألة دينية محضة وبالغة الحساسية وذات تأثير جذري واسع على سلامة الأعراض ونقاوة الأنساب والتساهل فيها من أي مسلم لاينسجم أبداً مع أبسط درجات الإسلام وأدناها.
والتعقيب على التشريع الإلهي من قبل أي جمعية أو مؤسسة أو أي جهة نسائية أو رجالية أمر منكر وغير وارد في فهم الإسلام والمسلمين على الإطلاق. أمعقّب على حكم الله؟! أمصحّح لحكم الله؟!
خامساً: رفع المقاطعة لإسرائيل:
رفع المقاطعة للبضائع الإسرائيلية وقضية التطبيع معها التعامل معهما يسير لحد الآن على مستوى المؤسسات الأهلية وعموم الشعب ببرودة بالغة غير لائقة، فلابد من تنظيم هذه المؤسسات فعاليات الموقف الشعبي العام الرافض بسرعة.
ولابد من الاسترجاس المعنوي والتحريمي للبضائع الإسرائيلية التي يراد لها أن تغرق أسواق المسلمين لتتحول إلى أسلحة فتاكة تمطر بلدانهم ورؤسهم، وإلى خطط تخريبية تفسد أبناءهم وبناتهم، وتغزو عقولهم وقلوبهم، وتقضي على منابع العزة والكرامة والشهامة والسؤدد في حياتهم ووجودهم.
سادساً: زلزال شبه القارة الهنديّة:
1. كوارث لابد أن يكون فيها لأخوّة الدين، والضمير الإنساني، وروح الرحمة والتعاطف البشري حضورها الفاعل فيها، وأن لايسلم المنكوبون لنكبتهم ماأمكن أن يغاثوا، والكوارث ليست حكراً على بلد دون بلد، ولا على أمة دون أمة. فلتهب حكومات وشعوب الأمة المسلمة قبل غيرهم للنجدة والتخفيف من آلام أخوان لهم في الدين أو نظراء لهم في الإنسانية. ولايضيع الله أجر من أحسن عملاً.
2. ونحن نجد كثرة وتلاحق الزلازل المدمرة والأعاصير الكاسحة، وفوران البراكين الطاغية والإنسان المنتفخ المغرور يقف مكتوف اليدين وحضارته العملاقة كما يقول عنها تبقى عاجزة عن المقاومة وكل الإرادات تصمت وتخسأ دون أن تتحدى الإرادة الإلهية المطلقة وأمريكا فرعون الأرض يصيبها ما يصيب بلاد المستضعفين – ولاشماتة. والدروس الإلهية تعم المؤمن والكافر، والبر والفاجر – فتصاب بهلع شديد ولاتملك أن تحرك ساكناً أمام قدر الله.
كثرة الحوادث الطبيعية المرعبة وانتشارها وعجز الإنسان أمامها لابد أن يذكر بحقيقة أن لا إله إلا الله، وأنه الملك الحق، وأن إرادته ماضية، وقدره جار، وعلى الإنسان أن يُقلع عن غروره واستكباره الكاذب ويستكين مختاراً لإرادة الله في التشريع كما هو مستكين مقهوراً ومضطراً لإرادة الله في التكوين، وأن يُدخل في حسابه حقيقة {إذا زلزلت الأرض زلزالها} الزلزال الكلي الشامل المذهل غير المعهود والذي لايقاس به زلزال، ولاتثبت له نفس إلا من كان لها عند الله مقام كريم؟!
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة. اللهم ما عرفتنا من الحق فحمّلناه، وما قصرنا عنه فبلّغناه. يالله يامن إليه مفرّنا آونا واكنفنا وادرأ عنا واحمنا بحماك، وادفع عنا مكروه الدنيا والآخرة.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – هذا تفسير القرعاء أن ما بها من حطب.
2 – من أصر فهو آمن من أخذ الله، والأمن من أخذ الله أمر عظيم.
3 – ميزان الحكمة ج4 ص 256.