خطبة الجمعة (213) 18 شعبان 1426هـ – 23 سبتمبر 2005م
مواضيع الخطبة:
الحلقة الثالثة: الذنوب + ذكرى مولد الحجة بن الحسن عليه السلام + طلابنا والعام الدراسي الجديد+ إصلاح الأوقاف +تطبيعٌ وليس مدخلاً
1- والمقاطعة الحاسمة التامّة الدقيقة للسلع الإسرائيلية من أبسط المواقف التي يجب على هذه الشعوب أن تلتزمها إلى جنب الصوت الجاهر المُنكِر، والمواقف العلنيّة الرافضة، والاستمرار على خطِّ الرفض، والتثقيف الدائم من أجل هذا الرفض والمقاطعة والمفاصلة.
2- الإخراج الجديد لمسألة إصلاح الأوقاف بعيدٌ كلّ البعد عن متطلّبات هذا الأمر والاستجابة للحكم الشرعي الذي يوجب مراعاة قصود الواقفين المتّجهة قطعاً ومن ناحية شرعية إلى وضع الأوقاف تحت تصرف اليد الشرعية خالصة.
الخطبة الأولى
الحمدلله المعبود بالحقِّ، ولامعبودَ بالحقِّ سواه الذي سجد له سواد الليل وبياض النَّهار، وكل مافي السماوات والأرض، ولايخرج من سلطانه شيء، ولايكون شيء إلا بقدره، ولايُشركه في الأمر شيء من خلقه، ولاخالق أبداً عداه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله والتزام طاعته واتخاذه وليّاً، واتخاذ عدوه عدوّاً، وأن نتذكّر بأن منازلنا مودِّعوها، ودنيانا مفارقوها، فلايكن همُّنا بما نحن مودعوه أكبر من همنا بما نحن مقبلون عليه، ولا بما نحن مفارقون له، أشدَّ مما نحن صائرون إليه.
وكلّ ما شغل عن الآخرة، وصرف عن ذكر الله، ولم يراع فيه رضاه كان للدّنيا، والدّنيا ذاهبة خاسرة، والبقاء للآخرة والسعادة الخالصة لمن عمل لها.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولاخواننا المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعل حياتنا الدنيا معبراً لدار كرامتك، ومنازل الصدق عندك، والغرفات الرفيعة في جنتك، ومجاورة أنبيائك ورسلك وأوليائك في دار المُقامة والهناءة والسعادة ياأكرم من سُئل، وأجود من أعطى.
أما بعد أيها الكرام من المؤمنين والمؤمنات فإلى الحلقة الثالثة من موضوع الذنوب:
7. ماذا تفعل الذنوب؟
أ- على مستوى الداخل:
{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(1) تكسب الجوارح سوءً مما لايرضي الله تبارك وتعالى فينعكس ماكسبت على القلب مركز إنسانية الإنسان، وجهازه الأسمى، وأداته للوصول إلى الله سبحانه وتعالى، تنعكس بغطاءٍ ربّما بدأ رقيقاً، ولايلبث أن يصير غليظاً يمنع عن القلب النور، ويسدّ أمامه نوافذ الحق، ويحبسه في زنزانة الشيطان.
عن الصادق عليه السلام”كان أبي يقول ما من شيء أفسد للقلب من خطيئته إن القلب ليُواقع الخطيئة فلا تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله” الخطيئةُ تتوغّل بأثرها المقيت في القلب، فتقلب رؤاه ومفاهيمه وقناعاته، وتجعل الحق في نظره باطلا، والباطل عنده حقّاً. مضمون القلب المضمون الصادق الصافي… نور القلب ينقلب ظلمة، ومضمون الخير فيه ينقلب إلى مضمون شرّ.
وعن الصادق عليه السلام”إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نُكتة سوداء….”(2) أوّل ما يصيب الذنب من العبد بالسوء قلبه، وأوّل ما يفسد عليه نفسه، فينحطّ مستوى القلب والعقل، ويخسر ما شاء الله من صلاحية الخير فيه.
“إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نُكتة سوداء فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً”.
يصل القلب إلى درجة يفقد فيها كل صلاحية الخير فيه، ولايملك أن يهتدي من جديد.
“ما من عبد إلا في قلبه نكتة بيضاء…”(3) صلاحية الخير صلاحية طبيعية للقلب، والقلوب لها طريق مفتوح على الله، ولايُخلق قلبٌ لم يُملّك أن يرى نور الله، وإلا لما تمّت لله على الناس حُجّة.
“ما من عبد إلا في قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنباً خرجت النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب تلك(4) السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السود حتى يُغطّي البياض، فإن غُطّي البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً وهو قول الله عزّ وجل {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(5) ما هو ذلك البياض؟ ذلك البياض معرفة بالله، حبٌّ للحق، استعداد للتصديق بالحق، ميلٌ للخير، انشداد إلى الكمال. هذا النور يتحوّل ظلمة، تغيم رؤية القلب، وتنحدر مشاعره، وتنحرف ميوله بتكاثف الذنوب.
وعن عليّ عليه السلام”ماجفّت الدموع إلا لقسوة القلوب” الأثر الأوّل أثر تغطية القلب، وتكاثف الحجب عليه حتى لايكون له نور من داخله ولاطريق للنور في خارجه.
هذا الأثر الثاني أثر القسوة، الصلابة، قسوة الحجارة الصلاب التي لاتلين، فهذا قلب لايلين للخير، ولاتكون له مطاوعة له “ماجفّت الدموع إلا لقسوة القلوب، وماقست القلوب إلا لكثرة الذنوب”.
ب- على مستوى الخارج أو الأعم:
الذنب له أثر في داخل الإنسان يتّصل بمضمونه الإنساني، بصلاحيته الإنسانية، بفطرته الخيّرة، بقدرته على الاستقامة، وله آثار أخرى في الخارج أو ماهو الأعم. قرأنا عن الأول شيئا ونقرأ عن الثاني شيئاً.
“ما أنعم الله على عبد نعمة قط فسلبها إيّاه حتى يذنب ذنبا يستحق بذلك السلب” كثيرا ما نسأل كيف فقدنا النعم؟ إن وراء فقد النعم في الكثير ذنوباً، الحديث عن الصادق عليه السلام يقرر هذه الحقيقة التي قد ندرك لها وجها وقد لاندرك لها وجها لأنها من الغيب. شرب الخمر يفقد نعمة الصحة، الزنا المحرم، والإسراف فيه قد يوصل إلى أمراض فتّاكة، هذا قد ندركه، أما أن يقطع الإنسان رحمه فتذهب منه نعم فهذا أمر قد لاندرك له نحن وجهاً، ولكن متى كان للعقل الذي آتاه الله الإنسان أن يدرك كل دقائق الحياة وكل أنواع العلاقات، ويقف على الروابط العلية في علم الله؟!
حديث آخر عن الإمام علي عليه السلام”فما زالت نعمة ولانضارة عيش إلا بذنوب اجترحوا(6) إن الله ليس بظلام للعبيد”، “إن الرجل يذنب الذنب فيُحرم صلاة الليل، وإن العمل السيء أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم” وربّما دخل هذا الحديث في الطائفة الأولى فإنه يتحدث عن قلب فقد صلاحية القيام لصلاة الليل، وخسر من إرادة الخير فيه ما يعطّل إقباله على العبادة.
ومرعب جدا أن نسمع من أمير المؤمنين عليه السلام ما جاء من هذا القول “…. وإن العمل السيء أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم” هذه السكّين لاتجرح يداً ولا رجلاً. هذه السكين تجرح القلب العزيز، هذه السكين تدمي النفس الغالية، هذه النفس تقتل إنسانية الإنسان.
“اتقوا الذنوب فإنه ممحقة للخيرات، إن العبد ليذنب الذنب فيُنسى به العلمُ الذي كان قد علمه”.
{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}(7) هذه المصائب والكوارث والآلام والمحن والأمراض والبلايا ليس كلما نستحقه بسبب الذنب، إنه تبارك وتعالى يعفو عن كثير، ولايذهب بك الظن إلى أن الذنوب المعنية هي دائما من شرب الخمر والغيبة والبهتان، هذه طائفة من الذنوب الواضحة، وهناك ذنوب خفية، وهناك مخالفات للمكروه، ومخالفات للمستحب ربما جرّت على النفس سوءا، وما كان عن استهانة بالدين فأثره كبير وإن كان ارتكابا لمكروه أو تركاً لمستحب. ومخالفاتنا في الأكل، في الشرب، في اللبس، وفي أمور عادية كثيرة لتعاليم الشريعة يوقع في الضرر.
“أما أنه ليس من عرق يضرب، ولانكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب” هذا الذنب قد يكون ذنبا من نوع المخالفة للمكروه، من نوع المخالفة للمستحب، أن يأكل أكلاً مكروهاً أكله في ظرف صحي معين، هذه ليست مخالفة طبية فقط وإنما مخالفة شرعية، قد تستوجب مضاعفات صحية سيئة.
“أما أنه ليس من عرق يضرب، ولانكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب وذلك قول الله عز وجل في كتابه {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ….} ثم قال وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به” عن الصادق عليه السلام.
“توقوا الذنوب فما من بلية ونقص رزق إلا بذنب حتى الخدش، والكبوة والمصيبة قال الله تعالى {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ….}، “قد يُبتلى المؤمن بالبلية في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله وتلا هذه الآية {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ….} وضم يده ثلاث مرات ويقول {… وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ….} لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا لما بقيت على الأرض نفس”.
“إن المؤمن ليأتي الذنب فيُحرم به الرزق” رابطة يتحدث عنها الصادق عليه السلام لانعرفها تماما وهي الرابطة بين الذنب وبين حرمان الرزق، وهناك بعض الذنوب الواضح منها أنها تحرم الرزق من مثل ما يخالف تعاليم الإسلام في الجدّ والنشاط والسعي إلى الرزق.
أما أن لايتصدق فيُحرم، أن لايصل رحمه فيُحرم من درجة من الرزق فذلك ما هو غيب لايعلم رابطته الدقيقة إلا الله ومن آتاه الله علماً متميّزاً.
“كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون” أمراضٌ قديمة تُكتشف لكن ربما وُجدت أمراض جديدة لأسباب حديثة، وبفساد في الجو. وفساد الجو، وفساد البر، والبحر وتلوّث البيئة من فعل الإنسان المخالف لشرع الله سبحانه وتعالى.
“من يموت بالذنوب أكثر من يعيش بالأعمار” هناك ذنوب جماعية اجتماعية عامة تنعكس بآثار سيئة على البيئة، وهناك ذنوب هي عند الله باترة للعمر، تستوجب هذا الجزاء، فالذنوب تميت الكثير كما يقول الحديث عن الصادق عليه السلام، ونتذكر قول الله تبارك وتعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ …} وهو فساد منعكس على صحة الإنسان، على أمنه، على راحته، على عمره.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولاخوانناالمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم واعلُ هممنا في طاعتك، وارفع درجاتنا عندك، ووفّقنا للوفاء بعهدك، واجعلنا من المشمولين حقّاً بجميل وعدك، وادرأ عنا، واكفنا وارزقنا العافية عافية الدنيا والآخرة ياحنَّان يامنّان يامحسن يامفضل ياكريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}
الخطبة الثانية
الحمدلله حمداً يفوق كل حمد، ويتجاوز كلّ حدّ، حمداً هو محل الرضا عنده، والقبول لديه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له. قصرت الإرادات عن مكابرته، وأقرّت الأشياء جميعاً بربوبيته، وانقادت لإرادته، وذلّت لقضائه وقدره، ولامحيص لها عن مشيئته، تبارك الله أحسن الخالقين، وتعالى عن الأنداد والأضداد وهو قهّار القهَّارين والمتجبرين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
علينا عباد الله بتقوى الله، والرِّضا بما قضى، والإذعان لما حكم، والانصياع لما شرَّع فليس كعلمه علمُ عالم، ولا كقدرته قدرة، ولاكعدله عدل، ولا كحكمته حكمة، ولاكرحمته رحمة، ولاكحسن تدبيره تدبيرٌ، ولاكأحكام تقديره تقدير، وليس من مثله خبيرٌ ولابصير.
علينا عباد الله أن نطلب زكاة أنفسنا بأغلى ثمن، ولاننسى كرامة إنسانيتنا وعبوديتنا لله تبارك وتعالى بأي ثمن. ولنربأ(8) بأنفسنا عن سذاجة البهائم وجهلها وغفلتها والتي لو علمت مانعلم من الموت ما سمنت، وما أكل النّاس منها لحماً سميناً فقد جاء عن رسول الله الصادق الأمين”لو أن البهائم يعلمون من الموت ماتعلمون أنتم، ماأكلتم سميناً”(9) وعنه صلَّى الله عليه وآله”لو علمت البهائم من الموت ما علم ابن آدم ما أكلوا منها لحماً سميناً”(10)، ولو كشف لنا الغطاء لتوقّينا ولشغلتنا الآخرة عن الدنيا، وإنه سيُكشف لنا الغطاء وقت لاعمل وإنما حساب، فعن علي عليه السلام”فإنكم لو قد عاينتم ماقد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم، وسمعتم وأطعتم، ولكن محجوب عنكم ماقد عاينوا، وقريب مايُطرح الحجاب” سأدري ماذا واجه أبي، وماذا لاقى أخي، وماذا رأت أمي يوم الوفاة، وفي القبر، وفي حياة البرزخ. كم هو الفاصل؟ قد يكون طرفة عين أو أقل من طرفة عين.
أعذنا ربنا واخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من مضلات الفتن، ومن كلّ مبعّدٍ عنك، وماينسي الآخرة، واصرف همنا لما خلقتنا له، وآونا إذا أمتنا إلى دار الكرامة وما أعددت فيها من النعيم لأوليائك، وأحينا خير حياة، وأمتنا خير ممات، وابعثنا خير مبعث، واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين أمواتاً وأحياءاً.
وصل وسلم على البشير النذير، والسراج المنير محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وصل وسلم على فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الحسنين الزكيين المعصومين الحسن بن علي الزكي، الحسين بن علي الشهيد.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، الحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين. اللهم اجعلنا من أنصاره وأعوانه في غيبته وحضوره.
عبدك وابن عبديك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء المؤمنون والمؤمنات فهذه بعض نقاط:-
ذكرى مولد الحجة بن الحسن عليه السلام:
صار العالم لما ضاقت به أوضاعه الجاهلية يدرك ضرورة ظهور المنقذ عرفه أو لم يعرفه، سمّاه أو لم يسمه. وكلُّ العالم إلا المستكبرين في تطلُّعٍ شائق ليوم الظهور، وكل المستكبرين في خوف منه وحذرٍ شديد.
أما المُنتظِرُ بحق، وعن وعيٍ وبصيرة فالانتظار في فكره وشعوره وموقفه العملي تأكيدٌ بعد تأكيد للانتماء الصادق الفعَّال للإسلام، ورفع شعاره، والأخذ برؤاه.
وهو صوغٌ لخياراته كلِّها في جميع القضايا والأحداث ومايدخل في تكوين شخصيته صوغاً ينسجم مع قضية الانتظار وخط الانتماء للمنتظر عليه السلام.
المنتظِرُ حقّاً إنما ينظر في ما يأخذ ويرد، ويقبل ويرفض، ويقوم ويقعد، ويوالي ويعادي، ويقدم ويؤخر، وينصر ويخذل، ويقول ويسكت رضا إمامه الذي هو من رضا ربّه، ويسعى دائماً أن تنسجم حياته مع إرادة منتظره بما هي من إرادة الله عزّ وجل، وبما هي مطابقة لله في الرضا والسخط.
وهذا لايمكن أن ينفصل عن فهم الشريعة والفقه الكافي في الدين.
على المنتظِر حقّاً أن يتخندق فكراً وشعوراً وكلمة وعملاً مع الخط الذي ارتضاه الإمام المنتظر عليه السلام وأوصى به الأمة في غيبته الكبرى وهو خط الفقهاء الأكفاء الصادقين الصالحين، وأن لايُبدي استكباراً وتنكّراً لهذا الخطّ عل الإطلاق.
على المنتظرِ حقّاً أن ينسلخ عن التقليد الأعمى والتبعيَّة الفكرية والشعورية والسّلوكية للغرب والشرق ولأيٍّ من الجاهليات القديمة والحديثة، ويقيم حياته كلَّها على أساس الإسلام.
طلابنا والعام الدراسي الجديد:-
نريد لطلابنا في عامهم الدراسي الجديد ودائماً:
جدّاً في الدراسة لايسبقهم فيه سابقٌ طلباً للعلم لامن أجل الدنيا فحسب، وهي هدف قريب، وإنما من أجل أن يستعينوا بما يتعلمون من أسرار المادة وإنتاج العقل البشري الموهوب من الله العظيم على معرفةٍ أكبر وأصدق بعظمة ربّهم وقيمة إسلامهم وانتمائهم قبل ذلك، ومن أجل النهوض بالمجتمع المسلم، وحماية الأمة من الحاجة العلميّة، وما تفرضه من حاجات عمليَّة أخرى للأمم الأجنبية تكون سبباً مباشِراً للاستيلاء عليها وإذلالها والتحكّم في حاضرها ومستقبلها.
ونريد لهم إيماناً يحفظ قيمة علمهم، ويجعله لهم لاعليهم، ولدينهم ووطنهم وأمتهم لا عليها، ويزرع فيم روح العزّة والشهامة والكرامة حتى لاترخص عليهم أنفسهم، وتهون عليهم ذواتهم الإنسانية الكريمة الذي زادها أن انتموا للإسلام كرامة ورفعة وشموخاً وثُقّل عزها بالإيمان، ولو رخصت عليهم لباعوها بثمن بخس ولوهبوها مجاناً للباطل وأعداء الأمة وإن غزر العلم المادي عندهم، وكبرت الخبرة الميدانية، وتفوّقت التجارب التي تتعامل مع المحسوس.
والإيمان فكرة عقيدية صالحة تتعلّق بركائز الدين تكون نابتة راسخة، وشعورٌ عميق ضارب بقيمة الدين الكبرى، واعتزازٌ ثابت متجذّر به يجعله أغلى شيء على النفس. الإيمان قضية تجعل الدين أغلى شيء على النفس وتضحى بالحياة الدنيا من أجله، ولاتضحي به من أجل هذه الحياة.
وهو – أي الإيمان – انشداد إلى الله في الفكر والشعور والسلوك، واستقامة على خط الشريعة، وتقديم للخيار الشرعي على كل الخيارات الأخرى، وغَيرةٌ على دين الله، واستجابة لندائه، وشعور فوَّار متغلغل بالعزة والكرامة في الاستظلال بظلاله، والاهتداء بنوره، والانتماء الصادق إليه، وعدمُ الانهزام أمام أي فكرة أخرى، أو رمز من رموزها.
نريد لطلابنا وطالباتنا أن لايهزمهم لصدقٍ في الإيمان، وقوة في الإرادة، ويقين بالخط، وصلابة في الانتماء، واعتزاز بالشخصية، وبُعد في الرؤية، وصحة في البصيرة أي وضع أخلاقي مهزوز مهزوم موبوء قذر يمكن أن يواجههم في مدرسة أو معهد أو جامعة، وأن يكونوا أقوى من أن يسقطوا ضحايا رخيصة مستغفلة مستغلّة للعبثية السلوكية التي تتبناها بعض المؤسسات والتيارات والسياسات المنحرفة حتى في الحقل التربوي الذي ينبغي أن يكون مسؤولاً ونقيّاً وهادفاً هدفاً صالحاً ومخرِّجاً لنماذج إنسانية راقية.
وهي مؤسسات وتيارات وسياسات تخرج على وظيفة التربية الصالحة وتتآمر على الإنسان وعقله ووجدانه وضميره وعواطفه وسلوكياته ليتحول على يدها الخائنة إلى كمٍّ زهيد القيمة ساقط الثمن… كم من لحم ودم وعصب تشيع فيه روح الشر والفحش والتسافل، وتحكمه الشهوات المجنونة الهائجة التي تعادي إنسانيته وتسحق كرامته… كمٍّ يُفتقد في جنباته العقل والضمير، ويقفرُ من روح الإنسانية ومعاني الدين والشرف والعزة والشموخ.
والإنسان بلا عقل ودين وإن جمع من علم المادة ماجمع، ومن خبرة المحسوس ماعظم، وفي غمرة تيار الشهوات الحيوانية المجنونة والمنفلتة، والعنفوان الجارف لطلب الشهرة الموعودة الكاذبة، وسحر المكاسب المادية الضخمة الخيالية العابرة الواهمة لاتوقفه عن أن يبيع نفسه بثمن تافه، أو يرتمي مجنوناً على أي فرصة دنيوية تسلبه دينه، وتخرج به على أمانة وطنه وشعبه وأمته مصلحة دين، وأمانة وطن وشعب وأمَّة، أو تفكير في حقٍّ لله، أو آخرةٌ وعاقبة.
نريد لطلابنا وطالباتنا أن يتخرجوا من مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم جيلاً صالحاً فاعلاً مقتدراً سلاحه العلم والإيمان، أخلاقه كريمة ودينه قوي، وعلمه غزير، وعزته عالية، وكرامته محفوظة وهدفه عمارة الأرض على خط خلافة الله وصولاً إلى رضوانه وحسن جزائه، لايُشترى بثمن إلا بثمن الجنة، ولايبيع ديناً ولا وطناً ولا شعباً ولا أمة، ولايستطيع أحد أن ينحدر به عن طريق الإيمان.
إصلاح الأوقاف:
الإخراج الجديد لمسألة إصلاح الأوقاف بعيدٌ كلّ البعد عن متطلّبات هذا الأمر والاستجابة للحكم الشرعي الذي يوجب مراعاة قصود الواقفين المتّجهة قطعاً ومن ناحية شرعية إلى وضع الأوقاف تحت تصرف اليد الشرعية خالصة.
ومن جهة أخرى لم يِنقص الإجراء الجديد ولو شيئاً ما من هيمنة الجهة الرسميَّة على الأوقاف بعد أن كان العلماء أصحاب الوظيفة المحددة في الدائرة معيّنين من قبل الجهة الرسمية نفسها.
ولم يُمثِّل هذا الإجراء شيئاً من الاستجابة لمطروح العلماء في موضوع الأوقاف الذي ينبغي نشره والذي تقدموا به لجهة رسميّة معنية ولم يتلقوا أيَّ رد عليه أو رغبة في مناقشته معهم.
وهذا اللون من التعامل القائم على الإعراض والإهمال للمبادرات الشعبية والعلمائية والمؤسسية الأهلية يُسبب درجة كبيرة من الإحباط واليأس من قيمة هذا السلوك، ويطرح علامات تساؤل كبيرة على جدوى ما تبديه بعض المشاريع الحكومية المتصلة بالناحية الإسلامية من الرغبة في مشاركة العلماء فيها مشاركة جدية، وعلى مصداقية هذا القول الذي لاتتوفر مقدِّمات تؤكد له هذه المصداقية.
تطبيعٌ وليس مدخلاً:
السماح للبضائع الإسرائيلية بالدخول في الأسواق البحرينية صورة جليّة ومصداق ناطق لعملية التطبيع وليس مدخلاً أوّليّاً لها.
وهو تطبيع على حساب القضية الفلسطينية، وحساب القدس، ومضادٌ لمصلحة الأمة وأجيالها، والتطبيع العربي كله مع إسرائيل إدخالٌ للأمة في النفق المظلم على يد حكوماتها.
وقطار التطبيع الكامل الشامل يتحرك بسرعة فائقة على يد الساسة الرسميين العرب، ويلهث وراء الرضى الأمريكي.
والقطار يتحرك على خلاف إرادة الشعوب ويقسرها ليغذي طموحات إسرائيل غير المشروعة ويُسهِّل الغزو الشامل الذي تستهدفه لهذه الأمة على مختلف أصعدة وجودها.
وعلى الشعوب العربية الإسلامية أن تُبديَ رأيها بوضوح وقوَّة، وتتعامل مع المسألة بحساسيّة بالغة وبرفض قاطع نظراً لحجم خطورتها على مصالح الأمة وهويتها.
والمقاطعة الحاسمة التامّة الدقيقة للسلع الإسرائيلية من أبسط المواقف التي يجب على هذه الشعوب أن تلتزمها إلى جنب الصوت الجاهر المُنكِر، والمواقف العلنيّة الرافضة، والاستمرار على خطِّ الرفض، والتثقيف الدائم من أجل هذا الرفض والمقاطعة والمفاصلة.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربَّنا لاتؤدِّبنا بعقوبتك، وأدخلنا في رحمتك، واشملنا بعفوك، ولاتحرمنا ذكرك، ولاتنسنا شكرك، ولاتُشمت بنا عدوَّك، وارزقنا صادق معرفتك، وآنسنا بقربك ياكريم ياوهّاب ياجواد.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 14/ المطففين.
2 – والنُكتة كالنّقطة.
3 – ميزان الحكمة ج3 ص464 عن بحار الأنوار ج73 ص332.
4 – هكذا في المصدر: البحار ج73 ص332.
5 – 14/ المطففين.
6 – ارتكبها الناس.
7 – 30/ الشورى.
8 – رَبَأَ يرَبَأُ رَبْأَ علا وارتفع. وقد تأتي بمعنى الحرص عليه والحفظ. واربَأْ بهِ أي احرص عليهِ واحفظهُ. (عن لسان العرب). (القسم الفني).
9 – في الموت واعظ، فمن لم يتّعظ بالموت كان بهيمة.
10 – لابد أن تهزل، لابد أن تصاب أبدانها بالنحول لهمّ الموت وما بعد الموت، ولايريد منا الإسلام أن نجزع من الموت بقدر مايريد منا أن نعمل للموت، لايريد منا أن نجزع لنقعد، إنما يريد منا أن نخاف لنعمل، ولنرقى.