خطبة الجمعة (210) 27 رجب 1426هـ – 02 سبتمبر 2005م

مواضيع الخطبة:

 

صلاح السرائر + رسالة إلى رجال الدين+ لافتات مفترية + جهاز الوعظ والإرشاد + العراق يحترق+ المعارضة والحكومة

 

ويا أيها الناس خارج العراق أقولها أكثر من مرة إن لم تستطيعوا أو إن لم تريدوا أن تسهموا في إيقاف نزيف العراق وتطفؤوا ناره فلا تؤججوها أكثر من تأججها الذي شاركت فيه أقلام بغيضة، ولاتستوردوا المعركة من هناك إلى كل شبر من الأقطار المجاورة لتحرقوها. ألا من عقل.. ألا من بصيرة.. ألا من تقوى.. ألا من وازع من دين..

الخطبة الأولى

الحمدلله الظاهر بنفسه، الغني عن إظهار أي شيء له, المظهر للأشياء بقدرته، ولا يملك أيُّ شيء ظهوراً بنفسه من غير إذنه, وكلُّ شيء عدمٌ لولا فيضه، ولا شيء إلا وهو راجع اليه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله، ومجاهدة النفس عن كِبرِها وحسدها وحقدها وكل مساوئها، فإنها إن تُتْرَك تضل وتطغى، ويستفحل شرها، ويصعب أن تعود إلى رشد، وإن تجاهد تَرْشُد وتنصرف إلى ما ينفعها من الجد، وينتهي بها إلى الفلاح.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعذنا واخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من ضياع العمر، وسفاهة الرأي، وضلال العمل، واغفر لنا ولهم، واجعل حياتنا جميعاً خير حياة، ومماتنا خير ممات، ومنزلنا في القيامة الجنة يا وهّاب، يا رحمن، يا رحيم.
أمّا بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى تتمة قصيرة يتطلب الاختصار فيها ضيق الوقت لحديث في موضوع إصلاح السرائر في بقية عناوينه الفرعية:
وما الناس الا سرائر متفاوتة إقراراً بالحق وجحودا، إيمانا وشركا، إخلاصاً وغشا، وفاء وخيانة، نقاء وظلمة، هدى وضلالة، نزاهة وفحشا، صدقا وكذبا.
وصلاح السرائر طهرها من الحقد والحسد، والطمع، والبغي والظلم والطغيان، والمكر السيء ونية السوء والخيانة والفحش والغش والفتك بالظلم، والبخل والجشع، وكل الرذائل.
ولا يتمّ للسريرة صلاحها إلا بمعرفة الله، والتعلق به والاشتغال بذكره والإنصراف إليه والاستغناء به، والتوكل عليه، والرضا به، وإلا تعرّض القلبُ لمختلف الأمراض وألوان السوء، وكدّرته الأخباث وأثقلته الأوزار وكان مصدر الشر، ومنطلق المتاعب، ومبعث الرعب والوحشة لصاحبه وللآخرين، وساءت به الحياة.
ولندخل الحديث في العناوين التالية:
4. كشف السرائر:
يقول تبارك تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ..}(1) يوم الرجوع، يوم تتكشف أسرار الانسان، يبرز ما في صدره، يكون كلّ ما في قلبه منشورا.
والقلب خزانة فيها الطيب والخبيث، وفيها الظلمة والنور، وفيها مايُشرِّف ومايسئ، وليس أحدنا إلا ذلك القلبَ بما فيه، فإن كان فيه نورٌ من نور الله فهذا الإنسان وهو شعاع من نور الله كبير، وإن كان ما فيه ظلمات من ظلمات الشيطان فهذا الإنسان بشيطانيته صغير حقير، والوزن يومئذ الحق عند الله، والوزن كل الوزن في القلب ومحتواه.
“ما من عبد أسرّ خيراً فذهبت الأيام أبداً حتى يُظهر الله له خيره، وما من عبد يُسرّ شرّاً فذهبت الأيام حتى يُظهر الله له شره”.
كثيرا ما يقودنا حبّ الشرف في الناس، وحبّ السمعة الطيبة أن نُعلن عمل الخير، وأن نتكتّم على مساوئنا، وأن نتستر بما في قلوبنا من شر ومن كيد ومكر وما يعانيه من ظلمة، لكنّ الله عزوجل هو المحيط بكل قلب، وهو وليّه، ويبقى الإنسان يغشّ نفسه، ويغش الآخرين أمدا حتى تتصدى له القدرة الإلهية فتفضح ما فيه من سوء ويبرز علنه سرّه، وإذا هرب الإنسان من السمعة في الناس، وتستر بخيره، وتوارى بصلاحه فإن الله عزوجل من مكافأته لهذا العبد في الدنيا أن يبرز له ذكراً حَسَنَاً، ويعطف عليه قلوب المؤمنين.
“من عاند الله عزوجل لم يُفلح” ومصانعة وجوه الخلق لا ترفع الشأن، وما رفع شأن أحد إلا أن يصانع وجها واحدا هو أكرم الوجوه.. وجه الله تبارك وتعالى.
“من أسرّ ما يرضي الله عزوجل أظهر الله له ما يسرّه…” ومن ذلك الذكر الحسن في الناس، “… ومن أسرّ ما يسخط الله تعالى أظهر الله ما يخزيه” فلنتعامل مع الله التعامل الصادق. ومن أراد خيرا فالخير كل الخير عند االله وليس عند الناس.
“ما أسرّ عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها” الرداء شيء ظاهر في قبال السريرة المستبطنة، والله سبحانه يبرز ماللمرء من سريرة على وجهه، في عمله، وفيما ينطق به لسانه إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ.
عن عمر بن يزيد قال:”إني لأتعشى عند أبي عبدالله (ع) إذ تلا هذه الآية {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}(2) يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يتقرب إلى الله جلّ وعزّ بخلاف ما يعلم الله جلّ وعز؟” أتقرب بصلاة يعلم الله عزوجل أنها ليست صلاةً له؟! بعمل برٍّ يعلم سبحانه وتعالى أنه ليس لوجهه الكريم؟! إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول:”من أسرّ سريرة ردّاه الله(3) عزوجل إن خيراً فخير وإن شراً فشر”. “من أراد الله عزوجل بالقليل من عمله أظهره الله له (وفي نسخة أظهر الله له أكثر مما أراد)، ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه وسهر من ليله أبى الله عزوجل إلا أن يقلله في عين من سمعه”.
هذا العمل الكثير، الصلاة الطويلة، التهجد، البذل الكثير في سبيل السمعة في الناس، يقلله الله عزوجل في أعين من عبده هذا العبد الغافل.
“لو أن أحدكم يعمل في صخرة صمّاء ليس لها باب ولا كوّة لخرج عمله للناس كائنا ما كان” يخرجه الله عزوجل.
5. علاقة تبادلية:
“من حسنت سريرته حسنت علانيته” القلب الطاهر النظيف المتوجه إلى الله عزوجل ينعكس على القول والعمل، محتواه الطاهر تتوجه من خلاله الكلمة، يستقيم به الفعل، تطهر به السيرة. فلابد أن يبرز داخل الذات لخارجها.
“حسن السيرة عنوان حسن السريرة” إذا استمر حسن السيرة واستقام كان كاشفا عاديّا عقلائيا عرفيا عن حسن السريرة، فالتكلُّف قد يطول ولكنه لا يدوم، فإذا تجاوزت السيرة الحسنة حدّ القدرة على التكلّف كشف ذلك عن سريرة طيبة إن شاء الله.
“صلاح الظواهر عنوان صحة الضمائر” بم نستكشف باطن الآخرين؟ لا علم عندنا بالغيب، ولكنّ أمامنا ظاهرٌ نستطيع أن نستكشف من خلاله على المستوى العقلائي ما يكنّه هذا الشخص.
“ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه” فساد الظاهر من فساد الباطن، والظاهر السّيء كاشف أنّ باطنا سيئاً وراءه، وقد يكون ذلك السوء جزئياً وقد يكون كليا، وكلما استمر سوء الظاهر كلما كشف عن سوء أعمق يعاني منه الباطن.
“ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته…”، “إنَّ السريرة إذا صلحت قويت العلانية”، تستطيع أن تكون قويا في كل مواقفك وأمام كل التحديات إذا أصلحت أصل الذات.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وهب لنا رأفة منك ورحمة.
اللهم افتح علينا جميعا أبواب رحمتك، وسدّ عنا أبواب نقمتك، وأصلح حالنا كله، وطهّر قلوبنا بالإيمان، ونق ِ سرائرنا من الشرك، واخلص نيّتنا لك، واجعل قصدنا إليك، ومطلبنا رضوانك.
اللهم إنا نعوذ بك من سوء الدنيا والآخرة، ونرغب إليك في خير الدنيا والآخرة، يا من لا يؤوده شيء، ولا تتجاوزه رغبة خير أبدا، يارحيم ياكريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق الخلائق وجعلها بقدرته ناطقة بألوهيته، مسبِّحة باسمه، شاهدة بتوحيده، مذعنة لعظمته، منقادةً لأمره، مقهورة بقدره، منتظمة في طريق إرادته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً.
ألا فلنتق الله عباد الله، فلا إله غيره يُرجى نفعه، أو يخاف ضره، ويطمع في جنته، ويحذر من ناره، وليس من منعم بالأصل سواه يكون له الشكر معه، ولا كامل من دونه ينصرف الحبُّ له، فالتقوى حقه وحده، وقد وعد عليها الثواب العظيم بمنّه وفضله. إنه أهل التقوى والمغفرة وأهل الجود والإحسان.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تجعلنا محِلاً لنقمتك، ولا على طريق معصيتك، ولا في معرض مؤاخذتك، واجعلنا من أقرب من تقرّب إليك، وفاز برحمتك واحسانك ورضوانك يا حنان يا منان ياكريم.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على محمد الصادق الأمين، وخاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين، وفاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، والحسنين الزكيين؛ الحسن المجتبى والحسين الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفربن محمد الصادق، وموسى بن جعفرالكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري أئمة المسلمين الهاديين المهديين.
اللهم صل وسلم على إمام العصر، وقائد النصر، وعجل فرجه، وسهل مخرجه ياكريم. اللهم اجعلنا من انصاره في غيبته وحضوره.
عبدك الموالي له الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه بعض كلمات:
رسالة إلى رجال الدين: قال مساعد وزير الخارجية الأمريكية (برايزا) أنهم قد استعانوا برجال الدين الأتراك المنفتحين لتثقيف وتأهيل الأئمة والخطباء المسلمين في أمريكا. وأشار إلى أهمية هذا الصنف من العلماء. (4).
إنهم صنف خاص من العلماء منفتحون انفتاحا وراء الحدود الإسلامية. أهل دنيا طامعون يغريهم الدولار الأمريكي. وواضح جدا أن قد أصبحت حاجة أمريكا وكثير من الأنظمة الرسمية ملحّة لهذا النوع من العلماء ولعلماء آخرين طيبين طاهرين قد يقعون في الفخ.
أيُّ إرهاب وتطرف يعنون؟ إننا ضد الإرهاب ولكن أيّ إرهاب؟ التمسُّك بالإسلام، بالأصالة، رفض العبودية، طلب الحرية، رفض الاحتلال الأجنبي؟! كل هذا إرهاب في قاموسهم، وكل هذا عندنا من الحق الذي لا يُضيَّع.
ما هو الطريق الى العلماء المعنيين التجار، الطيبين في نظر أمريكا، المتعاونين معها؟ الطريق: الدولار، الطريق: أي عملة أخرى تقوم مقام الدولار، والطريق احتيال وتغرير وتضليل واستدراج، وخطة طويلة الأمد قد لا تبدو ملامح نهايتها في بدايتها لكل الأنظار.
إذاً فعلى الشعوب أن تُميِّز بين علمائها. وأنا أقول أن هناك علماء أحراراً غيارى ولكن قد يقعون في الفخ ويمهدون لغيرهم من العبيد الطامعين.
ولن تعدم أيُّ بلد ظهور هذا الصنف من العلماء أو ذلك الصنف.
ومحليا رأيي أن ربط صلاة الجماعة بالرواتب الرسمية سيعود حتما بالضرر على الدين، فكُلِّي – وأنا طالب علم – تحذير لأخوتي العلماء وطلاب العلوم الدينية وهم أتقياء أبرار طاهرون أن لا تدفع أحدهم الحاجة إن كانت إلى مثل هذا الأمر سواء كان مشروع الحكومة يحمل نوعاً من التوجّه غير المرضي أو لا يحمل ذلك، ولكن المشروع بطبيعته مؤدٍّ حتما الى ما لا يستقيم مع أمر الدين.
لافتات مفترية:
المضمون هو أن المتكلم قد تلقّى أوامر من الخارج تتصل بالشأن العام في المشاركة في الانتخابات القادمة، وفي الإقدام على عضوية المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية وانعزال المسألة السياسية.
والفاعل هو أدرى الناس بافترائه، ويبدو أنه لا يخاف الله. سامح الله الجهة المفترية إن لم تقصد إلا الإضرار بي شخصياً، ولا قصد لها للإضرار بالدين ولا بالشعب والوطن.
وإنه كان لي موقف غير معلن من مسألة الانتخابات السابقة بلحاظ ظروفها الموضوعية الخاصة بها، والتي قد لا تتكرر ولا تنسحب لاهي ولا حكمها على الانتخابات القادمة.
وإذا كان الافتراء المشار إليه من أجل ترك السياسة جملة وتفصيلا فالحاكمية في هذا الأمر للدين وليس لمثل هذه الفقاعات الخاوية، وإذا كان لخلق موقف سياسي معين فالأمر مثل سابقه وهذه المحاولات اليائسة لاتُقدِّم ولا تُؤخِر في رسم الموقف.
وإذا كان لإحداث بلبلة شعبية سياسية عند فئة من المواطنين فالمواطنون واعون، وحراس الوعي موجودن نابهون كل النباهة.
وإذا كان لخلخلة طائفية فالاتجاه الشيعي والسني العام يُراد له أن يكون أوعى مما يريده به المتربصون بالإسلام سوءا وبالشعب والوطن.
وإذا كان للإضرار الشخصي فالخيار غبي جدا وحساباته غير دقيقة وإني لأقولها غير متبجِّحٍ ولا مستثيرٍ لأحد ولا مزكٍّ لنفسي، ومستعيناً بالله (لموتة السيف أشرف من موتة الفراش).
أقولها وأنا من أحرص الناس على وئام وسلام، وإني لعالم بأنه لا أحد غير الله يملك من أحد رزقاً ولا أجلاً، ولانفعاً ولاضراً، وأسأله سبحانه أن يجعل شعوري وموقفي منسجمَين مع هذا العلم الصادق اليقين.
وإذا كان – الأمر المفتعل – لحبسي نفسي في البلد لا أغادره لزيارة ولا علاج، ولا أنفتح على توسع في دين ولا ثقافة في أي بلد من البلدان فكل ذلك لن أفعله مختاراً، ولن أعطيه من نفسي، ولن أحرمها حقاً يتمتع به كل مواطن، ولايسيء إلى أحد، ولايريد بأحد إضراراً.
وإن خياراتنا وقراراتنا المتصلة بالشأن العام لوطننا كانت وستبقى حرة مستقلة لاترتبط بأي سياسة خارجية ولاتتلقى أوامرها من أحد، وكفاءتنا في ذلك كافية. ونتمنى لقرارات كل الجهات الأخرى أن تتمتع بالدرجة التي نتمتع بها من استقلالية القرار وحريته ومراعاته لمصلحة الوطن والمواطنين، واعتماده التقديرات الموضوعية الدقيقة محاولين النزاهة استطاعتنا، وقصد الإخلاص بتوفيق الله، مستهدفين الإصلاح لا الإفساد، ونفع الجميع لا الإضرار بأي جهة من الجهات.
وكلمة أخيرة إن الافتراء المذكور اختبار فاشل في حقي وحق المواطنين ولن أقيم له وزناً. وهو شيء كأن لم يكن.
جهاز الوعظ والإرشاد:
وهو مشروع تعتمده الشؤون الإسلامية، وتدفع به إلى مجلس النوّاب. والوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل واجبات شرعية مخاطبة بها الأمة كاملة، وهي مسؤولية من مسؤولياتها الثابتة الضرورية لاستمرار الإسلام.
ومن أجل أن تُنشئ الحكومة جهازاً من هذا النوع تابعا لها يتحتّم عليها أنه أولا وقبل أي خطوة لإنشائه أن تُعلن التزامها بحرمة الخمر ومنعه، استيرادا وبيعا وشراءا وتعاطيا، وتعاقب عليه بالحد الذي فرضته الشريعة المقدسة، وأن تمنع بتاتا الحفلات الراقصة المختلطة، وحفلات الشذوذ الجنسي، والربا المحرم، وأن تلتزم بالشريعة الإسلامية في كل مرافق الحياة السياسية والقضائية والثقافية والاجتماعية والتشريعية لتتأهل بذلك لوظيفة الوعظ والإرشاد، ويطمئن إلى جديتها فيها، وعدم تسييس هذه الوظيفة والخروج بها إلى أغراض أخرى بعيدة عما يشير إليه العنوان.
فإن مثل الواقع القائم المخالف للشريعة في كثير من جنبات الحياة لايطمئن أبدا بصحة المسار، وخلو العملية من توجهات تُراعي مصالح السياسة أكثر مما تراعي مصالح الدين، وهذا أمر لايُختلف عليه باختلاف المذاهب، والدولة ذاهبة إلى أبعد حد في التمترس غير المعقول، ولا المبرر وراء قلعة محكمة من قوانين مضادة لحرية الشعب ومصلحته ومشاريع مثلها في التوجّه.
ولايدرى كيف ينسجم هذا وخط الإصلاح، وإرادة القضاء على حالات الاحتقان وسوء الظن المتبادل.
والبديل الصحيح أن ينضاف إلى الإصلاح إصلاح، وأن يستقيم خط الإصلاح، ويستمر بلا توقف ولاتذبذب.
العراق يحترق:
العراق جرح نازف من دماء المؤمنين الأبرياء رجالا ونساء وأطفالا، العراق مضطرب ومهدد بكارثة فوق التصور، والعراق يحترق.
أمسِ الأول سالت أنهار من دماء إيمانية طاهرة زكية لزهاء ألفي شهيد وجريح من جموع ملايينية خرجت لإحياء دين الله، وإحياء ذكر الشهادة العبقة بالإيمان، والعلم والمعرفة والهدى والثبات على الحق، والفداء في سبيل الله لسابع الأئمة من أهل بيت النبوة والعصمة والرسالة، ووراء الفاجعة الدامية التي أكلمت قلوب المؤمنين وعصرتها وأحرقتها عدو محتل مستكبر طاغ باغ متفرعن لايؤمن بقيم ولا حرمات، ووراءها حزب البعث الذي لم يخلص يوما للوطن ولا للعروبة ولا للإسلام والمسلمين، ووراءها قوى تكفيرية هانت عليها دماء المسلمين حتى غدت أهون من دم البعوضة.
والحرب ليست سنية شيعية وإن وظّف شركاء الجريمة البشعة هذين العنوانين ويوظفانهما لمثل هذا الفعل السوء والمنكر الكبير، وموقف الأخوة السنة كما نقلته كلمات بعض الإذاعات لأكثر من متحدث منهم وهو موقف مشارك بإيجابية لأهل المأساة المؤمنين شاهد على أن المعركة ليست معركة سنة وشيعة.
والعراقيون من المذهبين والقوميتين العربية والكردية قد يختلفون في ظل الخلل القائم في جدار وحدة الأمة على الحقوق والمصالح، ويسوقهم الهم الفئوي إلى التفكير في مصالح الدائرة الصغيرة قبل الدائرة الكبرى الجامعة والتي إن خفّ همُّها ضاعت كل المصالح، ولكن مع ذلك من الصعب أن يكون اقتتال في دائرة المصالح الضيّقة إلا أن تغلب عوامل الدفع المثارة من الآخرين وعي الطرفين، وبصيرتهم لاسمح الله فيعم حريق في العراق لايكاد يطفئه شيء، ولايقف عند حدود العراق.
ويا أيها الناس خارج العراق أقولها أكثر من مرة إن لم تستطيعوا أو إن لم تريدوا أن تسهموا في إيقاف نزيف العراق، وتطفؤوا ناره فلا تؤججوها أكثر من تأججها الذي شاركت فيه أقلام بغيضة، ولاتستوردوا المعركة من هناك إلى كل شبر من الأقطار المجاورة لتحرقوها. ألا من عقل.. ألا من بصيرة.. ألا من تقوى.. ألا من وازع من دين..
المعارضة والحكومة:
قد تختلف المعارضة مع الحكومة في بعض مواقفها وقوانينها ومشاريعها ولابد أن تختلف معها في ما تراه ضاراً بالشعب، غير مستقيم مع العدل والدين، ولابد من مطالبتها بخلافه.
لكن اختلافها معها ينبغي أن لايعني أبدا اختلافا منها على النظام يهدف إلى أي مشاركة في إسقاطه.
أما التفكير بالاستعانة بأمريكا أو أي قوة خارجية إسلامية أو غير إسلامية فيما يتعلق بمثل هذا الأمر وهو أمر الإسقاط وتفتيت حالة الأمن فنحن نضع أمامه ألف إشارة حمراء من وحي الرشد والحكمة والحفاظ على أمن الوطن ومصلحة المسلمين.
وإيماننا راسخ جدا بأن المشكلات الداخلية حلها داخلي، وخيارنا المطالبة السلمية والحوار لا الاحتراب، ويؤسف جدا أن خيار الحوار معطل من قبل الدولة، والأزمة ليست صعبة لو تراجعت الحكومة عن تصلّبها ومالت إلى ما يميل إليه الآخرون من قضية الحوار، وبدون ذلك سيطول مدى الأزمة، والشدّ والجذب من هنا وهناك، وهذا ما لاتحمد عقباه، ولاينبغي أن يكون خيار الحكماء.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وهب لنا من لدنك رحمة ورأفة، ربنا أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، ولاتفرق بيننا وبين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليه وآله أجمعين، واجعلنا من الملأ المكرمين محيانا ومماتنا، ويوم قيام الدين يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 9/ الطارق.
2 – 14/ القيامة.
3 – أي ألبسه رداءها.
4 – الخليج- 27/8/2005م

 

زر الذهاب إلى الأعلى