خطبة الجمعة (206) 24 جمادى الأول 1426هـ – 1 يوليو 2005م
مواضيع الخطبة:
الرزق+ مقام المرجعية + عتب جميل+ فاز نجاد + المجلس النيابي والتعديلات الدستورية + فليشهد التاريخ
وليشهد التاريخ أن صوراً ماجنةً ودعايات سافلة مروجة للباطل تأخذ مواقعها الملفتة في شوارع هذا الوطن وميادينه وتخاطب المواطن المسلم بلغة هابطة تفتنه في دينه، وتحرفه عن الصراط، وتشعره بالغربة في دياره، وتستخف بأخلاقه وقيمه وتديّنه وتقواه.
الخطبة الأولى
الحمد لله مخرج الأشياء من عدمها، وخالق الحياة ومبدعها، ومميت الأحياء وباعثها من قبورها، وباسط الأرزاق ومقسمها، ومصرف الأمور ومدبِّرها. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ظهير، ولاندّ ولاوزير، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله ألا فلنتق الله، ونحذر من مخالفة أمره، ومنافاة نهيه، فإنه لا حقيق بالطاعة كالله، ولا أنصح ولا أشفق على عباده منه، ولا ثواب كثوابه، ولا أليم عقاب كعقابه، ولا شديد جبروت كجبروته. فمن تعرّض لسخط الله لم يجد له من دونه ملتجأ، ولا مفرّاً ولا مهرباً، ولا حامياً ولا واقياً، وإن في الدنيا لأمثلة من أخذ الله وبطشه ونقمته، وأمثلة من نعمه وإكرامه ومثوبته. وليست الدنيا كالآخرة أجراً، ولا تبلغ في آلامها من عقوبة الآخرة شيئاً، وليست تساويها أبداً قدراً.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ربنا أكرمنا في الدنيا والآخرة، وأسعدنا في الدنيا والآخرة، وهب لنا خيرهما، واجعلنا من أهل النعم، ولا تجعلنا من أهل النقم، ولا تبق لنا هماً ولا غماً ولا كرباً ولا مرضاً ولا سقماً يا عظيم الرحمة، وواسع المغفرة، يا منان، يا حنان، يا كريم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه عودة لاستكمال حديث الرزق وآخر عنوان وصل إليه الحديث سابقاً هو عنوان:
السعي بين السببية والعليّة:
ونقرأ تحت هذا العنوان مضافاً إلى ما تقدّم ما جاء عن علي عليه السلام: (من لم يعط قاعداً، لم يعط قائماً). والحديث لا يريد أن يلغي دور العمل ولا يريد أن يساوي بين القائم والقاعد على الإطلاق وفي كل الحالات. إن قاعداً غير قائم، فالقاعد قد يكون رزقه مضيقاً، والقائم قد يكون رزقه موسعاً، ولكن هناك نوعين من الرزق يستوي فيهما القاعد والقائم:
الرزق المحتوم المطلق والذي تقوم به الحياة المكتوبة عند الله للعبد، فهذا رزق واصل على الإطلاق، وقد يستوي فيه القاعد والقائم، ورزق آخر يستوي فيه القاعد والقائم فكما لا يبلغه القاعد لا يبلغه القائم، وذلك هو الرزق المتجاوز لأعلى سقوف الرزق المقدّرة عند الله عز وجل للعبد.
وما بين هذين الرزقين يكون للعمل دورٌ في زيادة الرزق وإنمائه، فالحديث محمول على الزائد على أعلى سقوف الرزق المقدرة عند الله تبارك وتعالى.
وما جاء عن الصادق عليه السلام: (إن الله وسع أرزاق الحمقى – والأحمق هو قليل العقل – ليعتبر العقلاء، ويعلموا أن الدنيا ليس يُنال ما فيها بعمل وحيلة) فالعمل والحيلة ليس كل العلة في تحصيل الرزق. العمل والحيلة سببٌ من أسباب تحصيل الرزق، وليس عملك علةً تامة لتحصيل رزقك فتقدير الله قبل عملك ومع عملك وبعد عملك، وهو الذي يحكم كل هذا الوجود.
وهناك أسباب أخرى تنضاف إلى عملك لتنتج الرزق، وإذا تخلف سبب من الأسباب فالعمل وحده غير منتج.
وهل لشيء في الكون كله فاعلية إلا بإذن الله، أنت تزرع وتسقي وتحرث وتسمد.. هل كل ذلك يكفي لإنماء النبات؟ الشجر؟.. إن وراء ذلك الفاعلية المطلقة لله تبارك وتعالى.
فالتوسعة على بعض الحمقى والتضييق في رزق بعض الأذكياء، من أجل اعتبار العقلاء وذوي الحكمة. قد يكون المرء مصاباً بالحمق، قليل الذكاء، فاقداً لكثير من الحيلة والتدبير، ولكن يأتي رزقه موسعاً، وقد يمتاز المرء بذكاء شديد، وفطنة كبيرة، ويسعى السعي الكثير، إلا أن رزقه قد يكون برغم ذلك مضيّقاً، وفي ذلك درسٌ لمن يعتبر، درسٌ للعقلاء. والعاقل غير الذكي، العاقل مَن يتدبر، العاقل من يستفيد من الدرس، العاقل من يذهب مع المقدمات والنتائج إلى آخرها حتى ينتهي إلى العلة المطلقة. فاعلية الله وإرادته تبارك وتعالى.
ومثل هذا الحديث عن الصادق ما عن علي عليهما السلام: (لو جرت الأرزاق بالألباب والعقول لم تعش البهائم والحمقى).
ألا ترى أن حمقى يعيشون، ألا ترى أن بهائم تعيش. برزق الله تبارك وتعالى؟! لو كان ذكاء الناس هو علة رزقهم، لتعطلت حياة البهائم والحمقى.
وخلاصة ما قرأناه من نصوص:
أن الرزق محتومٌ، يصل حتى الفاقد للحيلة، غير القادر على السعي، ومن قدر الله له شيئاً من البقاء في هذه الحياة لم يعجزه أن يوصل إليه رزقه كما يوصله للحمقى والبهائم. ومن الرزق ما هو مشروطٌ بالسعي، متوقفٌ عليه، فقد يُقتر المرء على نفسه من رزقه للتقصير في السعي وطلب العلم والخبرة والتجربة مما يتوقف عليه الاستثمار، ونجاح حركة المال. وإذا كان الفرد مسؤولاً من هذه الناحية، فالجماعة والأمة أكثر مسئوليةً إذا توقف حفظ كيانها على العملية الإنمائية الناجحة في بعدها الاقتصادي، شأنها في ذلك شأنها في الأبعاد الإنمائية الصالحة الأخرى.
ومن الرزق المطلوب ما هو ممتنع حتى على الساعي له، الجاد في طلبه، الباذل في سبيله، المالك لأسباب كثيرة لتحصيله، ذلك لأنه فوق ما قدر الله من رزق مطلق ومشروط.
ثالثاً: موقف متوازن:
عن علي عليه السلام: (لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم، فإن ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب من العفة، وليس العفة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، فإن الرزق مقسوم، واستعمال الحرص استعمال المآثم).
وعن الصادق عليه السلام: “ليكن طلب المعيشة فوق كسب المضيّع، دون كسب الحريص الراضي بالدنيا، المطمئن إليها، ولكن أنزل نفسك من ذلك منزلة المنصف – أنصف عمرك، أنصف وقتك – أنصف حاضرك ومصيرك ، أنصف بدنك وروحك – ترفع نفسك عن منزلة الضعيف ، وتكسب ما لا بد للمؤمن منه”.
إذا تصوّر العبد أنه إذا جاهد في سبيل الرزق جهاداً مستميتاً وأعطى له كل وقته وفكره وقوته سيغلب القدر، ويجمع الدنيا، ويتجاوز كل الحدود فهو مخطئ، وهو إذ يفعل ذلك يبيع عمره رخيصاً، ويحيا شقيا، ويخرج من الدنيا محقوراً محسوراً.
وإذا تصور العبد أنه يغنى في قعوده، ويكون ميسور الحال في كسله لأن القدر يسعفه بما يشتهي، ويؤتيه ما أراد فإنه واهم لأنه من القدر ما يكون الرزق فيه مشروطاً بالسعي، ممنوعاً على المقصر.
وابتغاء اليسار الذي يعين على الحياة، ويصون الكرامة، ويمِكّن من الطاعة من السنة، على أن الانهماك في طلب الدنيا، والانصراف إليها، والتكالب عليها يستتبع بطبيعته التنازل عن الكرامة، والتساهل في الشرف، ونسيان العفة، والانسياق وراء الشبهة، والوقوع في الإثم.
والموقف المتوازن أن لا يكسل المرء عن طلب رزقه، ولا يقصّر في الأخذ بالأسباب لتحصيله وإنمائه، وأن لا يذوب في الدنيا، ويصل من إغرائها له أن يرضى بها عن آخرته، وبعمارتها عن عمارة ذاته، وبجمالها عن جمال روحه، وتستهويه حتى يركن إليها، ويجد الطمأنينة في لين ملمسها إلى أن يفاجئه القدر، ويحلّ عليه الأجل، فيخرج من الدنيا بلا زاد من عمل صالح خاسراً ملعوناً مأثوماً.
هناك مالٌ يحفظ للإنسان حياته، وحياة أهله وولده ومن يعنيه أمره، ويمنع به عن عرضه، ويصون به شرفه، ويحصن به إيمانه، ويستعين به على آخرته، فعليه أن يطلب هذا المال من وجهه الحلال غير متهالكٍ أو مضيّعٍ لوجوده وحياته في طلب الدنيا التي لا تبقى، ونعيمها الذي لا يدوم، وغير متوانٍ مقصر ملق بكلّه على الناس، آكلٍ من جهد غيره مع قدرته على أن يأكل من جهده نفسه.
ولنقرأ من تعليم الإسلام في هذا المجال ما يأتي- ولو بصورة سريعة مستعجلة -:
هذه أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
(العبادة عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في طلب الحلال) أنظر إلى قيمة العمل.
(الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله)
(من بات كالاً من طلب الحلال، بات مغفوراً له).
(إن الله يحب أن يرى عبده تعباً في طلب الحلال).
وعن الصادق عليه السلام:
(لا خير في من لا يحب جمع المال من حلال، فيكف به وجهه ويقضي به دينه).
وعن الباقر عليه السلام:
(من طلب الدنيا استعفافا – يطلب بها العفاف والشرف الكرامة وعدم الحاجة إلى الناس – وسعياً على أهله، وتعطفاً على جاره، لقيَ الله عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر).
وعن الرسول صلى الله عليه وآله:
(طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة).
(طلب الحلال جهاد).
(من أكل من كد يده مرعلى الصراط كالبرق الخاطف).
(من أكل من كد يده نظر الله إليه بالرحمة ثم لا يعذبه أبداً) وذلك بحيث لا يوجد عنده ما يمنع من شمول الرحمة له، هذا موعودٌ برحمة وعناية خاصة من الله عز وجل لأنه أكل من كد يده، بحيث لا يكون مشركاً، بحيث لا يكون مرتكباً للموبقات والكبائر التي تمنع من رحمة الله تبارك وتعالى.
(من أكل من كد يده حلالاً فُتح له من أبواب الجنة يدخل من أيها شاء).
(من أكل من كد يده كان يوم القيامة في أعداد الأنبياء ويأخذ ثواب الأنبياء) أي يشاركهم في منزلتهم.
(ملعونٌ ملعونٌ من ضيّع مع يعول).
(وعن مفضل بن عمر قال: استعينوا ببعض الدنيا على الآخرة، فإني سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: استعينوا ببعض هذه على هذه ولا تكونواً كلاً على الناس).
وما أعلى قيمة العمل في طلب الحلال في الإسلام، وما أعظمه أجراً، وما أبعد أن يصرف المرء وجهه عن طلب المال لصلاح دينه ودنياه من تعاليم الشريعة وخلق الدين.
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم اجعل رزقنا حلالاً، وخيرنا مباركاً، وحياتنا طيبة وآخرتنا سعيدة واجعلنا عندك من المقربين، وادخلنا في الصالحين، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
الخطبة الثانية
الحمد لله المجزي الشاكرين له، المجزل العطاء للسائلين من فضله، القابل للمنيبين إليه، الكافي للمتوكلين عليه، المؤمِّن للملتجئين إليه، غافر الذنوب، ساتر العيوب، كاشف الكروب.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، والفرار من كل ما يُؤثم، ويُبعّد عن الله وإن قرّب من الناس، ويُفقر في الآخرة وإن أغنى في الدُنيا، ويُعلمُ سوءهُ عند النفس وإن زان به المرء عند الغير، فإن العاقل من اشترى رضا الخالق برضى المخلوق، وقدّم الآخرة على الدنيا، وطلب أن يَزين حقاً لا وهماً، وأن يكبرَ واقعاً لا على ما يتراءى في أعين الآخرين.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات واجعل إقبالنا جميعاً على ما أحببت، ورغبتنا في ما أردت، وفرارنا مما كرهت، وزهدنا في ما زهّدت، وولاءنا لك، ولمن أمرت، وبغضنا لمن أبغضت يا كريم يا رحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، وصل وسلم على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي القائم المنتظر.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا الإمام القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم انصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبيناً، واجعلنا من أنصاره والدعاة لدولته يا كريم.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والعاملين من المؤمنين والمؤمنات في سبيلك، وسائر المؤمنين والمؤمنات وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الإخوة الكرام، فإلى موضوعات اليوم:
1- مقام المرجعية.
2- عتب جميل.
3- فاز نجاد.
4- المجلس النيابي والتعديلات الدستورية.
5- فليشهد التاريخ.
أولاً: مقام المرجعية:
1. مقام المرجعية:
نتحدث عن مقام المرجعية الحقيقية، ومقام المرجعية الحقيقية التي تتوفر على مقوماتها بصورة جيدة، هو أنها تقع في المرتبة الثالثة في سلم المراتب المعنوية الكبرى على المستوى البشري، فالنبوة والرسالة، ثم الإمامة، ثم المرجعية.
2. مقوماته:
أما مقومات هذه المرجعية فمنها ما يأتي بصورة عابرة:
أ- الاجتهاد المطلق من الوزن العلمي الثقيل، وليس كل من أجاد استنباط بعض الأحكام كان مجتهداً مطلقاً.(1)
ب- فقه الدين بعقيدته، ومقاصده، وأخلاقيته، وأبعاد شريعته، وتربيته، واتجاه سياسته ومجمل أبعاده.
ج- عقليةٌ ونفسيةًٌ صالحة، من صناعة الدين، وإيمان معمق متركز بالإسلام.
د- روح تضحيةٍ وفداءٍ صادقٍ لدين الله، وإخلاص لوجهه الكريم.
ه- واستغناء بالله عن ما في أيدي الناس، وتقوى ثابتة، وترفع على الدنيا.
و- أخلاقية العطاء الواسع والإحتضان الحار الصادق للأمة وضعفائها وانصهار في مصالحها وآمالها وآلامها.
ز- خبرة عملية، ونظر موضوعي ثاقب، وتجربة ميدانية محنكة.
ح- إشعاعٌ روحي واسع الدائرة.
هذه بعض مقوماتٌ لا بد منها في المرجع الحقيقي وهو يقوم مقام الإمام المعصوم في غيبته.
3. علاقته بالأمة:
رمز عزها وكرامتها وهويتها وأصالتها وانتمائها، وضميرها من ضميره، ووعيها من وعيه، وإرادتها من إرادته ما دام يستمد ذلك كله من كتاب الله وسنة رسوله والمعصومين عليهم السلام.
فأذاهُ أذاها، وإهانته إهانتها، والتعدّي عليه تعدٍّ عليها. فمن اعتدى على مرجع لمئات الألوف فقد تعدى على مئات الألوف، ومن تعدّى على مرجع الملايين فقد تعدى على الملايين، على أن المراجع الحقيقيين هم مراجع للأمة بكاملها وإن كان تقليدهم دون ذلك.
4. الرسم التمثيلي ( الكاريكاتير) الذي طالعت به “الأيام” قراءها يوم الاثنين السابق قد تعمد الإساءة إلى مقام المرجعية الدينية العالي، بصورة مستنكرة، وهذا ما فهمه القراء حالاً وبادروا إلى استنكاره، وهذه العفوية في الفهم دليل في المقام لا يمكن رده أو مناقشته.
وهذا العمل الساخر فيه استفزازٌ كبير لضمير المؤمنين، ونيل من كرامة الدين، وتطاولٌ سافرٌ على مقام المرجعية الذي يهدد التطاول عليه بالتطاول على مقام الإمامة والرسالة، فليس بعد أن يهون مقام المرجعية العليا إلا أن يهون مقام الإمامة ثم الرسالة.
5. تتجه السياسية والتربية الرسمية وقسمٌ من الصحافة في كثير من البلدان الإسلامية في هذه الآونة من التاريخ، إلى تسليط عوامل التعرية والنحت والخلخلة للحس الديني في النفوس بصورة منتظمة ومتكاملة ومستمرة، تتخلل هذه العملية الثابتة امتحانات متدرجة في الصعوبة وقوة التحدي للشعور المؤمن لقياس مدى النجاح الذي حققته العملية المستمرة المعادية للدين والآثار السلبية التي تسببت فيها عوامل النحت والتعرية والتخريب، والتآكلات التي أصابت الغيرة الإسلامية والحس الإيماني في نفوس أبناء الأمة.
6. وما طالب به المؤمنون جريدة الأيام ووزير الإعلام من الاعتذار عن الإساءة البالغة للمرجعية الدينية العامة والأمة المؤمنة، سيكون التخلف عنه لوناً من التعامل مع هذه القضية باستخفاف مؤلم جداً.
ويُنتظر من المؤمنين الالتزام التام الدقيق بما ارتآه المجلس الإسلامي العلمائي من مقاطعة الصحيفة المذكورة في المدة المقررة وهي ثلاثة أشهر منذ إعلان المجلس، إثباتاً لجدّية الرفض لهذه التعدّيات الشائنة على مقدسات الأمة والتحديات الاستفزازية لضميرها.
ثانياً: عتب جميل:
شبابنا الأعزاء من الباحثين عن العمل أبدوا عتاباً في محبة واحترام وثقة لطلبي منهم في الجمعة السابقة بأن لا يكون تظاهرهم واعتصامهم لقضية العمل قرب الديوان الملكي لما رأوه من أن ذلك أثر سلباً على قضيتهم.
وأنا وإن كنت لا أشارك الأحبة في هذا القصور لأن الحكومة لا يمكن أن تذهب بها المذاهب إلى أني ألاين في أمر البطالة، وانخفاض الأجور، ومأساة الشباب الذين تذهب زهرة أعمارهم تحت وطأة البؤس واليأس والتمزق والإحباط إلا أني أرفع عقيدتي من جديدٍ وبكل قوةٍ، بعدم صحة التوقف عن المطالبة القانونية بحل مشكلة البطالة، ورفع مستوى الأجور، وبوقوف المجتمع مع الإخوة الباحثين عن العمل الشريف بإخلاص وإصرار واستمرار. وأنا واحد من خدّام هذه الطبقة المباركة.
وأقول بأنه إذا كانت الخطط الرئيسة البعيدة المدى في علاج مشكلة البطالة والأجور وضمان التعطل تحتاج إلى وقت فإن الحكومة لا تعجزها أبداً المعالجات الفورية التي تتطلبها هذه القضايا.
ثالثاً: فاز نجاد:
لقد فاز نجاد، وبعيداً عن التمييز بين المرشحين الكريمين في انتخابات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أقول بأن وراء فوزه لغةً جماهيرية عامة في صفوف أبناء الأمة المسلمة تؤكد بلسان عملي صريح بأنها لا ترضى بدنيا بلا دين ولا بدينٍ بلا دنيا، وذلك من منطلق إسلامها الذي يجمع بين الدنيا والدين. ثم أنها لا ترى لمطلبها غير الإسلام ومن يحمل رسالته بأمانة.
وتسجل هذه الانتخابات رفضاً قوياً للهيمنة الثقافية الأمريكية والغربية وتسحب الثقة من الطرح الأجنبي، وتواجه الغزو الحضاري الزاحف على بلاد الإسلام.
وتثبت وعياً ونضجاً ورشداً وصلابةً أمام الدعاية الإعلامية الجاهلية، بكل ما تملك من خبرة وفن ومراوغة وتضليل وسحر، وبكل ما هي عليه من افتراء وزيف وافتئات.
وما أحوج كل شعوب الأمة إلى مثل هذا الوعي والنضج والرشد والنباهة!
وإذا كان في إيران والأمة والعالم من يخاف من نجاح “محمود أحمدي نجاد” للرئاسة في بلده، كل الخوف لصلابته الدينية، واعتزازه بالإسلام وتمسكه به، بما في الإسلام من انفتاحٍ على مصالح المستضعفين، وهموم الطبقات المحرومة، وبما فيه من عدلٍ واحترامٍ للإنسان، وحرصٍ على الأمن والسلم في كل الدوائر المحلية والإقليمية والعالمية كما نسمع عن الرجل، فكيف لو بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو جاء علي بن أبي طالب عليه السلام، أو ظهر الإمام المنتظر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأرواحنا له الفداء؟!
إنه عالم يعاني من كثير من الانحراف عن خط الفطرة وهو خط الله، ويحتاج إلى كثير من التربية والتوعية والتقويم.
رابعاً: المجلس النيابي والتعديلات الدستورية:
ما كاد يولد اقتراح التعديل لبعض المواد الدستورية من بعض أعضاء المجلس النيابي حتى دُفن، بسبب سحب ثلاثةٍ من مقدميه التوقيع عليه، فلم تتم حتى إحالته على اللجنة التشريعية في المجلس.
وهذا يصارحنا بشيء وهو أن أمر التعديلات بالمجلس الحالي، يحتاج أساساً إلى إشارة خضراء من خارجه، وتعليق مصير التعديلات على رأي هذا المجلس إعلانٌ بأنه لا تعديلات.
وكل يوم ينضاف دليلٌ جديد على إفلاس مجلسنا بقيوده الكثيرة وتركيبته الحالية، وسد الأبواب أمامه.
هذا وإذا أريد للعملية الإصلاحية أن تكون أكثر جدّيةً وصدقيةً فلا بد من تعديلات دستورية مقنعة، وتوزيع عادلٍ للدوائر الانتخابية التي تعاني من سوء التوزيع القائم على انتقاص القيمة الإنسانية والوطنية والحقوقية لفئة من المواطنين.
خامساً: فليشهد التاريخ:
فليشهد التاريخ أن لوحات تحمل تذكيراً دينياً أخلاقياً ودعاءً وحمداً وشكراً لله وصلاةً وتسليماً على رسوله (ص) تنتزع من شوارع البحرين وساحاتها. وفي ذلك فضيحة كبرى لا تناسب بلداً إسلامياً أصيلاً كهذا البلد، ولا شعباً مؤمناً كهذا الشعب.
وليشهد التاريخ أن صوراً ماجنةً ودعايات سافلة مروجة للباطل تأخذ مواقعها الملفتة في شوارع هذا الوطن وميادينه وتخاطب المواطن المسلم بلغة هابطة تفتنه في دينه، وتحرفه عن الصراط، وتشعره بالغربة في دياره، وتستخف بأخلاقه وقيمه وتديّنه وتقواه.
ومخز جداً، وعارٌ شنيع، ومنافاة لكتاب الله العزيز الحكيم وسنة المصطفى صلى الله عليه وآله أن يكون تضجرٌ من أحد أن يشمل التسليم والصلاة على الرسول صلى الله عليه وآله، أهل بيته الأطهار وآله الكرام، وهم الذين يصلى ويسلم عليهم في الصلاة المكتوبة وإسقاطهم من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وآله يجعلها بتراء لا يليق بمسلم أن يعتمدها فضلاً عن أن يدعو إليها.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا جميعاً إنك أنت التواب الرحيم، اللهم ارزقنا عز الطاعة، وعز النصر، والغلبة بالحق، وأنقذنا من ذل المعصية، وقهر الكافرين، وبغي الظالمين، وظهور المفسدين. اللهم ارزقنا حياة كريمة عامرةً وبالعِزّ والسؤدد والخيرات، واجعلنا من ورثة جنة النعيم يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وليس كل من كانت له ملكة الاجتهاد كان مرجعًا.