خطبة الجمعة (205) 17 جمادى الأول 1426هـ – 24 يونيو 2005م
مواضيع الخطبة:
السعي والرزق + صادقون مع الزهراء عليها السلام + ألف تحية + المطالبون بالعمل + أيهم المطلوب؟ + اسهروا ولا تسهروا.
نحن محتاجون إلى أن نكون على درجة كافية من الحساسية العقلائية من كل المشاريع والدعوات والشعارات التي تدخل في تشكيل خطاب القوى الأجنبية المجاهرة بعدائها للإسلام والماكرة به والذي لايفتأ عن استهداف نخب الأمة وشبابها وناشئتها لإحداث الانفصال بينهم وبين الإسلام في كل الأبعاد والساحات.
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي لا عقل لعاقل إلا من عنده، ولا تفكير لمفكّرٍ إلا بإذنه، ولاهدى لنفس إلا من فضله، ولا كمال لأحد من خلقه إلا بفيضه، ولاخاصيّة لشيء إلا بتقديره، ولا ما يحفظ رمقاً لحيٍّ إلا برزقه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، والاهتمام بعمارة العقول والأرواح والنفوس، وزينتها، وازدهارها؛ فلا شيء أقربُ للإنسان مما أعطيه منها، ولم يكلف بعمارة شيء كما كُلِّف بعمارتها، ولن ينفعَه صلاح شيء كما ينفعه صلاحها، ولا يسوءُه فساد شيء كما يسوءه فسادها.
وليس عقلاً أن أصلح عمارة داري، ونفسي في خرابها، وأن تشع أجواء المنزل بالأنوار على يدي، ونفسي غارقة في ظلمتها، وأن يقترن ازدهار الرياض عندي بعتمة الضمير، وفساد الداخل.
والتقوى تُصلح الذات، وتعالج عيوبها، وتخلصها من الشوائب من غير أن تُعطِّل الحياة أو تقلل من حركتها النافعة. وسعادة الحياة حياة الفرد، وحياة المجتمع، وحياة الأمة، وكلِّ الحياة لاتُنال بلا تقوى.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وزيّنا جميعاً بنور المعرفة، وجمّلنا بالتقوى، واجعلنا في أنفسنا أنقى وأجمل وأنور وأروع من كل ما ملكت أيدينا، وأنأى عن السوء والفساد والقذارة والقبائح، وصلِّ وسلم على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطاهرين، وجميع أنبيائك ورسلك وملائكتك يارحمن يارحيم.
أما بعد أيُها الطيبون من المؤمنين والمؤمنات فالحديث يتركز على محور “السعي والرزق” وذلك في أكثر من بُعد مما يرتبط بهذا المحور الواحد:
أولاً: بين الشرطية وعدمها:
نبحث هل هناك شرطية في تصور الإسلام بين السعي والرزق أم يقبل الإسلام روح الاتكالية، وروح الكسل اعتمادا على الغيب في الرزق.
هذه ثلاث طوائف:
الأولى: في الشرطية:
عن علي عليه السلام:”اطلبوا الرزق فإنه مضمون” والحديث وإن تحدث عن ضمان الرزق إلا أنه لم يهمل طلبه، فقال “اطلبوا الرزق فإنه مضمون” فهذا الضمان للرزق مرتبط بشرط وهو الطلب.
وعن عليه السلام”قد تكفِّل لكم بالرزق، وأُمرتم بالعمل” هو ليس تكفلا مطلقا وإنما نراه في الحديث مربوطا بالأمر بالعمل.
وعن الصادق عليه السلام “لاتدع طلب الرزق من حلّه، فإنه عون لك على دينك، واعقل راحلتك وتوكّل” وهذه الكلية “واعقل راحلتك وتوكل” تلتفت إلى ما عنه الحديث من قضية طلب الرزق، فإن طلب الرزق بمنزلة عقل الراحلة، ثم إنه لايُعتمد كليا على السعي وإنما لابد من توفيق الله، ولابد من تيسيره. هذه طائفة.
الطائفة الأخرى: يظهر منها عدم الشرط وإن كان التأمل قد يؤدي إلى غير ذلك.
عن الرسول صلى الله عليه وآله “لاتتشاغل عما فُرض عليك بما قد ضُمن لك، فإنه ليس بفائتك ما قد قُسم لك، ولست بلاحق ما قد زُوي عنك” وكأن الظاهر الأولي للحديث لايضع السعي شرطا لحصول الرزق، فالرزق لن يفوته على كل تقدير، والسعي لايحصّل ما زوي من الرزق.
صدر الحديث يقول “لاتتشاغل عما فُرض عليك بما قد ضُمن لك” الفرائض محدودة تبقي وقتاً للعمل، وقسم من العمل فريضة.
الحديث ليس بصدد نفي العمل أساساً، وإنما مضمون الحديث يذهب إلى هذه الإلفاتة وهي أن لايستغرق العمل المكلّف بحيث يصرفه عن صلاته، عن صومه، عن حجه، عن فرائضه الأخرى.
خاصةً وأن الطائفة الأولى ظاهرة كل الظهور في شرطية الرزق بالعمل.
والفرائض المعروفة لايمكن أن تستغرق الوقت بحيث يحدث التصادم بين وقت يُصرف فيها، وبين وقت يُصرف في طلب الرزق.
والوقت الذي نصرفه في طلب الرزق لايأخذ وقت الفرائض ويضايقها إذا كان السعي سعيا معتدلا غير مستغرق ليوم المكلف.
وعن العسكري عليه السلام “لايشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض” هو نفس مضمون الحديث السابق في جزء منه.
فالحديث يتجه هذا الاتجاه وهو أنك لاتستغرق، لايستنزف جهدك ووقتك في طلب الرزق، فإن الرزق لايحتاج إلى كل هذه الكلفة، ولايحتاج إلى كل هذه المؤونة وهذا الاستغراق. الرزق مضمون فأبق من وقتك لفرائضك.
ونقرأ طائفة أخرى يظهر منها تقسيم الرزق إلى مطلق ومشروط:
مطلق: بمعنى أنه يحصل على كل حال.
مشروط: بمعنى أنه لا يحصل إلا بالطلب والسعي.
عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم “ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها”.
ربما فُهم من هذا الإطلاق أن هناك نوعا من الرزق حاصل على كل تقدير، بل الحديث ظاهر في ذلك، وأن نفسا لاتستطيع السعي يوفّر الله لها رزقها، كما يوفر الرزق لأدنى حشرة، وأضأل دودة.
النفس العاجزة عن السعي، ونفس ربما قصّرت في السعي ما كان لها من عمر تبقى على هذا العمر المحتوم بحيث يصلها رزقها وإن لم يكن الرزق الواسع.
وعنه صلى الله عليه وآله “لو أن ابن آدم فرّ من رزقه كما يفر من الموت لأدركه” وإن أمكن حمل الحديث على الشرطية بتأمل معين إلا أن ظاهره هما أن هناك نوعا من الرزق واصل واصل، وأنه لا مفر منه من عبد بعد تقديره المحتوم من الله سبحانه وتعالى حتى لو قصَّر العبد في السعي.
وعن علي عليه السلام “اعلموا أن عبداً وإن ضعفت حيلته، ووهنت مكيدته أنه لن يُنقص ما قدر الله له” إنسان عاجز فاقد للحيلة والمحاولة في طلب الرزق، لا يسعفه عقل، ولا يملك حيلة في طلب الرزق هل ينقطع رزقه؟ ما دام الله قد تكفّل له بعمر معيّن فإن رزقه واصل من الله إليه بأي وسيلة من الوسائل المتصورة أو غير المتصورة.
وعنه عليه السلام “الرزق يطلب من لا يطلبه” فهذا نوع من الرزق مقدر محتوم يصل بأي وجه من الوجوه لمن قُدّر له.
وجاء أنه قيل لأمير المؤمنين عليه السلام لو سُدّ على رجل باب بيت وتُرك فيه من أين كان يأتيه رزقه؟ فقال:من حيث يأتيه أجله” أجله بيد الله، وأيّام عمره بيد الله، وساعة موته بيد الله سبحانه وتعالى، ومن قدّر له عمرا قدّر له رزقا، وهل من يمدّه بالحياة عاجز عن مدّه بالرزق؟!
فإذا يمكن لنا أن نقول بأن الرزق رزقان: رزق محتوم لايحول بين العبد وبينه شيء، ورزق مشروط بالسعي والجهد والجهاد.
ثانياً: السعي بين السببيِّة والعليَّة:
ما قيمة السعي في ارتباطه بالرزق؟ هل السعي علة تامة لحصول الرزق؟ أو أن السعي لايمثل إلا سببا واحدا من أسباب لو اجتمعت لكانت العلة الكافية لتحصيل الرزق؟ هل كلما سعى العبد كان سعيه كافيا للحصول على الرزق الذي يريد؟
عن الصادق عليه السلام “كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيراً ما يقول اعلموا علماً يقيناً أن الله تعالى لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكبرت مكايدته أن يسبق ما سُمّي له في الذكر الحكيم، أيها الناس إنه لن يزداد امرؤٌ تغييرا بحذقه(1) ولم ينقص امرؤ فقير بخرقه(2) فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعة”.
هناك سقف أدنى من الرزق، وسقف أعلى، السقف الأدنى قد يكون محتوماً، وهو يلاحق المرء، ويطلبه حتى لو لم يطلب المرء ذلك الرزق، وهناك سقف أعلى من الرزق، مشروط بالسعي، على أن السعي لايمكن له أن يتجاوز ذلك السقف الأعلى المقدّر من الله سبحانه وتعالى.
كل الأمور مقدّرة، ما من أمر مفتوح بالكامل لإرادة العبد، الكون لايسير وفق إرادة العباد مطلقا، إرادة العبد تتحرك لكن في إطار بحيث لاتفسد الكون الذي أراد الله له أن يبقى وأن ينتظم.
فهذا الحديث يقول لنا أن السعي لايجاوز بصاحبه ما قُدِّر له وهو سبب لمستوى من الرزق، وليس علّة كاملة لأي مستوى من مستويات الرزق. الإرادة التامة المطلقة بيد الله سبحانه وتعالى، وهناك أسباب ومقادير تحكم هذا السعي وفاعليته، وعلينا في ظل هذا الواقع أن لانتهالك على الدنيا، وأن لايتبجح غني بفكره وبراعته وفطنته.
وعن علي عليه السلام “كم من متعب نفسه مقتّرٌ عليه” هذا يسعى ليلا ونهارا، ويسخّر كل طاقاته الفكرية والبدنية ويسخّر كل خبرته من أجل أن يتعملق ماديا إلا أن القدر يحول بينه وبين أن يبلغ ما يريد إذا كان ما يريد ليس له تقدير على الإطلاق؛ لا بصورة مطلقة ولا بصورة مشروطة في قدر الله سبحانه وتعالى.
“كم من متعب نفس مقتّر عليه، ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير”.
وأنتم تجدون أمثلة في الحياة من هذا وذاك، وهذا بيان في عدم العلية التامة للسعي في تحصيل الرزق، وأن للزرق سقفا محددا لايُجاوز.
وعنه عليه السلام “اعلموا…… وإن قوي عبد في شدَّة الحيلة، وقوّة المكيدة أنه لن يزداد على ما قدّر الله له” سعيه منتج، وسعيه شرط، ولو قعد لما حصل على المليون، ولكن سعيه لايمكن أن يحصّل أكثر من المليون إذا كان المليون هو السقف الأعلى في تقدير الله عز وجل لهذا المرء.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم ارزقنا رزقاً حلالاً طيبا، ولاتجعل حياتنا نكدا، ولامماتنا رهقا، ولا قيامتنا فزعا، ولا مآلنا شقاءا، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{َبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5)}
الخطبة الثانية
الحمدلله الذي لايعلم ما هو إلا هو، ولايحيط بعلمه عالم، ولايبلغ قدرته قدير، ولاشبيه له ولانظير. لاحدوث له ولا انقضاء، ولا ولادة ولا فناء.
العقول مضطرة للإيمان به، عاجزة عن إدراك كنهه، وبلوغ حقيقته. وأنّى لها ذلك وهي مقهورة بمحدوديتها وهو لاحد له، ولامنتهى يجوز عليه؟!!
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله وتذكّر {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}(3) و {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}(4) ويوماً قال عنه {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا}(5)، وقال عنه عز وجل {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}(6) و {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ}(7) و {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7) مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}(8).
وإنه يومٌ من نسيه في هذه الحياة لقيه عسيراً، ورأى هوله مروِّعا، وفزعه مرعبا، وعذابه شديداً، وكان يوم ندامته وحسرته وشقائه.
يومٌ لاتنسنا إياه الأيام، ولاتصرفنا عن الاستعداد له الآمال والأماني، ولا المشاغل والمشاكل والهموم والنزاعات والصراعات؛ فكل ما دون ربحه ضئيل، وكل ما دون خسارته حقير.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم اجعله يوم بشرى لنا وخير وبركة وسرور، وهناء لابؤس، وفرح لاحزن، وأمن لا خوف، وسعادة لاشقاء يا أكرم من سئل، وأجود من أعطى.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصل وسلم على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا الإمام القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم انصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبيناً، واجعلنا من أنصاره والمستشهدين بين يديه.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء من الجمع المؤمن فمعاً إلى هذه العناوين:
1. صادقون مع الزهراء عليها السلام.
2. ألف تحية.
3. المطالبون بالعمل.
4. أيهم المطلوب؟
5. اسهروا ولا تسهروا.
الصادقون مع الزهراء عليها السلام:
الصادقون مع الزهراء عليها السلام المكبرون لها، وحقّ لها أن تُكبر، الأوفياء لحقها الجدير بالوفاء، العاشقون لشخصيتها، وأولى بشخصيتها أن تُعشق، إذا كانوا آباءً وأمهات ومربين فلا برهان لهم على ذلك إذا اختاروا لبناتهم خطّا غير خطها، وأخلاقية غير أخلاقيتها، ومنهج حياة وسلوك غير منهجها، وأعرضوا في تربية من يربون عن إيمانها ووعيها وعفتها وحجابها وهمها وطموحها.
والبنت التي تعشق الزهراء عليها السلام لاتفارق خطَّها، ولاتقدم على منهجها منهجاً، ولا على خيارها خياراً، ولا على ثقافتها ثقافة، ولا على فكرها فكراً.
ولا تزهد في حجابها وأدبها وخلقها، ولاتتخلّف عن مواقف بطولتها وصبرها وصمودها، ولاتنسى همَّ الأمة كما لم تنسه الزهراء، ولا تتساهلُ في مصلحة الدين كما لم تتساهل الزهراء، ولاتتوانى عن العمل التصحيحي والتوعوي والتعبوي للطاقات على خط الله كما لم تتوان الزهراء.
ولا يأخذها لهو ولا عبث ولا لعب عن جدها الرسالي كما لم يأخذ الزهراء، ولاتستهويها حياة الاستغراق حتى في اللذات الحلال لتصرفها عن فرائض الدين ومندوباته كما لم تستهوِ الزهراء.
وكان المكلّف ذكراً أو أنثى فإن عشقه لشخصية فاطمة عليها السلام يجعله المتعفف النزيه المترفع عن الدنايا، البعيد عن السقوط في أحضان الدنيا، الممتنع على الشيطان، المستجيب للرحمان، الخارج من الفتن في سلامة من دينه وشرفه وتقواه.
هكذا هم عشاق شخصية فاطمة عليها السلام وإلا فهم كاذبون.
ألف تحية:
لقد دعت أمريكا على لسان كبار مسؤوليها الشعب الإيراني لمقاطعة الانتخابات الرئاسية لبلاده وإسقاط قيمة النظام الإسلامي.
وقد أجاب الشعب الإيراني في انتخاباته السابقة على الدعوة الأمريكية بمشاركة مكثّفة فاقت كل الحسابات المتوقعة للخبراء والمراقبين.
وفي هذا الموقف للشعب الإيراني وعيٌ ويقظة، وذكاء وإصرار على الإسلام، وتحررٌ من تضليل الإعلام.
فألف تحية، وتقدير وإكبار لهذا الموقف الواعي والمخلص للدين والوطن والأمة والمخيّب لآمال أمريكا وغيرها من المتربصين بأمّة الإسلام ودينها ومصلحتها.
وهذا الدرس مما تحتاجه شعوب الأمة، ولاتستغني عنه على الإطلاق، وهو يحمل من الوعي والنباهة والذكاء والالتفاف بالإسلام والمضمون الثقافي القوي الرشيد ما يمثل حصناً منيعاً يمنع من اختراقات الأجانب التي تستهدف كيان الأمة وقوامها.
وما أشد حاجتنا في كل أقطار الإسلام لأن نستلهم هذا الدرس، وأن تتسلّح كل شعوبنا بثقافة إسلامية متينة واضحة جلية قوية بعيدة عن التميّع والتطرف والتصلب المجافي لما عليه الدين بحيث يمتنع على كل محاولات الاختراق والتسلل الفكري والثقافي والسلوكي للحالة الإسلامية أن تبلغ أهدافها، أو تنال من علاقة الانتماء الصادق للإسلام وواقع الارتباط الجاد بعقيدته ومفاهميه وأحكامه ورؤاه وأخلاقياته وسلوكياته ومواقفه.
نحن محتاجون إلى أن نكون على درجة كافية من الحساسية العقلائية من كل المشاريع والدعوات والشعارات التي تدخل في تشكيل خطاب القوى الأجنبية المجاهرة بعدائها للإسلام والماكرة به والذي لايفتأ عن استهداف نخب الأمة وشبابها وناشئتها لإحداث الانفصال بينهم وبين الإسلام في كل الأبعاد والساحات.
ومن أجل هذه الحساسية الضرورية لابد من تثقيف وتبصير وإنذار وتحذير وتسليط للضوء ومحاولات السبر والكشف والاستنطاق وإلفات النظر إلى الحراسة واليقظة والانتباه.
ويجري هذا كله بعيداً كل البعد عن الفتاوى الإرهابية والتحريض على إحداث الإرباكات الأمنية وإشاعة لغة العنف في المجتمعات المحلية والمجتمع العالمي.
فمدرستنا مدرسة لاتستبيح التأسيس لهذه اللغة، ولاتأخذ بها مختارة مطلقا ما لم تشن حرب جهنمية ظالمة على بلداننا ومدننا تحتم علينا الدفاع عن العرض والنفس والأهل والولد.
ومدرستنا داعية للسلام والأمن والاستقرار والحوار. وتواجه الفكر بالفكر، والكلمة بالكلمة، والخطاب بالخطاب، والهجمة الثقافية بهجمة من نوعها، ولاتستسيغ العدوان، وليست انفعالية، ولاتظلم حتى في الرد، ولاتزيُّد عنها بما يخرجها عن الحق إلى الباطل، وعن روح السلام إلى العدوان.
وبرغم أن العداء الحضاري لأمتنا أمر لايخفيه عدد من ساسة أمريكا وغيرها فإن الشعار المختار لنا ليس الصدام الحضاري وإنما الحوار الحضاري فنحن نعرف أن هذه أصوات نشاز لاتمثل ذوق الشعوب وهمها ومصلحتها، ولايهمها أن تحرق الأرض كلها وتبقى هي قوية متنفذة مسيطرة.
إلا أن روح الحوار لاتمنع من الدفاع الثقافي وتجلية الحقيقة ومن تحذير الأمة وإنذارها واستيقاظ حساسيتها الرسالية إلى الحد المعقول.
المطالبون بالعمل:
1. المطالبة بإيجاد فرص عمل مناسبة حق لاجدال فيه. والاعتصام والمسيرات وسيلة مدنية معاشة في أي جوٍّ من أي درجة ديموقراطية.
2. الإفراط في استعمال القوة مع المعتصمين لايصح أن يمر بصورة عفوية من غير تحقيق عادل محايد وقضاء نزيه. وهو مدان بشدة ومحل استنكار بالغ.
3. وعدم التفاعل مع حاجات العمل والتوظيف من الجهات المسؤولة يفاقم المشكلة ويغذّيها والوعود الفارغة تحدث اليأس وتهدم الثقة.
4. أما الاعتصام بالقرب من الديوان الملكي فقد اختلفت على أمره الجهة الأمنية التي تقول بأنه قد سبق إعلان حظره، وبيان الجمعيات الأربع الذي يقول بأن الدستور يبيحه.
وبغض النظر عن هذا الاختلاف فإني أدعو شبابنا وأخوتنا من طلاب العمل والتوظّف وزيادة الرواتب أن يتخذوا لاعتصاماتهم ومسيراتهم لهذا الغرض أماكن أخرى غير منطقة الديوان الملكي.
أيهما المطلوب؟
1. لايحتاج القول بكثرة المظاهرات والمسيرات والاعتصامات في السنوات الأخيرة في البحرين إلى مراقبة شديدة فالظاهرة طافية على السطح.
2. وهل يمثل هذا الأمر مؤشراً لدرجة من الحريّة؟ نعم يمثل درجة من حرية التعبير ولكنه يمثل كذلك درجة أكبر من المعاناة بسبب خلل في العدالة، وروح الاستئثار من طبقة الكبار، والفساد المالي، والإداري، والبطالة، والتجنيس، والاهتزاز في الواقع الدستوري، وتوزيع الدوائر الانتخابية، والممارسة الطائفية، وتدني أجور العمال وغير ذلك.
والسؤال أيهما المطلوب، وأيهما المؤهل للنهوض بالحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها؟
الجواب بلا تردد هو الوفاء بالمطالب، وتصحيح الأوضاع، والعملية الإصلاحية الواسعة. لكن يسأل المتظاهرون والمعتصمون: ما العمل إذا بقي ما كان عى ما كان؟
وأنت لاتملك في هذه الحالة أن تقول لهم عليكم بالسكوت، ولوذوا بالصمت حتى في هذا الفرض، وإن كانت الحكومة قد تهيأت لأن تسمع كثيرا من الشكوى والصراخ والعويل والاحتجاج وأن لاتأبه لذلك.
وهي توظف المظاهر الخاوية للحرية السياسية لصالحها إعلاميّاً في كل مناسبة وفي كل مكان، وتتخذ منها مادة للتفاخر السياسي.
ويبقى ما يبني البلد، ويوفر لها أجواء التقدم والإخاء والأمن والاستقرار، والمنعة والعزّة بعيداً عن الوتيرة التي تحكم الأوضاع، وعن معادلة الواقع الضاغط، والشكوى المرة من أهل المعاناة، والصمت المطبق من أصحاب القرار، واللجوء إلى القوة إذا علا وتكثف الصراخ.
اسهروا ولاتسهروا:
يا شبابنا… يا شاباتنا اسهروا تالين للقرآن، مقيمين للصلاة، ذاكرين لله، طالبين للعلم، مشتغلين بالبحث العلمي والإنتاج المعرفي، مفكّرين، متأملين، تُنظِّرون لمصلحة الدّين والأمة في أولاها وأخراها.
اسهروا فيما يرضي الله، ويبنيكم، ويتقدم بمجتمعكم، ويعدُّكم ليوم أخراكم، ومن أجل أن تتغيروا على خط الله، وتسهموا في التغيير النافع للأمة.
ولاتسهروا لقتل الوقت، والثرثرة والبذاءة، والضحكات العالية، والكلمات الرخيصة، ولإدام أهل النار وهي الغيبة.
ولاتسهروا مع قناة فضائية فاجرة، أو موقع الكتروني ساقط، وإذاعة منكرة مفسدة.
لاتسهروا سهراً يغضب الله، ويسرق العمر، ويسلب الصّحة، وينتهي إلى السوء، ويُسقط في الفضيحة، ويقود إلى الخسارة، ويُعّقِبُ العار والنار والشقاء.
لاتسهروا سهراً تخسرون معه فريضة ربّكم – صلاة الصبح – التي ضُيّع حقّها عند الكثير الكثير، ولا سهراً يطيل الموقف غداً بين يدي الله، ويخزي في الدنيا والآخرة.
لاتسهروا مع مرئيات أو مسموعات تسقطكم أمام الشهوة، وتسلّط عليكم جنون الغرائز الحيوانية، وتقزّم إرادتكم، وتقتل فيكم روح الجدِّ، وعشق المعرفة، وطاقة الإبداع، وهمّ الأمة، وحسّ المسؤولية، وترخصكم في أنفسكم حتى تُشتروا بثمن بخس، أو تتحولوا بأيدي الآخرين إلى سلعة بلا ثمن على الإطلاق.
لاتسهروا سهراً شيطانياً ينتهي بكم إلى الجحيم، وسهر بلا عبادة ولا ذكر ولا علم ولا اشتغال بخير هو من سهر الشطيان، والشيطان منتهٍ بجنده ورفاقه والواقعين في شباكه إلى النار.
اليوم أنتم شباب تجدون القوة والحيوية والنشاط، وغداً أنتم غير ذلك يحكمكم الوهن والعجز والخمول والكسل.
فهل تعطون عمر الحيوية والنشاط للفراغ والعبث والشيطان والفساد، وتبقون لله من حياتكم عمر الوهن والعجز والآلام واليأس والقعود؟!
لو فعلتم ذلك لن تضروا الله شيئاً وهو الغني الحميد ولكنكم أنتم الخاسرون.
ولا أرى لك أيها الشاب المؤمن وأيتها الشابة المؤمنة أن تفعلا ذلك، وليس بمتوقع إذا تذكرتما أنكما من أبناء الإسلام والقرآن… من أبناء محمد وعلي والحسن والحسين، وخديجة وفاطمة وزينب عليهم السلام.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على الحبيب محمد المصطفى وآله النجباء. أستغفر الله لي ولكم ولإخواني المؤمنين والمؤمنات أجمعين.اللّهم اغفر لنا جميعاً وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وعملنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وعيوننا من الخيانة، وكل جوارحنا من المعصية، وكل جوانحنا من الإثم، واجعل حياتنا جهاداً في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، واجعل آخرتنا برحمتك لنا خير دار يا متفضل يامحسن ياحنان يامنان ياكريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الحذق الفطنة والمهارة.
2 – وهي قلة العقل.
3 – 42/ ق.
4 – 44/ ق.
5 – 2/ الزلزلة.
6 – 4/ الانشقاق.
7 – 43/ المعارج.
8 – 6،7،8/ القمر.