خطبة الجمعة (203) 3 جمادى الأولى 1426هـ – 10 يونيو 2005م

مواضيع الخطبة:



الرزق ومتطلبات المعاش + الشعوب أأمن + الطائفية وتعدد الطوائف + جدار العزل + التعليم الديني الصيفي


ولا يمكن بأي من الأحوال أن يوضع مصير المسألة الدينية، وثقافة الأمة، وحركتها الحضارية تحت رحمة هذه المساومات وما تراه الحكومات من ظروف اضطرار سياسي لاتعْني شيئاً في نظر الشعوب المسلمة بالقياس إلى حرمة الدين وكرامته ومنزلته الغالية التي يُضحَّى من أجلها بكل شيء، ولايُضحّى بها من أجل شيء.

 

 

الخطبة الأولى

الحمدلله الذي ذكره شرفٌ للذاكرين، وحمده فوز للحامدين، وشكره مزيد للشاكرين، وطاعته غنى للمطيعين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيراً.
علينا عباد الله بتقوى الله وطلب الذكر عنده بالجدّ في طاعته، والإخلاص في عبادته، ورُبَّ مذكورٍ في النَّاس محقورٌ عند الله سبحانه، وربّ مذكور عند الله مغمور في النّاس لاتأبه به العيون. وذكرُ النّاس لمحقور عند الله لاينفعه، ونسيان الناس لمذكور عند الله لايضره. وقد يطلب المرء الذكر عند غير الله فلا ينيله الله ما يريد، وقد لايكون ناظراً لغير ذكره سبحانه فيكون المذكور عنده وعند العالمين، ومالِكُ الأمر كلِّه إنما هو الله العليّ القدير.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم أرنا من جمالك وجلالك ما يصرف قلوبنا إليك عمن سواك، ويشغلها بذكرك عن ذكر غيرك، ويجعلها لاترضى بذكر من دونك عن ذكرك، ولاترى فوزاً لها إلا بقبولها عندك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
أما بعد فإن قضية الرزق ومتطلبات المعاش لتحتل مساحة كبرى من اهتمام النفس البشرية وانشغالها، وتستنزف في حياة الكثيرين عصارة العمر، وكد العقل والبدن، وقد تسبب كثيراً من مشكلات النفس وأزماتها.
ولابد من تصور قويم معتدل حول هذه القضية تستقيم في ضوئه المشاعر وينضبط مسارها بما يخدم حركة الحياة، ويبعث فيها الحيوية والنشاط، وينقذ النفس من أن تستبد بها مشاعر الخوف والهلع على الرزق المرغوب، أو تستسلم إلى التراخي والكسل، وتكف عن الطلب انتظاراً لتنزّل البركات بالرزق المفقود عن طريق الغيب غير المشهود والمحسوب.
والرزق قد يضيق معناه وذلك في النظر العرفي، وقد يتّسع وهو الحق، فإن النظر العادي يتجمّد في نظرته إلى الرزق على ما هو قريب ومادي، بينما المعنى الصحيح للرزق واسع يشمل ما هو مادي وما هو معنوي. فتقول إن فلانا قد رزقه الله حلما وعلما، وقد رزقه خلقا كريما، وتقول قد رزق الله فلانا ذكرا جميلا في الناس، كما تقول قد رُزق فلان مالا وولدا.
وهذه وقفة مع التصور في هذه المسألة في ضوء طوائف من النصوص يذهب معها الحديث إلى أكثر من بعد تثيره، وأكثر من التفاتة تشير إليها:
أولاً: التوحيد في الرازقية:
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}(1) ولا رزاق غيره، فلا انتظار للرزق في خلقه، وفي تقديره، وفي إيصاله من غير جهة الله سبحانه وتعالى.
في الوحي القديم “يابن آدم خلقتك من تراب ثم من نطقة فلم أعي بخلقك، أيعييني رغيف أسوقه إليك” خلقتك من تراب، وأنت حينذاك أحوج ما تكون للنموّ، وللحياة، وللتقدير والتدبير والإيصال إلى الغاية، كنت لاتملك عقلا ولا شعورا، لاتملك إرادة ولا طموحا، فأعطيت بمنيِّ الحياة، والعقل، ووُهبت بفضلي المواهب الكثيرة في نفسك، وزُوِّدت من عطائي بالإرادة وبالسمع والبصر وسائر الجوارح، ويوم أن كنت نطفة كنت واهنا، ووصلت إلى ما وصلت إليه بتقدير الله وتدبيره، وبقي أن يسوق الله إليك رزقا يتمثل في خرقة، في رغيف، في مأوى بسيط، أوَ يعجز الله عن ذلك؟!
كان في ما وعظ لقمان ابنه: “يابني ليعتبر من قصر يقينه، وضعفت نيته في طلب الرزق أن الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره، وآتاه رزقه -مرّت بالإنسان ثلاثة أحوال وقد وفّر الله له تبارك وتعالى الرزق الذي به ينحفظ وبه ينمو- ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة، أن الله تبارك وتعالى سيرزقه في الحال الرابعة…” ثلاثة أحوال قد غطّى الله عز وجل حاجات الإنسان فيها بالكامل، والإنسان يعيش حالة الضعف والوهن وفقد الحيلة والقدرة على التدبير، وبقيت حال رابعة.
ما هي الأحوال الثلاثة؟
“في رحم أمه، ومن لبن أمّه، من كسب أبويه” ولم يكن للنطفة، ولم يكن للرضيع، ولم يكن للصبي حيلة وقدرة على توفير رزقه في هذه الثلاثة من الأحوال. “حتّى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره، وظنّ الظنون بربّه وجحد الحقوق في ماله، وقتّر على نفسه وعياله” كلّ ذلك لماذا؟ “مخافة إقتار رزقه، وسوء يقين بالخلف من الله تبارك وتعالى”.
خطاب عن الصادق عليه السلام:”الذي ترجوه لتضعيف حسناتك(2) ومحو سيئاتك فارجه لإصلاح حال بناتك” يوم أن لم تكن البنت تجد وظيفة ولا تشتغل بمهنة، كان يخاف على رزقها الخائفون، ويهلع لمستقبلها الآباء، الحديث يقول أنت ترجو لحسناتك أن تضاعف، ولسيئاتك أن تمحى ولاترجو في ذلك غير الله، أوعجز الله تبارك وتعالى بعد هذا – كما هو سوء ظنّك- أن يصلح شأن بناتك وأن يوصل إليهن رزقهن!!
هذه الأحاديث تركّز على التوحيد في الرازقية، والتوحيد في الرازقية من توحيد الأفعال. ولافعل في هذا الكون، لاحركة، لاتغيير، لانموّ، لازيادة يمكن أن تحدث بغير إذن الله ومن غير فيضه، فليس من فاعل بالأصل في الكون غير الله تبارك وتعالى.
هذه العقيدة لايتم الإيمان إلا بها، لايتم إيمان المسلم حتى يؤمن بأن لا فاعل في الكون بالأصل إلا الله تبارك وتعالى، وأن كل من كان له فعل في هذا الكون إنما هو بتنزيل من الله، وبفيض من جهته تبارك وتعالى، وأن الله عز وجل مصدر الخير والعطاء كلّه، فإذاً لاخوف من قلة. نحن نخاف على الرزق والرازق هو الله، لِمَ الخوف؟ أتخاف من قلة مما في يد الله؟ أتخاف من بخل في الله؟ أتخاف من إهمال وغفلة ونسيان عند الرازق؟ لاشيء من ذلك فلا سبب لخوفك وهلعك على رزقك.
وإذا كان الرزق خلقا وتقديراً وايصالاً من الله تبارك وتعالى، ونحن نجد غنيّا وفقيرا، وففي ظل ما نعتقد من توحيد الأفعال، وتوحيد الرازقية لايمكن لنا أن نُسند الغنى للغني، وإذا كان غنى الغني غير مستند إليه في الأساس، وأن الحاكمية في ذلك كما في كل شئ لإرادة الله سبحانه وتعالى فلاتبجّح من غني على فقير.
يتراءى للكثير وهو يصل إلى قدر من الثروة أن هذه الثروة إنما اجتمعت له بحوله وطوله وحيلته وسعيه وتفكيره، وينتج العالم كتابا، ويخترع المخترع اختراعا، ويكتشف المكتشف اكتشافا، ويضع المفكر نظرية فيتيه ويتعالى ويتفاخر بأن حدثا كبيرا كان على يديه، ولو فكّر كل أولئك لأرجعوا النعمة إلى الله تبارك وتعالى، وذلك الانجاز الصالح إليه وحده.
فلا تبجّح ولا فخر بغنى، ولاعيب ولا إعابة بفقر إلا أن يُقصّر المرء في السعي إلى رزقه، وأن لا يبذل على طريقه مما منحه الله إياه من فكر وطاقة وقدرة على السعي.
تعهّد صادق:
هو تعهد من الله تبارك وتعالى {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ…}(3) {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا…}(4) لكل ذي رمق قوت. “انظروا إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها لاتكاد تنال بلحاظ البصر، مكفولة برزقها، مرزوقة بوفقها، لايغفلها المنّان ولاحرمها الديّان، ولو في الصفى اليابس، والحجر الجامس”. وفي كلمة أخرى لعلي عليه السلام:”فهذا غُراب، وهذا عُقاب، وهذا حمامٌ، وهذا نعام دعا – أي الله سبحانه – كل طائر باسمه، وكفّل له برزقه، عياله الخلائق، ضمن أرزاقهم، وقدّر أقواتهم”.
مع هذه النصوص نتيقن بأن هناك تعهداً صادقا من الله، ووعدا غير مخلوف بتوفير رزق كل حي كان يملك شيئا من الحيلة بموهبة من الله في سعيه لرزقه أو لم يكن يملك أي حيلة كنملة عمياء في الليلة الظلماء على الصخرة الصمّاء فإن كل أولئك لهم رزق مقدور، ولا رزق إلا بأن يصل صاحبه، أما الرزق غير الواصل فلا يكاد تعنيه طائفة من النصوص، وإن كان هناك نوع من الرزق المكتوب لإنسان يغصبه إنسان آخر.
هذا التعهّد الصادق لابد أن يطمئن، لابد أن يهدئ النفس، لابد أن يعيش معه الإنسان شعورا معتدلاً بحيث لايستنزف الهلع على الرزق، والإمعان والإيغال في طلبه حياة المرء، وكل تفكيره بحيث يعيش هذه الحياة من أجل جزئه الأسفل، مهملا روحه، مهملا عقله، مهملا مستقبله الكبير وهو المستقبل الأخروي.
الهلع على الرزق قد يجرنا إلى حياة الديدان، وقد يجرنا إلى حياة الحشرات بحيث لاينشد لنا تفكير، ولايتجه لنا شعور إلا للقمة والكسوة والمأوى، وحين تستوعب هذه الحاجات كل تفكيرنا، وكل همّنا، وكل أيامنا وليالينا لاتفترق حياتنا عن حياة دودة أو صرصور ونجدهما في القذارات.
على أن تعهد الله برزق العباد لاينافي شرط السعي لمن كان قادراً. هناك تعهد بإيصال الرزق، ولكن بشرط أن تسعى إذا كنت قادرا على السعي، فلاتنتظر، وأنت في برودة المكيّف أن تتنزل عليك بركات السماء والأرض بسبب غيبي، وأن تمتلئ جيوبك من عطاء الله الوفير، وإن لم يكن شك في أنه الرحَّيم القدير العليم الخبير.
وهل يُعفى الإنسان بمحتواه العقلي والإرادي الكبير وطاقاته الضخمة مما أُخذ على النملة في طبيعتها من تكوينها الواهن وحجمها الضئيل؟! النملة تُصبح لتعمل. النملة قُدّر رزقها على أن تسعى، والإنسان بفارقه الكبير عن النملة يُقدّر له رزقه وهو عاطل؟!!
إنه لتراد لنا الحركة، ويراد لنا العمل، ويراد لنا النشاط من أجل نمو اقتصادي نرتفع عن طريقه بمستوانا الحياتي، وبمعنانا، ومن أجل أن نتوفر على العزة والكرامة والشموخ، ومن أجل دفاعنا عن ديننا وعن أصالتنا. أيها الإخوة الكرام.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا ومن أحسن إلينا إحسانا خاصا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة.
اللهم أوسع علينا من رزقك، وما كتبته لنا من رزق فسهّل لنا طريقه، وجنبنا العسر والضيق والحرج، واجعل رزقنا حلالا، ومأخذه قريبا، وإنفاقه مرضيا، وحقوقك فيه مرعيّة، وعاقبته لنا خيرا، وشكرنا لك عليه دائما واصلا، يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) }

الخطبة الثانية

الحمدلله الذي لاتنقضي عجائب قدرته، ولاتُعدُّ براهين عظمته، وآيات رحمته، وبيّنات كرمه، ولايُحدّ سلطانه، ولايُنقض أمانه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماًً.
عباد الله ألا فلنتق الله خالقَ العباد، ومالكَ الرقاب، ومسببَ الأسباب، ومدبِّر الأفلاك، ومقدِّر الأرزاق. ولنترك كلَّ ما يُضلّ ويفسد، ولنأخذ بما هو هدى وصلاح. وليس شيء مما نهى الله عنه إلا وفيه ضلال الناس وفسادهم، وما أمر الله بشيء إلا وكان فيه هدى وصلاح. ولا أعلمَ بالعبد من ربّه، ولا أشفق عليه منه، ولا أمر أصلح له من أمره، ولا نصح أصدق له من نصحه.
نعوذ بالله من الانسياق وراء الهوى، والأخذ بطرائق الضلال، والزيغ عن هدى الله، والانحراف عن سبيله، والاستهانة بأمره ونهيه. ونستغفر الله لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات ونسأله العفو والرحمة، والهدى والاستقامة، والفوز والنجاح، والسعادة في الدنيا والآخرة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد الصادق الأمين، خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر القائم المهدي.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم انصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبيناً.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد فهذه بعض نقاط:
أولاً: الشعوب أأمن:-
العقوبة في القانون التركي على بدء أو إدارة دورات التعليم للقرآن بدون إذن رسمي تتراوح بين السجن لثلاث سنوات إلى ست سنوات.
وقد وافق البرلمان التركي بالأغلبية المطلقة من أعضائه على تخفيض هذه العقوبة إلى ما يتراوح بين السجن لثلاثة أشهر إلى اثني عشر شهراً وذلك باقتراح من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
أما الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر، ولمنصبه الرسمي الخاص، فقد رفض هذا التخفيف وأعاد التعديل المتضمن له إلى البرلمان ليعيد النظر فيه علماً بأن المذكور من حزب العدالة والتنمية نفسه.
ووراء هذا الموقف ضغط علماني وتطلّعٌ دائم إلى الانضمام إلى أوربا القوية اقتصادياً والتي تتمتع بموقع سياسي مرموق، وتمثل قوة عسكرية لايُستهان بها.
وهذا الموقف وما يماثله وما يشابهه ومطارة إسلاميين وتسليمهم إلى أمريكا أمورٌ يأخذ بها كثير من حكومات البلاد الإسلامية كما هو معروف.
فتبقى الشعوب دائماً أأمن على دين الله وبقائه ونقائه من حكومات معرضة للاستجابة لضغوط الغرب والشرق، والدخول في مساومات على قضايا تتعلق بدين الأمة وأخلاقها وحضارتها، وأمنها وعزتها وكرامتها ووجودها.
ولا يمكن بأي من الأحوال أن يوضع مصير المسألة الدينية، وثقافة الأمة، وحركتها الحضارية تحت رحمة هذه المساومات وما تراه الحكومات من ظروف اضطرار سياسي لاتعْني شيئاً في نظر الشعوب المسلمة بالقياس إلى حرمة الدين وكرامته ومنزلته الغالية التي يُضحَّى من أجلها بكل شيء، ولايُضحّى بها من أجل شيء.
وإذا كانت الحكومات ترفض الأخذ برأي الدين في السياسة، وترى الدعوة إلى ذلك من منكر القول فإن على الشعوب وبدرجة أكثر صرامة أن تقف قوية أمام إرادة تذويب الدين في السياسة وامتطائه لأغراضها المنافية له، والتضحية به من أجلها.
وحذارِ حذارِ من أن تُسلّم أمانة الدين لأي مؤسسة حكومية في أي بلد من البلدان الإسلامية المحكومة بالاتجاه الوضعي.
ثانياً: الطائفية وتعدد الطوائف:-
1. تعدد الطوائف الإسلامية أمر واقع لايُنكر، والإلغاء لهذا الواقع بالقوة فيه محق أكيد للأمة، وإحداث زلزال شامل لايدع يابسا ولا أخضر.
ومثل هذا لايقصد إليه عاقل متديّن مشفق على أمته.
2. وتعدد الطوائف له حالتان:
‌أ. حالة الاعتراف العملي المتبادل والقبول الفعلي بالآخر على مستوى الحقوق والواجبات… والنتيجة على هذا الفرض هي التقارب والتعاون والتفاهم والأخوَّة.
‌ب. حالة التهميش والإقصاء والازدراء للآخر… والنتيجة التباغض والتنابذ والتناحر والاقتتال.
فطائفية الموقف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وهي الطائفية التي يمكن التخلص منها إنما تنتجها حالة التهميش والإقصاء لاحالة الاعتراف بالوجود والحقوق.
3. الإسلام في واقعه واحد لامتعدّد، ولكنه على مستوى الفهم مذهبي، والمذاهب متعددة. وفرضنا فهماً مذهبيّاً واحداً على الكل إكراه للآخرين على هذا الفهم.
ولك أن تتحدّى من جهة عملية قول القائل بإيجاد منهج إسلامي تعليمي وتربوي واحد لأبناء المذاهب المختلفة بعيداً عن كل الخصوصيات المذهبية، مجرّداً عمّا به تمايزها. فإنه هذا أمر لايكاد يكون ممكنا، وإذا كان ممكنا فليس كلُّ ممكن بواقع.
على أن حصول هذا الأمر على مستوى الواقع لايفي بالحاجات المذهبية في التعليم والتربية لأبناء المذاهب، وسينتشر الجهل بكل المذاهب انتشاراً كبيراً كما هو الحال في كثير من ناشئة وشباب مدرسة أهل البيت عليهم السلام في هذا الوطن، وهم لايتلقون التربية الإسلامية طبقا على مذهبهم في مدارس بلادهم.
والنشاط المسجدي لايستوعب إلا نسبة ضئيلة من الناشئة والشباب، وأوقات الطلاب والطالبات تلتهمها المدارس، والبيوت في ظل الوضع الحاضر غير مستعدة للقيام بواجبها في مجال التعليم الديني.
أما التلميذ الذي يتلقى في المسجد فهماً دينياً ينقضه الفهم الذي تقدّمه المدرسة وتحاربه وتسفهه كما هو الواقع الحالي في مساحة تعليمية معينة وهو لم يؤهّل بعد لمحاكمة الرؤى والأفكار فهو تلميذ مظلوم من سياسة بلده.
4. أُذكِّر لمجرد التنبيه أن هناك ثابتاً عن أهل البيت عليهم السلام على مستوى القطع بالسند والمضمون، وأن هناك فهماً لفقهاء هذه المدرسة الكريمة.
الأول في نظر أتباع أهل البيت عليهم السلام ليس من باب الاجتهاد المعرّض للصواب والخطأ على الإطلاق. وإنما هو الفهم والحكم الواقعيان اللذان تنزّل بهما الوحي على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم.
أما الثاني فهو من باب الاجتهاد بحسب ضوابط هذه المدرسة المباركة وهو قابل لأن يصيب وأن يخطئ وإن كانت الحجة به قائمة على المجتهد ومقلديه.
ثالثاً: جدار العَزْل:
لقد وقفت القيادة السياسية العليا من القضية موقفاً قانونياً مرضياً، وتبقى القضية منتظرة الموقف الحازم العادل على المستويات المسؤولة الأخرى.
وتأتي بالمناسبة بعض الأسئلة:
1) هل هناك حدٌّ لتمدّد الملكية الخاصة للنفر القليل الأكثر نفوذاً وغنى وقوة؟ وهل سيبقى من أرض البحرين شيء من المساحة للخدمات العامَّة ولسلامة البيئة؟ وهل سيبقى شبر يسكنه فقير؟
2) الميثاق والدستور والقوانين هل هي حقوق محضة يتمتع بها الأقوياء، وواجباتٌ خالصة تُثقل كاهل المستضعفين؟
3) السلطة التنفيذية لتطبيق القانون على الجميع ولحماية الضعيف من بطش القوي، وأخذ الحق للمظلوم من الظالم، والانتصاف من المعتدي على المعتدى عليه أم هي للأقوياء على الضعفاء، وللأغنياء على الفقراء، وللمتنفذين على المهمَّشين؟
أسئلة يجيب عليها جزئياً وبصورة عملية ناطقة الموقف النهائي للسلطة القضائية والتنفيذية من قضية الجدار العازل التي تُمثِّل واحداً من امتحانات كثيرة للقيمة العملية عند السلطة للميثاق، للدستور، للقانون، للإصلاح، ولكل الشعارات المغرية التي يتحدث عنها الإعلام، ويمسي ويصبح المواطن العادي على سماعها.
نرجو أن يكون الجواب هذه المرَّة إيجابيّاً في صالح صدقيّة هذه الأمور والشعارات المرفوعة. ولن يكون الأمر كذلك حتى يُلتزم الحق كاملاً غير منقوصٍ أو مساوَمٍ عليه، ويطبّق القانون بصورة واضحة تامَّة.
رابعاً: التعليم الديني الصيفي:
1. التعليم الديني الصيفي واجب كفائي لامستحب وأولياء الأمور مسؤوليتهم في هذا الأمر ثقيلة.
2. لابد أن تكون الهيئات الإدارية والتعليمية التابعة للمشروع في كل المناطق من خيرة أبنائها الذين يتمتعون بالفهم والدين والأمانة والخلق الكريم.
3. لابد لأولياء الأمور من الدفع القوي بالأبناء والبنات لهذه المشاريع في مختلف المناطق: البنين لمشاريع البنين، والبنات لمشاريع البنات.
4. علينا جميعاً دعم هذه المشاريع ماديّاً ومعنويّاً بكل ما يُساعد على الارتقاء بمستواها، وأدائها المتقَن لوظيفتها. ويدخل في ذلك تكريم إدارات ومعلّمي ومعلمات هذه المشاريع. والاعتراف بحقهم وجميلهم على المجتمع كلّه.
5. ينبغي أن تراقب كل المناطق التجربة القائمة لهذا المشروع فيها من كل الحيثيات ليُضمن بقاؤها على الخط الصحيح، وعدمُ تخلل التجاوزات المضرة لها، واستغلالها استغلالاً سيئاً من البعض -لاسمح الله- على المستوى الفكري أو النفسي أو السلوكي الذي يستهدف سلامة الطالب في أي بُعدٍ من هذه الأبعاد.
6. ينبغي لنا أن نتذكر أنه لابديل عن هذه المشاريع لإيصال الفهم الديني بالمقدار الضروري لجيل الناشئة والشباب في مراحله الأولية من البنين والبنات.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم افتح علينا أبواب رحمتك، وأنزل علينا من بركاتك، وحُل بيننا وبين ما يؤذينا، وأنقذنا مما نحن فيه من سوء، وارفع درجتنا عندك، وأكرم مثوانا بقربك ياعلي ياعظيم يارؤوف يارحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 58/ الذاريات.
2 – مباركتها وزيادتها.
3 – 60/ العنكبوت.
4 – 6/ هود.

 

زر الذهاب إلى الأعلى