خطبة الجمعة (196) 13 ربيع الأول 1426هـ – 22 ابريل 2005م
مواضيع الخطبة:
إدخال السرور على المؤمن + الحوار مع الإسلاميين + الطائفية ذلك الشبح المخيف
فلنتق الله في دماء المسلمين وحرمة أهل القبلة، فأي شهادةٍ سيؤديها نهر دجلة بين يدي العدل الحكيم وهو يفيض بدماء الأبرياء من أهل القبلة، وتتقاذف أمواجه جثث المؤمنين شيباً وشباناً ونساءاً وأطفالاً، وهي ممثلٌ بها. ألا من عاقل، ألا من غيور، ألا من منكر؟! إما إنكارٌ وإلا بلاءٌ وعذابٌ من الله يعمّ هذه الأمة.
الخطبة الأولى
الحمد لله حمداً لا يحدّه حدّ، ولا ينتهي إليه لسان، ولا يحيط به جنان، ولا غاية له إلا رضاه، حمداً يليق بجلاله وجماله، ولا يكون لأحد سواه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له العزّ والكبراء، والمجد والآلاء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قرّبه بطاعته، فأعلى شأنه بصادق عبوديته صلّى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطّاءة بتقوى الله ففيها طهر النفس وسموها، وسلامة الغاية ونبلها، وصحة الارادة وقوّتها، ونيل الجنة ونعيمها، وفيها رضوان من الله أكبر.
ولنتخلق بكل ما دعا الله إليه عباده من خلق كريم، ونتحلل من كل ما حذر منه من خلق لئيم، ولنكن للاحسان أهلاً، وللخير محلا، وليكن المؤمنون أولّ من يصل إليه احسانكم ويعمّه خيركم.
إدخال السرور على المؤمن:
1. ما السرور:
السرور: شعور مريح للنفس منفتح بها على الحياة، مثيرٌ فيها الحيوية والنشاط والرغبة في العمل والقدرة على مواجهة الصعاب، الغمّ على خلاف ذلك فمن قوة المؤمن أن يكون مسرورا.
“من قلّ سروره كان في الموت راحته” وتضيق بالشخص الحياة حين تهم النفس وينقبض الشعور ويستاء الداخل، تضيق حياته وتثقل حتى ليجد في الموت راحته.اذن يطلب منا ان نعمل ما استطعنا على توفير فرص ومناخات وأجواء السرور للنفس والاهل وللصفّ المؤمن.
2. سرور المؤمن وسرور غيره:
إنه ليختلف سرور المؤمن عن سرور الفاسق والفاجر، وسرور العاقل عن سرور السفيه. تختلف الرؤية ويختلف التقدير ويختلف الوزن النفسي والذوق الداخلي، يختلف الاثنان عما يثير فيهما السرور وعما يسبب لهما الغم، فيختلف عندهما الغم والسرور.
فخسارة مال عند انسان عادٍ تحول حياته الى جحيم، بينما لا تؤثر عليه سلبا كارثة كبرى في دينه. بينما تجد العكس تماماعند انسان مؤمن فانه لأكثر ما يسرّ المؤمن ان يسلم له دينه وشرفه، وان يسلم على دينه وشرفه. وإن مسته مصائب الدنيا بسوء فان ذلك يثقل عليه ولكن لا يثقل عليه شيء كما تثقل عليه كارثة الدين.
على أنه ينبغي ان يبحث عن الأجواء التي تجعل الحياة حياة سرور في بعدها الديني وفي بعدها الدنيوي معا. فإن الانسان يبقى انسانا من لحم ودم وتبقى الضغوطات الدنيوية مكدرة له مؤثرة عليه.
وانظروا الى ما فيه سرور المؤمن مما لا يعبأ به الفاسق، تقول الكلمة عن الامام الصادق(ع)((السرور في ثلاث خصال الوفاء ورعاية الحقوق والنهوض في النوائب)) ماذا يمثل الأمران الأولان في نفس الفاسق؟ هل تثيران في نفسه الانبساط والانشراح؟ لا شيء من ذلك. ولكن نفسا للمؤمن برؤية خاصة وبذوق خاص وبصلة بالله تبارك وتعالى تجعلها تشعر بالغبطة والسرور من خلال هذه المواقف الخلقية والمقاومة على طريق الله تبارك وتعالى.
نقرأ في هذا المجال من كتاب أمير المؤمنين الى عبدالله بن عباس: (( وكان ابن عباس يقول: ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله(ص) كانتفاعي بهذا الكلام .. أما بعد فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته..)) قد يسر المرء أن وسع عليه في رزق، أن وصلت يده الى دينار أو درهم، ولكن هذا أمر مضمون ما كان ليفوته، كل هذا مقدر عند الله تبارك وتعالى. لكل امرئ انفاس معدودة وله من هذه الدنيا قدر معلوم مما يأكل ومما يشرب ومما يلبس، فما كان ليفوته الشيء الذي سرّ به(( فان المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوءه فوت ما لم يكن يدركه)) المنصب الفلاني ليس من حظك في هذه الحياة، الشهادة الفلانية التي وقفت أمام المرء عراقيل دون الوصول اليها من مرض أو سجن أو ما الى ذلك ما كانت من مكتوبه في الحياة، لماذا تتمزق نفسه من اجل فوت مثل هذه الامور؟ لماذا يفقد كل حلاوة الحياة من اجل امور لو ركض وراءها ما ركض ما استطاع ان يصل اليها؟! انت تريد ان تكون الرقم المليوني المعين، وما كانت المقادير معك في هذا فحين لا تصل ان تكون ذلك الرقم لا تخسر حياتك.
(( فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها)) يريد ان يحدث امير المؤمنين(ع) بكلمته هذه نقلة في مسارنا النفسي، فيما نواجه به الخسائر والارباح، فعلينا ان نواجه خسائر الدنيا بلون من الاستخفاف، وان نواجه خسائر الآخرة بلون من الشعور بالخسارة الكبرى، ذلك لأن الدنيا مهما عظمت في بلاءها أو في خيرها لن تبلغ شيئا مما عليه أمر الآخرة.
“أكثر سرورك على ما قدمت من الخير…” وكيف لا وانت ستجد أضعاف هذا الخير يوم حاجتك الى القليل. “أكثر سرورك على ما قدمت من الخير وحزنك على ما فات منه”. سرور المؤمن بطاعة ربه وحزنه على ذنبه، أما سرور الفاسق الفاجر ان تحققت له معصيته، وأن اركبته معصيته نارا لو انكشف له امرها لما لذت له لحظة من لحظات الحياة.
جزاء مفر:-
هذه الحكمة عن النهج ((فوالذي وسع سمعه الاصوات ما من أحد أودع قلبا سرورا الا وخلق الله له من ذلك السرور لطفا- اللطف العناية الخاصة، مركب نجاح، وسيلة انقاذ- فإذا نزلت به نائبة جرى اليها كالماء في انحداره حتى يردها عنه كما تطرد غريبة الإبل))
السرور الذي تدخله على المؤمن تقي به نفسك مصائب لا تعرفها، أنت لن تحس بالنائبة، ولن تصلك حتى تشعر بها لان ذلك اللطف يطرد النوائب عنك من حيث لا تشعر.
(( من أغاث أخاه المؤمن اللهفان عند جهده فنفس كربته وأعانه على نجاح حاجته كانت له بذلك عند الله اثنتان وسبعون رحمة من الله)). ونحن نطلب .. من الله الرحمة، ونكرر هذا الطلب يوميا. اللهم ارحمنا. فهذا سبيل رحمة؛ ان تسر اخاك المؤمن، ان تفرج كربته، أن تغيثه عند استغاثته، ولو كانت استغاثته بلسان الحال((كانت له بذلك عند الله اثنتان وسبعون رحمة من الله، يعجل الله له واحدة يصلح بها معيشته)) كل واقعك الدنيوي يحسن ويعالج برحمة واحدة من اثنتين وسبعين رحمة كتبها الله لك ان اغثت اخاك المؤمن وفرجت كربته، أين الاحدى والسبعين الأخرى؟ يوم الفزع الأكبر(( ويدخر له احدى وسبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة وأهوالها)).
3. الأبوة الصادقة:
عن رسول الله(ص) (( من ادخل على مؤمن فرحا فقد أدخل عليّ فرحا)) انظر الى اب الامة، الى الحاكم الحقيقي، الى من يستحق الحكم، والى من يستحق الثقة من كل الامة، وهو الذي يعيش مآسيها وآلامها وافراحها واهدافها الحقيقية. (( من ادخل على مؤمن فرحا فقد أدخل عليّ فرحا)) في حياته وبعد موته(( ومن أدخل عليّ فرحا فقد اتخذ عند الله عهدا، ومن اتخذ عند الله عهدا جاء من الآمنين يوم القيامة)).
وفي هذا الباب عن الامام الصادق(ع)(( لا يرى أحدكم اذا أدخل على مؤمن سرورا أنه عليه أدخله فقط..)) لا يتراءى لك وقد أدخلت السرور على أخيك المؤمن أنك أدخلته عليه فقط. يقسم الامام الصادق(ع)(( .. بل والله علينا..)) تكون قد أدخلت السرور على أهل البيت(ع) والنبي(ص).
وعن الصادق(ع) أيضا(( والله لرسول الله(ص) أسر بقضاء حاجة المؤمن اذا وصلت اليه من صاحب الحاجة..))، امرؤ مؤمن يده خالية من عملة بسيطة يشتري بها رغيفا يسدّ جوعة طفله، اذا وصله الدينار الى أي حدّ يفرح؟ فرح رسول الله(ص) بذلك أكبر من ذلك المؤمن الذي كشفت كربته([1]).
4. مقام كريم ينتظر من سرّ مؤمنا:
(( من سرّ مؤمنا فقد سرني، ومن سرني فقد سرّ الله)) انظر ماذا سيعطيك الله بعد ان عبّر الحديث بأن فعلك يسرّ الله، والله لا يعتريه سرور ولا حزن، وإنما يريد التعبير ان يقول ان الله يجازي عبده الذي فعل الخير كما لو قد سرّه فعل ذلك العبد.
(( من سرّ مؤمنا فقد سرني، ومن سرني فقد سرّ الله))، فهل يخذل الله عز وجل عبدا فعل هذا الصنيع؟ وهل يلقى عبد ربه يوم القيامة بعد هذا إلا مسرورا؟
5. الجزاء الأوفى:
(( من فرج عن مؤمن فرج الله قلبه يوم القيامة)) يوم القيامة هو يوم الكربات، يوم الأحزان، يوم الخوف والقلق والاضطراب، يوم الفزع الأكبر. عن ذلك اليوم يقول الحديث (( من فرج عن مؤمن فرج الله قلبه يوم القيامة)). ضائقة من ضائقات الدنيا تسقط قيمة الدنيا في نفس ذلك المكروب، فكيف بضوائق وكربات لا تعدّ ولا تحصى ولا يعرف لها حد تجتمع على قلب هذا العبد يوم القيامة؟! ((من نفّس عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه سبعين كربة من كرب الآخرة)). (( من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة)). (( من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كرب الآخرة وخرج من قبله وهو ثلج الفؤاد)).
هذا الاختلاف ماذا يعني؟ قد يكون هذا الاختلاف لاختلاف مستوى النية، ولاختلاف مستوى الصبر على الطاعة، وما بذله هذا الباذل. وقد يبذل الباذل الكثير مع نية خالصة فيعظم أجره بصورة أكبر، وقد يبذل العظيم بنية مشوبة فينقص الثواب، وقد يبذل القليل مع نية خالصة مع قدرته على العظيم فلا يأتي ثوابه كباذل العظيم مع النية الخالصة.
اللهم صلّ وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تجعل حياتنا هماً ولا غماً ولا حزنا، واجعلها سرورا في حق، ولا تجعل لنا في باطل سرورا، ولا في معصية من معاصيك فرحا، ولا في ما يسخطك أنسا، واجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، يا كريم يارحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
{ذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابا}
الخطبة الثانية
الحمدلله الأول الآخر، الباطن الظاهر، المحيي المميت، المقدِّم المؤخر الملك الحقّ المبين.
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وزادهم تحيةً وبركةً وسلاما.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله فهي زينة أوليائه، ومعراجُ أصفيائه، وجُنّةٌ من الشيطان الرّجيم. وإنه لا ستر بلا تقوى فقد جاء عن علي السلام “من تعرَّى من لباس التقوى لم يستتر بشيء من اللباس” (1) وعنه عليه السلام: “من تعرَّى من لباس التقوى لم يستتر بشيءٍ من أسباب الدنيا” (2). المال لا يستره، الصحة لا تستره، الجاه والمواقع لا تستره، لا شيء من خير الدنيا يستره بلا تقواه.
اللهم اغفر لنا واسترنا بسترك الجميل، واجعل لباسنا التقوى، ودأبنا الطاعة، واحرسنا من كل سوء، واحمنا من كل قبيح.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله الصادق الأمين. وعلى عليٍ أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين، الحسن بن عليٍ الزكي، والحسين بن عليٍ الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن عليٍ الباقر، وجعفر بن محمدٍ الصادق، وموسى بن جعفرٍ الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن عليٍ الجواد، وعلي بن محمدٍ الهادي، والحسن بن عليٍ العسكري، ومحمدٍ بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين. اللهم انصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبينا. عبدك وابن عبديك الموالي له والممِّهد لدولته، والعلماء العدول، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد فهذه بعض كلمات: أولا: الحوار مع الإسلاميين:
ربما فكرت أوروبا وحتى أمريكا أن تحاور القوى الكبرى من الإسلاميين في البلاد الإسلامية كالإخوان المسلمين، بعد أن اقتنعت أنهم رقمٌ لا يمكن إهماله، وترتيب الأوضاع بما يحفظ مصالحها في حال إلغائه، بينما قد يصر عددٌ من الأنظمة من داخل الأمة على عدم العدول عن لغة القوة والبطش والإنكار والتهميش، وهذا أمرٌ سيئٌ ومدهشٌ جداً، وغير عملي، ولابد أن يسقطه الواقع.
وإذا كان حوار الأوروبيين وغيرهم يطلب من الإسلاميين بيع الدين والأهل والأوطان، والتنازل عن الهوية والانتماء ولو في مقابلة الشراكة في الحكم أو حتى الاستقلال به تماماً في أي بلدٍ من البلدان، فإن هذا إنما يعني سدّ باب الحوار تماماً واستعمال لغةٍ استعلائيةٍ قبيحةٍ ووقحة، وهي إرهاب ([2]) وأقبح وآلم من الإرهاب، والإسلاميون ما داموا ما داموا إسلاميين – يرفضونها تمام الرفض، ويواجهونها بشموخٍ واستعلاءٍ أشد.
والإسلاميون الواعون المتخلقون بأخلاق الإسلام، لا يرفضون الحوار أسلوباً لإحقاق الحق، والمصير إلى العدل في العلاقات الإنسانية، وتبادل المصالح المادية بين مختلف بلدان العالم، ولا يعادون شعوباً أخرى بكاملها، ولا يريدون سوءاً بالآخر، ولكنهم يرفضون العدوان الأجنبي ويقاومونه، ولا يمكن لهم أن ينسوا القيمة العالية لحضارتهم الإسلامية، أو يتخلوا عن الإخلاص لها والوفاء بشروط الإنتماء في ظل أي ظرفٍ من الظروف، وتحت لغة الوعد والوعيد، والإغراء والتهديد.
والغرب الباحث عن مصالحه قد لا يُستغرب منه أن ينسى علاقته بمقدارٍ بمن كان يقدّم له الكثير – وهي الأنظمة – من غير شروطٍ تحافظ على مصالح الأمة، وأن يبحث عن بديلٍ له شروطه المتصلة بهذه المصالح، فإن ذلك ممكنٌ جداً في لغة الغرب الواقعية بعد أن تصبح علاقته بالأول مكلفةً له جداً أو لا تحمل ضماناتٍ مستقبليةً كافيةً للحفاظ على مكاسبه الهائلة، وإن كان لا يتوقع من العلاقة الثانية بقدر ما كانت تقدمه له علاقته السابقة مع ما تفرض عليه العلاقة الجديدة من شروطٍ كان متحرراً منها، على أن الغرب لا يسهل عليه أن يخسر كل أوراقه مع أي طرفٍ من الأطراف فيما يحاول،([3]) وعلاقته مع أي طرفٍ لا تدوم فيما هو المعروف إلا بدوام مصالحه، ولا تحتفظ بمستوىً واحد، وإنما تتبع في مستواها ما تفرضه تلك المصالح، وهذا الكلام يجب ألا يقلل أبداً من قيمة أخذ الحيطة من القوى الإسلامية الكبرى في الحوار مع الأوروبيين والأمريكيين ابتداءاً واستمراراً، ومن التحسب لمختلف الاحتمالات وراء الرغبة التي قد يبديها أولئك في الانفتاح على الطرف الإسلامي، وتدشين الحوار معه، والاحتراس من الالتفافات في طريق الحوار وفخاخه المنصوبة.
الطائفية ذلك الشبح المخيف: ربما بدأت بوادر طائفيةٌ تطفح على السطح في العراق منذرة بتفجرٍ خطير، وهي أمنيةٌ سعى إليها المحتل الأجنبي والإرهابيون في العراق على السواء، وطائفية الخطف والذبح واستباحة المال والعرض والدم كفرٌ عمليٌ لا إيمان – وقيد الكفر بكونه عملياً لمن يفهمه – وجاهليةٌ لا إسلام، وهي تمثل مصيراً أسود ينتظر الإنسان والأرض باليابس منها والأخضر.
ويرجى للعراق ألا يسقط في محرقة الطائفية البغيضة بدرءٍ من الله، ثم بجهد الواعين المخلصين المشفقين على مصير الإسلام والمسلمين من أبنائه والقوى الإسلامية الخيرة من خارجه.
وعلى البحرين أن تشارك حكومةً وشعباً ما استطاعت في إطفاء هذه الفتن وأمثالها وأشباهها في العراق وأي بلدٍ آخر من بلاد الجوار وغيرها من أقطار الأمة المسلمة، وأن نحذر جميعاً من استيراد مثل هذه الفتن القاضية من الخارج، أو التأسيس لها ابتداءاً من الداخل، فإنها خيار المجانين.
والأمة إذا لم تنكر هذه الجرائم البشعة مجاهرةً بإنكارها، وإذا لم تقف في وجهها بكل الوسائل الممكنة فهي أمةٌ مضيعةٌ لدينها، خائنةٌ لأمانتها، متعرضةٌ لغضبٍ من الله وعذابٍ أليم. والصحيح أن تدان هذه الجرائم النكراء من أهل أي مذهبٍ إذا كان مرتكبها من أبنائه قبل أهل المذهب الآخر. إذا كان مرتكب جريمةٍ من هذا النوع شيعياً فعلى الشيعة أن يكونوا هم المبادرين لإدانة هذا الجرم حتى لا يُحمل ردّ الفعل على الطائفية. وإذا كان المجرم سنيّاً كان على الأخوة السنة أن يكونوا هم المبادرين في الإنكار، وأن يقفوا في وجه الجرم وقفةً حقيقةً جادة، لأن رد الفعل الشيعي ربما حُمل على الطائفية.
ومن أراد الاحتراس لبلده من فتنة الطائفية أو غيرها فلتكن كلماته محسوبة، وطرحه معتدلاً، ومشاعره منضبطة، آخذاً على نفسه احترام الآخر قبل اشتعال نار الفتنة، فربّ كلمةٍ أشعلت ناراً لا تنطفئ إلا بعد أكوامٍ من الكوارث المهولة، وربّ خبرٍ كاذبٍ مغرض ودعايةٍ سيئة في هذا الباب أشعلت نار حربٍ ببلدٍ فأحرقته.
فلنتق الله في دماء المسلمين وحرمة أهل القبلة، فأي شهادةٍ سيؤديها نهر دجلة بين يدي العدل الحكيم وهو يفيض بدماء الأبرياء من أهل القبلة، وتتقاذف أمواجه جثث المؤمنين شيباً وشباناً ونساءاً وأطفالاً، وهي ممثلٌ بها. ألا من عاقل، ألا من غيور، ألا من منكر؟! إما إنكارٌ وإلا بلاءٌ وعذابٌ من الله يعمّ هذه الأمة.
الوضع الجامعي: يتحدث الجامعيون عن تردٍ في الوضع الجامعي في أكثر من بعد، ومن ذلك البعد الخلقي، والجامعة ينبغي أن تكون منبعاً من منابع الخلق الكريم والعفة والطهارة والنزاهة، وهذا من مسؤولية جميع مكونات الوجود الجامعي، والقوى المؤثرة فيه، بل هو مسؤوليةٌ اجتماعيةٌ عامة. ولا أعدّ أجنبياً من الجامعة ولا تعد أجنبيّاً من الجامعة، ونحن لسنا طالبين ولا أستاذين فيها. ولن يكون للعلم مردوده الإيجابي على المجتمع إذا رافقته أخلاقيةٌ هابطة، وروحٌ ماديةٌ جشعة، وشهواتٌ حيوانيةٌ متأججة، بل يتحول العلم في ظل هذه الوضعية إلى سلاحٍ فتاكٍ بالمجتمعات، وآلية يستعين بها القوي لاستغلال الضعيف ونهبه، واستعباده تحت العديد من الشعارات واللافتات، وهي وضعيةٌ تقوض الأمن في أبعاده المنظورة وغير المنظورة.
والموقف المختار للأفراد من الطلبة الجامعيين ممن يعون خطورة المسألة ويحرصون على مصلحتهم ومصلحة مجتمعهم ووطنهم ويؤمنون بعظمة الإسلام وحرمة أحكامه ومسؤولية تكاليفه أن يعملوا جاهدين عبر القنوات القانونية على تحسين الوضع الجامعي في كل أبعاده، ومن أهمها البعد الخلقي بما يعانيه من أجواء غير لائقةٍ لا تتماشى ووظيفة الجامعة، ورسالة العلم، وشرف المعرفة، ومستوى الإنسان، ومصلحة الوطن ماديةً ومعنوية.
لابد للأعزاء من هؤلاء الطلاب أن يعملوا على تصحيح الوضع الجامعي بكل حيثياته من خلال مشاركتهم القوية الجادة في مجلس الطلبة، وفي كل الجمعيات واللجان والأنشطة المتاحة، والتأثير على قراراتها، لتكون في صالح العلم والأخلاق، ومنفعة الإنسان والوطن، ومن منطلق التعاون على الخير. ولابد من السعي لتعديل الأنظمة والقوانين واللوائح الداخلية، بما يصب في هذا الاتجاه مستعينين بلغة العلم والدين ([4]) واقتضاء المصلحة الوطنية وحق إنسانية الإنسان والقنوات القانونية نفسها.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمدٍ وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين مغفرةً جزماً حتماً إنك أرحم الراحمين.
ربنا بك نستهدي فاهدنا، وبك نستكفي فاكفنا، وبك نستشفي فاشفنا، وبك ننتصر فانصرنا، يا من لا هادي سواه، ولا كافي غيره، ولا شفاء إلا بيده، ولا نصر إلا من عنده، يا لطيف يا رحيم يا عليُّ يا قدير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
[1] – وفرح رسول الله (ص) هنا للاثنين للمعطى والمطي؛ الأول لقضاء حاجته، والثاني لعظيم ثوابه.
[2] – فمحاولتك أن تسلب صاحب الدين دينه لتقدم له فتاتاً من دنياك، يعدّ إرهاباً ومن الإرهاب العنيف
[3] – فأوراق الغرب مع حزب البعث مثلا لا يضحي بها كلها وكذلك مع أي نظامٍ عميل وإن ساءت العلاقات معه
[4] – يجب ألا تُقصى لغة الدين في محاكمة الأوضاع، ويجب ألا يكون احتجاجنا دائماً بالقوانين والدساتير، نحن مسلمون قبل كل شيئ، وأكبر مقدساتنا القرآن الكريم وسنة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فلِيَ أن أُحجّ الحكومة، وعليّ أن أحجّ الحكومة، وأُحجّ المدير، وأُحجّ الوكيل، وأُحجّ الأستاذ، وأُحجّ أي دائرة من الدوائر بالإسلام قبل أي شيء. يجب أن نستعمل لغة الاحتجاج بالقرآن والسنة وإلا تحول هذا الاحتجاج إلى منكر .