خطبة الجمعة (190) 30 محرم 1426هـ – 11 مارس 2005م

مواضيع الخطبة:

الفطرة الإنسانية بين الخير والشر +  البطالة + عاشوراء والدين والسياسة + مهرجان خليج توبلي + سوريا ولبنان

فعلينا أن لانقسّم الأمة في وجودها ووعيها وهمها وفرحها وحزنها الديني بقدر أوطاننا الجغرافية والسياسية، وأن نعيش من الناحية الدينية البعثرة التي نعيشها في البعد السياسي نفسه.


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا يبيع نعمه بالأثمان، ولا يكدِّر عطاياه بالامتنان. الحمد لله الذي يستغنى به ولا يُستغنى عنه، ويُرغب إليه ولا يرغب عنه. لا تُفني خزائنه المسائل، ولا تبدِّلُ حكمتَه الوسائل.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله الذي لا إله غيره، ولا مغني عنه، ولا مجير منه، ولا مأمول يضارعه، ولا مرجوّ يشابهه، وأن لا تلهينا الدنيا برغائبها ومصائبها عن طاعته، وطلب نيل الكرامة لديه، وأن لا نبيع دار المقر التي أعدّها لسعادة أوليائه بدار الممر التي جعلها داراً لابتلائه.
وإذا كان في الدنيا ما يغرُّ فإن فيها كثيراً مما يُبصِّر، ومن اعتبر ظفر، ومن غفل واغترَّ خسِر.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، واجعلنا جميعاً ممن هديته فاهتدى، وبصَّرته فبصُر، ودعوته إلى طاعتك فاستجاب، وندبته إلى كرامتك فسارع لايصرفه عن ذلك صارف، ولايبطئ به أمر يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
أما بعد أيها الملأ المؤمن المبارك فهناك خير جعل الله النفس الإنسانية بفطرتها الكريمة تعرفه وتألفه وتأنس له. وشر جعلها تنكره وتأنفه وتستوحش منه. والأول هو المعروف الذي يرضاه العقل، وينادي به الشرع، والثاني هو المنكر عند هذا وذاك.
وفعل الخير والإحسان إلى الناس من الأول، وقد سمي في الكثير من النصوص معروفاً. ولنتحدث عن المعروف بهذا المعنى في ضوء بعض النصوص:
الحثُّ المطلق:
هناك حث مطلق على المعروف، بمعنى الإحسان وفعل الخير.
من أحاديث هذا المعنى:
“المعروف زكاة النعم…. وما أُدِّيت زكاته فهو مأمون السلب”(1) عن علي عليه السلام.
فمن أراد أن يحفظ الله عزّ وجل له خيره، وعليه بركة ماله فليصنع المعروف.
“اصطنعوا المعروف بما قدرتم على اصطناعه، فإنه يقي مصارع السوء”(2) عنه عليه السلام.
ومصارع السوء على كل طريق تترصد الإنسان في يومه وليله، ومن أراد أن يتقيها فليصطنع المعروف، وليبذل الإحسان فإنه مما يقي مصارع السوء.
وعنه عليه السلام “المعروف أفضل الكنزين”(3).
كنز من مال جامد لاينفعك، وكنز من بذل في سبيل الله، ومن معروف يحفظك في الدنيا، وينجيك من يوم العذاب.
المعروف قاعدة:
هناك نصوص تجعل المعروف قاعدة.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ….}(4).
وعن علي (ع) “ابذل معروفك للناس كافّة فإن فضيلة المعروف لايعدلها عند الله سبحانه شيء”(5).
“قال رجال عند الحسين عليه السلام: إن المعروف إذا أُسدي إلى غير أهله ضاع، فقال الحسين عليه السلام: ليس كذلك، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البرّ والفاجر”(6).
الرجل يشقّ الشارع، ويقيم الجسر، وينشئ المدرسة والمستشفى، ومثل هذه المرافق قد يستفيد منها البر والفاجر، ولا تمنع استفادة الفاجر من مثل هذه المرافق من إقامة هذه المشاريع وتبنيها، فإن هذه المشاريع مطر من مطر الخير، والمطر قد يصيب وابله البر والفاجر.
“عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال أخذ أبي بيدي – الذي هو الإمام جعفر الصادق عليه السلام – ثم قال – للإمام موسى الكاظم -: يابني إن أبي محمد بن علي عليهما السلام أخذ بيدي(7) وقال: يابني افعل الخير إلى كل من طلبه منك، فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن من أهله كنت أنت من أهله…”(8).
سئل رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحبُّ الناس إلى الله؟ قال أنفع الناس للناس”(9) عن الصادق عليه السلام.
هذه الكلمات عنهم عليهم السلام تعطينا قاعدة في صنع المعروف، وأن الأصل في الإنسان المسلم أن يكون مصدرا للمعروف، وأن يجري على يده المعروف.
المعروف إلى غير أهله
‌أ- “رأس العقل بعد الدِّين التودد إلى الناس، واصطناع الخير إلى كل بَرٍّ وفاجر”(10) عن الرسول (ص).
هذا الحديث كما يأمر بالمعروف للبر، يأمر به للفاجر بخصوصه.
“اصطنع الخير إلى من هو أهله، وإلى من ليس هو من أهله، فإن لم تصب من هو أ هله فأنت أهله”(11) عن الرسول (ص).
فهذا أمرٌ بالمعروف إلى من هو ليس بأهل للمعروف، ولايقدّره.

‌ب- عن الصادق (ع) “لا تصلح الصنيعةُ إلا عند ذي حسب أو دين” إما أن يكون شريفا أو يكون على دين قويم. وعن علي (ع)”ليس لواضع المعروف في غير حقِّه، وعند غير أهله من الحظّ في ما أتى إلا محمدة اللئام، وثناء الأشرار، ومقالة الجهّال، مادام منعماً عليهم. ما أجود يده وهو عن ذات الله بخيل”(12).
وعنه (ع) “أوحي الله تعالى إلى موسى عليه السلام: كما تدين تدان، وكما تعمل كذلك تُجزى: من يصنع المعروف إلى امرئ السوء يجز شرّاً”.
وعنه (ع)”ظلم المعروف من وضعه في غير أهله”(13).
وعن الصادق (ع)”علامة قبول العبد عند الله أن يصيب بمعروفه مواضعه فإن لم يكن كذلك فليس كذلك”.
فإذا أصاب بمعروفه غير مواضعه فهذا يكشف عن أنه غير مقبول عند الله.
طائفة ثالثة للأحاديث المتصلة بهذا المورد:
‌ج- عن أبي عبدالله عليه السلام “…. انزل يامصادف فاسقه – رجلا نصرانياً – فنزلت وسقيته، ثم ركبت وسرنا. فقلت هذا نصراني أفتصدُّقٌ على نصراني؟ فقال: نعم إذا كانوا في مثل هذا الحال”(14). الذي هو حال ضرورة، حال يحتاج فيها إلى إنقاذ.
وعن الباقر (ع) “إن الله تبارك وتعالى يحب إبراد الكبد الحرَّى، ومن سقى كبداً حرَّى من بهيمة وغيرها أظله الله يوم لا ظل إلا ظله”.
هذه الثلاث الطوائف تحتاج إلى جمع كما يعبّرون، تحتاج إلى فهم يعطي أنها طوائف متسقة، وأنها طوائف منسجمة، وغير متنافية ومتهافتة.
فصنع المعروف لغير أهله في موارد خاصة كالضرورة، أو عدم العلم بحال الطرف الآخر المحتاج، أو دخوله في عموم الناس المنتفعين بالمعروف كما في حال الخدمات العامة كالشارع، والجسر، والمدرسة.
أمّا المعروف الذي يساعد على المنكر، ويشجع على الباطل، أو ينعكس بالسوء على الفاعل أو الذي لا يثمر إلا ثناء الجهّال وأهل المنكرات فلا تدعو إليه النصوص بل تراه من الضياع، بل قد تلحقه الحرمة كما لو ساعد على المنكر على أنّ تسميته معروفاً في مثل هذا الفرض من باب التجوُّز.
فلينظر أهل البذل أين يبذلون(15)، وأهل المعروف الموارد التي يتخيرونها لمعروفهم. وكم من تبرعات سخيَّة تذهب للملاهي ومشاريع الفساد؟! وكم من مسجد أو حسينية أو مشروع من مشاريع الخير يُتجافى عنه، وتُقبض الأيدي ويظلُّ متعطلاً شاهداً على الغفلة أو على التقصير؟!
كيف يتم المعروف ويحيى؟
“أحي معروفك بإماتته”(16) عن علي (ع).
إذا أردت لمعروفك أن يحيى عند الله وأن تحيى به، وحتى لأن يكون لك به ذكر حسن عند الناس فلا تظهره، ولا تتفاخر به. حاول أن تميته، حاول أن تنساه، والله يرعى معروفك في هذا الحال ويكون وليّك فيثمر لك معروفك، ويعطيك عليه الأجر العظيم، والذكر الحسن في الدنيا، والأجر الحسن في الآخرة.
وعن علي (ع) “أحيوا المعروف بإماتته فإن المنّة تهدم الصنيعة”.
إذا أردت لمعروفك أن يذهب هباءاً في الدنيا وفي الآخرة فأتبعه أو أسبقه بالمنة.
وعنه كذلك “إذا صنع إليك المعروف فاذكره(17) إذا صنعت معروفاً فانسه”.
فصانع المعروف عليه أن ينساه ليحيى، والمصنوع له المعروف عليه أن يذكره ليكون ممن يقابل الإحسان بالإحسان.
“استتمام المعروف خير من ابتدائه” عن الرسول (ص).
أن يبتدأ الشخص المشروع الاجتماعي النافع للناس، ثم ينقطع به في الأثناء فإنه صنع معروفا ولكنه لم يتمّه، واستتمام المعروف خير من ابتدائه. أقمت مشروعا… هذا المشروع إما أن يؤول إلى الخراب، وإما أن ترعاه بوقف من الأوقاف مثلا، فحتىّ تتمه حاول أن توقف عليه وقفا يعطيه الدوام.
“الصنيعة إذا لم تربّ أُخلقت(18)، كالثوب البالي، والأبنية المتداعية” عن علي (ع)، وعنه (ع) “من لم يرب معروفه ضيَّعه”. تابع المعروف، وأكمله إلى آخر الطريق.
وعن الصادق عليه السلام “رأيت المعروف لايتم إلا بثلاث: تصغيره(19)، وستره، وتعجيله؛ فإنك إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه إليه، وإذا سترته تمّمته، وإذا عجّلته هنأته، وإن كان غير ذلك سخفته ونكّدته”.
المعروف الذي تكبّره، والمعروف الذي تظهره وتفاخر به، والمعروف الذي تسوّف فيه يكون نكداً ومستسخفا.
وعن الكاظم (ع)”لاتتم الصنيعة عند المؤمن لصاحبها إلا بثلاثة أشياء: تصغيرها، وسترها، وتعجيلها؛ فمن صغّر الصنيعة عند المؤمن فقد عظّم أخاه(20)، ومن عظّم الصنيعة فقد صغّر أخاه، ومن كتم ما أولاه من صنيعة فقد أكرم فعاله، ومن عجّل ما وعد فقد هنئ العطية”. جعلها هنية.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم اجعلنا من أهل المعروف الذين لايبتغون به إلا وجهك الكريم وممن وفقتهم إلى أن يكون معروفهم في مواضعه تاما مقبولا بقبولك الكريم، اللهم ولا تمنعنا معروفك ياأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}

الخطبة الثانية

الحمدلله الذي يُحقّ الحقَّ، ويُبطل الباطل، ويثيب المحسنين، ويعاقب المسيئين، ويقتصُّ للمظلومين من الظالمين، ولايُعجزه المعاجزون، ولايفلت من حكمه المجرمون.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله؛ فخير الزاد التقوى، ولنتحلَ بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله من أن الله قد أوصاه به فعنه (ص) “أوصاني ربي بتسع: أوصاني بالإخلاص في السّر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وأن أعفو عمن ظلمني، وأُعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكراً، ومنطقي ذكراً، ونظري عبراً”(21).
ولم يعتبر من لم ير الدنيا قصيرة عابرة خطيرة. وكيف لاتكون خطيرة وهي باب سعادة الأبد، وباب شقاء يدوم ولا يُفتّر عن أهله وهم فيه غارقون؟!
أعذنا ربنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من غرور الدنيا وغفلتها، وذهاب أيامها في معصية أو كسل، وحلِّنا بحلية الصالحين، واجعلنا من الموقنين المتقين برحمتك ياأرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك وحبيبك المصطفى محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة المعصومة.
وعلى أئمة المسلمين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر المهدي القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الملأ الكريم فمع أكثر من موضوع:
أولاً: البطالة:-
لا أحد يقول بأن مسيرة الإصلاح قد تمّت بصورة كاملة فلا قصور ولا تقصير في هذا البلد ولا أي بلد آخر.
ومطالبات التصحيح والتدارك والتطوير إنما هي للإصلاح لا للإحراج.
1. والبطالة بما هي ظاهرة مرض اجتماعي خطير يتهدد المجتمع بأمراض كثيرة كما يعرف الجميع.
2. وهي ظاهرة شاذة، وتركزها في طائفة معيَّنة شذوذ آخر ومرض آخر.
3. ومشكلة البطالة إنما علاجها الأول في العمل وليس في الضمان، وإن كان الضمان ضرورة لابد منها حينما لاتُوفّر فرص العمل. لا يقال لجائع ومعذّب انتظر خمس سنوات علك تحصل على فرصة عمل في الخطط التطويرية الجديدة والمعالجات العملية للوضع السيء.
عليك أن تبقى على جوعك وعراك، وعلى عذابك منتظرا هذه الفرصة.
4. ونقول أن الضمان على ضرورته لايقوم مقام العمل ولايكون بديله المكافئ، وهذه بعض الفوارق التي تُذكر في المقام:
‌أ- الحياة في الحركة والإنتاج، وهذا ما يتكفل به العمل دون الضمان الاجتماعي.
‌ب- العمل يُشعر بالعزَّة؛ الشيء الذي تفتقده مسألة الضمان.
‌ج- العمل زيادة في الإنتاج القومي، والضمان استنزاف للناتج.
‌د- العمل يربي حسَّ المسؤولية، والضمان يثير روح التواكل.
‌ه- العمل يعالج الناحية المادية والنفسية والاجتماعية السلبية الناشئة من الفراغ بينما قد يعالج الضمان الجانب المعيشي وتبقى المشاكل الأخرى يعانى منها الفرد والمجتمع.
‌و- العمل يمكن أن يفتح فرص الرخاء المادي للأسرة، بينما لايملك الضمان أن يفعل ذلك.
‌ز- العمل يوفر احتراما اجتماعيا لصاحبه داخل الأسرة وخارجها، ولايوفر الضمان ذلك.
‌ح- يمكن أن تتربى مع العمل روحية البذل والعطاء، والضمان إنما يربي أخلاقية الأخذ.
ثانياً: عاشوراء والدين والسياسة:-
1. عاشوراء موسم ديني عام ضارب الجذور في تاريخ هذا الوطن، وهو قائم مع وجود معارضة سياسية وعدم وجودها، كانت الدولة في صلح مع جاراتها أو في غير صلح، ولا كلام أكثر من ذلك حول موسم عاشوراء في أصله.
2. إنه يمثل حالة شعبية شاملة لكل الأطياف والألوان، ولاتخضع في مؤداها وأهدافها إلى توجه سياسي ظرفي، وهي منشدَّة إلى الهدف السياسي العام الكلي الذي كانت من أجله ثورة الإمام الحسين عليه السلام بما هو واحد من أهدفٍ نبيلة كريمة تشكل حالة الإصلاح التي استهدفتها حركته سلام الله عليه.
وبهذا لايمكن أن نفرّغ عاشوراء من المحتوى السياسي كليّاً، ولا يصح أن نخنقها في إطار ظروف سياسيَّة محدودة، ووقائع وأحداث معينة ونربط مصيرها بتلك الأحداث والوقائع.
على أن الطابع الشعبي العام للحالة يجعل من الصعب أن يجعل أداءها، ودقائق ممارساتها متوافقة مع ذوق أو تخطيط هذا الطرف أو ذاك الطرف.
3. السياسة في كل البلدان لها حساسيتها الخاصة والتي قد تبلغ حدَّ الإفراط المزعج أحياناً، ولابد من مراعاة هذه الحساسية ولكن بالمقدار الذي لايهدم الفهم والحس الديني ولايخنقه، ولا يلغي أحكام الشريعة.
ولايصح أن نفرض على الدين أن يعيش حالة التجزئة الجغرافية والسياسية التي تفرض نفسها على واقع الأمة. فعلينا أن لانقسّم الأمة في وجودها ووعيها وهمها وفرحها وحزنها الديني بقدر أوطاننا الجغرافية والسياسية، وأن نعيش من الناحية الدينية البعثرة التي نعيشها في البعد السياسي نفسه.
ومن جهة ما يقال من رفع أعلام حزب الله في بعض المواكب فإنه إذا حدث فهو فيما يقدّر جداً لغةٌ تخاطب إسرائيل لا هذا الوطن، وإذا كان هذا يثير شكوكاً محليّة ضارة فأنا أستبعد جداً أن سماحة السيد نصر الله وغيره يسره ذلك، بل إني لأقطع بعدمه.
وليس من عالم ولا مرجعية دينية من مرجعياتنا المعتمدة يُغذّي شعوره أن ترفع صورته، فضلا عن أن يكون رفعها سيتخذ منه ذريعة لدعاوى عريضة.
4. كلما كان حدث ولو بسيط في الساحة المحلية أو انطلقت كلمة غير محسوبة من شخص، وبمناسبة وغير مناسبة تُوجّه لطائفة معينة تهمة التآمر وتلقي الأوامر من الخارج، وفقد الولاء للوطن، وهذا مزعج جداً، ومستهجن جداً، وموقف إضراري يحتاج إلى المصارحة.
5. إن شعب البحرين ليس فاقداً للإرادة، ولا أن إرادته تابعة، وله همومه وحقوقه السياسية الخاصة التي تؤرقه، وهو على مطالبته بها دخلت الحكومة في علاقات إيجابية مع هذه الدولة أو تلك أو لم تدخل، وبغض النظر عن نوع العلاقات التي تربطها بالخارج، ولايمكن للشعب أن يتخلى عن المطالبة بحقوقه لعلاقة سياسية حسنة للدولة بهذا الطرف أو ذاك، ولايمكن له أن ينسى وطنيته لأمر سلبي طرأ على علاقتها بدولة أخرى.
ولتتحسن علاقات الحكومة بأي دولة مليون درجة إلا أن هذا لايمكن أن يؤثر سلباً على المطالبة بالحقوق وتحسين الوضع.
6. نقل أحد الوزراء الكبار لي شخصيا حادثة إهانة خاصة حدثت في أحد المواكب، سألته عن مستنده، قال: السماع، والسماع غير المشاهدة. وحاولت أن أتحقق من حدوث الحادثة وإلى الآن لم أعرف لها أصلا. الحادثة لو كانت لكانت محل الشجب الصريح من كل علماء البلد، وكانت مستنكرة عندنا جميعا، لكن الحادثة لم يتحقق حدوثها لحد الآن.
مهرجان خليج توبلي:-
هو مهرجان ضد التخريب البيئي، ومصادرة الثروة العامة.
1- حماية خليج توبلي مطلب صغير ولكن المطالب الصغيرة كثيرا ماتحتاج في بلدنا إلى ضجة كبيرة ومع الأسف الشديد. وهي ظاهرة غير صحيحة. لكن لابد منها، مع عدم إصغاء أذن المسؤولين إلى المطالب الشعبية.
2- تكرر عندي أني لست مع كثرة المسيرات والمظاهرات ولكن سد باب الحوار في كثير من المسائل والبطء في حل المشاكل يجعل المظاهرات والمسيرات والاعتصامات وسيلة معاشة بكثرة في بلدنا. أنا أسأل هل للدولة مصلحة في هذا الأمر: في كثرة المظاهرات والمسيرات والاعتصامات؟ قد يكون ذلك، ليقال أن عندنا ديموقراطية، وتكون هذه المظاهر شاهدا لها، هذا معقول. والناس إذا ضاق بها الأمر ليس أمامها إلا الكلام والتظاهر. سدّوا هذا الباب بفتح الحوار وبجدية الحوار.
3- وإذا كان كل الكلام عن حماية خليج توبلي غير كافٍ فالناس اليوم سيتجمهرون لإبلاغ رسالتهم وغَيرتهم على بيئة وطنهم وسلامتها وليس للإزعاج. وعليهم أن يفعلوا ذلك.
سوريا ولبنان:
خرجت سوريا من لبنان فهل ستتخلص سوريا من ملاحقة الأمريكان والأوروبيين؟ وهل ستكون بهذا لبنان للبنانيين، ومستقلة وآمنة؟
يعرف الجميع أن هذا ليس آخر المطاف مع سوريا، وهي ملاحقة حتى تدخل في صلح المستسلمين مع إسرائيل.
والمطلوب من لبنان أن تكون لقمة سائغة بيد إسرائيل، وآلة ضغط على سوريا، وأن تجرِّد المقاومة من السلاح لأحكام القبضة الأجنبية بلا تكاليف ولا قطرة دم يبذلها المحتلون، وليتحقق الشرق الأوسط الكبير المفرّغ من السلاح الرادع إلا سلاح إسرائيل النووي الفتّاك الذي تقف وراءه إرادة عدوانية سافرة… ليتحقق شرق أوسط كبير تحكمه الإرادة الأمريكية الإسرائيلية براحة وفي غياب أي مقاومة.
والمتّسق مع هذا أن يُضرب بنتائج الانتخابات العراقية عرض الحائط، ولاتكون رئاسة الحكومة – ما استطاعت أمريكا – بيدٍ إسلامية وأراده مستقلة عن المحتل شيعية أو سنية. والتخطيط الذي نأمل أن يفشل جار على قدم وساق لتشكيل حكومة عملاء في العراق لتنفيذ الإرادة الآثمة لأمريكا وإسرائيل. والله غالب على أمره وهو الفعَّال لما يريد، وله الحكمة البالغة، والمثل الأعلى.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا ومن أحسن إلينا إحسانا خاصا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة. اللهم لاتكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين. اللهم اكفنا ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة ولقنا خيرهما ياكريم يارحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة/ ج6/ ص239.
2 – المصدر نفسه.
3 – المصدر السابق/ ص240.
4 – 90/ النحل.
5 – ميزان الحكمة/ ج6/ ص243.
6 – المصدر.
7 – الإمام جعفر يتحدث إلى ابنه بأن أباه محمد بن علي الباقر أخذ بيده.
8 – المصدر نفسه.
9 – المصدر/ ص246.
10 – المصدر نفسه.
11 – المصدر نفسه..
12 – المصدر/ ص 48.
13 – المصدر/ ص48.
14 – المصدر/ ص244.
15 – لابد من بذل، لابد من معروف، ولكن على أهل البذل وأهل المعروف أن يعرفوا أين يبذلون وكيف يبذلون.
16 – المصدر/ ص248.
17 – اذكر فلانا الذي صنع لك المعروف، وحاول أن تجزيه وأن تقابل إحسانه بالإحسان.
18 – صارت عتيقة بالية.
19 – هو كبير، أنت صغّره.
20 – يعطيه الشيء الكثير إلا أنه يعتبره قليل. لأن المُعطى في نظره عظيم، أنت تكبر أخاك لما تصغّر الصنيعة منك أمام عينيه. أنت تقول له هنا أنت أكبر من كل هذا، أما إذا كبرت صنيعتك لأخيك المؤمن فكأنما تحكم عليه بالدونية، وأن صنيعتك عملاقة بإزاء حجمه الصغير.
21 – ميزان الحكمة/ ج10/ ص467.

 

زر الذهاب إلى الأعلى