خطبة الجمعة (189) 23 محرم 1426هـ – 4 مارس 2005م

مواضيع الخطبة:

 

دين التواصل لا التقاطع +  أسرتان + العراق + االأمن والاعلام

 كما أن على الحكومات أن تأخذ بمقتضى العقل والحكمة والدين في رعاية حقوق الشعوب فكذلك على الشعوب أن لا تختار على ذلك طريقاً آخر وهي تسعى لاستكمال حقوقها، وإصلاح أمرها.

 

الخطبة الأولى

الحمدلله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها، وسخر الشمس والقمر، ومدَّ الأرض ومهّدها، وأرسى جبالها، وأجرى أنهارها، وأحياها وباركها.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله والاستقامة على دينه، والاستعداد ليوم لقائه، ولاعّدة ليوم المعاد بعد رحمة الله كقلب سليم عابد لله وحده، غير مشرك به غيره، فالجدَّ الجدَّ في طلب سلامة القلب، وخلوص النيّة، وطهر السريرة، والانصراف إلى الله عمن عداه، والاستغناء به عمن سواه.
أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من كلِّ شرك، وأنقذنا من الإثم ما ظهر منه وما بطن، وغفر الله لنا ولهم إنه غفور رحيم.
اللهم صل على محمد وآل محمد وأبلغ بإيماننا أكمل الإيمان، وبيقينا أفضل اليقين، وبنيتنا أحسن النيات يامنان ياحنان ياكريم.
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات فإطلالة سريعة على بعض من نصوص الإسلام تعطي صورة واضحة عن كون هذا الدين العظيم دينَ التواصل لا التقاطع، وأنه يدفع في اتجاه العلاقات الإنسانية الكريمة المثمرة على مختلف الأصعدة، وأن الأصل في تعاليمه مدُّ شبكة العلاقات الخيّرة لتشمل عطاءاتها النافعة البناءة أبناء المجتمع الصغير والكبير، وكل فئات المجتمع البشري في طول الأرض وعرضها.
أما القطيعة فتمثّل استثناء ومن أجل إصلاح الوضع الإنساني، وسلامة المجتمع وتصحيح مسار العلاقات بما يجعله منسجماً مع خط القيم الإلهية السامية، والأهداف النبيلة الكريمة، ومن أجل ألا تعم ظاهرة القطيعة، ويتفشّى التقاطع، وتتقطع الأواصر، ويؤول الأمر الإنساني إلى التدهور والفساد:-
وهذه سلسلة من العلاقات التي أوْلتها النصوص الإسلامية اهتماماً بالغاً:-
1. علاقات الأزواج:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(1).
وكما هو الجعل التكويني لعلاقة الزوجية قائمة على المودة والرحمة، فكذلك الجعل التشريعي قد استهدف وجود وتركّز هذه المودة والرحمة على خلاف ما تشيعه التربية الغربية الآن في الأوساط الإسلامية من بثّ روح العداوة والشراسة داخل الأسرة الواحدة.
2. العلاقة مع الوالدين:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً…}(2).
{… آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً}(3).
فالعلاقات بين الوالدين والأولاد علاقات حميمة وكما هي علاقات رحمية متينة، فكذلك هي علاقات مودة ورحمة وتعاطف كبير وقوي.
3. العلاقات الرحمية الأوسع:
{.. الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}(4).
ومن ذلك صلة الرحم كما عن الصادق عليه السلام. انظر ميزان الحكمة ج4 ص82(5).
الآية الكريمة الأخرى تقول:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}(6).
وكأن المعني بالخطاب هم المنافقون، وهل يتوقع من المنافقين إذا حكموا إلا أن يفسدوا في الأرض، ويقطّعوا الأرحام. فالحكم الوضعي حكم يقوم على إضعاف الآخر، على إنهاك الآخر، على قطع الصلات، على تقطيع الأرحام، من أجل أن يكون القوي طرفا واحدا وهو طرف الحكم.
ومستنكر في الإسلام كل الاستنكار، وبشع كل البشاعة أن تقطّع الأرحام في الأرض.
في الحديث “صلوا أرحامكم في الدنيا ولو بسلام”(7) عن الرسول (ص).
“وعن أبي بصير قال: سألت أباعبد الله عليه السلام عن الرجل يصرم ذوي قرابته من لايعرف الحق؟ – فالسؤال يتركّز على قطع القرابة مع من لا يعرف الحق، بمعنى أيجوز هذا أو لا يجوز؟ فجاء الجواب: – قال لاينبغي له أن يصرمه”(8).
والصرم هو القطع، فحتى لو كان ذو القرابة ممن لايعرف الحق فإن حق القرابة يبقى قائماً. ومرة يكون مع حق القرابة حق الإيمان، ومرة ينفرد حق القرابة ولايؤثر عليه سقوط حق الإيمان.
4. العلاقات العشائريَّة:
“ألا لايعدلن أحدكم عن القرابة يرى بها الخَصاصة – شدة الحاجة – أن يسدَّها بالذي لايزيده إن أمسكه – الحديث يقول المال الفائض إن صرفته لاينقصك، وإن احتفظت به لاينفعك-، – وكل مال يزيد على الحاجة لايزيد المرء إن أمسكه واحتفظ به، وإذا أنفقه لاينقصه ولاينقصه إن أهلكه، ومن يقبض يده عن عشيرته، فإنما تُقبض منه عنهم يد واحدة – إذا قبض يده عن عشيرته قبض يدا واحدة عن كثير، ولكن في قبال ذلك يقبض الكثيرون أيديهم عن مساعدته وعونه ومناصرته -، وتُقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة”(9).
“واكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلُك الذي إليه تصير، ويدُك التي بها تصول”(10).
5. علاقات الجوار والصداقة:
{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ – الذي ليس هو بقريب – وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ – الصديق – وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً}(11).
6. العلاقات القوميَّة:
“سئل علي بن الحسين عليهما السلام عن العصبيَّة، فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل قومه خيراً من خيار قوم آخرين وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم”(12).
فعونك قومك على الخير، ومحبتك لقومك من غير أن تجرّك إلى ظلم الآخرين صحيح ومطلوب.
7. العلاقات الإنسانية العامة:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(13).
والكلمة المعروفة عن أمير المؤمنين عليه السلام في تقسيمه للناس:”أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.
8.
 علاقة الإيمان: وهي فوق كل علاقة، وفوق كل حسب ونسب:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(14).
وفي الآية الأخرى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(15).
ومن حاكمية هذه العلاقة قوله تبارك وتعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}(16).
وفي آية أخرى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(17).
وعلاقة الإيمان إنما تدخل في تزاحم وتعارض مع العلاقات الأخرى حين تأخذ تلك العلاقات منحى غير منحى الإيمان وتضاده. ولو رُكِّزت قاعدة الأخوة الإيمانية في الحياة لانسجمت كل العلاقات معها ولم يتناف منها شيء معها.
علاقة الإيمان تدعو لعلاقات إيجابية في كل الدوائر الصغيرة والكبيرة، وتوظّف كل هذه العلاقات من أجل كمال الإنسان ورفعته وسعادته.
9. العلاقة مع الأعداء:
{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(18).
والضمير في جنحوا عائد على قوم أعداء ليسوا بمؤمنين {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(19).
{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا…}(20).
فالإسلام ينفتح بأبنائه على العلاقات الإنسانية الكريمة في الدوائر الصغيرة لا ليقف بهم عندها، وإنما لتمتد علاقاتهم الطيبة النافعة إلى كل الدوائر في الإطار الإنساني وإلى أوسعها، ولا يضع على ذلك شرطاً إلا أن تكون ملتقية مع القيم، مبنيَّة على أساس أخلاقي قويم، منسجمة مع رضا الله تبارك وتعالى الإله الحق، وربِّ كل مربوب.
والنظر إلى مرضاة الله هو المؤمِّن الأكبر لكون خطواتِ الإنسان وعلاقاتِه وكلِّ حياته على الطريق الصحيح الموصل لكماله وسعادته.
والعلاقات التي لايحكمها هذا النظر إنما هي للهدم لا للبناء، وللفساد لا للصلاح، وللشقاء لا للسعادة.
فحينما تحب عشيرتك على غير طريق الله فهذا الحب ليس لصالحك وليس لصالح عشيرتك، وحينما يكون حبك لولدك أو حبك لوالديك على غير طريق الله فهو من الحبّ الهدّام المفسد المهلك.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. وطهّر قلوبنا، وزكِّ نفوسنا، ونقِّ سرائرنا، واجعلنا من أهل رحمتك ومودتك وكرامتك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}

الخطبة الثانية

الحمدلله الذي ذلّت لقدرته الصعاب، وتسببت بلطفه الأسباب، وجرى بقدرته القضاء، ومضت على إرادته الأشياء، المدعوِّ للمهمَّات، والمفزع في الملمات.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فما أعظم التقوى عطاء طيباً كريماً في الدنيا والآخرة فعن الصادق عليه السلام “إنَّ الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوَّله عما يكره إلى ما يحب، ويرزقَه من حيث لايحتسب”(21). وعن الجواد عليه السلام “إن الله عزّ وجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله – لا يفكر في الخطر الذي يترصده، وليس له من العقل ما يمتد إلى تصور ذلك الخطر ويلتفت إليه، إلا أن الله يقيه ذلك الخطر -، ويجلِّي بالتقوى عماه وجهله، وبالتقوى نجى نوح ومن معه في السفينة، وصالح ومن معه من الصاعقة، وبالتقوى فاز الصابرون، ونجت تلك العُصب من المهالك…”(22).
ويقول سبحانه {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}(23).
جعلنا الله وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من أهل التقوى الموالين له ولأوليائه، المعادين لأعدائه، المستغنين به عمن سواه وغفر الله لنا ولهم إنه غفور رحيم تواب كريم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة المعصومة.
وعلى الأئمة الطاهرين، الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين. وانصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وادرأ عنهم ياكريم.
أما بعد أيها الملأ الكريم فإلى الموضوعات التالية:
أسرتان:-
كلما أوجدتَ أسرة صالحة أوجدت بداية ولو متواضعة لمجتمع صالح، وكلما صلح المجتمع ساعد ذلك على وجود الأسرة الصالحة. والعكس صحيح في كل من الحالتين.
‌أ. وتنقسم الأسرة إلى أسرتين:-
1. أسرة قرآنية منشأ وتخطيطاً، ونبوية وعلوية وحسنية وحسينية تفعيلاً وتطبيقاً.
2. وأخرى جاهلية منشأ وتخطيطاً، وعلى مستوى العالم الجاهلي شرقا وغرباً وفي كل مكان تطبيقاً. الأسرة الجاهلية قد يكون تواجدها في البلد الإسلامي فضلا عن البلاد الأخرى ذلك لأن للبلاد الإسلامية وخاصة في هذا العصر نصيباً كبيراً من جاهلية القرن العشرين والواحد والعشرين.
‌ب. الخلفيَّة لهاتين الأسرتين:-
رؤيتان كونيتان مختلفتان: رؤية إلاهية، ورؤية جاهلية مادية.
تصور إنساني للإنسان، وللحياة، وتصور حيواني.
قيم سماوية رفيعة: قيم أرضية هابطة وضيعة.
هدف روحي: هدف مادي. ولا يعني الهدف الروحي إهمال المادة، والعبث بحياة البدن، وإغفال حاجاته. يعني الهدف الروحي أن توظف الحياة الدنيا بكل متعها وفرصها وصحتها وقوتها وأمنها في سبيل نمو الروح، ورقيها وسعادتها.
والهدف المادي يعني بيع الروح، والضمير، والشرف والكرامة والدين وكل المقدسات من أجل الطين، من أجل لذائذ المادة.
منهج إلهي كريم حكيم كامل: منهج أرضي سفيه منحدر ناقص.
‌ج. واقع الأسرتين:
1. أجواء مودة ورحمة في الأسرة الأولى، الأسرة القرآنية: أجواء جفاف روحي وإنساني. وإن كانت أجواء مليئة بالضحكات، ومليئة بالمجاملات في الأسرة الأخرى.
2. أجواء عدل وإحسان: أجواء ظلم وعدوان. وقد تعترض أن أسرا إسلامية يسودها من الظلم والعدوان ما لايسود أسرا كافرة، أقول لك: إن هذه الأسرة تعيش في بلاد الإسلام ولكنها لاتعيش روح الإسلام، ولاتربيته ولا هدفه ولا أدبه. وقد يتخلق كافر بخلق من خلق الإسلام، وقد يتخلف مسلم عن هذا الخلق.
أما المسلم الحق الذي يعيش الإسلام رؤية وهدفاً وسلوكاً فإنك لن تجد غبارا على سلوكه.
3. أجواء تعاون وتضحية وإيثار. أجواء أثرة واستغلال.
4. أجواء ستر وحفظ أسرار. فضح وكشف عورات.
5. تبادل ثقة وطمأنينة. شك وترصّد ومراقبة.
6. تغاضي وتسامح. مضايقة وتوريط.
7. أجواء عبادية وروحانية مشرقة. أجواء لهو وطرب وعربدات.
8. احترام متبادل وكلمات عفيفة رفيعة. سوء أدب وكلمات بذيئة.
وقد تتداخل هذه المتقابلات حسب التأثيرات التربوية المتعاكسة. وقد تجد أوصافا من هذه الأوصاف الإيجابية في أسر لاتنتسب إلى الإسلام، وقد تجد مساوئ من تلك المساوئ في أسر تسمي نفسها إسلامية ولكنها متخلفة جدا عن الإسلام.
‌د. على طريق الأسرة المحطّمة:
اتفاقية سيداو ومؤتمرات مناهضة العنف ضد المرأة التي تنطلق من رحم تلك الاتفاقية وليست كل المؤتمرات المضادة لعنف الموجّه للمرأة؛
تلك الاتفاقية والمؤتمرات المنطلقة من رحمها، السائرة على طريق هدفها
1) تحمل محاربة القيم الإلهية التي تحفظ كيان الأسرة وإنسانيتها.
2) وهي تُطلق عملية تحريضية للمرأة ضد الرجل لتخريب الأسرة. وأي رجل؟ الرجل الزوج، والرجل الأخ، والرجل الوالد.
3) وهي في كثير من مقرراتها تمثل مواجهة صريحة لشريعة الله في أحكامها المتعلقة بالأسرة وتأخذ بالافتئات والتحريف الصارخ لعدد من تلك الأحكام.
والذي يراجع اتفاقية سيداو وحتى المؤتمر المنعقد في البحرين في مواجهة العنف ضد المرأة سيجد كثيرا من المخالفات المتعمّدة، وكثيرا من التقوّلات والافتئات على الشريعة الإسلامية، فمرة تجد مواجهة صريحة، ومرة تجد التفافا على الحكم الشرعي وتمويها له.
4) في تلك الاتفاقية وتلك المؤتمرات استغلال للمرأة استغلالاً سيئاً لأغراض سياسية جائرة وأخرى حضارية معادية.
وإنه لفي الأسرة الجاهلية يسود ظلم المرأة وظلم الرجل. وفي واقع أسرنا هناك ظلم للمرأة وهناك ظلم للرجل. وأي جاهلية لاتُعفي أحدا من الظلم.
وأريد أن أنبّه أن المساجد والحسينيات إنما كانت لذكر الله، وهناك عزم عند بعض الجهات العلمانية أن تتخذ من المساجد والحسينيات مسرحاً للدعوة لمقررات اتفاقية سيداو والمؤتمرات المضادة للإسلام، وأن تجعل من هذه المساجد والحسينيات ملتقى بالمؤمنات من أجل الدعاية للفكر المعادي للإسلام، ومن أجل تخريب الأسرة وتغريبها عن طريق المؤسسات والجمعيات العلمانية.
هـ. ماذا نقول:
1. لا لظلم للمرأة، ولا لتجهيلها، ولتسقيطها، ولابتزازها. لا لظلم المرأة ولا لظلم الرجل. وأعجب ممن يحملون شعار الدفاع عن حقوق المرأة من الجمعيات المعاشة كيف لايدافعون عن حقوق المواطن؟ كيف لايدافعون عن حقوق ابن المرأة؟ وأخ المرأة، وزوج المرأة وأب المرأة الذي يعاني من البطالة، والذي يعاني من التفرقة الطائفية، والذي يعاني من ناحية أمنية.
أين هم، أين صوتهم من حقوق الإنسان الكثيرة سواء كان رجلا أو امرأة؟
2. لا لتفكيك الأٍسرة وزعزعة استقرارها. ولا استقرار يمكن أن يقوم على الظلم. فلا للظلم مطلقاً
3. لا لتعرية المرأة.
4. لا لتغريب المرأة.
5. ولا لاستغلال ظلم المرأة في تحريضها ضد الإسلام العادل أو تحريفه.
6. لا لاستغلال المرأة استغلالاً سياسيّاً من مؤسسات رسمية وشبه رسمية وحزبية مشبوهة.
7. نعم لتثقيف الأسرة بالثقافة الإسلامية النقية.
8. نعم لنشر روح المودة والمحبة والاحترام بين أفراد الأسرة.
9. نعم للعمل على رعاية الحقوق في المجتمع والأسرة.
10. نعم لنهضة شاملة في حياة المرأة على هدى الإسلام وفي ضوء تعاليمه.
العراق:-
1. في العراق وضع معقَّد، ومعادلة صعبة، وتحديات هائلة، ومنعطف خطير: فأخوَّة إسلامية أو اقتتال، وإما إسلام أو لا إسلام، وإما بقاء للاحتلال أو جلاء، وإما استمرار للهمجية التي تستبيح الدم المسلم ببرودة أعصاب، أو عودة إلى العقل والدين.
2. وما هو الصحيح أن يكون العراق لجميع أبنائه بخيراته وأمنه، والحكم فيه لجميع مكوناته ممن يحترمون دم الإنسان وعرضه وماله. وما عُرف عن البعث أنه لايحترم من الإنسان لادمه ولا عرضه ولا ماله.
3. ومن الجيّد أن الفوز في الانتخابات لم يفقد المنُتَصرين العقل والدين والحكمة والشعور بالأخوَّة الإسلامية.
4. وإنه سيكون غير عملي ومتعباً جداً لأصحاب الذوق الانفرادي في الحكم في المنطقة العربية والإسلامية كلها بعد اليوم أن يصروا على مسلك الانفرادية والاستئثار الفردي أو القومي أو الطائفي أو القبلي بمقدرات الشعوب ومقدّراتها وصناعة مصائرها.
والحكومات العاقلة هي التي تريح نفسها وشعوبها بالإصلاح الجاد المبكّر عن تعب المواجهات والخسائر الفادحة التي فيها هلاك الجميع.
ولم يعد وعي الشعوب قابلاً لأن يُستغبى بعمليات الالتفاف، ولم يعد مطلب الإصلاح مطلبَ قيادات خاصة، حتى إذا صُفّيت جسديا أو معنويا انتهت المسألة، بقدر ما هو مطلب شعوب عريضة واسعة لاتمكِن السيطرة عليها من غير عدل.
وكما أن على الحكومات أن تأخذ بمقتضى العقل والحكمة والدين في رعاية حقوق الشعوب فكذلك على الشعوب أن لا تختار على ذلك طريقاً آخر وهي تسعى لاستكمال حقوقها، وإصلاح أمرها.
الأمن والإعلام:
لا تتحقق أجواء أمنيَّة صادقة في ظل إعلام متوتّر وكلمة نابية. وتبنّي الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي للكلمة من هذا النوع سبب كاف لسيطرتها على الساحة كلها في حالة من الفوضى والانفلات.
والإعلام لايكون معتدلاً، وآخذاً بالدين والعقل والحكمة في ظل توجهات سياسية غير عادلة. والإعلام دائما كاشف عن توجّهات السياسة وإن كانت له مراوغاته.
والأمن ضرورة من ضرورات الأوطان، وابتعاد السياسة عن موازين الحقّ والعدل لابد أن يفسد الإعلام ويهدم الأمن ليُقلق حياة المجتمع كله بجميع فئاته وأبنائه.
ومن منطلق الدين والعقل والحكمة، وحفاظاً على مصلحة الوطن نطالب الإعلام كله رسميّاً كان أو أهليّاً ومنه الصحافة ومواقع الانترنت بنظافة الكلمة وسلامة النقد، والأخذ بأدب الحوار والاحتجاج.
ومن المنطلق نفسه نطالب بإطلاق سراح الموقوفين من المتّهمين في قضية “بحرين أون لاين” وسدّ باب كلّ التداعيات التي تجر إليها مثل هذه القضايا.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولمن أحسن إلينا منهم إحسانا خاصا. اللهم وفقنا لمراضيك، وجنبنا كل ما يسخطك، وأنقذنا من سوء الدارين، ولقنا خيرهما برحمتك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــ
1 – 21/ الروم.
2 – 23/ الإسراء.
3 – 11/ النساء.
4 – 21/ الرعد.
5 – “((في قوله تعالى: الذين يصلون…)): من ذلك صلة الرحم وغاية تأويلها صلتك إيّانا”.
6 – 22/ محمد.
7 – ميزان الحكمة ج4/ ص89.
8 – المصدر ص83 عن بحار الأنوار.
9 – ميزان الحكمة ج4 ص83 عن نهج البلاغة.
10 – المصدر عن النهج.
11 – 36/ النساء.
12 – ميزان الحكمة ج6 ص335.
13 – 13/ الحجرات.
14 – 71/ التوبة.
15 10/ الحجرات.
16 – 135/ النساء.
17 – 24/ التوبة.
18 – 61/ الأنفال.
19 – 8/ المائدة.
20 – 91/ النحل.
21 – ميزان الحكمة ج10 ص635.
22 – المصدر نفسه.
23 – 54 – 55/ القمر.

 

زر الذهاب إلى الأعلى