خطبة الجمعة (185) 24 ذو الحجة 1425هـ – 4 فبراير 2005م

مواضيع الخطبة:

 

أضواء وهدايات لكلمة قصيرة + الانتخابات العراقية + عشرة الفجر +  الحوار الدستوري

* الحوار الدستوري هو الصحيح، والتوقف فيه ضرر، والهدف هو الوصول إلى صيغة توافقية في مسألة الخلاف، والتخريج لهذه الصيغة ليس محل بحث جذري واهتمام بالغ.


الخطبة الأولى

الحمدلله الرَّحمن الرحيم، الملك القدوس، السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، خالق السماوات والأرض، وما فيهن وما بينهن من شيء، ولا خالق من دونه ولارب سواه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخاطئة بتقوى الله، والطمع في وعده، والخوف من وعيده، فلا أوفى من الله وعداً، ولا أكرم منه عطاء، ولا أوسع منه ملكاً وجوداً، ولا أقدر منه على إنفاذ الوعيد والعذاب الشديد.
أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من معاندته، والخروج من طاعته وابتغاء معبودٍ من دونه، وغفر الله لنا ولهم جميعاً إنه الغفور الرحيم. اللهم صل وسلّم على خاتم أنبيائك ورسلك محمد بن عبدالله وآله واجعلنا من شيعتهم ياكريم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فشيء من وقت في أضواء وهدايات لكلمة قصيرة “اِلهي لا تُؤَدِّبْني بِعُقُوبَتِكَ ، وَ لا تَمْكُرْ بي في حيلَتِكَ ، مِنْ اَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يا رَبِّ  وَ لا يُوجَدُ إلاّ مِنْ عِنْدِكَ ، وَ مِنْ اَيْنَ لِيَ النَّجاةُ وَ لا تُسْتَطاعُ إلاّ بِكَ”
(1).
1. يبدأ الدعاء بنداء المعبود الحق من العبد المملوك بالملك الطِلق استكانة وإذعاناً وخضوعاً واستسلاماً، ولكنه ينتقل بعد قليل من خطابه إلى التمسك بعنوان الرب في قوله “…. مِنْ اَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يا رَبِّ  وَ لا يُوجَدُ إلاّ مِنْ عِنْدِكَ ، وَ مِنْ اَيْنَ لِيَ النَّجاةُ وَ لا تُسْتَطاعُ إلاّ بِكَ”” والفرق بين المقامين هو أن المقام الأول مقام المهابة والخشية، والمقام الثاني مقام الاستعطاف والتملق، ومقام المهابة يصوّره عنوان الإله وهو المعبود المطلق، ومقام التملق يوجب التوسل بالربوبية التي تعني التدبير والعناية واللطف والحدب والتكفل بالشأن.
2. والإمام عليه السلام يبدي خوفه وإشفاقه على نفسه من تأديب الله له بالعقوبة ويطلب من الله عز وجل أن يعافيه من ذلك.
والأدْب على وزن الضرب: تعليم النفس محاسن الأخلاق وفضائلها ورياضتُها عليها. والتأديب مبالغة من الأدْب.
وكما يطلق التأديب على تكميل النفس وبلورة فضائلها بالهداية والتوفيق وإعطاء النعم، كذلك يطلق على العقوبة المؤدِّبة التي تُرجع النفس إلى الوضع الصحيح بمصحح أن العقوبة سبب لذلك.
والأدب في أسلوبه الأول يكون قبل الذنب والمخالفة، ويمكن أن يكون بعدهما، أما هو في أسلوبه الثاني فلا يكون إلا بعد أن تقع النفس في الخطأ وترتكب الذنب.
والإمام عليه السلام فراره إلى الله من الأدب بالعقوبة، وليس من أصل الأدب. وتتم العافية من هذا اللون من الأدب بالعصمة من موضوعه وهو ارتكاب الذنب والوقوع في الإثم، كما تتم بالهداية بعد الذنب والتوفيق للأوبة وإخلاص التوبة من غير درس مؤلم من دروس التأديب بالعقوبة.
3. والتأديب كله رحمة وإن تطلَّب القسوة في بعض الفروض. والنفس التي لاتؤدبها عقوبات الدُّنيا، ولا تطهِّرها محنها ستواجه عقوبة الآخرة وقد يكون أهونها عقوبة البرزخ التي لاتقاس إلى آلامها وغصصها عقوبة الدنيا، وتكون العقوبة في الآخرة للتطهير وتنقية الروح الملوّثة بآثار الذنوب والمعاصي، ولاتكون للتوبة كما في عقوبة الدُّنيا التي منها ما يكون هداية ومنها ما يكون تطهيراً.
4. والجزاء المؤلم على الإثم في الدنيا قد يكون بالعقوبة، وقد يكون بالإمهال والإملاء. والأول وإن قسى إذا أرجع العبد إلى ربه رحمة كبرى بالقياس إلى الثاني إذا زاد البعيد عن الله بعدا، وضاعف الذنب وأغرى المغرور بالتمادي في الخطيئة، وهذا ما يلتفت إليه الدعاء الشريف في قوله “وَ لا تَمْكُرْ بي في حيلَتِكَ”.
ومكر الله بالعبد لايأتي ظلماً، ولايكون ابتداء، وإنما يتم جزاء وفاقاً حيث يعمل المذنب على إسقاط نفسه من عين ربه، ويُفقِد ذاته أهلية الرحمة بالهداية، وأهلية الرحمة بالعقوبة بتماديه في الإدبار عن الله والطغيان والعناد والاستكبار غير آبه بكل ما يرى من آيات، ويوافي في حياته من دروس.
وكم من عبد آثم يقوم من مصيبته ليعود حالاً إلى جريمته، ولاينتهي من إثم حتى يدخل إثماً آخر، ويواقع الخطيئة تلو الخطيئة، ويجمع الذنب إلى الذنب بلا أوبة ولا توبة، ويتخذ آيات الله هزواً، ودروس القدرة والغضب الإلهي في ماله ونفسه وأهله لعباً. ومثله قد يمهل وتدر عليه النعم ليزداد بسوء اختياره إثماً، وينزل في النار دركاً.
5. وتُختتم الفقرة بشعور توحيدي خالص وفرار عظيم إلى الله، ولواذٍ حارٍ به، ولجأ لاهث طلباً لخير الأدب الكريم، وكمال النفس، واستتمام الفضائل الخلقية العالية، والتحلّي بمكارم الصفات، والنجاة من كل رذيلة، ومن مواجهة للعقوبة بل من أصل استحقاقها، والتورط في الذنب الموجب لها.
اللهم اهدنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات بهداك، وتولنا برعايتك وكفايتك، وجنبنا الإثم، واغفر لنا ما سلف من الذنب، واعصمنا في ما بقي من العمر، واجعل توبتنا مقبولة، وعاملنا بعفوك يا أكرم الأكرمين. اللهم جنبنا شرَّ الدارين، ولقنا خيرهما ياأرحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}

الخطبة الثانية

الحمدلله سابغ النعم، دافع النقم، بارئ النسم، كاشف الضر والألم، نور المستوحشين في الظلم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيراًً.
عباد الله ألا فلنتق الله فمن أراد أن يهرب من العار والنار فليتخذ من تقوى الله ملجأ؛ فقد جعل الله منها ملجأ، ومن أراد الجنة فليتخذ من التقوى إليها سبيلاً؛ فقد جعلها الله إليها سبيلاً. والحكيم من رغب في مارغّبه الله، والسفيه من رغب في ما رغبه الشيطان.
اللهم اجعل ثقتنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات بك، ورغبتنا إليك، وجهادنا في سبيلك، واغفر لنا ولهم مغفرة لاتبقي ذنباً ولا تلحقها تبعة، واكتب لنا عصمة من السوء ومتابعة الهوى والشيطان الرجيم.
اللهم صل على خاتم أنبيائك ورسلك الصادق الأمين محمد بن عبدالله، وعلى علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة المعصومة.
وعلى الأئمة الطاهرين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن القائم المهدي المنتظر.
اللهم عجل فرج وليك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين. اللهم انصره نصرا عزيزاً، وافتح له فتحا مبينا.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فتتأخر تتمة الحديث عن العنف ضد المرأة ويكون التناول للموضوعات التالية:-
الانتخابات العراقية:-
رغم التهديد والوعيد، ورغم الإرهاب المدمر على الأرض والعدوانية الشرسة التي واجهها الدم المسلم يوم الانتخابات في العراق كان الإقدام على الانتخاب فوق توقعات الكثير من المراقبين، ولاينبغي أن تفوتنا المناسبة دون أن نقف عند دلالاتها ودروسها شيئاً ما:-
1) قد أثبت الشعب العراقي شجاعة فائقة في قبال الإرهاب؛ فمن الصدق أن يقال بأن النّاس خرجوا في مواجهة الموت ليعطوا أصواتهم لما اقتنعوا به، وهذا لابد أن يرجع بحالة من اليأس على جبهة الإرهاب، وهوكاشف عن ثقة عالية بخيارين عند المؤمنين: خيار الجهاد في سبيل الله وتثبيت كلمة المبدأ من غير خوف ولارعدة. وأن تنزل المعركة مدجّجاً بالسلاح يمثل شجاعة وتضحية، ولكن الأكثر شجاعة وتضحية أن يتطلب الظرف نزولك ميدان المعركة من غير سلاح إلا سلاح الإيمان فلا تتخلف عن ذلك. والأخوة العراقيون نزلوا معركة شرسة من غير سلاح في اليد، وإنما كل سلاحهم إيمان في القلب.
هذا خيار، والخيار الثاني تقديم الأساليب السلمية على أسلوب العنف في استرداد الحق، ومواجهة الظالم، ورد الغازي ماأمكن، وذلك من منطلق الحسابات الشرعية، بلا خلفية من خوف أو رعب أو بخل بالتضحيات وإلا لم يخرج المؤمنون للتصويت وقد تهددهم الموت وعاشوا مشاهده.
2) أثبت الشعب العراقي وعياً قويا في قبال الدعاية التضليلية والتزييف الإعلامي الذي مارسه عدد من الفضائيات والقنوات الإعلامية الأخرى.
3) أكّد المؤمنون على إيمان عملي راسخ بالمرجعية الدينية المؤمنة الكفوءة العادلة، وموقف رشيد مأخوذ من تعاليم أهل البيت عليهم السلام ووصيتهم الملزمة للأجيال المؤمنة المتلاحقة باتباع الفقهاء العدول الصائنين لأنفسهم المخالفين لهواهم المتبعين لأمر مولاهم الحق تبارك وتعالى.
وهذا الإيمان والرشد لايرتبطان بخيار المشاركة أو المقاطعة، وإنما يأخذان قيمتهما الدينية ووصفهما العنواني الحق من كونهما مفتوحين على أي خيار تحدده القيادة مشاركة كان أو مقاطعة، محاربة كان أو مسالمة.
4) قد أثبت أكثر من حدث من أحداث الساحة العراقية ومنها أحداث النجف الأشرف وكربلاء، وحدث الانتخابات وإصرار سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني عليها على رصانة الفكر السياسي لهذه القيادة وكفاءتها وإخلاصها وسعة صدرها وطول نَفَسها وبعد نظرها، وانفتاحها على مصالح جميع المواطنين.
ومنذ الثورة الإسلامية المباركة في إيران وإلى الآن يقدم الوجود المؤمن قيادة فذة بعد قيادة فذة، ويقيم البرهان على كفاءة القيادات العلمائية تلو البرهان.
5) لقد ردَّت الغزارة غير المتوقعة في الانتخابات العراقية بمشاركة الشيعة والسنة رغم بعض التخلفات على الدعوات الطائفية التي تستهدف تمزيق العراق. كما نجد رداً على هذه الدعوات المغرضة في تعليق الرموز الشيعية من أن السنة شركاء الشيعة في الحكم وفي كل الخطوات المتعلقة بحاضر العراق السياسي ومستقبله.
كما أن الوفرة الملحوظة في عدد مرشحي السنة للانتخابات لابد أن يحبط القول بأن الانتخابات خيار شيعي لا سني.
6) أثبتت تجربة الانتخابات في العراق وخيارها عند الاتجاه المؤمن أن هذا الاتجاه لايحتاج إلى من يعلمه الواقعية التي لاتمثل تمرّداً على المبدئية أو انفصالا عنها أو إضراراً بها، وكيفية التعامل مع الواقع وإدخاله في المعادلة بما يخدم الفكرة، ويوظفه لصالح المبدأ.
7) الانتخابات العراقية ليست نقلة سياسية خاصة بواقع وتاريخ العراق وحاضره ومستقبله وإنما لها انعكاساتها الإيجابية على المنطقة العربية والإسلامية بكاملها.
8) لم يخرج شعب العراق في مواجهة الموت ليثبّت الوجود الأمريكي، والشعب العراقي ليس بالشعب الذي ينخدع بألاعيب أمريكا، ولم تكن انتخابات العراق خياراً أمريكيا، وإنما كانت بضغط متواصل من المرجعية الدينية. والمؤمنون في العراق لم يخدعهم الإعلام المضلل كل هذه المدة ليخدعهم الإعلام الأمريكي. ولن تنقص المؤمنين الشجاعة في مواجهة الطغيان الأمريكي إذا أصرت القوات الغازية على الإقامة الطويلة في العراق.
9) نحن نعلم بصدق الشعارات الوحدوية وشعارات العدل والإنصاف والحفاظ على الأخوة الإسلامية والوطنية التي تطلقها المرجعيات الدينية والسياسية الشيعية في العراق ولايمكن أن يكونوا غير ذلك لوعيهم الديني، وبُعدهم عن العصبية وتتلمذهم على مدرسة أمير المؤمنين وأب الأمة بحق بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب عليه السلام.
10) للشعوب الإسلامية خيار مكبوت وهو خيار الإسلام الذي لاتقدِّم عليه شيئاً؛ فكلما أُتيحت لها فرصة التعبير برهن موقفها العملي على ذلك. وهذا ما تقوله الانتخابات البلدية في فلسطين، وانتخابات الجمعية الوطنية العامة في العراق، وكل انتخاب يجري في أرض الإسلام.
ومن المفارقة في الديموقراطية أنها كلما وصلت إلى نتيجة من هذا النوع انقلبت على نفسها على يد المتشدقين بها وكفرت بخيارها كفراً شديداً وقلبت الطاولة كما يقولون رأساً على عقب كلما دخل في إمكانها أن تفعل. ولنتذكر تجربة الجزائر، وتجربة تركيا مع أربكان، ولنسمع الإعلام الآن في هلعه من ديموقراطية توصل الإسلاميين إلى الحكم.
والإسلاميون أحرص الناس على مصلحة أوطانهم ورعايتها من دون أن يطلبوا مصلحة الوطن بتقويض مصالح الآخرين، ولا تعني مصلحة الوطن عندهم مصلحة الحكم والنظام على حساب المستضعفين والمحرومين، ولا أمنه أمن الحاكم والنظام فحسب.
عشرة الفجر:-
فجرٌ لانبعاثة إسلامية جديدة وُفِّق عبدٌ صالح من أبناء هذه الأمة، ومن النسل الطاهر، وتلامذة القرآن والرسول صلى الله عليه وآله وعلي وبنيه المعصومين عليهم السلام لأن تكون على يده وتحت راية الجهاد الذي آمن به، وأعطى له حياته وهو الإمام الخميني أعلى الله مقامه، وتغمده برحمته ورضوانه.
إنه فجر وعي رشيد، ونصر إسلامي مبين. فجر امتد شعاعه إلى شرق وغرب، وبدد من ظلمات هذا العصر، وأزاح عن جاهليته الستار، وبشر بعصر جديد، وأحدث أكثر من فتح، ولن تتوقف الفتوحات المتلاحقة بعده إنشاء الله حتى ظهور الإسلام كله على الشرك كله على يد المذخور للفتح الأكبر من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وإن الإمام الخميني لم يرحل حتى أحيا الله به أمة من المؤمنين، وهيأ رجلاً صالحاً يقود المسيرة الإيمانية الصاعدة على طريق الله مواصلاً الجهاد في سبيله بعده، ومثبّتاً لأركان الإسلام في الأرض.
وإن تاريخ الإمام الخميني، وتاريخ الثورة الإسلامية في إيران والدولة المباركة ليقول للناس جميعاً أوجد رجلاً قرآنياً واحداً توجد أمة إيمانية حيَّة أبيّة ناهضة فاعلة واعية مريدة صامدة سباقة على طريق القوة والكمال في اتجاه الله.
والقيادة لن تتراجع والأمة لن تنكفئ، والله هو الولي الناصر، وغد الأمة المؤمنة ما جدَّت وأخلصت لله أفضل من يومها، والمستقبل أمامها مشرق ما اهتدت بهدي ربها العظيم.
وإذا كانت ثورة السيف لها أمد، فإن ثورة الفكر والإرادة الإيمانية والوعي والبناء الصالح وحركة الواقع الإيجابي الرشيد، وتنشيطها والدفع بها إلى الأمام ليس لها أمد. وإقامة الدولة لاتمثل نهاية الثورة على صعيد إنسانية الإنسان بل تمثل مرحلة من مراحل نموها وازدهارها. وليس أمام ثورة الوعي الرشيد، والإرادة الصالحة، والموقف الإيماني العملي المعطاء نهايةٌ ولا أمد.
الحوار الدستوري:-
ما كان من باب الخطأ والخروج على الحالة الدستورية أن بدأ حوار بين السلطة تمثلها فيه وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبين الجمعيات الأربع. وما كان الأمر سرّاً مكتوماً وإنما كان محِل التداول الإعلامي المكشوف.
وخطأٌ أن نقول أن حواراً من هذا النوع مضرٌّ بوضع البلد والمصلحة الوطنية، أو أنه خارج على مقتضى الدستور، ويجب أن يتوقف بعد أن بدأ من باب الغفلة أو ارتكاب الغلط تسامحاً ولابد من التدارك والأخذ بالاستغفار. هذا خطأ.
الحوار هو الصحيح، والتوقف فيه ضرر، والهدف هو الوصول إلى صيغة توافقية في مسألة الخلاف، والتخريج لهذه الصيغة ليس محل بحث جذري واهتمام بالغ.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا، ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجميعن، ولوالدينا وأرحامنا ومن أحسن إلينا منهم إحسانا خاصاً، واهدنا سواء السبيل، ولاتضلنا بعد إذ هديتنا، وعافنا ماأبقيتنا، وأحسن مثوانا ومنقلبنا إذا توفيتنا، وارزقنا سعادة الدارين ومن نحب ومن يعنينا أمره ياكريم يارحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – دعاء أبي حمزة الثمالي الذي رواه عن الإمام زين العابدين عليه السلام.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى