خطبة الجمعة (180) 18 ذو القعدة 1425هـ – 31 ديسمبر 2004م
مواضيع الخطبة:
الإنفاق في المال+ لا تجبنوا + إعلام هدى وإعلام ضلال + عار على المسلمين + العلماء ومشاريع الدول + زلزال المحيط الهندي
* المال له وظيفة رساليَّة، وحين نفصل المال أو أي شئ في هذه الحياة عن وظيفته الرسالية فقد أسقطنا عنه قيمته الحقيقية
الخطبة الأولى
الحمدلله خالقٌ غير مخلوق، ورازق غير مرزوق، غالب غير مغلوب، يحيي ويميت، وهو حيّ بلا حياة من غير، دائم لايأتي عليه موت ولا فناء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخاطئة بتقوى الله، والنأي عن الخطايا، وتجنب الخصومات التي تهبط بالنفس، وتذهب بالمروءة، وتفتك بالشرف، وتسبّب اضمحلال الدين، وطلب الغلبة ولو بالباطل،فقليلٌ مَنْ يخاصم فيحتفظ بدينه، ولايطلب الظهور ولو بظلم، ويراعي حدود الله في خصومته؛ فعن أمير المؤمنين عليه السلام:”لايستطيع أن يتقي الله من خاصم”(1).
فصعب في العادة أن تجتمع الخصومة والتقوى؛ إذ الخصومة تثير روح الانتقام، وتدفع للتَّشفّي، والانتصار للذات المستهدفة من الآخر ولو بتحطيمه وإسقاطه بغير حقّ، وأين هذا من روح التقوى وأجواء التحرّز من ظلم النّاس؟!
وإذا كانت خصومة أهل الحق مع أهل الباطل أمراً لابد منه، فإن الخصومة بين أهل الحق مما ينبغي أن يُفرَّ منه، فمن أسرع إلى مثل هذه الخصومة أقحم نفسه في السرف عليها من غير حساب.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ووفقنا لإنفاق الليالي والأيام في خير ما جعلتها له، وأرضى ما ترتضى به، ونزّه جوانحنا من السوء، وجنِّب جوارحنا من اكتساب السيئات يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الكرام فالإنفاق للمال ثلاثة أنواع كما نقرأ عنه في الإسلام: مطلوب، ومرفوض، ومردود غير متقبَّل.
أ. الإنفاق المطلوب: إنفاق ينفعك، يبنيك… يرتفع بمستواك، يصل بك إلى غايتك الكريمة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى. وهذه هي الوظيفة الأصل في المال، فالمال إنما هو رزق الله سبحانه وتعالى للانسان؛ ليستعين به على بلوغ الغاية القصوى من وجوده، وهي كماله الذي لايتم إلا بأن يكون في حياته كلّها على طريق رضوان الله سبحانه وتعالى.
المال لبناء العقول والنفوس، ونقاء الأرواح، المال لصناعة الأسرة الإيمانية المتماسكة الفاعلة الإيجابية، لصناعة المجتمع الإيماني السعيد، لبناء أمة الهدى والخير في الأرض، لإخراج الإنسان من الظلمات إلى النور. وكل ما بيده هو من أجل هذه الغاية التي لايمكن أن تتم إلا عبر منهج الله سبحانه وتعالى وتربيته التي اختارها لعباده.
وهذه وجوه أو أمثلة من وجوه الإنفاق المطلوب في الإسلام:
1) “خير مالِك ما أعانك على حاجتك”. المال لسد الحاجات، إما أن يبقى في خزاناته، والحاجات قائمة ملحة في حياة الفرد والأسرة والمجتمع فذلك هو السفه، وذلك هو التعطيل للدور الذي كان من أجله.
“المال ماأفاد الرجال”. قدّم لهم الصحة والوقاية، وتوقوا به من المرض، وحموا به أنفسهم، وأسرهم، ومجتمعهم، حموا به أعراضهم، احتفظوا من خلاله بشرفهم.
2) “أفضل المال ما وُقي به العرض، وقضيت به الحقوق” تُثقل الذمة بالحقوق. والمال محبوس في اليد، ويفاجىء المرء الموت، ولم يبق في يده من دنياه شيء فماذا يخلّصه من حقوق الناس؟ وماذا يفيده من أمواله الكثيرة وأرصدته الضخمة؟ كسب كل حياته، واختزن المال، وذهب للعذاب،ويوم القيامة لو كانت الدنيا كلها بيده ما أنقذته، واليوم ينقذه الدينار والدرهم من تبعات الحقوق.
{ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(2).
والتعبير بسبيل الله يفتح أوسع الأبواب في الخير، ويضم إلى الوظيفة الشخصية للمال الوظيفة الاجتماعية العامّة، ويضم إلى دوره في إصلاح الدنيا دوره في إصلاح شأن الآخرة، فليس المال لإصلاح الشأن الدنيوي فحسب وإنما هو لإصلاح شأن أخرانا ودنيانا معا.
المال له وظيفة رسالية، وحين نفصل المال أو أي شيء في هذه الحياة عن وظيفته الرسالية فقد أسقطنا عنه قيمته الحقيقية. ليست القيمة الحقيقية للمال وأي شيء آخر أن نعيش به أياما وليالي لنذهب جثة هامدة، وكتلة من اللحم والدم جائفة، الوظيفة الحقيقية لأي قوة في يد الإنسان في هذه الحياة أن تصنع له انسانيته فعلاً، وأن تتقدم بمستواه… أن يرتقي بها عقليّاً، أن يرتقي بها نفسيا، أن يرتقي بها روحيا، أن يكون ذلك الإنسان الكبير في كل يوم بالقياس إلى أمسه.
المهم في حياة الإنسان هو أن يخرج من وضع اللحم والدم والعصب إلى حالة الإشعاع الفكري، والإشعاع الروحي، وأن يرقى في جانب روحه على الأيام.
ب. الإنفاق المرفوض:
هو إنفاق يتأخر بك، يحطّمك، يفصلك عن غايتك، ينحدر بقدرك، لا تكف به النار عن وجهك، يُسقط الشرف، أو يذهب هباء. هذا هو الإنفاق الذي لا يرتضيه الإسلام.
عن الصادق (ع):”من كان له مال فإياه والفساد، فإن إعطاءك المال في غير وجهه تبذير وإسراف، وهو يرفع ذكر صاحبه في النّاس، ويضعه عند الله”.
هذا المال لم يبذله صاحبه في معصية، ولكنّه أنفقه لغير هدف بنّاء، وربّما أعطى منه الغير ولكنّه لم يعطِ منه من منطلق الإنسان الواعي الرسالي الذي يلحظ الآخرة وهو يتعامل مع الدنيا.
هذا المال جهدك وجهد الآخرين، وعرقك وعرق الآخرين، هذه الورقة النقديَّة ليست ورقة، هذه الورقة تتلخّص فيها أيام وليال، وهي تعني جهدا وعرقاً، وقد تعني معاناة فكرية ونفسية، فأنت حين ترمي بهذه الورقة الصغيرة، وحين تضعها في غير موضعها فقد وضعت كل ذلك الجهد والمعاناة والنصب والفكر في غير موضعه.
وربما رفع الإنفاق لغير وجه الله سبحانه ذكر صاحبه في الناس، لكن من السفه الشديد أن يبيع الإنسان رفعته عند الله برفعة في الناس، بل يطلب أن يكون الوضيع عند الله بأن يرتفع عند الناس، وهل وجدت من الناس لجأً في شدة من الشدائد بلا فضل من الله؟ وهل لجأ الناس كل الناس عند الشدة إلا إلى الله؟!
“أمسك من المال بقدر ضرورتك، وقدِّم الفضل ليوم حاجتك”. عندك ضرورات تتوقف على قضائها حياتك، حياة ولدك، وحياة زوجك، بذل المال الذي يتوقف عليه قضاء الضرورات البالغة فضلا عن كونه غير مطلوب هو مرفوض في الإسلام. صحيح {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} وهذا خلق عال كريم، ولكنّ القاعدة لاتجيز لك أن تقتل ولدك بحياة الآخرين.
افرض أن هذه الحفنة من المال لا يمكن لها إلاَّ أن تقيم أَوَدَ عائلتك التي لاتجد سبيلا آخر لحياتها في هذا الوقت، فبْذلُك هذا المال إلى الحسينية، وإلى المسجد في غير موضعه. ابدأ بعائلتك، لكن ليس إلى الحد الذي يصرفك عن الإنفاق والمشاركة في الشأن الاجتماعي العام وفي الشأن الرسالي وحفظ الدين،وأن يصل الأمر إلى عدم استقرار الدينار في يدك مع تضور أولادك وزوجك فهذا غير صحيح.
أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهما السلام آثرا، ولايمكن أن يتصور في حقهما أن يؤثرا بحقّ الولد بما يسبب موته.
“شر الأموال ما أكسب المذَّام” هناك مال يبني مجداً، ومال آخر يهدم المجد، مال يقيم شرفا، ومال يهدم الشرف، ويلحق العار. فأن يختار المرء لماله أن يهدم به شرفه، وأن يذهب به مجده، وأن يسيء إلى نفسه وأهله فذلك من شرّ الشر.
وكيف يهدم المال الشرف والمجد؟
الصورة ليست غريبة، اليوم فقير مسكوت عنه على الأقل، وغدا غني فيُنفق المال في معاصي الله فيسقط بذلك شرفه وشرف بيته.
الإنفاق رياء.. الإنفاق للصد عن سبيل الله كل ذلك من الإنفاق المرفوض. أي إنفاق كان فيه هدم الدين، كان فيه هدم المجتمع، كان فيه معصية لله عز وجل فهو إنفاق مرفوض في الإسلام كما هو واضح.
ج. الإنفاق المردود: الإنفاق الذي لاينطلق من إيمان، من نية صادقة… الإنفاق الذي يكون رياء، نفاقا، للشهرة الدنيوية، للتصيّد الاجتماعي، كل ذلك إنفاق وإن كان ظاهره أنه في سبيل الله إلا أنه إنفاق مردود غير متقبّل {قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (3)(53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}(4).
لاتجبنوا:
{ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(5).
وعن الرسول صلى الله عليه وآله:”ما نقص مال من صدقة قط، فأعطوا ولاتجبنوا” ،لاتجبنوا في مقام الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى خوفا من العيلة، والفقر.
وعن الصادق (ع):”إن الصدقة تقضي الدين، وتُخلف بالبركة” ،والبركة أعمّ من بركة الدنيا وبركة الآخرة. وبركة المال أن يُنمّيك، أن يتحوّل إلى مشاعر طاهرة في داخلك، أن يتحول إلى ثقة بالله ورضى به سبحانه وتعالى، ورضى منه، وإلا فالمال الذي يقف بك عند الأرض، الذي ينحط بالقدر، الذي يتحول بالإنسان من شعلة هدى، إلى كتلة شر هل نطلق عليه مال بركة؟! إنه مال سوء.
{مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ } فحيث يكون التعويل على الأرصدة المذخورة في المصرف، وما في الخزانات فهذا محدود، وينفد، أما حيث يكون التعويل على ما عند الله، فهو من التعويل على مالا ينفد.
“لا تعطي العطية تلتمس أكثر منها” لا تعطي العطية لأحد تلتمس أكثر منها من الناس، فإنك تتعامل مع محدود، مع بخيل، مع من قد لايفي، تعامل مع الله، واعطِ العطية لله، لاتلتمس منها أكثر منها عند الناس، فإن تعاملك هنا سيكون التعامل مع الباقي، الدائم، الضامن، الغني، الذي يفي سبحانه وتعالى.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، واجعل ما آتيتنا من فضلك وصلة لنا إلى رضوانك، ولا تجعل شيئا مما رزقتنا ثمنا نشتري به نارك وسخطك وطردك الأليم، وعذابك المقيم، ياأرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
الخطبة الثانية
الحمدلله القادر على كل شيء، وكل شيء مقهور لقدرته، العليم بكل شيء، وكل شيء حاضر لديه، الرَّحمن الرَّحيم، وكل شيء محتاج لرحمته، والقيّوم على كل شيء، ولاقيام لشيء إلا بقيوميته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وسلاماً.
علينا عباد الله بتقوى الله والحذر من فتنة الدُّنيا وغرورها؛ فمن سقط من أبنائها في فتنتها لم تُبق منه عقلاً ولا ديناً، ومن غرَّته منهم انتهت به إلى خواء وشقاء. وأمامنا كل من كان على ظهر الأرض وصار إلى بطنها من ضعفاء وأقوياء، وفقراء وأغنياء، ومغمورين ومشهورين؛ فلينظر ناظر ماذا بقي لهم منها؟ وبماذا ارتحلوا عنها؟ وما فخرُ مكثرهم على مقلّهم منها؟ وماذا ينتظر غدا محسناً ومسيئاً فيها؟
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واجعلنا ممن نظر فاعتبر، وعاين فاتَّعظ، وتعبّأ ليوم معاده واستعد.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على خاتم أنبيائك ورسلك، محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة المعصومة.
وعلى الأئمة الأطهار الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، الحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، وسائر المؤمنين أيدهم وسددهم لمراضيك.
أما بعد أيها الملأ الطيّب فإلى هذه الموضوعات:-
أولاً: إعلام هدى وإعلام ضلال:
فرنسا وأمريكا قسّمتا الإعلام إلى إعلام هدى وإعلام ضلال. إعلام تحضّر وإعلام إرهاب،إعلام لصالح الإنسانية فيما تراه، وإعلام لغير صالح الإنسانية فيما تراه. تحتضن الأول، وتحارب الثاني، تُدين وتحرق وتلاحق من يأخذ به، وتحرّض عليه، وتستبيح دمه.
والقضية يتبناها الرأي الفقهي فتكون تحجُّراً ورجعية وظلاميَّة، وأما إذا تبنتها فرنسا وأمريكا كانت ذكاء وحماية مصالح ونقاء حضارة ووعيا وتقدّما.
معيب على الفقهاء ورجعية من الفقهاء، وتحجّر من الفقهاء أن يقولوا بأن هناك كتاب ضلال، وأن يفتوا بعدم قراءة كتب الضلال إلا استثناء لمن كان قادرا على الرد، وآمنا من التأثّر السلبي.
ذلك رجعية، وذلك تحجّر، ولكن يوم أن تقول أمريكا وفرنسا بأن إعلام قناة المنار إعلام معاد للثقافة الفرنسية، ومضر بالسامية، أو تقول أمريكا إنه إعلام إرهابي فهذا حق، وهذا صحيح، وهذا تقدم!!!
فالحق يدور في نظر كثير من العلمانيين مدار الرأي الغربي والتصرف الغربي، الحق يدور مادارت أمريكا ومادارت فرنسا ومادارت أوروبا.
وتسأل المنكرين على الفقهاء قولهم: هل هناك إعلام هدى وإعلام ضلال؟ وكتاب هدى وكتاب ضلال؟ يقولون لك: نعم. وما هو تحديدهما؟ إعلام الضلال هو إعلام يدافع عن الإسلام، ويكشف الحقائق المرة عن الغرب، يحاول أن يقود البشرية إلى الله. أما إعلام الهدى فهو ماقدّس الحضارة الغربية ومجّدها وذاب فيها، وتمرّغ على أقدامها.
هكذا هو الجواب، وهو جواب تستوعبه كثير من النفوس لأنه يأتي بلغة ساحرة، وبفنٍّ بالغ الجودة.
والكلام مع الجماهير المؤمنة حيث تستوحش من طرح مقولة الفقهاء بأن هناك كتاب هدى وكتاب ضلال؛ الأول يجب أن يُحتضن، والثاني يجب أن يُحذر منه.
ثانياً: عار على المسلمين:-
في العراق تفجيرات، واختطافات، وتفخيخات، وانتحار ومجازر، وخليط مرعب بعضه أمريكي وآخر بعثي، وزرقاوي في العراق.
أمريكا غازية باغية لايستكثر عليها بطش ولا ظلم ولا خراب. وكأنها أخذت على عاتقها أن تُفسد في الأرض وهي كذلك.
والصدَّاميون أخوة الأمريكان في التنكر للدين والقيم. وقد عوّدوا العراق، وعوّدوا العالم على ارتكابهم الجرائم البشعة يوم حكمهم ولا يزالون على هذا الطريق.
والجهتان – الأمريكان والصدّاميون – عار وشاهدا سوء على إنسانية الإنسان؛ فحيث نقرأ الإنسان في الأمريكان وفي الصدّاميين فإنما نقرأ وجودا مجرما وقحا ساقطا.
والزرقاويون ظاهرةً وواقعاً على الأرض- وُجد زرقاوي بهذا الإسم أو لم يوجد – يعلنون الانتصار للإسلام، والتحرك من وحيه، ويعبثون بالدماء البريئة، ويسترخصون النفس المسلمة المحترمة، ويستهدفون النماذج الطاهرة من العلماء والصلحاء المجاهدين وأماكن العبادة بالدمار فيسيئون للإسلام، وإذا مثّلوا عارا فهم يمثّلون عارا عليه.
وهنا سؤال:
قتل العلماء ومحاولات تصفيتهم من وراها؟
أمريكا محتمل ذلك في حقها جدّا، البعثيون محتمل ذلك في حقهم جدا، الزرقاويون بعصبيتهم وفهمهم الخاطئ للإسلام محتمل ذلك في حقهم جدا.
العلماء الذين يريدون للعراق حياة كريمة، حياة عادلة، لا تستأثر بها طائفة دون طائفة، ولا يكون فيها ظلم من أحد لأحد، ويريدون أن يعطوا الفرصة للشعب العراقي للتعبير عن رأيه بحرية في مسألة حاضره ومصيره هؤلاء العلماء لا ترضى بهم أمريكا ؛لأنها تريد العراق لنفسها لا للعراقيين، ولا يرضى بها الصداميون لأن الصداميين هم المستأثرون المستكبرون كما هي أمريكا، ولأنهم طاردوا إرادة الشعب العراقي وحريته طوال تلك السنوات.
الزرقاويون بعصبيتهم وأفقهم الضيق، ورؤيتهم الخانقة، وطريقتهم الخاصة لايريدون أن يعبر العراقيون عن إرادتهم، وعن رأيهم، وإنما يريدون العراق فيما يُتصورونه لهم.
وسؤال آخر:
القيادة في مواجهة أمريكا في العراق للصداميين أو الزرقاويين؟ ولو انهزمت أمريكا في العراق على يد الصداميين والزرقاويين، وحُرم الشعب العراقي ممارسة حريته والتعبير عن إرادته، فلمن يكون العراق للزرقاويين أو للصداميين؟
لاشك أن أمريكا أقرب للصداميين منها للزرقاويين، وأن الصدَّاميين أقرب إلى أمريكا منهم إلى الزرقاويين.
أمريكا ستتنازل عن شيء، والبعثيون في العراق سيتنازلون عن شيء، ويكون الصلح والعرس بينهما لو قُدّر اندحار أمريكا لا على يد الشعب العراقي وإنما على يد الزرقاويين والبعثيين. أما الزرقاويين فلا ناصر لهم في الأرض، لا من البلاد العربية، ولا من أمريكا. والصدَّاميون إذا انفتح لهم باب العودة إلى الحكم كانوا عدوّاً لهم ومستعدّين لتصفيتهم.
فالزرقاويون يقاتلون بعنف، ويستبيحون دماء المسلمين، ويضحّون بأنفسهم لكنهم في الأقرب آلة مسيّرة من قبل الصدّاميين، وأن النتائج لن تكون من حصاد الزرقاويين وإنما هي من حصاد الصدّاميين لو تم شيء من ذلك.
ثالثاً: العلماء ومشاريع الدول:-
1. هناك مشاريع في صالح الإسلام والمسلمين قد تتبناها هذه الدولة أو تلك، وهي مشاريع بلا مردود سلبي للمشاركة فيها، ولا يمثل الدخول فيها دعماً للنظام،والعلماء يرون في هذا الغرض جواز المشاركة وقد يبلغ الأمر حد وجوب المشاركة وذلك في حالات استثنائية.
2. مشاريع أخرى تضر المشاركة فيها بالإسلام والمسلمين. والموقف الصريح للعلماء هنا هو عدم المشاركة.
3. مشاريع نافعة ولكن المشاركة فيها أكبر ضررا أو مساوية فلا مشاركة. مشاريع مضرة، ولكن المشاركة فيها أكبر نفعاً فهنا يأتي جواز أو وجوب المشاركة حسب درجة النفع وضرورته.
وتشخيص العلماء إنما يتم في ضوء فهمهم للحكم الشرعي وتقدير المصالح.
رابعاً: زلزال المحيط الهندي:-
هو لغة من لغة القهر الإلهي، ورُبّ قهر فيه رحمة… وهو قهرٌ حجة على العباد. فلعل الإنسان يعرف قدره ويطأطىء برأسه وإن لم يفعل، فقد تمَّت الحجة عليه ولله الحجة البالغة على خلقه.
وإذا كان المد الطاغي لزلزال المحيط الهندي نسف قرى ومنجزات وقتل عشرات الألوف، وشرّد الملايين، وأصاب مئات الألوف، وإذا كانت تفجيرات نيويورك قد أذهلت أعتى بلد في العالم وأكثر استكبارا فليتذكر الإنسان ضعفه ووهنه ومحدوديته ومحكوميته يوم تتفجر البحار، وتتناثر الكواكب، وتتبعثر القبور، وتنشق الشمس. فليتذكر اليوم الموعود ورعبه وفضيحته وحسابه وعذابه.
فليتذكر اندكاك الجبال، وكيف تمر مر السحاب. فليتذكر الزلزال الكوني الهائل، ويوم أن تكون السماوات غير السماوات، والأرض غير الأرض. فهل يعي هذا الإنسان؟ هل ينكسر غروره؟
واليوم يتراءى للإنسان أن هناك مجيرا، فالناجون من الزلزال على معاناتهم، وعلى ألمهم يسمعون عن تجاوب من هنا وهناك، وعن إغاثة من هنا وهناك ولكن يأتي يوم ينكشف أن لامجير إلا الله، فمن عادى الله فلا مجير له.
ما حال من كان الله عدوّه يوم القيامة ولا مجير غير الله؟!
فليطا من الإنسان من غروره… فليتوقف عن ظلمه وبطشه وإفساده… وليتراجع عن نهبه وغصبه وسرقته بوهم أنه يحمي نفسه، ويؤمّن مستقبله، ومستقبل أولاده…فليطأطىء الإنسان برأسه ويستسلم لأمر ربه ونهيه. قهَّار لا قهار معه، جبار لا جبَّار غيره…. قادر لاقادر سواه.
ويخرس الإنسان، ويلوذ بالصمت، وتخسأ إرادته أمام قضاء ربه وقدره في الحياة، وبعض أوضاعه العادية تحوط به، وإذا كان شيء عندئذ فهو العويل والصراخ والاستغاثة.. فلا طائرات تُقلع أمام الزلزال، أمام البركان، أمام الحوادث الطبيعية المدمرة، ولا صواريخ تُطلق، ولا سلاح يتحرك، أتكون طائرات أتكون صواريخ أيكون تحرك أمام قدر الله؟!
ضربة زلزال أو بركان تخرس الإنسان، ولا تحدثه عندها نفسه أن يقابل بسلاحه ومنتجات حضارته فكيف به أمام الزلزال الكوني الهائل الكامل الشامل؟!
أمواج تحركت بسرعة 500 كليو متر في الساعة فبهت العالم، تفجّر البحار يوم القيامة ماذا يعني؟ إذا كان ذرات البحار ستُفجّر، ما حال هذا العالم؟ أو كانت هذه التفجيرات الظاهرية، وأن المحيطات والبحار تتفجر بمعنى تتبعثر أن أمواجه تنطلق بسرعة ملايين الكيلو مترات، فأين سيكون الإنسان من هذا الوضع؟ له قلب، له إرادة، له صبر، له نفس، له مواجهة؟! اعرف نفسك أيها الإنسان، إنك محدود، إنك مخلوق، إنك مملوك، أطع ربك سبحانه وتعالى.
وعلينا أن نشارك في الإغاثة ولو بالفلس الأحمر.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم أصلح أمور المؤمنين والمسلمين، واكفنا طوارق الليل وحوادث النهار إلا طارقاً يطرق بخير من عندك يا ذا الجلال والإكرام، وادرأ عنا بغي الباغين، وكيد الظالمين، يا غالباً لايغلب، وسابقا لا يسبق، يا من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الحكمة 298/ النهج.
2 – 261/ البقرة.
3 – وراء هذا الإنفاق نية فسق. واقع فسق، هذا الإنفاق نفسه إنفاق فسق، وإلا فإن الفاسق في جهة لو أنفق المال بنية الطاعة الخالصة فإنفاقه متقبّل، عليه سيئة فسقه في الجانب الآخر وله حسنة طاعته في هذا الجانب.
4 – 53 – 54/ التوبة.
5 – 261/ البقرة.