خطبة الجمعة (170) 30 شعبان 1425هـ – 15 اكتوبر 2004م
مواضيع الخطبة:
حضارة الطين وحضارة الإنسان(21) + السلاح النووي لمن وعلى من؟ + مسألة التشريع في المجلس الوطني لقضية الأحوال الشخصية وأحكام الأسرة + الإصلاح
أي إصلاح اقتصادي، أو إداري أو اجتماعي أو غير ذلك محتاج أساسا إلى إصلاح سياسي، ومن غير الإصلاح السياسي تكون العملية عملية إعلام أكثر من كونها عملية إصلاح حقيقي، وتكون العملية عملية عاجزة عن بلوغ أهدافها على تقدير الإخلاص.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا غوث إلا منه، ولا فرج إلا من عنده، ولا لواذ إلا إليه، ولا عوذ إلا به، ولا مخرج من سوء إلا بأمره. بك نعوذ ونستجير، وإليك نلوذ ونفزع ياربَّ العالمين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله؛ ألا فلنتق الله فإن أحداً لا يُنقذ أحداً من غضبه، ولا يُغني أحدٌ أحداً عنه، ولا تملك نفس لنفسها خيراً من دون فيضه، ولا تدفع عنها شرّاً إلا بإذنه.
وكيف تنسى نفسٌ بارئها الذي وهبها الوجود والحياة وهي لا تدوم إلا به، ولا مالك لها من دونه؟! إنها إن تنسَ أو تستخفّ بأمر ربها حقّت عليها كلمة العذاب.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واجعلنا ممن يذكرك ولا ينساك، ويخافك ويخشاك، ويحبك وينقطع إليك، ويثق بك ويتوكل عليك، ويعبدك ولا يعبد أحداً سواك يا أرحم الراحمين.
أما بعد يا إخوة الإيمان فمع عنوان (الحضارتان والعلاقات الإنسانية) من موضوعنا السابق: حضارة الطين وحضارة الإنسان.
الحضارتان والعلاقات الإنسانية:
السؤال المطروح هو: ما نوع العلاقات الإنسانية التي تترشح عن طبيعة حضارة الطين، وعن طبيعة الحضارة الأخرى؛ حضارة الإنسان، وذلك حسب اقتضائهما؟
الحضارة في تصميمها النظري، وفي أوضاعها العملية لا تمثّل فاعلاً حيّاً مريداً يتفرّد بعملية الصنع والتكوين للفرد وللمجتمع، فالصحيح أنّه تبقى للإنسان إرادته، ويبقى له أن يتفاعل مع الأطروحة الحضاريَّة أو لا يتفاعل. ولكن مقتضى هذه الحضارة في ذتها وما يمكن أن تنتجه يختلف عن مقتضى تلك الحضارة وما يمكن أن تنتجه.
ما هو إنتاج حضارة الإنسان، وما هو إنتاج حضارة الطين؟ أهو علاقات إخاء واتصال أو علاقات انفصام وخصام؟ أتنتج هذه الحضارة أو تلك علاقات تعاون أو تقاطع، وأي تعاون إن كان؟ تنتج علاقات استعلاء واستكبار، أو علاقات احترام ومساواة؟
ونأتي إلى كل من الحضارتين في مقتضاها لهذا النوع أو ذاك النوع من العلاقات.
حضارة الإنسان والإيمان:
وكلما قلنا حضارة الإنسان فنعني بها الحضارة التي تتخذ الإنسان هدفاً لها تطويراً ورقّياً وصناعة سوية، وتلك هي حضارة الإيمان.
الكلام تحت حضارة الإنسان والإيمان يتمثل في أكثر من نقطة:
الأساس الفلسفي: هل الأساس الفلسفي لهذه الحضارة يعطي هذا النوع من العلاقات أو يعطي ذلك النوع من العلاقات؟
الركائز الأساس لحضارة الإيمان عمّ تترشح؟ تترشح عن أخلاقية إنسانية تُعنى بالإخاء الإنساني، وتُعطي علاقات إنسانية إيجابية أم هو العكس؟
الأصول الأولى:
الأصول الأولى لهذه الحضارة مجسّدة في الإسلام والقرآن نأخذ عنها
1. خالق واحد:
صورة:
خالق واحد لكل شيء، وكل شيء ملكه، وواضح جداً أن الخالق لا يريد فساد من خلق وما خلق، وإنما يريد إصلاح من خلق وما خلق، ثمّ هو لا يأذن لغيره بأن يُفسد خلقه، بل يدفع ذلك الغير على خط إصلاح من خلق وما خلق.
فالعلاقات التخريبية، علاقات الفساد والإفساد، علاقات الظلم، علاقات الاستكبار والاستعلاء تخريب لخلق الله، لا تنسجم مع هذا الأصل فهذا الأصل يرفض هذا النوع من العلاقات، ويؤكد العلاقات من النوع الإيجابي.
2. الأصل الإنساني:
هذا الإنسان خلق مُكرّم، ومن أصل مشترك، هو قبضة من الطين، ونفخة من الروح تشرّفه.
هذا هو الأصل الأول للإنسان، ثم يأتي في أصله من الدرجة الثانية وأنه من ذكر وأنثى. وذلك الذكر والأنثى مرجعهما الأصل الأول قبضة الطين ونفخة الروح.
هذا الأصل وهو أصل أخوة، وأصل منبت واحد، هو بالآخر لا يقتضي إلا نوعا من العلاقات الإيجابية التعاونية الخيّرة.
3. هدف واحد:
والأهداف قد تتسع وقد تضيق، الهدف الواحد قد يتسع وقد يضيق، يتسع بما لا يخلق صراعا، ويضيق حتى يتقاتل أصحابه في سبيل الوصول إليه، ذلك لضيقه واختناقه.
الهدف في حضارة الإيمان تقول عنه الآية الكريمة:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وليس أوسع من هذا الهدف لأن عبادة الله سبحانه وتعالى في بُعد من أبعادها تعني خدمة الآخر، وتعنى الإخلاص للآخر، ورعاية مصلحة الآخر. فهو هدف لا يثير الصراع بل على العكس يدفع إلى التآلف والتعاون والحل المشترك للمشكلات.
4. منهج أخلاقي:
منهج قيميّ أخلاقي يعتمد التكليف والمسؤولية وقضية الحساب والثواب والعقاب، وهذا المنهج القيمي الأخلاقي إنما يُنتج ما هو من طبيعته، وبحكم تجانس المقدمة والنتيجة لابد أن تكون النتائج القائمة على أصل من هذا النوع ومنهج من هذا النوع هي نتائج التعاون والتكافل، ورعاية الطرف الآخر، ورقابة الذات ومحاسبتها عند كل حالة من حالات الانحراف.
5. ميزان تقييمي عالمي:
اعتماد ميزان عالمي في التقييم لا يضيق بضيق القومية، ولا يضيق بضيق العشائرية والفئوية وأي حالة أخرى. هو فوق هذه الحالات كلها، وأوسع منها، ويستوعب العالم كلّه.ونطالعه في الآيات الكريمة الآتية:-
{قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تفاضل بين الخبيث والطيّب، والطريق مفتوح أمام كل شخص في العالم أن يتوفّر على الطيّب، وأن يتخلص من الخبيث ليسبق، وليتقدم على من سواه، فهو مقياس مفتوح على كل العالم.
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} عقل نيّر، نفس نيّرة، قلب طاهر لا يستوي مع عقل وقلب وروح قد تلوّثت بما يجعل صاحبها عنصرا مضرّاً.
هذا المقياس الذي تتحدث عنه آيات سابقة ولاحقة، ظاهر بعض الآيات الكريمة التي تقرّره أنه للآخرة، وبعض آخر ينفتح به على حالتي الآخرة والدنيا.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} مقياس العلم، والعلم قد هيأ الله له سبحانه وتعالى الإنسان نوعا، ولم يهيئ له الإنسان على مستوى قومٍ خاصين أو عشيرة أو إقليم معينين.
{لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ…} قاعد ومجاهد، الجهاد مقدّم على القعود، والجهاد معنىً يطرحه الإسلام للإصلاح وللبناء والإعمار والتصحيح ولا يطرحه للظلم والبغي والفساد.
والجهاد على طريق الحقِّ مفتوح بابه لكل القادرين في العالم.
{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ} والمؤمن هو من سلم بالحقيقة الواضحة… المؤمن من لم يكابر الحق، من لم يغطِّ الحق، من لم يدس الحق، والفاسق هو الخارج على حق يعرفه. أيضا مقياس مفتوح على كل العالم لا يعطي الأفضلية لقوم معيّنين، لعشيرة معينة، لإقليم معين، لعنصر معين.
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} التقوى التزام منهج الحق البناء، منهج الحق والعدل، والصلاح والإصلاح، وهو منهج الله سبحانه وتعالى إذ لا تقوى من غير التزام بمنهج الله.
والتقوى غير مرتبط بأرض ولا قوم ولا عنصر ولا طبقية.
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} حسن العمل، جودة العمل أمر متاح لكل الفئات والقوميات والأقطار.
هذا المقياس الذي عُبِّر عنه هنا بأنه مقياس عالمي، ما مقتضاه؟ هذا المقياس يخلق صراعاً بين القوميات؟ بين عنصر وآخر؟ بين إقليم وآخر؟ أو يدفع الجميع على طريق الإصلاح… على طريق البناء… على طريق التعاون… على طريق الهداية؟ إنه مقياس إيجابي يدفع كل هذا العالم على طريق واحد إلى الله سبحانه وتعالى، وطريق الله طريق الصلاح وطريق الفلاح.
هذا الكلام على مستوى مقتضى الأصول الأولى للحضارة الإيمانية في مسألة العلاقات، وأن ما تنتجه هذه الحضارة هو أي نوع من العلاقات الإنسانية في ضوء هذه الأصول.
ثم يأتي الكلام على مستوى المنهج والتربية.
المنهج والتربية:
ما هو نوع العلاقات الذي يركّز عليه هذا المنهج وهذه التربية؟ على أي خط تقود الحضارة الإيمانية المسيرة البشرية وتربي إنسانها؟ على خط علاقات الانفصام، وعلاقات الخصام؟ أم على خط التعاون الإيجابي الخيّر المثمر؟
تقول نصوص هذه الحضارة على مستوى المنهج والتربية:{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} شجب للمنكر، للبغي، للفحشاء، ودفع للعدل والإحسان والإيتاء الخيّر.
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} لخصوص المؤمن؟ أو أنه مبدأ عام يأخذ به الإسلام في كل علاقاته؟ كل موقع صالح للعدل، والإحسان له مواقعه، وهذا العدل مفتوح على كل إنسان، وعلى كل حالات، والإحسان مفتوح على كل مواقعه المقتضية.
الأمر مؤكد بالعدل والإحسان، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، أرضية للإخاء والمحبة والاحترام والترابط على طريق الخير والفضيلة كما هو بيِّن وواضح كل الوضوح.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} تقوى الدين مرتبطة بالعدل، والعدل مرتبط بتقوى الدين، فلا تقوى بغير عدل، والعدل الذي أمر به الدِّين لم يقيّد بدائرة من الدوائر البشرية ولا بحالة من الحالات ومورد الأمر بالعدل في الآية قوم بين المؤمنين وبينهم بغضاء فالعدل ثابت أسلاما في مورد البغضاء والعداوة فضلا عن غيره. وإنه الأمر الجازم الحاسم في الآية الكريمة بالقيام لله، بصيغة المبالغة – قوّامين- ولم تقل الآية الكريمة قائمين. هذه الصيغة المبالغ فيها للقيام لله تعني قيام العلم، وقيام العدل، وقيام الحق، وقيام البناء والإعمار الصالح في الأرض كل الأرض، وفي الأزمان كل الأزمان. وهو عدل حتى مع العدو، ولا تمنع منه البغضاء.
{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } وهناك تعاونان: تعاون يشيع في الأرض على الإثم والعدوان، والتعاون الذي تأمر به السماء وتقرره الشريعة وتحتضنه حضارة الإيمان هو تعاون على البر والتقوى، {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} فلو تُعون على الإثم والعدوان من أمة الإسلام على أي طرف في الأرض لكان في ذلك خروج على مقتضى الآية الكريمة، وعدول عن منهج الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ربنا اكفنا جميعاً ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة، وارزقنا عافية الدنيا والآخرة وخيرهما يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، واستسلم كل شيء لقدرته، وذلّ كل شيء لعزته، وخضع كل شيء لهيبته، ولا غنى لشيء عن رفده، ولا يقوم شيء إلا بفيضه، ولا ينتهي شيء إلا إليه، ولا مفرّ من عدله إلا إلى رحمته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله؛ فهي مركب النجاة، وطريق الفلاح، وهي الواقية والكافية، والمعقبة للسلامة والعافية. وكيف يكون التجاوز لأمر الله ونهيه ممن لا يملك لنفسه حيلة ولا حولا؟! وكيف لا يتقي الله من لا يجد من دونه موئلا؟!
اللهم اغفر لنا، ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واهدنا سواء السبيل، وارزقنا خير الزاد التقوى، وقنا أن نضل ونطغى.
اللهم صل وسلم على نبيك، وخاتم رسلك، وحبيبك وصفيك المصطفى، محمد بن عبدالله، وعلي أمير المؤمنين، وفاطمة الزهراء الصديقة المعصومة.
والأئمة الهادين؛ الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، محمد بن الحسن المهدي المنتظر عليه السلام.
اللهم عجل فرج وليك الحجة بن الحسن المنتظر والمؤتمن، وانصره نصرا عزيزا، وأيده تأييدا كبيرا، وأعز به عبادك المؤمنين.
هنا بعض الموضوعات:
السلاح النووي لمن وعلى من؟
من ناحية ما هو الصحيح وما ينبغي أن يكون في الأرض لا سلاح من السلاح النووي لأحد على الإطلاق: فهو صناعة للرعب والدّمار… وفيه استنزاف للثروة، وحرق لقوت الملايين… والملايين محتاجة إلى طعام وشراب، وصحة وعلم ومواصلات وحياة لائقة… ويأكل قوتها وعلمها وصحتها وما تحتاجه السلاح النووي بميزانيته الضخمة الهائلة، وهو سلاح من أجل حرق اليابس والأخضر.
أما من ناحية الواقع وما هو فعلي السلاح النووي للدول الأكثر ظلماً وتهوراً وبطشاً وغروراً، واسترخاصاً للإنسان كرامة ودماً ومالاً.
والمطلوب إمَّا تجريد كامل من السلاح النووي يجعل العالم آمناً، وإمّا تعادل رعب قد يقي الكارثة فعلاً وإن أبقى الخوف قائماً، وعلى سوء الفرض الثاني – وهو أن يتعادل الرعب – فهو أخف المحذورين، لأن الرعب إما رعب وكارثة ماحقة تعصف بحياة الملايين، وتنسف ما بنته القرون، وهو الرعب الانفرادي. ومعه استعلاء واستكبار جنوني ونهب واستعباد للآخرين وفرض سيطرة مطلقة من القوي الغاشم يعطيها إيّاه تفرُّده بالسلاح النووي الفتاك.
وإمَّا رعبٌ مقلق مشترك قد يردع من وقوع الكارثة، ويقطع يد العدوان والاستلاب. والفرض الثاني مقدّم عقلا وعقلائيا ودينا على الأول.
وهذه أمريكا وإسرائيل تتخذان العالم الإسلامي فريسة، ومنطقة استثمار واستنزاف، ومحال على العدوِّ أن يتيح مختاراً فرصةً من فرص القوَّة لفريسته ناقضاً بذلك هدفه، ولذلك ما هو المحارَب ليس أن تمتلك الأمة الإسلامية سلاحاً نووياً فحسب بل هي محاربة على مستوى أسباب القوَّة من علم متقدم – سياسة موحّدة – عقيدة جامعة – اقتصاد مزدهر – استقلالية رأي وهكذا.
والموقف إما الاستسلام لإرادة العدوّ بأن تظل الأمة تُستغل وتستنزف ويُمرّغ أنفها بالتراب فاقدة للقدرة على المقاومة، وإمَّا أن تتمرّد لتنهض على قدم، وتدافع عن الذات والحاضر والمصير، وأولُّ ما تفعله في هذا السبيل أن توحِّد موقفها لتجد نفسها محترمة الإرادة.
وأين الأمة من هذا التوحّد وهي تنتهج مناهج بعيدة عن منهج الله سبحانه وتعالى؟!
مسألة التشريع في المجلس الوطني لقضية الأحوال الشخصية وأحكام الأسرة:
هذا المجلس هل يُعطي نفسه حق تشريع أحكام تصادم أحكام الله؟ إذا كان كذلك فهو يقرّر بهذا الموقف أنّه مجلس في البحرين ولكنّه يُشرِّع لغير البحرين، وهو مجلس عدو لدين هذا الشعب، ولقناعاته، ولما اختاره في هذه الحياة من منهج. هذا فرض.
فرض آخر؛ أن هذا المجلس سيفرض مذهباً من المذاهب الخمسة أو الستة أو الأكثر على بقية المذاهب، وفرض هذا المذهب على المذاهب الأخرى هو ما يخالف أساس وظيفة هذا المجلس الذي جاء باسم الديموقراطية، وباسم تقرير الحرية لهذا الشعب. وهو يمارس بذلك أسوأ أنواع الدكتاتورية، والتفرّد في فرض الرأي على الأمة.
فرض آخر؛ هو أن يختار هذا المجلس حكما من هذا المذهب، وحكما من المذهب الثاني، وحكما من المذهب الثالث ليخرج علينا بقانون يقوم على أساس عملية جمع تلفيقيّ بين الأحكام من مختلف المذاهب، وهذا معناه أن المجلس الوطني يضيف إلى المذاهب الإسلامية مذهباً جديدا من صنعه وبدعته، لأن هذا الجمع التلفيقي من أحكام من مختلف المذاهب يشكّل مذهبا يختاره هذا المجلس، ولا يقرره أي إمام من أئمة المذاهب الإسلامية المعروفة.
في كل الحالات لا يأتي تشريع المجلس تشريعاً منسجماً مع وظيفته وبيئته وكون أعضائه كلِّهم مسلمين إلاّ القليل من مجلس الشورى. وهم يدينون أنفسهم بإسلامهم حين يخرج على يدهم تشريع يخالف الإسلام.
وحكم الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يعلوه حكم، ولا يمكن لأي كلمة في الأرض أن تكتسب قدسية فوق قدسية الحكم الشرعي، وليس من بعد القرآن قرآنٌ، وليس من بعد السنة سنّة، ومصدر التشريع عند كل المسلمين إنما هو القرآن والسنة، وقول الرسول صلى الله عليه وآله لو كان بغير ما أنزل الله وحاشاه ما كان مصدر تشريع {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} هذا هو الرأي في مسألة التقنين للأحوال الشخصية.
أما إذا كان المجلس لا يريد أن يمارس أي نوع من التشريع، وأي صورة من صور ممارسة الجعل التشريعي، ويريد أن يقتصر على عملية صياغية، فكل ما يريده هو أن يصوغ الأحكام الشرعية لمذهب واحد من المذاهب ليقدّم هذا القانون لخصوص أتباع هذا المذهب، ومما يمثل عملية صياغية محضة لا تتصل بروح التشريع، فهذا العمل لا يحتاج إلى تقديم هذه الأحكام لنظر المجلس، فإن أي لجنة صياغية في أي محكمة من المحاكم يمكن أن تقوم بهذه العملية، والمجلس ليس مجلساً للصياغة وإنما هو مجلس كما تقول وظيفته للتشريع.
فليس من المعقول أبداً أن تكون العملية مقتصرة على الصياغة فقط، وإذا اقتصرت اليوم على الصياغة مراعاة للحالة الموضوعية وحذرا من سخط الشعب فإنها لن تتوقّف عند هذا الحد غداً.
ومن هو المسؤول عن الإسلام؟
هل المسؤول عن الإسلام شخص واحد؟ الأعراض أعراض من؟ الدين دين من؟ الدين دين الجميع، والأعراض أعراض الجميع، والمسألة متروكة للشعب.
الإصلاح:
الإصلاح مطلب رئيس، والإصلاح عملية متكاملة. أبعاد الشخصية الإنسانية الفردية أبعاد متشابكة، والشخص الواحد عمليته الإصلاحية تكون شاملة، وأنت لو أصلحت الشخص من بُعد واحد وأبقيت سائر أبعاده على وضعها المتخلف ما كنت قد أصلحته، وربما رأيت من نقطة إصلاحه ما هو أفسد له لو ظلَّ بلا إصلاح، فحين تتقدّم به علمياً مع تخلّف روحي ذريع، ومع تخلف نفسي كبير، سيسيء استعمال هذا العلم بما يحطّم نفسه ومحيطه.
الشخصية الاجتماعية أيضاً هي شخصية ذات أبعاد متشابكة ومتكاملة، وإصلاح المجتمع يحتاج في مقابل شخصيته المتكاملة المتشابكة الأبعاد إلى عملية إصلاحية متكاملة.
وأي إصلاح اقتصادي، أو إداري أو اجتماعي أو غير ذلك محتاج أساسا إلى إصلاح سياسي، ومن غير الإصلاح السياسي تكون العملية عملية إعلام أكثر من كونها عملية إصلاح حقيقي، وتكون العملية عملية عاجزة عن بلوغ أهدافها على تقدير الإخلاص، والإصلاح السياسي أول منطلقه صلاح الدساتير، ورقي الدساتير، وتطوير الدساتير في الاتجاه الإيجابي.
ولذلك بالنسبة لهذا الوطن العزيز نركّز على المطلب الدستوري وما يرتقي بالدستور، ويطوّره تطويرا إيجابيا، ويرتفع بمستواه، وتكون فيه الحقوق ومراعاتها وتقريرها بصورة أوضح وأأكد، وأن تكون له الآلية الواضحة التي تستطيع أن تسلك بالمسيرة إلى الغاية التي تتحقق فيها الحقوق المقررة.
كون الدستور يتوفر على مبدأ الحرية، على مبدأ المساواة، على حق الشعب في المشاركة إلى آخر القائمة من غير أن تتضمن مواده آليات واضحة للوصول إلى هذه الأهداف، وتطبيق هذه الحقوق لا يعني شيئاً، ولا يسمن ولا يغني من جوع.
لابد من تأكيد على الحقوق، وتأكيد على الآليات التي تجسد هذه الحقوق على الأرض.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم ارزقنا البصيرة في دينك، والثبات على صراطك، وأعذنا من الزيغ والضلال، ومن أن تزل لنا قدم في المداحض، وأن تعمى عيوننا في الفتن، وتخسر قلوبنا هداها في العشوات.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }