خطبة الجمعة (166) 2 شعبان 1425هـ – 17 سبتمبر 2004م
مواضيع الخطبة:
حضارة الطين وحضارة الإنسان(17) + القانون المقترح لتنظيم الجمعيات السياسية + يغيض المنافقين+ أخواننا يستغيثون+ فرص العمل لمن؟ فرص العمل والثورة في البلد لمن؟
القانون المقترح لتنظيم الجمعيات السياسية موغلٌ في التقييد، مُغالٍ في التوجّس السياسي، وكأنه نبتةٌ مرة يائسة وبائسة على أرض الدكتاتورية
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق ورزق وهدى ووفق، ودرأ ومنع، ووقى وأنجى. أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وآله تسليماً كثيرا. ألا فلنتق الله عباد الله الذي لا إله إلا هو، ولا حول ولا قوة إلا به، وإليه المصير. وليكن همُّ الآخرة أكبر هم، وأملها أنبض أمل، وخوفها أشد خوف، ولا يصرفن أحدنا عن أمرها صارف، وعن شغلها شاغل، فهي الطامة والداهية، وهي الهناءة والرضا، والسعادة والعافية، وهي المقيمة والباقية. فهل يقدم عليها شيء؟!
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا واجعلنا من ورثة جنة النعيم.
أما بعد، فعودة أيها الأعزاء إلى موضوع حضارتان: حضارة الدين وحضارة الإنسان الذي قطع السفر مواصلته. وكان عنوان من عناوينه: حول الإنسان، ويصل بنا التسلسل تحت هذا العنوان إلى عنوانٍ فرعٍ من عناوينه، وهو: الإنسان مسؤولية.
الإنسان مسؤولية:
أ- في حضارة الإنسان.
ب- في حضارة الطين.
أ- الإنسان مسؤوليةً في حضارة الإنسان: ماذا تقول حضارة الإنسان عن الإنسان مسؤولية؟ وحضارة الإنسان هي حضارةٌ خطط لها الإسلام وأقامها القرآن وأتمهّا الرسول صلى الله عليه وآله، وأتمها في آخر حلقة من حلقاتها التي توالت على يد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
تقول هذه الحضارة عن إنسان من حيث المسؤولية في أصدق كتابٍ على الأرض، وكلمات من كلمات السماء، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}(1).
داركم دار امتحان، تتجلى فيها الذوات طيبة أو خبيثة من خلال تجربةٍ حيةٍ تعيشونها على الأرض، تقيمون من خلالها الحقَّ أو تهدمونه، تشيدون الباطل أو تناهضونه… الحق في أنفسكم وفي الخارج، الباطل في أنفسكم أو الخارج. والامتحان مستبطنٌ لأعلى درجات المسؤولية، فغير المسؤول لا يمتحن، والذي يصهره الامتحان ويجلي معدنه إنما هو إنسان.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ}(2). لن يتفلت أحد، ولا يملك أحدٌ أن يفلت من قبضة الله، من حساب الله، من جزاء الله على سيئاته على الإطلاق. ولا مسؤولية من غير حساب، ولا قيمة لحسابٍ لا يعني جزاءا، فإن لم يستتبع جزاءاً فهو في حده لابد أن يمثل لوناً من الجزاء. نعم لا مسؤولية من غير جزاء، وقد يكون الحساب العسير جزاءا، وقد يستتبع الحساب جزاءا، مستقلا،وحساب الآخرة مستتبعٌ جزاءا، وما أعظمه من جزاء.
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ..}، ليس يا أيها المؤمن! بما أنك إنسان، بمخزونك الإنساني، بما أودعت من عقل، بما ألهمت من فطرة، بما حملت من ضمير، بما لك من إرادة، بما أعطيت من رؤية، بما جئت عليه الحياة من تكليف{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} الانشقاق. أنت وطاقاتك وطبيعتك {كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً}(3). وا ثبوراه وا ويلاه!، {.. وَيَصْلَى سَعِيراً}، ناراً تتلظى.
الكدح يقولون عنه بأنه السعي، سعيٌ مع معاناة، سعيٌ في جُهد، سعيٌ جاهدٌ يستتبع جهداً، والجَهْدُ التعب، والجُهْدُ الطاقة. {.. إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ..} الحياة مسرح كدح، مسرح معاناة، مسرح مكابدة وعملٍ جاهد.
يا أيها الإنسان قد تكدح لشقائك، وقد تكدح لسعادتك، وما أشده من غباء، وما أشده من ضلال أن يقضي الإنسان حياته جاهداً متعباً مرهقاً نَصِبا، لكن من أجل أن يشقى، من أجل أن ينتهي إلى النار. يخترع، يبتدع، يبني قصوراً، يحارب، يعمل ليلاً ونهاراً، من أجل أن يشقى، من أجل أن يخزى، من أجل أن يتعذب عذاب الأبد. وقد يكون هذا الكدح كدح سعادة، وما أجمل أن يكدح الإنسان لغاية السعادة، إنه كدحٌ شهي، وجهدٌ مرضي، وجَهدٌ لا يٌشقي إذا كان منتهاه السعادة.
أنت بكدحك، بما ينتهي إليه كدحك من أوزار، بما ينتهي إليه كدحك من أرباح، لابد أن تنتهي إلى الله، المرجع إليه لا إلى غيره. لن تجد سبيلاً تسلك بك غداً إلى غير الله، وتفرّ بك من عدالة الله، وتقدم لك ملجأً دون الله.
ويأتي الجزاء {وأما من أوتي كتابه بيمينه فيحاسب حساباً يسيرا} فيه تخفيف، فيه مساهلة، فيه تيسير، فيه رحمة، فيه تكريم. {.. وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً } قالوا عن أهله في تفسيرٍ من تفاسيرهم أنهم الحور والغلمان وفي آخرالملأ الطاهر، الذين يصير إليهم في الجنة.
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً}، نهاية الكدح والشوط الطويل والمعاناة المرة هو الدعوة للثبور. نتيجة العقلية الضخمة! الجهد المستمر، العبقرية الكبيرة، الشهرة العريضة، البناء الحضاري المادي السامق الرفيع، الانتصارات، كسح الآخرين، دعوة للثبور. {.. وَيَصْلَى سَعِيراً}،. {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}(4). {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}(5). جدٌ لا هزل، مسؤوليةٌ لا تسيب، حسابٌ لا إهمال.
وتركيز فكر المسؤولية والإحساس العميق بها، أرضية الشخصية الخلقية المتحملة الجادة النشطة، المراقبة لذاتها، الناظرة ليومها وغدها، المحاسبة لداخلها وخارجها، الناهضة بأداء أماناتها، المنسقة لخطاها على خط هدفها، المقيمة للحق، المقاومة للباطل، الساعية بالخير، المحاربة للشر. كل ذلك لا يعتريه شكٌ ولا تدخله ريبة حينما تكون المسؤولية أمام الخالق العظيم، وهي مسؤوليةٌ مصيريةً حاسمة تنتهي بسعادة الأبد أو شقاء الخلود.
ب- الإنسان مسؤوليةً في حضارة الطين: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} الذين كفروا أصحاب حضارة الطين، دعاتها، مقيموها، يرون خلق السماء والأرض وما بينهما باطلا، عبثاً، لهواً، بلا هدف، يخلق ويُهلك، يقيم ويُطيح، يبني ويهدم بلا هدف. صانعٌ صغيرٌ في الأرض لا يصنع كوزاً بلا هدف، لا يقيم كوخاً بلا هدف! ربما عبث الطفل لكن بالغاً رشيداً لا يعبث بصناعته وزراعته.
الإنسان يقيم مصانعه لا للآخرة، يقيم حضارته لا للآخرة ولكنه في حسبانه أنه هادف، فهو وإن لم يكن الهادف الصحيح، إلا أنه في حسبانه أنه هادف، والله غير هادف؟! ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.
إنسانٌ يرى كل ما حوله قد خلق عبثاً، وهو ممن خلق عبثاً، يحمل النظرة العبثية، يرى الحياة لهؤا، لا يقيم للكون وزنا، لا يرى عقلاً مدبراً لهذا الكون، ولا عقاباً ولا حساباً.
{مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}..
كلمة السماء، ووحي الله يقابل باللعب، بروحٍ عابثة، بروحٍ هازلة وهازئة، فليس من جد بعد ذلك. الكلمة تأتي ممن حتى تحترم، إذا كانت كلمة الله إنما تقابل بالهزل والهزل واللاجد؟!
” وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ.. ”
افصل الحياة الدنيا عن الآخرة تكن قد فصلتها عن الهدف، تكن قد اتخذتها لهواً ولعبا، قد حولتها هزلاً وعبثا، وإن أقمت عليها حضارة المادة شامخةً سامقةً قوية. النظرة التي تتجمد عند الدنيا لا تولّدِ شعوراً بالمسؤولية، ولا تكون رحماً لنظرةٍ خلقيةٍ، وروحٍ مراقبةٍ محاسبةٍ جادة. النظرة التي تتجمد عند الدنيا رحمٌ لا يلد إلا العبثية واللاهادفية، ويولّدِ العدوانية، والاستغلالية، وانتهاك الحقوق والهزو بالمقدسات والمقدرات، وسحق كرامة الإنسان.
الآية الكريمة تقول عن الكفار: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}. الكفار يبنون، يزرعون، يحاربون، ينتصرون، يقيمون حضارةً شاهدةً عن الإبداع، والآية الكريمة تقول: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا }، نعم كل ذلك لعب ما انفصل عن هادفية الحياة، وهدف الحياة لا يسقط فيها، ولا يقع في دائرتها، ولا تجده في نقطةٍ من مداها، هدف الحياة لابد أن يكون في طول مدى الحياة، وغاية كل شيء إنما تأتي في منتهاه.
هذه الحضارة المادية البراقة الأخاذة بكل ما فيها من جدٍ مادي، وتخطيطٍ واكتشافٍ وصراعاتٍ سياسيةٍ وحربٍ وسلمٍ وتقدم، بلا انسجامٍ مع الغاية التي أهِّل إليها الإنسان، والهدف الذي تناسب معه قابلياته واستعداداته الضخمة الخيرة، معدودةٌ في نظر القرآن لعباً ولهوا.
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} سباقٌ في الأموال، سباقٌ في الأولاد، سباقٌ في خيرات الدنيا. لهوٌ ما انفصل عن هدف الآخرة. وهذا خطابٌ لعاد وقد انصرفوا عن الله، وكانت عقليتهم ونفسيتهم مع حضارة الطين {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} بناءات شامخة، صلبة، قوية، شاهدة على التصميم والإرادة القوية، شاهدة على الإبداع والصبر والمجاهدة والمعاناة، تقول الآية الكريمة عنها، عبث..، لماذا؟! لأنها فاقدة لهادفية الحياة.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم بيض وجوهنا يوم تسود فيه الوجوه، ولا تسود وجوهنا يوم تبيض فيه الوجوه، واجعلنا من الصالحين الأبرار، ممن أبحت لهم الجنة، وأكرمتهم بها، وحرِّمت عليهم عذابك والنار.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أمر هادياً، ونهى محذّراً، وكلّف قليلاً، وأثاب كثيراً، وعفا عن السيئة وضاعف الحسنة، وتكليفه رحمة، وأمره كرامة، ونهيه شفقة.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وآله سلم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطَّاءة بتقوى الله وذكره وشكره، فمن اتّقى الله عفَّ عن كل سوء، وتنزَّه عن كل رذيلة، وطلب الجمال والكمال وكان من أهله. ومن ذَكَره لم تُعكِّر أنسه وحشه، ولم يفقد الخير لحظة، ومن شكره كان له المزيدُ من موصول العطاء الكبير، والكرامة الرفيعة عند أعظم عظيمٍ على الإطلاق.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا وتوفّنا مسلمين. اللهم اجعلنا من أتقى عبادك، وأكثرهم اشتغالاً بذكرك، وأشدِّهم تعلُّقاً بشكرك يا كريم يا رحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك المقرّب إليك، ورسولك وحبيبك محمدٍ الصادق الأمين، ذي الخلق العظيم، وصل وسلم على علي أمير المؤمنين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة المعصومة، وعلى الحسنين الزكيين الطاهرين، الإمامين الوليين، وعلى عليٍ بن الحسين زين العابدين، ومحمدٍ بن علي الباقر، وجعفرٍ بن محمدٍ الصادق، وموسى بن جعفرٍ الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن عليٍ الجواد، وعلي بن محمدٍ الهادي، والحسن بن عليٍ العسكري، والقائم المنتظر المهدي أئمة المسلمين.
اللهم عجِّل فرج وليك القائم، وسهل مخرجه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً، ومكّن له تمكينا.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى وفِّقهم لمراضيك، وثبت خطاهم، وحقق على أيديهم النصر الساحق الكبير.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الإيمان، فإلى هذه الكلمات:
القانون المقترح لتنظيم الجمعيات السياسية:
لا إصلاح ولا ديمقراطية بلا صوتٍ شعبيٍّ مراقبٍ ونافذٍ ومحاسب يتمثّل في مثل الجمعيات أو الأحزاب السياسية الجادّة، التي تمتلك صلاحيات مراقبة ومتابعة، ونقد ومحاسبة حقيقية.
وإنَّ وضع القيود والأغلال على الجمعيات السياسية تجميدٌ للمسيرة الإصلاحية وانقلاب على ما يقال عنه أنه ديمقراطية، والمتوقّع شعبياً من النواب الوقوف مع الحرية السياسية البنّاءة، وتطويرها، لا أن يقطعوا الطريق عليها، ويتراجعوا بها ويئدوها. والقانون المقترح لتنظيم الجمعيات السياسية موغلٌ في التقييد، مُغالٍ في التوجّس السياسي، وكأنه نبتةٌ مرة يائسة وبائسة على أرض الدكتاتورية، لا أنه نبتةٌ واعدة على أرض يُراد لها أن تكون أرض إصلاحٍ وحريةٍ ومشاركةٍ شعبيةٍ حقيقيةٍ، وانطلاقةٍ جديدةٍ في اتجاه احترام الإنسان.
يُغيظ المنافقين:
يلتفُّ أصنافٌ من منتسبي الأمة بقياداتٍ كصدام، ويخلصون لها الولاء، ويفدّونها بالنفس والنفيس، ولكن يغيظهم أن تثق الأمة في أحد قادتها الدينيين المخلصين في أي بلدٍ كان، فمُزعجٌ مثلاً أن تستقطب المرجعية الدينية في النجف الأشرف أو في إيران أو في فلسطين أو في أي مكانٍ آخر قلوبَ المؤمنين، وكلما كانت القيادة أكثر كفاءةً وإخلاصاً كلما كان الالتفاف بها مُزعجاً للبعض بدرجةٍ أكبر، ويأتي على ألسنتهم هنا إشكال التقديس والتأليه، والدكتاتورية والفردية، واستغفال الجماهير، والالتفاف غير الواعي، والتسليم الأبله.
وكل هذا لا يأتي إذا كان الالتفاف بقياداتٍ أخرى كالقيادات العلمانية، على أن الفرق هائلٌ بين القيادة المؤمنة التي تخشى الله وتراقبه، وتخاف من التصنّم، وتفر من مظاهر الطاغوتية، وتستوحش من شعورها، وتأبي إلا أن تقود الناس إلى الله، وتُعبّدهم له، وأثقل ما عليها أن تكون قاطعة طريق الناس إلى الله بأن يقف الناس عندها دون الله.
فرقٌ بين هذه القيادات وبين القيادات الأخرى التي تطلب الألوهية الكاذبة، وتعمل كل ما في جهدها لأن تُعبد من دون الله، وتخضع لها الرقاب، وتخشع الأبصار، وتنخلع منها الأفئدة، ألم يكن صدّام كذلك؟! أليس على أرض الإسلام والعروبة رؤساء جمهوريات من هذا النوع؟! وكم هم الملتفون حولهم؟! من هؤلاء الذين يثيرون الأشكال أمام وجود قيادة مؤمنة مخلصة يثق بها المؤمنون؟! أوليس هناك دعاة أحزاب علمانيين يستقطبون خلقاً يذوبون فيهم، ويضعون كل إمكاناتهم تحت أيديهم، ويُسبحون ويقدسون بأسمائهم؟! أليست على أرض الإسلام مليون إذاعة تسبّح وتقدس صباحا ومساء بأسماء ملوك ورؤساء جمهوريات؟!
ما كان أوحش على أمير المؤمنين عليه السلام من أن يُعطى ما ليس له، ومن أن يُظهر أحدٌ من مؤيديه وأتباعه ما يبدو منه ذلّة ذلك التابع.
ونحن نعرف أن في الالتفاف بالمرجعية الدينية المخلصة الكفوءة في مثل النجف الأشرف قوة للدين يكرهها الكافرون والمنافقون، ويحولون بين الأمة وبين هذا الأمر ما استطاعوا وبكل الأثمان.
وعلى الأمة أن تكون عنيدة كل العناد في هذه المسألة، وأن تكابر إرادة الكافر والمنافق في الانفصال عن قياداتها الدينية، وتُحبط آمال أعدائها في أن تكون رهينة حالة الفرقة والشتات والانفراط والفوضى.
اخواننا يستغيثون:
اخوة لنا في الإسلام من أبناء فلسطين البطلة، شيوخ، شبان، أرامل، أطفال يدعوننا للنصرة، يرفعون صوت استغاثة، يطالبوننا بحق، يسمعوننا كلمة تديننا أمام الله سبحانه وتعالى لو تخلّينا عن الاستجابة. وأبواب للنصرة مغلقة، وباب النصرة المالية مفتوح ولو بعض الشيء، فلينصر المسلم أخاه المسلم أمام الهجمة والشراسة الصهيونية والأمريكية، وحملات التذبيح والهدم والنسف والحرق للأخضر واليابس، والترويع، والتجويع، والتشريد، والإبادة الجماعية، والاستئصال، والإذلال، والقهر، وتدنيس المقدسات.
وأمام الدعم المفتوح لحرب الإبادة والاستئصال الذي تقدمه الخزانة الأمريكية للصهيونية، الخزانة الأمريكية التي يغذّيها نفط المسلمين، وأرصدتهم المستثمرة للصالح الأمريكي، والثروات الأخرى التي تغنى بها أرض الإسلام، وأرض المستضعفين في الأرض.
وربما كان معنا اليوم في هذه الجمعة الأخ الكريم الدكتور رمضان مصطفى طمبورة ممثل جمعية الفلاح الخيرية التي وقفت لجنة هذا الجامع الشريف على موثّقات وجودها الفعلي ونشاطها المكثف في خدمة إخواننا المسلمين في داخل فلسطين.
والأخوة لهم كلمة استنهاض لغيرة المسلمين وهمتهم للنصرة من أجل قضيتنا المشتركة قضية فلسطين والمقدسات، من أجل صمود المسلمين في الأراضي المحتلة، من أجل المعذبين والمشردين والمنكوبين والأيتام والأرامل والجياع، ومن أجل التربية والتعليم وحفظ الدين والهوية والكرامة والانتماء.
فرص العمل لمن؟
فرص العمل والثروة في البلد لمن؟
هناك كم محدود من الثروة، وفرص التوظيف في البر والبحر، في الأرض والجو، ما هو الموقف منها؟
فروض:
فرص فائضة: قد تكون هناك فرص فائضة للتوظيف والعمل في البلد، هنا نستورد الأيدي العاملة والموظفين دفعا لعجلة الاقتصاد، والأفضلية لأبناء الأمة، ولا يصح استيراد يد عاملة أو موظف هو عدو للأمة.
فرض ثان: أن تكون فرص العمل غير فائضة، ولكن هناك اختصاصات فارغة لا تملؤها اختصاصات محلية. تأتي عمليات الاستيراد أيضاً، لكن مع تسريع جاد في توفير الكفاءات المحلية، ورفع مستواها، وإعدادها الإعداد الكافي لملأ كل الفراغات، وشغل كل الشاغر.
فرصٌ وجاهزية كفاءات: فرص عمل مساوية وجاهزية كفاءات: فرص عملنا بقدرنا، وكفاءاتنا جاهزة، لا استيراد، لأن ثروات البلد، وفرص عمله لأهله قبل غيرهم في ظل ظروف التمييز في كل بلدان العالم بين المواطن وغير المواطن.
أن تعطي الأفضلية لغير المواطن، وكل البلاد الأخرى تعطي الأفضلية للمواطن، ماذا ينتج هذا؟ سينتج ضعف مواطنك، إهماله، قتله.
فليفتح الآخرون فرص العمل لمواطنينا، نفتح للآخرين فرص العمل، أما وأن كل البلاد فرص عملها لأهلها، ولأبنائها، إلا هذا البلد (البحرين أو الخليج) فذلك غبن أي غبن للمواطن.
وإغراق السوق بالأيدي العاملة الأجنبية وأصحاب الكفاءات على كل المستويات مما يحرم المواطنين أو يهمشهم، أو يضطرهم لقبول الأجر غير المكافئ والذي لا ينهض بمستوى لائق من العيش سلب لحق المواطن، وعلى المواطن أن يطالب باسترداد حقه المسلوب.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وكل من أحسن إلينا إحساناً خاصاً من المؤمنين والمسلمين.
اللهم إنا نستودعك ديننا ودنيانا يا خير من استُودع، ويا خير الحافظين، ربنا هب لنا من لدنك رحمة وقنا عذاب النار، وأصلح لنا ما فسد من أمر ديننا ودنيانا، يا من هو على كل شيء قدير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 2-4/ العنكبوت
2 – 4/ العنكبوت
3 – 6-12/الانشقاق
4 – 115/المؤمنون
5 – 16/ الأنبياء