خطبة الجمعة (165) 25 رجب 1425هـ – 10 سبتمبر 2004م
مواضيع الخطبة:
وحدة الدِّين والتفرّق + زيارة المشاهد المشرّفة + سنة دراسية جديدة + المسار التفاوضي + اختطاف الرهائن المدنيين + أمريكا والصحوة الإسلامية.
رؤيتي أن حواراً عقيماً سينتج وضعا وطنيا عقيما بل سيئاً جداً، وأن حوارا منتجا توافقياً مرضيا سيعني وضعا وطنيا مثمرا رابحا فلابد أن نكون بكل جد مع الحوار الجاد المنتج.
الخطبة الأولى
الحمد لله اللطيف الخبير، القويّ العزيز، ذي الفضل الكبير، والمنّ الجميل، والصنع الحميد، الغفور الشكور، الوليِّ النصير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله المربّية للنفس، المزكّية للروح، المطهّرة للقلب، المصححة للإرادة، المقوّمة للسلوك، الجامعة على الخير، المؤدية للنجح، المحقّقة للرضوان.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
أما بعد فقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد:{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ….} 13/الشورى
ويجري الكلام في وحدة الدِّين والتفرّق فيه باختصار يفرضه المقام:-
1) تتحدث الآية الكريمة عن رسالات إلهية متوافية متلاقية متّحدة ركائز وأسساً، أو رسالة في حلقات متكاملة ليس بينها ما يفاوت ويغاير في الركائز والأسس جاء بها رسل من الله على فاصلة من الزمان يصدِّق بعضهم بعضاً، ويُشيد بعضهم ببعض.
وهذه الرسالات المتلاقية أو الرسالة الواحدة المتكاملة تُراعي في تكاملها التشريعي الحركة الإنسانية الصاعدة التي خططت لها ابتداء، وكانت تدفع بها دائماً إلى الأمام، وترعاها وتضبط مسارها ما استجاب النّاس، وتحمل حساب التغيرات والمستجدات ومنعطفات الطريق وانتكاساته التي تحدث على يد الإنسان، وتدفع إليها أخطاؤه وانحرافاته.
فما وصَّى به الله العظيم نوحاً، وما أوحى به إلى محمد صلَّى الله عليه وآله، وما اوصَّى به إبراهيم وموسى وعيسى كلُّه بمشتركاته ومفترقاته دين واحد راعى ثابت الإنسان ومتغيره، وجعْلٌ متكامل للبشرية من خالقها العليم الخبير في مراحلها المختلفة.
وثابت هذا الدين الواحد ثابت لأول ما كان، وموقّته موقّتٌ لأول ما كان، وهذا حقٌّ وذاك حقٌّ(1)، وهذا شرعي في إطلاقه، وذاك شرعي في حدِّه. وما كان دائماً يبقى، وما كان مؤقتاً من أوله يكشف لاحقه عن توقيته وأمده.
ولا تهافت بين تشريعين اختلفت فيهما شريعتان إلاهيتان أو حتّى شريعة واحدة حيث أن إطار هذا الاختلاف ليس واحداً زماناً ومكاناً لا ابتداء ولا استمراراً، وتقدير لحوق أحدهما للآخر ليس وراءه جديد نظر، وإنّما هو منظور للمشرِّع العليم الحكيم من الأول.
والعقل لا يتوقع الاختلاف بمعنى التهافت في دين الله بعد أن كان المشرِّع واحداً عليماً خبيراً محيطاً لا يحول علمُه، ولا يضيق خبره، ولا يخطئ فعله، ولا تضل أو تتغير حكمته.
وبعد الوحدة النوعية للإنسان المشرَّع له، ووحدة ركائزه، وثبات دوافعه الروحية والمادية المشتركة، وضروراته وطموحاته المتأصلة.
وبعد أن كان المنظور الدائم والمعلوم أزلاً للتشريع كلاً من روح الإنسان وبدنه، وآخرته ودنياه، وثوابته ومتغيراته، وكلّ مقوِّم وعارض عليه.
وإذا نظرت إلى ركائز الدين وعناصر تكوينه وجدت أنها تقتضي بطبيعتها الثبات والدوام لا التغير والتحول. وركائز الدين في أهمها:
أ- حقائق واقعية:-
وهي حقائق ثابتة في الواقع تصوَّرها متصور أم لم يأت عليها من أحد تصور على الإطلاق. وهذه الحقائق هي منطلق التصور الديني، ومفاهيمه التفصيلية، وأخلاقياته وتشريعاته، وهي الحاكمة على مقاييسه وموازينه وتقديراته.
وواقعها المستقل عن تصورات الإنسان واعتباره وأخذه وردِّه لا يتغير، وهي لا تفقد واقعيتها في يوم من الأيام.
ذلك كحقيقةِ أن الله موجودٌ(2) وأنه واحد أحد، وأن الإنسان محتاج إلى رسالات ورسل من الله، وأن طبيعة تكوينه وتكليفه يجعلانه مسؤولاً ومحاسَباً ومجازى مما يقتضي مع عدل الله وحكمته وقدرته حياةً أخرى فيها حساب وجزاء بعد أن كانت حياته الأولى حياة تكليف وعمل وابتلاء كثيراً ما لا يتلقى فيها جزاء ما أحسن أو أساء، بل هي لا تحتمل بطبيعتها عقوبة ما قد تكتسبه يد المسيئين مما يتعاظم مداها، ويفوق ببشاعته الجزاء القصير.
ب- أصول أخلاقية:-
ما هو الدين؟ حقائق واقعية ثم أصول أخلاقية. وهي لون آخر من القضايا الواقعية التي لا تنفك عن الواقع ولا يسقطها شيء، وتمتلك محرّكية سلوكيَّة بصورة مباشرة كقضية حسن العدل وغنى الوجدان الإنساني الأصيل الثابت بأن العدل مما ينبغي للإنسان أن يفعله ويتصف به فعله. وهذا الوجدان الفطري يحرِّك عملاً في اتجاه العدل إذا لم يكن مانع أقوى.
ومثل حسن العدل قبح الظلم في كونه إدراكاً أو شعوراً فطريّاً ثابتاً في كيان الإنسان المعنوي، وهو يخلق موقفاً نفسياً وعمليّاً مضاداً لممارسة الظلم إلا أن يكون مقتضٍ أقوى قد تسببه الانحرافات الطارئة التي تنحدر بالإنسان عن خطّه السوي.
وهذه القضايا والأصول العقلية أو الخلقية قد عُجنت بخلقة الإنسان وكيانه المعنوي، وعُبِّئ بهما عقله أوضميره من الأساس، وستبقى ثابتة بما يُحيل مسألة استئصال التربية المنحرفة لها في جيل من الأجيال.
وهي قضايا يعتمدها الدين في رسم مسار تشريعه وتربيته للإنسان وتزكيته وتمثل موازين أساساً ثابتة في تقييمه وتقديره.
ج- تشريعات كلّية:-
وتأتي هذه التشريعات في صورة قضايا حقيقية منطلقة من مصالح ومفاسد يتصف بها نوع الفعل من نوع الإنسان كحُرمة قتل النفس بغير حقّ وحرمة الزنا والسعي بالفساد في الأرض. وهذه التشريعات لا تتغير بتغير المجتمعات والمكان والزمان.
أما ما كان من التشريع لعلاج قضايا تتأثر بالمكان والزمان كما في تقدير النفقة والاستطاعة والفقر فقد جاء ابتداء مدلِّلاً على اعتبار الزمان والمكان في التحديد والتقدير.
وقد جاء حساب الظروف الطارئة في تشريعات كلّية تمتد بنظرها ابتداء للمفاجآت والمستجدات كما في نفي العسر والحرج والاضطرار وقضية التقية وغيرها من الأحكام الثانوية، وهي أحكام ثابتة مستقرة لا متغيرة أو متزلزلة(3).
ففي ما عدا التشريعات المنسوخة المرفوعة سواء كان من تشريعات الشرائع السابقة على الإسلام أو الداخلة في شريعته كلُّ الدين ثابت وحلال محمد (ص) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة(4).
والقسم المنسوخ المرفوع من التشريع توقيته من الأول كما سبق، وإن كان إعلان التوقيتِ ونهايتهِ متأخراً لحكمة كحكمة الامتحان وعدم الاستخفاف بالتشريع.
فدين الله على لسان كلِّ أنبيائه ورسله واحد، وقد بلّغه المرسلون من غير تعارض ولا تهافت { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ }.
وتوسُّع حركة التشريع حسب متطلبات النمو البشري، وتنسيب بعض الأحكام إلى زمان أو مكان معينين منظور للأنبياء والرسل، ومطروح على ألسنتهم عليهم السلام ولا يخلق حالة تهافت أو تعارض في التشريع والتبليغ ولا ينافي وحدة الدّين كما تقدّم.
وهناك تعددية دينية تُهافت بين الأديان، وتعارض بين متبنياتها، ويُسقط بعضها بعضاً على أساسها.
هذه التعددية يقول عنها سبحانه:{ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ….}.
وهي تعددية فرضتها وتفرضها الصراعات الأرضية، والأنانيات البشرية والمصالح الآنية الضيّقة وحب الزعامات، والنظرات المادية المختنقة التي أساءت – وهي تعادي بين الناس باسم المقدسات- لدين الله كثيراً، وأغوت وأضلَّت كثيراً.
إنه خروج على الدين ولكن باسم الدين، وتفرق عنه ولكن تحت غطائه، بالافتئات عليه، والتحريف له، والرد لصحيحه لأنه لا يخدم المصالح القومية والعنصرية على حساب الآخرين، ولا يعطي امتيازات شخصية تستعبد الآخر.
تفرق في الدين وخلاف عليه لا لجهل، لا لعذر، وإنما هو البغي والظلم والحسد والاستعلاء والأنانية القومية والعنصرية والجغرافية والقبلية والشخصية.
وهي أمراض يبتلي بها خلقٌ كثير من الناس وفي كل الأمم وفي كل زمان ومكان(5) ولا حول ولا قوة ولا عصمة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا ومن أحسن إلينا إحسانا خاصا من مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة.
اللهم أرنا الحق حقاً فنتبعه، والباطل باطلا فنجتنبه، ولا تعدل بنا عن سواء السبيل، ولا تستبدل بنا غيرنا في أمر دينك يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا تلحق قدرتَه قُدرة، ولا تُقيِّد إرادتَه إرادة، ولا ينتهي إلى علمه علم، ولا يبلغ أحدٌ شأنه، ولا يجوز له مثيل ولا شبيه. وكلّ شيء محدود له، مقهور لقدرته، ولا يحدّه شيء، ولا يناله شيء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا بتقوى الله فما أفلح غير المتقين؛ حيث إن الأمور بعواقبها، وإنما العاقبة للمتقين، والعاقل من لا يصرفه غنى أو فقر، صحة أو مرض، غضب أو رضى، سلم أو حرب عن يوم تتجلى فيه العواقب ولا عاقبة خير فيه إلا بالتقوى.
اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام، واجعلنا من سعداء الدَّارين، واحشرنا في زمرة المتقين الأخيار الأبرار.
اللهم صل وسلم على خاتم النبيين والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين وهدى للمتقين محمد بن عبدالله حبيب الله. وصل وسلم على علي أمير المؤمنين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة، وعلى الحسنين الزكيين، وعلى الأئمة المهديين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري والقائم المؤمل المهدي.
اللهم عجل فرج ولي أمرك القائم المؤمّل، والعدل المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقربين، وأيده بتأييدك يارب العالمين. اللهم انصره وانتصر به لدينك وعبادك المؤمنين.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك يا كريم.
أما بعد فهذه بعض شؤونٍ من شؤون ساحتنا الإسلامية العامَّة والمحلية:
1. زيارة المشاهد المشرّفة:-
هي في معناها الصحيح الكبير إحياء للدين، وبعث له، ونشر لكلمته.
وهي في معنى آخر وحين تكون عن روحية تحلّلية، وأخلاقية جاهلية هدم لكرامة الأنبياء والأئمة عليهم السلام، وتحطيم لمعنوية الدين، وحرب مضادة له.
فمن زار فليزر متأدّبا بأدب الأئمة عليهم السلام، متخلقا بأخلاق الإسلام، وإلا فليدع لئلا يدخل في قائمة المحاربين لله. حين تكون أخلاقيته أخلاقية جاهلية، وسلوكه شائنا مسيئاً لخط الأئمة عليهم السلام، حين لا يستطيع إلا التهتّك والترخّص والتسيّب فلا يزد ناره ناراً، ولا وقوده في النار وقوداً.
هل مشاهد الأئمة عليهم السلام مستشفيات روح أو بدن؟
في الجواب نسأل: هل كانت بيوت الأئمة عليهم السلام في حياتهم مستشفيات روح أو بدن؟ أنا لا أشكّ أن الإمام عليه السلام له شأن كبير عند الله، وأنه ليس من البعيد أبدا أن يُشفى المريض متوسلا بالأئمة عليهم السلام إلى الله، فالله أكرم الأكرمين، والإمام عليه السلام من أكرم خلق الله على الله، فماذا يمنع أن يشفي الله مريضا من مرض عضال كرامة للإمام عليه السلام؟!
لكن بيوت الأنبياء والمرسلين والأئمة عليهم السلام لم يُرد لها أصلا أن تكون مستشفيات وعيادات لمرضى البدن، الأنبياء والمرسلون أصحاب قابليات هندسية، أصحاب قابليات طبية، أصحاب قابليات متعددة لكنهم لم يأتوا مهندسين ولا أطباء ولا صيادلة إلخ..
كانت حاجة البشرية إلى الأنبياء والمرسلين أكبر من الحاجة إلى الطب، إلى الهندسة، إلى الاختصاصات المختلفة.
الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله كان طبيبا دوّارا بطبه، وكان طبّه طب الأرواح، وطب النفوس والقلوب.
والزائر الذي يستهدف أول ما يستهدف أن يشفى من مرض بدن من غير أن يلتفت إلى مرض روحه، قد يصطدم بعدم إجابة دعوة بحكمة الله عز وجل، فهل سيكفر بالدين، هل سيكفر بموقع الأئمة عليهم السلام، هل سيكفر بشفاعتهم؟!
أنبّهُ على أن لنا أن نستشفي بالأئمة عليهم السلام أي بالإستشفاع بهم إلى الله عز وجل، ولكن علينا أن نفهم جيداً أن الأئمة عليهم السلام بيوتهم قبل مشاهدهم كانت مستشفيات روح قبل أن تكون مستشفيات بدن، فلا تقصد الإمام عليه السلام لأنه صيدلي، ولا تقصده على أنه صاحب عيادة بدنية.
2. سنة دراسية جديدة:-
نريد لطلابنا وطالباتنا في كل مستوياتهم جدا لا كسل معه، ونريد لهم أن يقدّموا الإيمان على العلم المتعلّق بالمادة، و أن يكون حرصهم على العلم شديدا لكن حرصهم على الإيمان أشد، وأن يقدّروا أنفسهم أكثر من المعلومات الماديَّة التي يتلقونها.
وكيف يقدّرون أنفسهم؟
بأن يقدروا انتماؤهم لدين الله، وأن يقدروا كرامة إنسانيتهم على الله سبحانه، وأن يضعوا أنفسهم موضعهم اللائق الذي أراده الله لهم سبحانه وتعالى، فلا يجعلوا أنفسهم وكرامتهم وشرفهم وأخلاقيتهم ودينهم وانتماءهم ثمناً لأي فرصة من فرص العلم والعمل الدنيوي، وأن يكونوا دعاة إلى الله في مدارسهم، ذائدين عن شرف الدين، وكرامته، ومقدّساته في أي ميدان من الميادين.
الأبناء من الطلاب الجامعيين، الطالبات الجامعيات سبقهم جامعيون وجامعيات والسابقون لهم منهم نماذج صالحة، ومنهم نماذج غير ذلك، فبمن يرتبطون؟ الطالب الجامعي الجديد، والطالبة الجامعية الجديدة عليها أن تبحث عن الهيئات الطلابية الصالحة لتنشد إليها، ترتبط بها، تستفيد من تجاربها، تتفيأ بأخلاقيتها ووعيها وروحها.
أنت طالب مستجد، أنت طالبة مستجدة، وهناك أكثر من جهة طلابية تدعوك للالتفاف بها، تتطلع إلى انضمامكَ وانضمامكِ لها، فاختر ما اختار الله لك، واختاري ما اختار الله لك من الهيئات الطلابية الصالحة السائرة على هدى الله سبحانه وتعالى.
إلى أي واجهة طلابية تتوجه الطالبة ويتوجه الطالب ليستفيد من تجربة السابقين، وليستشير بشأن الاختصاص الذي يلتحق به؟ إلى واجهة طلابية صالحة لا تشتري منه أخلاقيته ودينه بثمن بخس، وكل ثمن يبذل في قبال الدين والشرف هو ثمن بخس وإن كان كلَّ الدنيا.
3. المسار التفاوضي(6):-
وقد سبقت لي كلمة في هذا المقام قبل السفر، ورؤيتي لم تتغير، وستبقى وهي أن هذا المسار التفاوضي سيؤثر كثيرا على مستقبل الوضع السياسي في البلد.
أرى أن المسار التفاوضي أهمّ مسألة سياسية آنية يمكن أن تُسرّع في حركة الإصلاح، وتعطيها فاعلية أكبر وأضمن لصالح الشعب أو تؤثر عليه سلباً، ولا ينبغي أن يصرف عنها أي أمر آخر وحدث آخر من أمور الساحة السياسية وأحداثها.
وإن مصير المشاركة الواسعة في الانتخابات القادمة لن يتأثر سلبا أو إيجابا في الشارع العام كما سيتأثر بنجاح عملية التفاوض وفشلها. إن تنجح عملية التفاوض وتنتهي إلى توافقات مرضية تتوسع المشاركة، وتكون فاعلة جدّاً، وإن لم تنته عملية التفاوض إلا إلى باب مسدود فلن تكون المشاركة على حدّها الأول، وإنما ستتراجع في نظري تراجعا كبيراً.
إننا مع تفاوض جاد وهادف ينتهي إلى وضع دستوري أفضل، ونظام انتخابي أعدل، وتوزيع للمناطق الانتخابية بصورة تساوي بين المواطن وأخيه المواطن، وبين القيمة الإنسانية لمنطقة وأخرى، أو لا تتعدى على الأقل المعيار الدولي في هذا الشأن على كل تقدير.
ورؤيتي أن حواراً عقيماً سينتج وضعا وطنيا عقيما بل سيئاً جداً، وأن حوارا منتجا توافقياً مرضيا سيعني وضعا وطنيا مثمرا رابحا فلابد أن نكون بكل جد مع الحوار الجاد المنتج.
ومسائل أخرى يجب أن لا تصرف عن هذه المسألة وهي محل التركيز وبكل تأكيد.
4. اختطاف الرهائن المدنيين:-
اختطاف الرهائن في الساحة المدنية، والمشتغلين لأغراض إنسانية مثلا، وحتى ممن لم يشتغل بهذا الغرض لغة تزلزل الأمن العالمي، وتمحق لغة القيم، وتغيّب إنسانية الإنسان، وتحوّل الساحة العالمية إلى غابة، وهي من جهة أخرى تعزل المسلمين، وتحاصرهم، وتسيء إلى الإسلام جدا بتشويهه.
إن تكن لها إيجابيات آنية فهي لا يمكن أن توزن بسلبياتها الضخمة وعلى المدى القريب والبعيد.
فرنسا ظالمة، أمريكا ظالمة، بريطانيا ظالمة، الغرب ظالم لنا، الغرب ينصب نفسه عدواً لدوداً لنا بحكوماته الرسمية إلا أننا يجب أن نبقى عند قيمنا، عند مفاهيمنا، عند وصايا ديننا، عند أخلاقيتنا العالية على واقعية لا تُستغفل.
علينا أن نواجه ظلم الآخرين بلا أن نعمّق الصراعات الحضارية، وبلا أن نسيء إلى الدين، وبلا أن نعادي بين الإنسان وأخيه الإنسان في غرب أو شرق.
5. أمريكا والصحوة الإسلامية:-
أمريكا وهي المنفتحة زعما وادعاءً لا تستطيع التعايش مع واقع الصحوة الإسلامية القائمة. هناك صحوة إسلامية فرضت نفسها على الساحة الإسلامية ليس في بقعة معيّنة من بقاع الأرض إنما في كل شبر فيه إنسان مسلم.
هذا الواقع أمريكا لا تحتمله، الغرب السائر في ركاب أمريكا لا يحتمله، وهذا يخلق مشكلة صراع حضاري خطير.
أمريكا بموقفها المحارب للصحوة الإسلامية، المواجه لها بالحديد والنار، هل تقتل الصحوة أو تنفخ في روح الصحوة؟ وتحول الصحوة إلى انتفاضة وثورة؟ أمريكا بموقفها الغبي تحوّل الصحوة إلى انتفاضة وثورة، وتشعل روح الانتفاضة والثورة في كل روح فيها إباء من إباء الإسلام، وشموخ من شموخ الإيمان، وعزة بالله سبحانه وتعالى.
نعم، إن أمريكا ترتكب غباءً فاحشاً، وتسقط الثقة فيها وفي حضارتها، وتعلن كذب ديموقراطيتها، وتؤلّب خلقا كثيرا في الأرض ليس من المسلمين فقط وإنما مسلمين وغير مسلمين عليها.
إنها خدمة من عدوّ لدود، وهي خدمة كشف الأوراق، فأمريكا تكشف بهذا الموقف عن كل أوراقها، وعن زيفها وكذبها، تتقدّم بمليون دعاية لتأسر قلب الشاب والشابة من شبابنا وشاباتنا، ولتستقطب أفئدتنا، لترينا أنها كبيرة وأننا صغار، وعلينا أن نؤمن بتبعيتها والذوبان فيها.
لكن من الجهة الأخرى تُشهر سيفها ضد مصالحنا، تواجهنا بالحديد والنار، تسفك دماءنا، وتكشف التقارير الجديدة عن صور بشعة أخرى مارستها في سجن أبوغريب. كل ذلك ترتكبه أمريكا لتسقط كل محاولاتها الخبيثة الماكرة التي تحاول من خلالها استقطاب قلوب المسلمين. هذه الحالة ينبغي استثمارها، وإدامة ذكر التجارب المرة المستمرة لها مع هذه الأمة. الأجيال تنسى، هذا جيل شهد سخف أمريكا، وكذب أمريكا، وظلم وطغيان وفحش أمريكا، وعنجهية وجاهلية وطاغوتية أمريكا، لكن الجيل الثاني يمكن أن يُخدع، وهذا الجيل نفسه يمكن أن ينسى من بعد سنوات.
على الواعين، على الدعاة، على الرساليين أن يبقوا الصورة البشعة حية باستمرار في قلوب المسلمين وأمام مرأى كل أجيالنا.
وأرض الإسلام وطن واحد لا أوطان، فالعراق وطن المسلمين، كل المسلمين، وفلسطين وطن المسلمين كل المسلمين، وأفغانستان وطن المسلمين كل المسلمين، وكل شبر من أرض الإسلام هي وطن لكل مسلم في الفهم الديني، ونحن مع هذا الفهم، فأمريكا بعدوانها على أي شبر من الأرض المسلمة تعتدي على كل المسلمين، وتستنهض بهذا – لو توفّرنا على الشعور الإسلامي الصحيح- كل المسلمين.
والعراق واحد من الأوطان التي استهدفتها أمريكا، والعراق سيبقى هو العراق، والنجف الأشرف ستبقى هي النجف الأشرف، وبيوت الشرف والكرامة في العراق وفي النجف ستبقى كما هي شامخة عزيزة كريمة، على عطاء دائم متدفق للإسلام، لا يبخلون على الدين بجهد ولا مال ولا دم، وإن شهادة سماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم واقعة في هذا السياق، وما كانت مفاجأة أبداً له (رضي الله عنه) ولا لأحد ممن يعرف شخصيته العملاقة بعد أن كان وضع نفسه مختارا وعلى بصيرة على طريق الشهادة والفداء في سبيل الله.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك المصطفى، محمد وآله الأولياء، وعلى جميع أنبيائك ورسلك وملائكتك.
واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ومن أحسن إلينا إحساناً خاصاً من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، واجعلنا من وفدك الكريم يوم الدين يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
____________________________
1 – الثابت حق والموقّت حق.
2 – الله موجود موجود سواء تصوّر متصوّر أو لم يتصور متصور، وجد مخلوق أو لم يوجد مخلوق. حقيقة ثابتة في الواقع لا يمسها التغيير أبدا.
3 – فبالنظر الدقيق لا توجد أحكام متغيرة في الدين وإنما توجد مواضيع للأحكام قد تتغير فيتبع تغيرها تغير الحكم؛ ذلك التغير الذي قُرّر من الأول.
4 – ليست هناك ولا مسألة واحدة تفاجئ تشريع الله. ليست هناك ولا مسألة واحدة لم تدخل في حسابه، ولا ظرف واحد لم يلتفت إليه.
5 – {بغيا بينهم..} وليس بين فريق خاص منهم، يعني بغي شائع في الناس، منتشر في الناس.
6 – المسار التفاوضي بين الجمعيات الأربع أو الأكثر والدولة.