خطبة الجمعة (160) 6 جمادى 1425هـ – 25 يونيو 2004م

مواضيع الخطبة:

 

حضارة الإسلام (12) – الأمن العالمي القوة المنفردة –  في دائرة العراق – المدارس الأجنبية الخاصة:-

العراق كما يريده له عقلاؤه شيعيّ سنّي بلا عصبية، يُعترف فيه بحقوق الجميع، ويسوده التعاون الإيجابي، وأدنى صيغة له أن تسوده حالة التعايش السلمي، والتفاهم الذي يحفظ للعراق مقدراته ومقدّراته.

الخطبة الأولى

الحمد لله ربِّ العوالم خافيها وظاهرها، والكائنات صغيرها وكبيرها، لا يجوز عليه تقدير، ولا يناله تحديد، لا تراه العيون، ولا تدركه الظنون. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
علينا عباد الله بتقوى الله فإنها الطريق إلى رضوان الربّ، وبلوغ ذلك أعلى الرّتب، ونهاية المأرب، وليكن لنا من ماضي حياتنا واعظ؛ فكل ما استمتعنا به من ماضي العمر قد ذهبت لذّته، وبقيت تبعته، وليس لمستقبل العمر شأن غير هذا، فيوم أن تصل القدم إلى عتبة الموت فالموقف من كل العمر الذي انقضى هو الشعور بلذاتٍ نُسي طعمها، وولّت متعتها، وقلقٌ من وزرٍ قد تستتبعه، ومصير سوء قد تُنهي إليه، ولئن كان باليد اليوم فرصةٌ للتوب والأوب فلحظة المعاينة لا أوب ولا توب فيها.
ومتى تكون هذه اللحظة؛ في ليل أو نهار؟ في يقظة أو نوم؟ في حضر أو سفر؟ لا يعلم ذلك إلا الله. فحذار يا نفسُ من التسويف والنسيان والتساهل والتغافل والغرور، فالأمر جدٌّ لا ريب فيه، والأجل آتٍ لابدّ منه، والساعة قادمة لا ريب فيها.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعذنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين مما استعاذ منه عبادك المخلصون، واجعل توبتنا إليك من قريب ماحيةً للذنب، ساترة للعيب، غاسلة للعار، موقية من النار، لا عودة بعدها لذنب، ولا رجوع لإثم، ولا فتور عن طاعة.
أما بعد يا إخوة الإيمان فموضوع الحديث: حضارتان: حضارة الطين وحضارة الإنسان.
نعم هما حضارتان؛ حضارة الطين وحضارة الإنسان.
ما هو المعنى؟
أ- حضارة الطين:-
حضارة من بناء الإنسان بقابلياته الكبيرة، بجهوده المضنية، بتجاربه الكثيرة المتراكمة على الأرض، حضارة فيها علم وإبداع واكتشاف واختراع، عمارة شامخة، زراعة عامرة، مصانع تشهد بفكر جبّار، بجهد عظيم، بفنّ رائع.
لكن نظرتها للإنسان قاصرة، مقدّسها المادة، ملحوظها الدوافع الحيوانية، هدفها إشباع الشهوات الحسية وما هو قريب منها، واهتمامها بما يقع على طريق هذه الشهوات واللذائذ.
العقل والعلم فيها وسيلة للنمّو المادي والتلذذ الحسّي، وإشباع النهم الحيواني، لا واقعية عندها للقيم المعنوية؛ للصدق، للأمانة، للعدل، للإحسان. الأخلاق كلّها فيها عنوان بلا خلفية من واقع، لا حساب عندها لرقابة خلقية مترتّبة على مسؤولية يتحملها الإنسان، ولا لمثوبة أو عقوبة ينتظرهما وراء هذه الحياة.
حضارة الطين تجعل لبّ الإنسان قبضةَ التراب، وعناصر المادة، والروحَ التي بها نموُّ وحركةُ هذه القبضة الترابية، وما تجده به هذه الروح من لذائذ ومتع تتصل بهذا الجانب الوضيع من الإنسان.
هذه الروح معترف بها في حضارة الطين كما تعترف بالبدن وحاجاته، وهي حضارة تلغي النظر تماما إلى نفخة الروح العليا، وسر التطلّعات القدسية في نفس الإنسان، ومنبع القيم الخلقية في وجوده، والتي تحاول النفس أن تتشبّه بالتزين بها بأسماء الله الحسنى.
حضارة كبيرة عملاقة مادية على تقزّم شديد، وخواء كبير من ناحية روحية.
الحضارة المادية أصغر ما فيها الإنسان الآلة، الإنسان اللذة العابرة، والحيوان.
الإنسان في الحضارة المادية صغير، ليس هو أكثر من آلة، أكثر من لذّة عابرة، من حيوان تكاد تستوي حاجاته وهمومه وتطلعاته مع أدنى حيوان وحشرة ودودة في الأرض.
ب- حضارة الإنسان:-
هذه الحضارة تنظر إلى الإنسان أكثر من كونه شيئا من الطين، وأكثر من كونه روحا تعطي التراب نموّه وحركته. إنها ذات نظرة تضيف إلى ذلك روحا كثيرة الشوق إلى الله، شديدة التطلع إلى التشبّه بأسمائه الحسنى، لا تستريح إلا في ظل معرفته، ولا تأنس إلا بذكره، ولا تقتنع من ذاتها إلا بقربه، ولا تستغني عنه بكل ما سواه، ولا تفتقر إلى ما دونه ما وجدته وعرفته وشعرت برضاه.
هذه الحضارة تتحرك بالمادة على طريق نموّها وتقدّمها، وتثري الحياة بالحركة والنشاط، وتقيم على الأرض واقعاً عملاقا أكبر ممَّا ما تصنعه الحضارة المادية من واقع كبير على الأرض.
لكنّ الواقع الأكثر تعملقاً، والأكثر ترسّخاً، والأكثر بسوقاً والَّذي تصنعه حضارة الإنسان – المقابلة لحضارة الطين – على الأرض واقع منشدّ إلى القيم، وشاهد على الرسالية، وناطق بقيم الخلق والدين، ومتسام بالوضع المادي الكبير المصنوع على يدها بدل أن تخسر قيمها بالوقوف عنده والذوبان فيه، فتتمرّغ في الطين، وتبتلي ببلادته، ويستولي عليها جموده، وينقطع بها عن الأفق اللامحدود، والنور الذي لا يتوقف، ولا يأتي عليه شيء من النهايات.
الإنسان بروحه الشفافة ورؤيته الكونية العميقة الواسعة الأصيلة، وشعوره الصاعد إلى الله، وشوقه وولهه المتعلق بعظمته، الإنسان بذاته المعنوية الفياضة بالخير، بالحب الطاهر، بالوعي الرشيد، بالعدل، بالإحسان، بالرحمة، بالعطاء، بالإيثار هو الهدف في هذه الحضارة.
أما النمو المادي، ومتع البدن مما يقع وسيلة فيها لصناعة الإنسان الكبير في عقله العارف بالله، وفي روحه المنفتحة على هداه، وقلبه المليء بالخير، وذاته الزخّارة بمعاني الرفعة والسمو، والتطلعات الإلهية الكريمة.
الإنسان في هذه الحضارة ينشدّ بالأرض إلى السماء، يرتفع بها إليها، يقود الحركة فيها على ضوء قيمها، يخصبها بالخير من منهج تلك القيم، يفرشها عدلا وأمانا وسلاما، وفيوضاتِ بركة بتعاليم المنهج الإلهي ووصاياه الكريمة، وأخلاقيته الرفيعة، وشريعته السمحاء الهادية العادلة المثرية.
الإنسان في هذه الحضارة لا يسقط مستواه الخلقي، ولا ينهار في معنوياته، ولا يخسر ذاته المشعة وفطرته الهادية القويمة ليجد نفسه من بعد ذلك عاجزا عن الأخذ بمنهج السماء، والإيمان بمنظومة قيمها حتى يكفر أو يستنزل السماء إلى الأرض فيكون إلهه من مستوى الطين، ومعبوده مخترعاً من حجم المادة، وهي النتيجة الحتمية لمناهج الأرض وأطروحات الإنسان البعيد عن الله، وهي النتيجة التي تنتهي إليها حضارة التراب بقصورها وجمودها وجهلها ووضاعتها.
ومن عناوين هذا الموضوع بعد الكلمة التمهيدية له:
حول الإنسان:
الحديث هنا عن الإنسان باني الحضارة، ومشيد عمارتها، والذي لابد أن يكون هو هدفها، وأن يكون محل عنايتها، وأن يكون مشروعها الكبير، هذا الإنسان ما حقيقته؟
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}
الطين بالحياة يغنى بالحركة والنموّ، ويزخر بدوافع ورغائب وحاجات ومشاعر ومطامح من طبيعته المادية، فالإنسان في جزء من واقعه هو كل هذا الاتجاه المادي الذي يفرض نفسه عليه بدرجة وأخرى، ويحكم وجوده، ولا يسع أحداً التنكّر أو التحرر الكامل منه.
لكن الإنسان في جانب آخر منه هو نفخة الروح بما لها من إضافة تشريفية لله سبحانه تدلّ على أن هذه الروح لها تميّزها الخاص عن روح يجدها الحيوان، وتعطيه الحركة والنمو، وتثير فيه دوافع المادة وحاجاتها ومقتضياتها، وهي روح من عند الله عز وجل كذلك، فروح تكون بها الحركة والنمو من عند الله، وروح يكون به الانشداد الكبير الواعي العابد لله هي من فيضه العظيم كذلك.
الروح الأولى وهي من فضل الله تفوقها هبته الروحية للإنسان بما يتجاوز به حدود المادة، وقضاياه، ويربطه بالغيب، ويدفعه إلى التطلّع إلى اكتشاف المجهول وعشق الكمال، وسمو الذات، والنظرة في الماضي البعيد، والمستقبل الممتد، ويثير فيه التطلعات الكبيرة.
وهذا الواقع الجديد على المادة وما تعنيه قاض بأن تتجاوز حضارة الإنسان مستوى الطين وهمومه وقضاياه، وأن تحدث نقلة هائلة في حياته عن مستوى حياةٍ للحيوان ليس من حيث ما يتم على يدي الإنسان من عمارة الأرض فحسب وإنما وهو الأهم من حيث ما يتم من حركة اختيارية صاعدة في مضمونه، وسر عظمته، وهو روحه المتولهة لله، العاشقة لجلاله وجماله، ليتحول هذا الإنسان إلى واقع من الجمال والكمال وإن كان على محدودية ونهاية.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وأصدقائنا، ومن أحسن إلينا إحساناً خاصا من مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة يا كريم.
اللهم كما هديتنا لدينك فزدنا من هداك، وكما وقيتنا من شرار خلقك فاجعلنا دائما في حماك، وكما بسطت علينا نعمك فأفض علينا من عطاك، يا ولي المن، ومتفضلا بالإحسان، يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يعلم علمَه عالم، ولا يعدل عدلَه عادل، ولا يقدِّر تقديره مقدِّر، ولا يدبِّر تدبيره مدبِّر، لا علم إلا من عنده، ولا عدل إلا بتسديده وتوفيقه، إليه تصير الأمور، ويرجع التقدير، وينتهي التدبير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله هادياً ومبشّرا ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله لنكون من الذين يساقون للجنة زمراً كما في قوله سبحانه:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً}، ونكون أحقَّ بها وأهلها، ويكفّر الله عنا سيئاتنا ويعظم لنا أجراً، وكفى بأجر الله ورضوانه فوزاً، وكفى به شأناً، وأعظم به فخراً، وليس من تارك للتقوى، وطالبٍ للدنيا بلا آخرة إلا وكان نهاية أمره خُسراً. عباد الله أخذاً أخذاً بالتقوى لسعادة الآخرة وصلاح الأولى.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وألبسنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات لباس التقوى، ووفقنا للتي هي أزكى، وأعذنا من شر الآخرة والدنيا.
اللهم صل وسلّم على البشير النذير، والسراج المنير، محمد الهادي الأمين، وعلى آله الطاهرين. اللهم صل وسلم على إمام المتقين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
اللهم صل وسلم على بنت نبيك، فاطمة الزهراء التقية النقية المعصومة. اللهم صل وسلم على الإمامين الزكيين، والوليين التقيين، والسبطين الهاديين الحسن بن علي الزكي، وأخيه الشهيد الحسين.
اللهم صل وسلم على الأئمة النجباء علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري الهداة الميامين.
وصلّ وسلّم على وليّ العصر، والقائد إلى النصر، عز المؤمنين، ونكال الظالمين، محمد بن الحسن المهدي إمام المتقين.
اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، وانصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا، وانشر به عدلك، وأحي به دينك، وأعزّ به المؤمنين من عبادك.
عبدك الموالي له، المجاهد في سبيلك، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والعاملين في سبيلك من المؤمنين والمؤمنات، وسائر المؤمنين والمؤمنات وفّقهم لمراضيك، وسدد خطاهم، وبلّغ مناهم مما يرضيك ويسعدهم يا كريم.
أما بعد يا إخوة الإيمان فإلى هذه الكلمات:-
الأمن العالمي:-
وهو مفقود فكيف يتم التوفّر عليه؟
قوة بلا تربية:
هناك قوة رادعة بلا تربية قد يطلبها قسم من العالم ليفرض الأمن في كل الساحة العالمية الواسعة، قوة بلا تربية، بلا ضمير، بلا تقوى، بلا معرفة لله سبحانه وتعالى، بلا مثل أعلى، لا كلام نظري في هذا الموضوع فقد برهنت هذه القوة المنفردة عن الله بأنها تعني التكريس للظلم، تعني القلق في الأرض، تعني زعزعة الأمن، تعني الخوف والرعب الذي يزداد على الأيام.
تربية بلا قوة:
ليس هناك من أطروحة تتمسك بالمُثُل أكثر مما يتمسك بذلك دين الله، ودين الله لم يعتمد التربية من دون قوة، وإنما اعتمد التربية أسلوبا أوّل لصناعة الإنسان، لتحقيق الأمن، لتحقيق السعادة، ولكن أضاف إلى ذلك القوة لأن الإنسان في ظل أي تربية راقية لن يتحول إلى ملاك على الأرض.
كثيرون من الناس يمكن أن ترتقي بهم التربية إلى مستويات تقرب من العصمة، لكن عددا آخر من الناس سيبقى مكبّا على الأرض، لا يجد نفسه إلا فيها وفي لذائذها وفي شهواتها، وهذا لا يعرف قيمة الخلق، ولا يقدّر لها وزنا، ولا تمتلك في نفسه رادعا ولا وازعا، فلابد من قوة تؤدّب مثل هؤلاء.
وإذا أُخذ بخيار الرعب فهناك تصوران:
أ- تصور توازن الرعب، وتوازن القوة:
أن تكون روسيا القويةُ الرادعة بسلاحها النووي القادر على تدمير أمريكا وأوروبا الغربية، وأن تكون أمريكا بسلاحها النووي المدمّر القادر على سحق روسيا، فوحشان كاسران لا يصرع أحدهما الآخر، يعيش كل منهما العذاب والقلق والخوف والفزع طوال الليل والنهار، والعالم كله منهما مُرعب، لا يُدرى متى يضغط هذا على الزّر ليدمّر العالم، أو يضغط ذاك على الزر ليدمّر العالم.
فالعالم يعيش كل أيامه ولياليه وساعاته خوفا ورعباً وعذابا كما يعيش الوحشان الكاسران العذاب بنفس الدرجة.
ب- تصور القوة المنفردة:
والقوة المنفردة تعني القوة بلا قوة موازية وبلا أخلاقية، بلا وازع من دين، بلا قيم، بلا خوف من الله، بلا تقوى، وهي تعني الطاغوتية الاستكبارية والغطرسة الظالمة في الأرض… تعني أن يتحول الآخرون كل الآخرين إلى عبيد، وإلى أقزام، وإلى مسحوقين همهم أن يسترضوا العملاق القوي الظالم الطاغي، وأن عليهم أن يذلوا بين يديه عسى أن يأمنوا، وأن يركعوا ويسجدوا إليه من دون الله عسى أن تصلهم لقمة العيش الممرَّغة بالهوان.

وهذا ما تريده أمريكا وتحاول فرضه بلغة القوة في الأرض، وهي أول ما تستهدف بهذه الطاغوتية، والسحق والتدمير والإذلال الأمة الإسلامية الصاعدة لما تهابه منها، وهيبتها منها لا من سلاح، وإنما من أطروحة ودين قادِرَين على أن يُحدثا في الإرادة انتفاضة، وفي العقل انطلاقة، وفي الروح سموّا، وفي الذات جبروتا غير ظالمة تُدمّر الاستكبار الأمريكي، وتسحق الإرادة الأمريكية الظالمة لنشر العدل والسلام.
أما موقف الإسلام من القوة، فالإسلام يطلب القوة، ويشدِّد عليها، ولكن للقيم، ولينتهي بالقوة إلى العدل والسلام، وتربية النفس على الهدى، وقيادة العالم على خطّ الأمن والسلام.
القوة في يد الإسلام لا للبطش، إنما للبناء. نعم، هي لتأديب الظالم، لردّ العدوان، لإسكات الصوت الشيطاني في الأرض الذي لا يرحم الإنسان لا دنياً ولا آخرة.
في دائرة العراق:-
العراق كما تريده أمريكا بئر نفط واسع غني، ومصدر ثروة عامّ متدفّق بالعطاء لمصالحها، وموقع استراتيجي للتحكّم في المنطقة والعالم العربي والإسلامي، وشعب مميّع ذليل تابع خانع، وحكومة تُنفّذ كل المقاصد الأمريكية الدنيئة.
والعراق كما تريده بعض الأنظمة منقسم، لا إسلامي ولا ديموقراطي، ضعيف منهك، تُنفَّذ من خلاله الإرادات السياسية المتضاربة للأنظمة الأخرى.
والعراق كما قد يريده واهمون من أهله شيعي خالص، أو سنيّ خالص، أو علماني محض، وهذا أو ذاك لا يمكن أن يكون، ويتأبّى الواقع العراقي بحسب الظروف الراهنة على أي فرض من هذه الفروض الثلاثة.
والعراق كما يريده له عقلاؤه شيعيّ سنّي بلا عصبية، يُعترف فيه بحقوق الجميع، ويسوده التعاون الإيجابي، وأدنى صيغة له أن تسوده حالة التعايش السلمي، والتفاهم الذي يحفظ للعراق مَقدُرَاته ومقدّراته.
أما صدّام فكان بالأمس في قفص العراق الواسع، تتهدد به أمريكا الأنظمة المحيطة من أجل ابتزازها، فإما الاستجابة الكاملة للمطالب الأمريكية وإما أن تُطلق يد صدّام ويُفتح له القفص ليفترس الأنظمة الضعيفة في المنطقة.
وهو اليوم في قفص آخر، في قفص من قصر، يُتهدّد به العراق نفسه، ويُتوعّد به الإسلام، ويُلوّح بعودته أو عودة حزبه من جديد من أجل أن يتقزّم الإسلاميون، ومن أجل أن يكونوا واقعيين الواقعية التي تريدها أمريكا.
والفرض دائما هو الابتزاز، وسيبقى صدّام ما استطاعت أمريكا ورقة بيدها، وإن لم يكن بشخصه فمن خلال حزبه لتأديب المنطقة، لتأديب الإسلاميين، لتهديدهم.
المدارس الأجنبية الخاصة:-
حفل راقص مشترك تحدّثت عنه أمّ لطالبة – في ما ذكرت – وكان الحفل الراقص المشترك قد خُطّط له بأن يكون في غير محضر أولياء الأمور، وواقعة أخرى قرأتموها في بعض الصحف أن حمارا يلبس ثوب الإحرام ليُصوّر بأنّه يطوف حول الكعبة، وهذا في مدرسة خاصّة أجنبية في البحرين.
المدارس الأجنبية الخاصة طلابها من الطبقة المتمكنة مالياً، وممن يُرتقب لهم أن يتسلّموا مراكز مهمّة في وظائف الدولة، وفي مواقع مسؤوليتها عندما يدخلون في سنّ الرجولة. يُعدّ منهم القادة، ويعد منهم المدراء، ويعد منهم الوزراء، ويعد منهم أصحاب المناصب المتقدمة، وهؤلاء يخضعون في هذه المدارس بعيدا عن كلمة الدين، وتوجيه الإسلام، وحتى التوجيه القومي، والتوجيه الوطني يخضعون لتربية مصنوعة صناعة خاصّة تُوجد رجالات غربيين على أرض البحرين يتنكرون لدينهم، ولقوميتهم، ولأهليهم، ووطنهم، ويتحولون إلى عشّاق مبهورين بالحضارة الغربية، بالإنسان الغربي، بالأخلاقية الغربية، بالطرح الغربي.
هناك لغة صعبة قد يُتحدّث بها إلى الأخوة المتمكّنين مالياً في البحرين وفي البلاد الإسلامية عامة، وهي صعبة بعد أن تغيّرت النفوس، وبعد أن فقدت كثيرا من قابليتها، وبعد أن كان حنينها للدنيا أكثر من حنينها للآخرة، وبعد أن تربّع صنم المادة في نفوسنا، وخلا القلب كثيراً لها بدل أن يملأه ذكر الله، هذه اللغة الصعبة تقول يجب أن يُضحّى بالدنيا للدين: صحيح أنك تريد لابنك منصبا غداً، وترى أن مركبه للمنصب لا بدّ فيه من خشبة اللغة الإنجليزية، من مسمار اللغة الإنجليزية، فتريد له تقدّما في اللغة الإنجليزية وغيرها من مواد تعده لمستقبل دنيوي مؤمل على يد مدرسين بمستوى خاص في المدارس الخاصة، وفي ظل عناية خاصة، بهذا الحاضن. هذا لك ولكنَّ المصيبة أنّك تسلّمه إلى الشيطان يصنعه كما يريد بعيدا عن صناعة الدين.
الدين هنا يقول لك بلغة جازمة أنت بين أن تربح لولدك اللغة الإنجليزية والمستوى الرياضي المتقدم، أو تربح له دينه، فعليك أن تربح له دينه، وأن تُضحّي بدنياه، هذه لغة صعبة لم تصعب على طبقة خاصة من المجتمع، وإنما تكاد تصعب على كل أبناء المجتمع، فصار صعباً علينا أن نضحّي بالدنيا من أجل الدين.
وهناك لغة أسهل هي أننا نطالب الأخوة المتمكنين ماليا بأن يفتحوا مدارس خاصة، وأن يكون المدرسون فيها من أرقى المدرسين، والمناهج فيها من أدق المناهج، ولكنها ترعى للطفل روحه كما ترعى له بدنه، وتهتم بجانب ولائه كما تهتم بجانب لقمته، وتقدّر فيه إنسانيته كما تُكبر فيه جانب الطين من وجوده، وتعتبره أمانة كبرى يُسأل عنها الآباء والأمهات بين يدي الله المتعال.
مطلوب للإخوة أن يفتحوا مدارس خاصة تُعنى بأولادهم العناية التي يطمحون إليها من ناحية دراسية دنيوية، ولكن تُبقي عليهم دينهم، وتبقي عليهم ولاءهم لأمتهم ووطنهم ومقدساتهم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وجيراننا وأصدقائنا ومن أحسن إلينا إحساناً خاصا من مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة.
اللهم اجعل حبّنا جميعا لما أحببت، وبغضنا لما أبغضت، وولاءنا لمن والاك، وعداءنا لمن عاداك، واكفنا بلطفك عن الشر، وأجرِ على أيدينا بفضلك الخير، وأسبغ علينا نعمك، وادفع عنا نقمك، واسلكنا في الصالحين والفائزين يوم الدين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

زر الذهاب إلى الأعلى