خطبة الجمعة (159) 29 ربيع الثاني 1425هـ – 18 يونيو 2004م

مواضيع الخطبة:


هذا هو ديننا – الصيف والسفر –محرم ينتهي والخلافات باقية

حرب المأتم الكثير منها حربٌ ليست لله. إنه عمل غير صالح، انه جناية على دين الله، إنه اساءة للحسين عليه السلام.

الخطبة الأولى


الحمد لله الذي دلّ عباده على النجدين، وبيّن لهم ما ينتهي إليه نجد الشر من العواقب الوخيمة، وما يؤدّي إليه نجد الخير من الأرباح العظيمة، والخواتم الكريمة، وأرسل الرسل دعاةً إلى الخير، ومحذّرين من الشر، ومقيمين العدل، ومناهضين للظلم. نحمده أكمل الحمد وأجمله وأسناه على ما هدانا إليه من معرفته، ووفقنا إليه من طاعته، وذادنا عنه من معصيته. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وأن نقرن العلم بالعمل، والعمل بالتقوى؛ فالعلمُ على من لا يعمل حجةٌ ملزِمة، والعمل بلا تقوى عاقبته مؤلمة، ومن حمل علماً بلا تقوى كان علمه سيفاً بلا رادع، وقوة بلا وازع، وكان شره أقرب من خيره، وجهله أهون على الناس من علمه. وكل العلم دون معرفة الله لا يخلق تقوى، ولا يقيم وضعاً إنسانياً كريماً، ولا يُشيد حياةً آمنةً رشيدةً راقيةً سعيدة، ولا ينتهي بحَمَلَتِه إلى الخير.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وهب لنا علماً نافعاً، وتقوىً رادعةً عن الشر، دافعةً إلى الخير، وعملاً صالحاً، وعاقبةً مفلحة.
أما بعدُ أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه صورة من الدين تحت عنوان “هذا هو ديننا”، وهي صورة سريعة تتناسب مع الظرف الصحي ومع ضيق الوقت.
فلنتعرف شيء من البعد الخلقي الكريم لديننا الحنيف بانفتاحه الإنساني الرشيد.
تقول الأحاديث عنهم عليهم السلام في بعضها:”ابذل معروفك للناس كافة فإن فضيلة المعروف لا يعدلها عند الله سبحانه شيء” التركيز على الناس كافة، “.. ابذل معروفك للناس كافة..”.
“رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس” ليس عن طريق التحايل والخدعة، ويدل على هذا قول الحديث، “واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر”، وهو تودد يقوم على سبب من الإخلاص، على اصطناع الخير، على تقديم المعروف، على ملازمة الإحسان.
“قال رجل عند الحسين عليه السلام: إن المعروف إذا أُسدي إلى غير أهله ضاع، فقال الحسين عليه السلام: ليس كذلك(1)، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البرّ والفاجر” المطر خير، ومن مصدر الخير، وهو بركة قد تستفيد منه بقعة، وقد لا تستفيد منه بقعة أخرى لعدم القابلية. معروفك وإن أصاب غير أهله إلا أنه لا يضيع بالنسبة إليك، وهو محتفظ بدلالته الكبيرة على نفسيتك العالية، وعلى انفتاحك الكبير الإيجابي، وعلى صلتك بالله سبحانه وتعالى، وهذا المعروف رصيد تلقاه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
“اصطنع الخير إلى من هو أهله وإلى من ليس هو من أهله” وفرق بين الخير تصطنعه إلى أهله وبين الخير تصطنعه إلى غير أهله؛ فالأول لك وللآخرين، لمصلحتك ولمصلحة الآخرين، الأول أنت به حي، وبه يحيى الآخرون، وإذا أحييت نفسا كريمة فذاك شرف عظيم، وبر كبير، وأجر ليس له حساب، وإذا صنعته إلى غير أهله فأنت على خير، ولك الثواب العظيم لكنك لم تحي به من أسديته إليه حياة معنى وروح “اصطنع الخير إلى من هو أهله وإلى من ليس هو من أهله”.
سوء الآخرين، نقص الآخرين لا ينبغي أن يحد من معروفك، وأن يقزّم أريحيتك، وأن يقوقع كرمك، “فإن لم تصب من هو أهله فأنت أهله”.كما تقول تتمة الحديث.
“عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: أخذ أبي بيدي – هذا الأخذ باليد لتأكيد الأمر، للتشديد عليه، هذا الأخذ باليد يراد له أن يكون قرينة للتذكر والاهتمام، قرينة تثير التذكر، وهو قرينة اهتمام ومبالغة في الاهتمام عن المتحدث – ثم قال: يا بُنيَّ أبي محمد بن علي عليهما السلام أخذ بيدي كما أخذت بيدك – أقام هذه القرينة، اهتمّ هذا الاهتمام، أكّد هذا التأكيد – وقال – أي محمد بن علي قال للإمام جعفر الصادق الذي كان حديثه مع الإمام موسى الكاظم، فالمسألة جارية من إمام معصوم إلى إمام معصوم على التوالي – وقال: إن أبي علي بن الحسين عليهما السلام أخذ بيدي وقال: يا بُنيّ افعل الخير إلى كل من طلبه منك، فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه – وفي ذلك خير عظيم – وإن لم يكن من أهله كنت أنت من أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك، ثم تحول إلى يسارك فاعتذر إليك فاقبل عذره”.
وهذه الأخلاقية الكريمة تختلف عن الأخلاقية الخطأ المحرفة عن النبي عيسى (على نبينا وآله وعليه وعلى جميع أنبياء الله ورسله أفضل الصلاة والسلام) تلك الوصية المحرفة مضمونها: إذا لطمك أحد على خدّك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، وهو لم يعتذر ولم يتأثم، وأنت حين تدير له خدك الأيسر فأنت تبرهن على ضعف منك، وعلى معونة على الظلم وإقرارٍ له، وعصمة عيسى عليه السلام تمنعه مما قيل. وهذا الحديث المعصومي يقول “فاعتذر إليك”، فإذا اعتذر إليك أعنه على تقويم ذاته، أدخل في نفسه الحياء، وعلّمه الخلق الكريم، وانتشله انتشالاً من خطئه، وأكّد في نفسه حب التوبة والتمسك بها.
ثم تحول إلى يسارك فاعتذر إليك فاقبل عذره” وأنت في سورة غضبك.
لو جاءك بعد اليومين والثلاثة وبعد أن بردت أعصابك ليعتذر منك فالأمر سهل، لكن الآن واجهت منه ما آلم نفسك، وجرح ذاتك، واللحظة نفسها يعتذر فتقبل عذره.
ذاك إحسان ومعروف في الناس، وهذا معروف أعم ” إن الله تبارك وتعالى يحبّ إبراد الكبد الحراء، ومن سقى كبداً حراء من بهيمة وغيرها أظلّه الله يوم لا ظلّ إلا ظلّه”
وكل ذلك داخل تحت قوله تبارك وتعالى:{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ…} الأمر بالإحسان مطلق، لم يُقيَّد بأنه احسانٌ إلى محسن أو غير محسن.
ولنعلم أن المعروف والإحسان لا يُعطّل أمرا بمعروف، ونهياً عن منكر، ولا يقرُّ صاحب باطل على باطله، ولا يعني مباركة للانحراف أبداً باسم الانفتاح، ولا يحتضن الفحشاء، ولا يسمح لك بأن تُبدي ارتياحاً ينمّ عن الرضا، وينمّ عن عدم الغيرة على الدين حين تواجه المنكرات.
الانفتاح المطلوب منا في الشعارات الجديدة والتعايش المفتوح هو أن نقبل الباطل، أن نبتسم للظالم، أن نبتسم ونتعامل بالرضا مع أهل الفاحشة، مع كل المنكرات، وإسداء المعروف والإحسان الذي تتحدث عنه هذه الروايات بعيد كل البعد عن هذه الأخلاقية الوضيعة؛ أخلاقية الاندماج في الباطل أو المساعدة عليه.
أن تُسدي المعروف لغير أهله من أجل أن تربَّيهم، من أجل أن تبرهن لهم على أخلاقية الإسلام الرفيعة، وعلى أن الإسلام كله خير، وأن الإسلام كله إحسان وبركة.
نعم، لكن هذا التعليم؛ بالإحسان وإسداء المعروف يتنافى مع مبدأ معاداة الناس، وسياسة العنف والقتل والاغتيال بلا حساب بمجرد الخلاف السياسي أو العقيدي فلا ندري من أين جاء انتهاك الحرمات، واستباحة دم المسلم واغتياله باسم الغيرة على الدين والتربية الدينيَّة.
هذا الدين يقول لك اسدي المعروف ولو إلى الكافر، وإسدؤك المعروف إلى الكافر لا يعني عدم دعوته إلى الإسلام، وعدم شرح أن كفره فيه مهلكته، ولا يعني عدم محاربة الظلم والكفر في الأرض.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا، ولمن أحسن إلينا إحساناً خاصا من المؤمنين والمؤمنات.
اللهم لا تسلبنا نعمك، وادفع عنا نقمك، واجعلنا من حماة دينك، والمقيمين للحق في بلادك وعبادك، والمنكرين لما أنكرت، والداعين لما دعوت، والآمرين بما أمرت، ومن أرحم عبادك بضعفاء خلقك، وأهل الحاجة في أرضك يا رحمن يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}


الخطبة الثانية


الحمد لله ذي الكمال الأكمل الذي لا يأتي عليه نقصٌ ولا كمال، ولا تعرضه زيادةٌ ولا نقصان. كان الكامل المطلق أزلاً، وهو الكامل المطلق دائماً وأبداً، منزّهٌ عن الأولية المسبوقة، وعن الآخرية الملحوقة، وعن التدرّج في الوجود، والنمو في الحياة، والاستتمام في الصفات، وكل أسمائه حسنى، وحسنها بلا حدود ولا يتناهى.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله رحمةً للعالمين، ونجاةً وفوزاً للمهتدين، وحجةً على المعاندين والمكابرين، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، والاستعانة عليها(2) بالله، والاستعانة بها (3) -كما هو مفاد الكلمة عن أمير المؤمنين (ع)-.
ذلك أنه لا خير إلا بالله، ولا توفيق لكمال إلا منه، فليس لنفس أن تكون على تقوى إلا بإذنه، وتقوى المرء حجة من الله له يوم الحساب يستعين بها على ما يلقاه من عدل الله، وما أعدّه سبحانه من أليم العقاب لأهل معصيته. التقوى التقوى فلا نجاة غداً بلا تقوى، ولا خوف على من اتقى.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وارزقنا الهدى، واحملنا على التقوى، واسلك بنا إلى جنة المأوى، واجعلنا ممن عمرته على طريق القربة والزلفى.
اللهم صل وسلم على البشير النذير، والسراج المنير، محمد الهادي الأمين، وآله الطيبين الطاهرين. اللهم صل وسلم على علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين.
اللهم صل وسلم على فاطمة الزهراء، التقية النقية، الصديقة المعصومة، اللهم صل وسلم سبطي نبيك، وحبيبك الحسن بن علي الزكي والحسين بن علي الشهيد.
اللهم صل وسلم على أئمة الهدى، وأعلام الورى علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الأئمة النجباء.
اللهم صل وسلم على إمام العصر والزمان، وباعث القرآن، ومحيي الإسلام، وداعية الأمن والسلام، محمد بن الحسن المهدي، سليل الأئمة الكرام.
اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً يا كريم.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين العاملين، وسائر المؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، سدد خطاهم، بلّغهم مناهم مما تحبّ لهم وترضى.
أما بعد أيها الأخوة الكرام فهذه بعض كلمات:
أولاً: الصيف والسفر:-
للأبدان سفرها، وللأرواح سفرها، وسفر الأبدان قد يكون من بيئة صحية إلى بيئة سيئة، وسفر الأرواح قد يكون إلى أسفل وقد يكون إلى أعلى؛ روح تسافر من أجواء الشيطان إلى أجواء الله، وروح تسافر من أجواء الله إلى أجواء الشيطان.
روح تعلو، وروح تنتكس، روح تستبدل من بعد محرابها وذكرها معاشرة الفسقة وأهل المجون، وروح تنتقل من أجواء موبوءة إلى أنقى الأجواء وأطهرها وأرفعها وأنزهها.
يراد لنا السفر في الصيف عن الحرّ مع الإمكان، ولكن لا لنخسر دنياً ولا لنخسر آخرة، فلنسافر لله، فلسنافر للصحة، لنسافر للتخفيف على النفس، لنسافر لزيادة المعلومات، لنسافر إلى مزيد من الثقافة الكريمة، لنسافر لعلم، لنسافر إلى ما ينفع في دين أو دنيا، وأكرم سفر وأربحه هو ما كان لله سبحانه وتعالى، وأنت حين تسافر لدنيا لا تتعارض مع دينك، وتطلب بسفرك ودنياك الاستعانة على بلوغ أمر الآخرة وخدمة دينك فسفرك لله وأنت في خير.
وماهو من السفه، من العيب، من السقوط أن يدّخر الآباء الأموال بعد الجهد الجهيد الذي يبذلونه في العمل، طوال السنة ليحطّموا به أبناءهم وبناتهم في سفر حرام، في سفر ينصبُّ على الملهيات، ويرمى بالولد والبنت في أحضان أهل الفسق والمجون، وليفتح الدروب والطرق إلى الولد والبنت لأن يُستغلا الاستغلال البشع الذي لا يبقي من إنسانيتهما ولا يذر.
تأكّد أن تسيّب شهرين في السفر قد يعني تسيّب العمر كلّه، وأنك لا تستطيع أن تتدارك من أمر ابنتك أو ابنك ما أفسد عليهما من نفسيهما ومن دينهما سفر الشهرين.
تكون بهذا المال وبهذه التهيئة للسفر قد فتحت بابا لولديك على النار لا ينغلق، فارحموا أبناءكم، وارحموا بناتكم، غداً يقف ابنك وبنتك عدوين لك يوم القيامة، وحق لهما أن يعادياك بعد أن أغلقت عنهما باب الجنة وفتحت عليهما باب النار.
ماذا يساوي طعامك وشرابك وكسوتك وأموالك التي قدمتها لولدك وبنتك بعد أن سلكت بهما مسلك أهل النار؟!
ومن العيب، ومن النفاق، وخزيٌ كل خزي أن نتّخذ باسم المقدسات غطاءً لقضاء الأغراض الدينئة، وللسفر من أجل النزوات؛ أباسم الحسين؟! أباسم علي؟! أباسم رسول الله صلى الله عليه وآله تذهب البنت لتلعب؟! يذهب الولد ليقضي وطره من الفساد؟!
وغريب كل الغرابة، وسفه كل السفه، ودناءة كل الدناءة، وسقوط كل السقوط أن يدّخر الآباء وينفقوا على أبنائهم وبناتهم بالخصوص لحرفهم عن الصراط؛ فيعطي الوالد ابنته المال لتتزيّن الزينة المفحشة، ويغدقه عليها إغداقا للثياب المبتذلة بتبذّل أهل الحرام، فيكون عليه الإنفاق، ولأهل الحرام من بنته اللذة المحرمة. وافجيعتاه!!!
هذه فلذات أكباد؛ إخلاصك لفلذة كبدك أن تغدق عليها من الأموال ما تغدق لتقدمها سلعة رخيصة لأهل الفسوق؟! هذه دناءة بالغة وسقوط أوتآمر على دين الله؟!
الإصلاح ماذا يعني؟:-
الإصلاح عدلٌ بدل الظلم، مشاركة بدلَ الانفرادية، شمولية بدل الفئوية والطائفية والقبلية، تثبيت أسس الحضارة الإسلامية الكريمة، وأخلاقيتها الرفيعة، وكل قيمها المربية بدل محاربتها والتخطيط المضاد لها.
إن الإصلاح يبدأ بالخروج من النظرة الضيقة إلى النظرة الواسعة، ومن التقوقع في دائرة الأنا إلى الانفتاح النافع على الأمة والمحيط الإنساني والكوني الكبير، ومن الانشداد إلى الأرض إلى التطلّع العقلي والروحي إلى السماء. لا يكون إصلاح إلا بأن تتغير النفسية، بأن تتغير العقلية، يتغير التوجه، يتغير الهدف، بأن ينفتح أفق الذات، لأن يرنو الإنسان بنظرته إلى علو، بأن يطلب الله، بأن يتجه إلى السماء بدل أن يكب على الأرض.
وهناك محيطان ضاغطان؛ محيط يضغط من أجل الإصلاح، ومحيط يضغط من أجل بقاء الأوضاع السيئة كما هي؛ الأول يتصف بسعة النظرة والأفق، والتطلّع الراقي، والثاني ينطلق من الهموم الضيقة، والنظرة الأرضية، وشحّ الأنا، واختناقها. في كل مجتمع توجد فئة تريد أن تبقي الأوضاع في موقعها، الأوضاع التي تقوم على نهب المال، تقوم على الغصب، تقوم على السرقة، تقوم على الظلم من أجل البطانة السيئة.
صحفيون في عالم اليوم يتملّقون، يريدون دائماً أن تبقى أوضاع الظلم، وأوضاع التخلف كما هي، من أجل أن يرتزقوا، من أجل أن تمتلئ جيوبهم بالمال الحرام.
وهناك دعاة للإصلاح لا يرجون من الإصلاح فلساً واحداً، ولا يتطلعون إلى توظّف ولد أو إلى منصب وإنما قد جبلت أنفسهم على حب الخير. لايريدون من الإصلاح إلا أن يروا صورة جميلة، ويروا أجواء سعادة يرفل بها الإنسان، سرورهم أن يسر الإنسان، سرورهم أن يستقيم الإنسان، سرروهم أن يكون عدل، أن تكون مساواة، أن تكون الحياة جميلة مريحة للنفوس المتعبة، ولنفوس المحرومين والمستضعفين.
ثانياً: محرَّم ينتهي والاختلافات باقية:-
لحدّ الآن نعيش مشاكل الاختلاف على الحسينيات، وأنا لي هنا سؤال: فكروا أيها الأخوة الحسينيات لمن؟ الحسينيات لمن بنوها؟! لآبائهم؟! لقبائلهم؟! لأصدقائهم؟! أم الحسينيات للحسين عليه السلام؟! لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! الحسينيات قبل ذلك لله سبحانه وتعالى؟!
فكّر دائماً أن الحسينية ليست لك وإن كنت بانيها، أن الحسينية ليست لك وإن كنت جارها، وإن كنت من أهل بلدها، الحسينيات لله سبحانه وتعالى، فلا تنازعوا الله فيما هو له.
والحسينيات لِمَ؟ الحسينيات للإشادة بذكرك؟ لإعطائك شهرة؟ لإعطاء قبيلتك شهرة؟ لتمكينك في القرية؟ لتمكينك في القطر؟ لتكتسب موقعاً في الناس؟ أنت بنيت الحسينية من أجل هذا؟ أم الحسينية لذكر الله؟ لذكر آل البيت عليهم السلام؟ للقيم الرفيعة؟ للأخلاقيات الإسلامية الرائعة؟ للتكافل الاجتماعي الإسلامي؟ لخلق مجتمع إسلامي صحيح؟
أيها الأخوة الكرام لا عمل إلا بنية، فاطلبوا العمل الصالح ومن خلال النية الصالحة، يقول الحديث:”يا أيها الناس إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله..” هذا ترك الوطن، وترك المال، وترك الأهل، وضحّى بكل شيء مهاجرا، لكن لا قيمة لهجرته، إنما القيمة في نية هجرته، “… فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله… “، يعني هي محسوبة عليهما، وثوابه على الله سبحانه وتعالى، وهي هجرة إلى الله فعلا ما دام قُصد فيها الله ورسوله، إذ قد قُدِّمت على المحبوب الدنيوي طاعة لله وإكراماً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والثمن يقع على الله عز وجل.
“ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه” هذا هاجر ليضحي بنفسه، خرج حاملا سيفه، خرج متقدما الصفوف يحارب في جبهة يقودها رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن ما دامت نيته من الحرب أن ينال زوجة جميلة، أن يصيب مغنماً دنيوياً فهجرته إلا ما هاجر إليه. قيمة هجرته، وثمن هجرته، ومردود هجرته هذا الذي قصده ناله أو لم ينله.
“إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة”، فمن بنى حسينية لأهل بيته، لقبيلته، لشهرته فليأخذ أجره وثوابه من أهل قبيلته، ومن أهله، لأن عمله قد قصد به غير وجه الله سبحانه وتعالى.
أصحاب الحسينيات الفائزون عند الله سبحانه وتعالى هم خصوص من كانت حسينياتهم من أجل الله، وكانت نيتهم خالصة بخلوص تام لله، هؤلاء الفائزون، وهم من أنصار الحسين عليه السلام حقّاً.
اخرجوا من هذه الدناءات والتفاهات:
الحسينية بهذا الإسم أو بذلك الإسم، لأقل كلمة بين أهل الحسينية الواحدة تنشأ مشادات ونزاع طويل، اختلاف على خطيب، اختلاف على مسألة الموكب وما إلى ذلك، كل اختلاف صغير يمكن أن يُسبّب فتنة كبيرة، وأما إذا كان الأمر مرتبطاً بعائلتي وعائلتك فالحرب لا تنتهي حتى أسحقك أو تسحقني.
إنها حرب ليست لله، إنه عمل غير صالح، إنه جناية على دين الله، إنه إساءة للحسين عليه السلام.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وارزقنا الهدى، واحملنا على التقوى، واسلك بنا إلى جنة المأوى، واجعلنا ممن عمرته على طريق القربة والزلفى.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – المعروف لا يضيع، لو ضاع عند من أُسدي إليه فهو محسوب بربح فاعله، وهو رصيد لفاعله.
2 – 2 – الضمير في الموضعين عائد على التقوى.

زر الذهاب إلى الأعلى