خطبة الجمعة (158) 22 ربيع الثاني 1425هـ – 11 يونيو 2004م

مواضيع الخطبة:


حضارة الإسلام (11) –  ما تحتاجه المحافظات – جمعية التوعية الإسلامية إلى متى؟ – طلابنا والعطلة الصيفية.

 * نعم لتكون المفكر والذاكر لا تسمح لأحداث الحياة أن تستنزفك، ولصراعاتها أن تنتهبك، ولزخارفها أن تلهيك، ولا تستغرق في لذائذها فتنسى نفسك وربك ومستقبلك ومسؤوليتك.

* مستقبل ابنك في الدنيا، صناعته تتحمّل مسؤلية من مسؤوليتهما، مستقبل ولدك في الآخرة مسؤولية تتحمل منها ما يُثقل العاتق.

الخطبة الأولى

الحمد لله الملك القدوس العزيز الحكيم، السلام المؤمن المهيمن. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. صلّى الله على محمد وآله قادة الورى، وأعلام الهدى.
أوصيكم عباد الله ونفسي المخادعة لي بتقوى الله وتوحيده. ولا توحيد لمن غلبه ولده من ابنٍ أو بنت أو أيّ حبيب آخر على طاعة ربّه، وأدخله في معصيته، وأسكتته مداراته له عن أمر بمعروف أو نهي عن منكر كانا لله في ذمته.
وحقَّ لله أن يكِلَ هذا العبد لمن قدَّمه على خالقه ومالكه ورازقه، ومن أوكل اللهُ أمره إلى غيره فقد خذله، ولا حول ولا قوة ولا نجاة لمخذول من الله الذي لا مالك لضرّ ولا نفع غيرُه.
ومن عَظُم ابنه أو بنته في عينه العظمة التي تنسيه شأن ربه فكان خوفه منهما، واحترامه لهما فأسكته ذلك عن معصيتهما لله العظيم فعليه اثم سكوته، وليطلب النجاة من النار ودخول الجَّنة منهما بعد أن كانت عبادته لهما من دون الله.
ألا أيها الجاني على نفسه وعلى بنته وولده بالتفرّج على معصيتهما وهو تفرج يغريهما بالتمادي في المعصية، والتوغل في القبائح، لقد أسقطت قدرك وقدرهما في الدنيا، واخترت لك ولهما النار على الجنة في الآخرة.
ما أشدّ خيانتك لنفسك ولمن حُمِّلت أمانته من ولد وبنت حين اخترت لك ولهما عار الدنيا ونار الآخرة، وعارُ النّار أكبر العار، ونارٌ توعّد الله بها العصاةَ من عباده لا تقاس بها نار.
إنكارُك منكرهما، واشتدادُك عليهما لردعهما ربما أنقذهما من النار، وكان سببا لفوزهما بالجنة وهما مطالِبان لك غداً بهذا الحق؛ حق أن تأمرهما بالمعروف وتنهاهما عن المنكر، وتردهما إلى الطريق السوي، ومشتكيان عليك عند الله لهذا الإهمال. وهلا نجوت بنفسك على الأقل من نار سجّرها جبّارها لغضبه بأن أنكرت ما أنكر الله وأمرت بما أمر؟!
فإما أن تنقذ الثلاثة: نفسك وبنتك وولدك، وإما أن تنقذ نفسك على الأقل من النار، ذلك لأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر لهما.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، وزدنا من إحسانك يا كريم.
أما بعد فقد بقي عدد من النصوص تحت عنوان “نتائج الذكر” نستضيء بهديها المنير:
نتائج الذكر:
“ذكر الله شفاء القلوب”(1) تمرض النفس والقلب بالعمى والصمم والعناد والمكابرة للحق، وإهمال الشكر لله، وتطاول الشعور بالغرور عليه سبحانه وتعالى، يمرض القلب بحيث لا يعرف حقا من باطل، أو يعرف الحق فلا يتبعه، ويعرف الباطل فيأخذ به.
لو التفتنا فإن مرض القلب هو مرض أهم ما فينا، وما به معنانا، وما ترتبط به سعادتنا وشقاؤنا، أترى أن مرض القلب كمرض اليد؟! أترى أنه لو شُلّ القلب كما تُشل اليد؟! أين شلل يد قد تنفق كل ما في يدك من أجل أن تخرج منه، من شلل قلب لا تعي بعده شيئاً أبدا؟!
هذا المرض له دواء، ودواؤه ذكر الله سبحانه وتعالى. القلب يقوى، القلب يستنير، القلب يهتدي، القلب يشفّ، القلب يرفّ، القلب يقبل الحق، يخرج من عناده ومكابرته لما تبين أنه حق كل ذلك بذكر الله سبحانه وتعالى، ذلك لأن ذكر الله ذكر الجمال، وذكر الكمال، وذكر الأسماء الحسنى.
“عليكم بذكر الله فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء” لا تستغنِ بذكر فلان عن ذكر الله، وبذكر غنى فلان عن ذكر غنى الله، ولا تقف عند قوة فلان عن قوة الله، ولا يرعبك تهديد فلان بحيث يصرفك عن وعيد الله. ذكرك لله سبحانه وتعالى ذكر لأقوى قوي، وأغنى غني، ومن هو على كل شيء قدير، ومن لا يظلم أحدا، ولا يضيع عنده عمل صالح، ذكر من يكفيك بحيث لا يكفيك كفايته أحد، ومن يغنيك غنى لا يغنيك مثله أحد، ومن ينجيك نجاة لا يستطيعها أحد، ومن يربيك ذكره تربية تعجز عنها كل الدنيا، وحتى لو ذكرت الأنبياء والملائكة ذكراً غير موصول بذكر الله لا يربّيك ذلك كما يربيك ذكره سبحانه وتعالى.
“إذا رأيت الله يؤنسك بذكره فقد أحبّك، وإذا رأيت الله يؤنسك بخلقه ويوحشك من ذكره فقد أبغضك”(2) في الصورة الأولى نفسك مستيقظة، مقاييسها صحيحة، رؤيتها واضحة، تقديرها دقيق، مهتدية، ذوقها سليم، غير مغشوشة.
في الصورة الثانية صورة أن نأنس بالخلق ونستوحش من ذكر الله، النفس ساقطة، عمياء، صمّاء، مقلوبة، منكوسة، طينية، قصيرة النظر إن لم تكن قد عميت بالكامل، بل هو العمى الكامل حقاً.
النفس في الصورة الثانية اشتهت القبيح عن الجميل، ووقفت عند النقص عن الكمال.
في الكلمة الأخرى:”إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس وإذا نُسي التقم فذلك الوسواس الخناس”.
خطم الحيوان مقدّم فمه وأنفه، فيصور الشيطان هنا وكأن له فما وأنفا، هذا الفم والأنف يضعه لصيقا بقلب الإنسان لا يفصله بينه وبين قلب الإنسان فاصل إلا من قدرة الله سبحانه وتعالى، فإذا ذكر هذا العبد الله سبحانه وتعالى خنس الشيطان، اختفى اندحارا، حيث جاء ما يطرده، لأنه بالذكر يصيبه اليأس من استجابة العبد له فكأنه يفقد موضوع وظيفته في هذه اللحظة، يفقد الأمل تماماً في أن يؤثر على هذا الإنسان، فماذا يفعل؟ يفعل أن يخنس، أن يختفي، أن يندحر.
وإذا نُسي الله من قلب هذا الإنسان التقمه الشيطان، وقلب يلتقمه الشيطان ماذا يفعل به؟ الشيطان يلتقمه التقاماً معنوياً، يغمره في الظلمة، لا يبقي منه قدرة على الاستضاءة والاستنارة، يستبدّ به ليجعله قلب حيوان، قلبا كفورا، قلبا جحودا، قلبا مظلما.
فذلك الوسواس الخناس، وأنت تقول بسم الله الرحمن الرحيم: قل أعوذ برب الناس، ملك الناس إله من شر الوسواس الخناس..” أنت تستعيذ من وظيفة الوسوسة، وتريد أن يخنس الشيطان. فأنت إما أن تعطي الشيطان فرصة الوسوسة التي تستبد بالقلب، وإما أن تجعله خناسا مدحوراً مطروداً، وأنت تستطيع الثانية بذكر الله سبحانه وتعالى.
“أفيضوا في ذكر الله جل ذكره فإنه أحسن الذكر وهو أمان من النفاق، وبراءة من النار، وتذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه الله جلا وعز وله دويّ تحت العرش” ذكرك الله سبحانه وتعالى يكون له دوي تحت العرش، فأنت مقدَّم، وأنت رفيع الشأن، وأنت صاحب صوت في مملكة الله يوم القيامة، وأنت صاحب موقع من مواقع الناجين الفائزين مع النبيين والمرسلين.
“من أكثر ذكر الله أحبّه”(3) وماذا يبقى عليك من ضير بعد أن يحبّك الله؟ وماذا ينقصك بعد أن أحبك الله؟ وماذا يكون لك من خير بعد أن تفقد حبّ الله سبحانه وتعالى؟ يتملّق أحدنا لضعيف من ضعفاء الخلق لينال رضاه لمسألة صغيرة جدا. ما أعقل وما أحكم من كان كل ملقه لله سبحانه وتعالى، وكل تقرّبه إليه “صانع وجها واحدا يغنك عن بقية الوجوه”.المصانعة في هذا الاستعمال بمعنى الاسترضاء، وهل هناك من يُصانع المصانعة الحقيقية النابعة من القلب، والتي تقوم على الخضوع، وتقوم على الاستسلام، وتكون بما يليق فتغني مصانعته عن كل أحد غير المصانعة لله؟! لن تجد.
قال الله سبحانه:”إذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن يسهو حلتُ بينه وبين أن يسهو، أولئك أوليائي حقا، أولئك الأبطال حقّا” أبطال لأنهم حققوا النصر في أكثر الساحات تحدّيا، وفي أدوم الساحات صراعا، وفي أشد الصراعات حربا، هم الأبطال الحقيقيون، البطولة ليس أن تصرع غيرك وأن تكون مهزوما لداخلك.
في الغلبة الأولى قد لا تحتاج إلاَّ إلى قوة عضلات مع شيء يسير من الإرادة، وفي الساحة الثانية تحتاج إلى إرادة مقاومة مستمرة، قوية فولاذية، وتحتاج إلى نباهة ويقظة دائمة، ومواصلة كفاح، وإلى فكر، وعلم، وخبرة، وحضور مستمر، وإرادة طاغية. حتى تنتصر في معركة الداخل تحتاج إلى كل ذلك.
هناك بطولة خمس دقائق يمكن أن تحقق لك نصرا. في معركة الخارج لو كانت لك بطولة خمس دقائق يمكن أن تحقق لك نصرا ساحقا، أما في معركة الداخل وهي معركة العمر، معركة الليل والنهار، معركة الإسرار والإعلان فأنت تحتاج إلى أن تكون قويا في كل لحظاتك، وأن تكون منتبها في كل آناتك فأين المعركة الأولى من المعركة الثانية؟!
وتريد أن يكون الله وليك بحيث لا يدعك لشهواتك ونزواتك وضعفك وتأثيرات الشيطان والهوى والنفس والخارج؟! اذكر الله سبحانه، وجهاد النفس بأن تنشغل بهذا الذكر ما استطعت وتنقل شهوتك من الدنيا ومن كل ما فيها إلى ذكر الله، والاشتغال بالثناء عليه سبحانه وتعالى، بهذا تكون القوي بعناية الله، ورعاية الله “إذا كان الله معي فمن يستطيع أن يكون ضدي” كما هي كلمة أحدهم.
ليس عليك إلا أن تجاهد لنقل الشهوة والرغبة من الأمور التافهة، والاتجاه بكلك إلى المثل الأعلى، ليتم استغناؤك بالعظيم عن كل من دونه. ماذا يطلب منك في هذه الكلمة؟ يُطلب منك أن تسعى للاستغناء بالعظيم عن الحقير، بالغني عن الفقير، بالقوي عن الضعيف، بالروؤف الرحيم عن المراوغين، عن المخاتلين، عن المغالطين، عن المستغفلين والمستغلين. وأنت بهذا تربح العمر، تربح الحياة، تربح الدنيا، تربح الآخرة، تربح عناية الله وحراسته وكفايته.
الذكر والفكر:
إنه لا ذكر إلا بفكر، بتأمل، بتدبر في البداية في النهاية، في الخلق، في التدبير، في محدودية المخلوقين، عجزهم، مرضهم، موتهم، غناهم العابر، فقرهم الذاتي، تغير إرادتهم، تقلبهم بين هم وغم، وفرج وانشراح، وحزن وفرح، ورضا وغضب، لا يملكون من أنفسهم مشاعرهم، وأحساسيهم، وخواطرهم، وتقلبات أحوال داخلهم.
محكوميتهم في الخارج، في الداخل، في كل صغيرة، في كل كبيرة. وأنت تفكر لا تعرف كيف تفكر، لا تملك قوانين تفكيرك، من من الناس قد وضع قوانين تفكيره؟! ومن من الناس يملك لحظة مسألة تفكيره؟! ومن من الناس يدري ماذا سيأتي عليه بعد لحظة من خاطرة؟! لا أحد، إلا بإذن الله.
والفكر الذي يولد الذكر هو فكر يتجاوز سلسلة الظواهر الحسية إلى ما وراءها من قدرة وعلم وإرادة ووجود وحياة ولطف ورحمة تحرّك هذه الظواهر كلها، وتنظمها، وتضبط مسارها، وتسلك بها إلى غاياتها ونهاياتها، وهو الفكر الذي يقرأ من وراء شبكة القوانين الكونية التي يكتشفها، والإحكام والدقة والتكامل والاتساق على طريق الغاية الواحدة لمجموعها ما يؤكد وحدة التحكم والضبط والتوجيه والتدبير لهذا الكون بكل ما فيه من شيء مخلوق، ويقرأ من محدودية كل المخلوقين وحدوثهم أزلية الخالق وعدم محدوديته.
ولتكون المفكر والذاكر لا تسمح لأحداث الحياة أن تستنزفك. الحدث السياسي الكبير، الحدث الاجتماعي الهائل، كل ما تعجّ به الحياة من وقائع وأحداث لا تعطها نفسك، لا تستنزف منك نفسك وتفكيرك وتشدك إليها بحيث تنسيك الله.
نعم لتكون المفكر والذاكر لا تسمح لأحداث الحياة أن تستنزفك، ولصراعاتها أن تنتهبك، ولزخارفها أن تلهيك، ولا تستغرق في لذائذها فتنسى نفسك وربك ومستقبلك ومسؤوليتك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى، وآله أهل الحجى، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا ومن أحسنَ إلينا إحسانا خاصا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة.
يا عليما بالحال، انقلنا من سوء الحال إلى أحسن حال، واكفنا شر الأشرار، وكيد الكفار، وجنبنا العار والنار، واجعلنا من أحسن الفائزين حظا في خير دار، يا رحمن يا رحيم، يا رؤوف يا غفار.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}

الخطبة الثانية

الحمد لله على حِلمه بعد علمه، وعلى عفوه بعد قدرته، الحمد لله ستّار العيوب، غفَّار الذنوب، قابل التوب، عظيم المنِّ، قديم الإحسان، ذي الجلال والإكرام.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسّوء بتقوى الله، وخزن الألسن عن السوء ففي الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:”والله ما أرى عبداً يتّقي تقوى تنفعه حتى يَحْزُن لسانه”(4).
فمن لم يخزن لسانه عما يثلِم من دينه لم يكُن له من مستوى التقوى وحقيقتها ما ينفعه ويحفظ نفسه من هواها والشيطان الرَّجيم.
واللسان كثير الاستعمال من صاحبه، وحاجته إليه متكررة، فما لم يكن له من تقواه ما يصونه عن الولوغ في الإثم كثر زلَلُهُ، وعظم ذنبه، وساءت عاقبته.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وغلبة الهوى والشيطان، وسوء المنقلب. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتولّنا برعايتك وكفايتك وكلاءتك يا كريم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على الحبيب المصطفى، محمد وآله أهل الحجى. اللهم صل وسلم على عليّ أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على فاطمة الزهراء، بنت نبيك الطاهرة المعصومة. اللهم صل وسلم على الإمامين الوليين، والطاهرين الزكيين، السبطين المنتجبين الحسن بن علي وأخيه الشهيد الحسين.
اللهم صل وسلم على أئمة الهدى، وأعلام التقى، وقادة الورى علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الأئمة النجباء.
اللهم صل وسلم على إمام العصر، القائم المؤمل، والعدل المنتظر، محمد بن الحسن الأغر والمفتخر.
اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، وانصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا، ومكّن له تمكينا، وأظهر به دينك، وأعزّ به أولياءك يا كريم.
عبدك الموالي له، والسائر على منهجه، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من المؤمنين والمؤمنات أجمعين، والمجاهدين الغيارى وفّقهم لمراضيك، وانصرهم نصرا عزيزا، وأيدهم تأييداً كبيراً.
أما بعد فمع هذه الكلمات:

ما تحتاجه المحافظات:-
1. ما تحتاجه المحافظات ليس هو مسارح من النوع الرخيص الهدام ولا ملاهي للتمييع والتحلل.
2. ما تحتاجه:-
– توفير الإسكان الكافي واللائق.
– مراكز علميَّة ومكتبات راقية تغنى بالكتاب النافع والمصادر والمراجع المعينة على البحث العلمي.
– تخطيط راق يحترم ملكية المواطنين والحكم الشرعي المتعلق بالأوقاف.
– جو صحي بعيد عن الملوّثات البيئية.
– أمنٌ خلقيّ خال من شبكات السرقة والمخدِّرات والجريمة عامة.
– بيئة جميلة تتمتع بالشوارع الفسيحة، والخضرة والنظافة.
– مراكز صحيَّة تُغطي الحاجة ليلاً ونهاراً من غير اصطفاف في صفوف طويلة انتظاراً للنوبة بما يستنزف الوقت الكثير من المواطن.
– العمل على الدعم المالي وإعطاء الاستقلالية الكافية للمجالس البلدية في المحافظات لتطوير الخدمات وتحسين البيئة والتقدم بمستوى المناطق، وتوفير الغطاء القانوني لصلاحيات أكبر على طريق التطور الإيجابي.
– إنهاء حالة التداخل في الصلاحيات بين المجالس البلدية والمؤسسات الرسمية الأخرى ووضع حدود فاصلة واضحة لإنهاء هذه الحالة بما لا يحوّل هذه المجالس إلى مجالس شكلية فاقدة للصلاحية.
– الرجوع إلى السّكّان في المحافظات بأخذ الرأي في المشاريع المتعلقة بها، وعدم إنشاء مشاريع تؤدي إلى التدهور الخلقي، وتلويث البيئة معنوياً رغماً على السكان وتوجّهاتهم.

جمعية التوعية الإسلامية إلى متى؟
حدث حريق لأكثر من مرة في جمعية التوعية الإسلامية يوم أن كانت تحت عهدة وزارة الداخلية بما حوّل الجمعية إلى ما يشبه الخربة في داخلها، وأسقط صلاحيتها للاستخدام.
جاء أمر ملكيٌّ مع بدايات الانفراج الأمني والانفتاح بإطلاق سراح الجمعية وإعادة مبناها الذي تتحمل وزارة الداخلية مسؤوليته، وتعطل الأمر في تنفيذه في دهاليز السلطة التنفيذية إلى اليوم، ولا ندري إلى متى سيكون الامتداد.
الجمعية لها حضور ثقافي وديني واجتماعي واسع، وحاجة المجتمع إليها ملحّة، وحاجتها هي إلى سعة المكان وأن تلحق بها أرض فارغة مهيئة عن يمين وشمال ملحة كذلك. وقد استُكثر هذا على الجمعية، وجاء التعطيل لكل هذه السنوات لمبناها تعطيلاً لدورها الكبير وفاعليتها.
كم أقيم كل هذه المدة من ملاهٍ ومسارح ومشاريع مشابهة، وكم أُنفق على هذه الوجوه وغيرها مما يماثلها ويشبهها والجمعية محكوم عليها بأن تبقى شبه خربة في داخلها، وأن تبقى شاهداً مخجلاً على الإهمال واللامبالاة؟؟
أنا أسأل: هل أُريد لها أن تبقى شاهدا مخجلاً على الإهمال واللامبالاة بالدّين؟ والعلم؟ وبحق المجتمع، والثقافة الخيرة؟
نعم، هذا الإهمال هو إهمال للعلم، للثقافة، للدين، للمصلحة الاجتماعية، وهل أُريد للجمعية في بقائها على الوضع الحالي أن تكون شاهد حال لكل هذه المقدَّرات؟!
لو أُريد تحويل الجمعية إلى ملهى أترون أنها تبقى خربة لشهر واحد؟! أو ستتربع بناية شامخة فاخرة زاهية بهندسة رائعة متقدِّمة، وفن ساحر، وذوق فتّان على مساحة واسعة، وبحدائق أخّاذة، ومواقف معدّة للسيارات وبكل التجهيزات وفي أسرع وقت ممكن؟! سؤال لا غموض في جوابه.

طلابنا والعطلة الصيفية:-
– أمانات كبرى يتحملها مسؤوليتها الآباء والأمهات تتعلق بالأبناء والبنات.
مستقبل ابنك في الدنيا، صناعته تتحمّل مسؤلية من مسؤوليتهما، مستقبل ولدك في الآخرة مسؤولية تتحمل منها ما يُثقل العاتق.
أظننا حريصين على أن نعد أبناءنا وبناتنا في الأكثر لمستقبل دنيوي، ولكننا لاهون، ساهون، غافلون في الكثير عن إعداد أبنائنا وبناتنا لمستقبل أخروي كبير.
– من هم أمة المستقبل؟ من هم آباء وأمهات المستقبل؟ من هم رجالات المجتمع، صنّاعه غدا، قادته، حكّامه، وزراؤه، علماؤه؟
أليسوا هم البنين والبنات الذين يقعون تحت رعاية الآباء والأمهات اليوم؟ هؤلاء هم أمة المستقبل، هؤلاء هم حملة القرآن غدا، أو من ينكصون عن تحمُّل أمانته، هؤلاء هم الذين يستطيعون أن ينقذوا الأمة من بين براثن الكفر وقبضة الإلحاد، وهم الذين يمكن أن يستسلموا للكفر والإلحاد بدرجة أكبر، وأن تميع إرادتهم بحيث تخسر هذه الأمة في أجيالها المقبلة كل شيء.
– مجالات تواجهنا في الصيف:
الشارع وتسيبه: رفاق سوء في الشارع، عادات قذرة، صياغة عشوائية هابطة، تقزّم، وأكثر خطورة من التقزّم والتشرذم أن يتحول هؤلاء المتروكون لهوى الشارع أعداءً لأنفسهم، ولدينهم ولمجتمعهم، ولآبائهم وأمهاتهم على يد أعداء الله.
مجال آخر: كسل وانزواء ومشاكل منزلية، وتعطل نمو، وتعقد وضياع عمر من العمر المنتج. أن يبقى الولد والبنت حبيسي المنزل من غير جدول عمل ولا مشروع إنتاج، ونتائجه ما تقدم.
مجال آخر: مدارس خاصة أجنبية تغريبية، تصنع ولدك وبنتك وهما في البحرين أمريكيين، بريطانيين، لا يعرفانك، ولا يعرفان دينك، ولا يعرفان أمتك، ولا يقدّرانك وكل مقدّراتك بفلس واحد، ويبيعانك بالثمن الرخيص بعد أن يكونا قد استعدّا من خلال تربيتهما الموجّهة الفاسدة أن يبيعا أنفسهما لشهوة ونزوة.
مشاريع ترفيهية تخريبية، تصنع نفسا تعج بالميوعة، قلبا مسلوبا للباطل، شخصية مستلبة استلابا حضاريا كاملاً، جرثومة من جراثيم المجتمع.
مجال آخر: مشاريع تربوية نافعة (هي المشاريع المسجدية الموجهة توجيهاً صحيحاًً).
هذه المشاريع:-
– ينبغي أن لا يطغى عليها الترفيه بحيث تكون مشاريع ترفيهية مطعّمة بشيء من لون الدين، الصحيح أن تكون مشاريع دينية مطعمّة بما يخفف ثقل المعاناة العلمية، وثقل المعاناة التربوية.
نحن نحتاج إلى الترويض البدني لكن الترويض البدني يعيشه الطالب والطالبة كل أشهر السنة تقريبا، وفرصه مفتوحة ومتاحة في كل وقت.
أؤكد أن المشاريع المسجدية التربوية ينبغي أن تكون تربوية معوّضة لما يفقده الطالب في كل دراسته من الوقوف على كلمة الوحي، على كلمة الدين، على التربية الموجهة العقائدية الصحيحة وأن لا تكون مشاريع بحيث تخلو مما يخفف على النفس ثقل المعاناة.
– تتطلب إدارات أمينة كفوؤة واعية حكيمة. تؤخذ البنت والولد للحسينية أو للمسجد ليربّيا التربية النزيهة العفيفة الكفوؤة، فإذا خان الأمين جاءت النتائج مقلوبة، فلنطلب دائما لهذه المشاريع من هو الأكفأ، من هو الأكثر أمانة، ومثل هذه المشاريع فيها ابتلاء من نوع خاص، وتحدّ من نوع خاص، فلا تسلم إلا إلى الأمين.
تتطلب هذه المشاريع تعاوناً عاماً واسعاً من كل أبناء المجتمع؛ من الآباء والأمهات، من أولياء الأمور الذين عليهم أن يدفعوا بأولادهم وبناتهم إلى هذه المراكز، من أصحاب المال الذين عليهم أن يمدوا هذه المراكز بكل ما تحتاجه فإن هذه المراكز تقوم بدور مفقود في المجتمع.
أنت اليوم لا تقوم بأمانة تعليم ابنك وبنتك الصلاة المكتوبة. ابنك وبنتك تسلمهما إلى التلفاز أو إلى الأنترنت، وإلى الوسائل الأخرى المدمرة. خذهما إلى المسجد وإلى الحسينية ليقتربا ولو شيئا ما من جنة الشرع، ومن موائد أهل البيت عليهم السلام، ومن كنوز القرآن والسنة الثّرة ليهتديا، ليبنيا البناء الصحيح الصالح لهما ولكل المجتمع.
– هذه المشاريع أصبحت ضرورة من ناحية تربوية فأنت بلا مدرسة تربي العقيدة، وتصقل السلوك، وتخرج الشخصية الإسلامية المؤمنة باسلامها، والشخص القادر على الاستقامة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وأصدقائنا ومن أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات.
اللهم انصر أمة الإسلام على أعدائها، وأعز المؤمنين والمؤمنات بعزك، واذرأ عنهم شرار خلقك، وأخلص سعيهم في خدمة دينك، ووفقهم للتمكين في الأرض لكلمتك، فلا خير إلا بك، ولا توفيق إلا من عندك، ولا شيء إلا بإذنك، يا علي يا قدير، يا رؤوف يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – عن الرسول (ص).
2 – عن علي (ع).
3 – عن الرسول (ص)
4 – ميزان الحكمة ج10 ص634 عن النهج…

زر الذهاب إلى الأعلى