خطبة الجمعة (157) 15 ربيع الثاني 1425هـ – 4 يونيو 2004م
مواضيع الخطبة:
حضارة الإسلام (10) – ذكرى الرحيل المبارك – إسلامُ وصياغة أرضية – الإصلاح لا الشقاق
كان ( الإمام الخميني (ره) ) قائداً قرآنياً مجاهداً في الله، عنيداً في الحقّ، طالباً للآخرة، معلمّ أمة، ومخرّجاً لأجيال على طريق الكفاح، ومدرسة هادية للحياة.
الخطبة الأولى
الحمد لله حمداً فوق كلّ حمد، لا يعدله حمد، ولا يصل إليه حمد، حمداً هو منتهى الحمد، بلا عدّ ولا حدّ, أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له العزّ والجلال، والجمال والكمال. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
ألا فلنتّقِ الله عباد الله، ولينظر أحدنا في عيب نفسه قبل نظره في عيب غيره، فإنه لن يلحقه من عيب الغير ما يلحقه من عيب الذات، وكثيراًَ ما يخفى عيب النفس عليها وهو الأقرب إليها، لأن النفس تعمى عن العيوب.
وعمى المرء عن عيوبه فيه فضيحته دنياً، ومصيبته الكبرى في الآخرة. وتفحُّص أحدنا من نفسه عيوبها، وسعيه لتخليصها منها فيه ستره وكرامته وعزته وشرفه ونجاته وربحه، فأعاننا الله على إصلاح النفس، وتدارك عيبها،
وسد نقصها، وتقويم عوجها، وهو أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واسترنا بسترك الجميل، وزيّنا بزينة الخلق الكريم، ووفقنا لسيرة المتقين.
أما بعد أيها الأكارم فإلى ما تبقّى من حديث في موضوع “حضارة الذكر وحضارة النسيان”:
نتائج الذكر والنسيان:
ب. الذكر
{.. الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم لذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}(1)
وقلبٌ مطمئنٌ صاحبه مستريح، وإذا اضطرب القلب وأصابه القلق فزعت حياة صاحبه كلها. والذين تطمئن قلوبهم لا تطمئن في حال رخاء دون حال شدة، ولا في حال غنىً دون حال فقر.
الذين يملأ قلوبهم ذكر الله، فتنال من ذكر الله كامل اطمئنانها تجدها مطمئنةً في كل حال، فلا يأتي ظرف ولا حال على تلك القلوب تفزع فيه، وتضطرب وتفقد لذة وجودها وحياتها الممتدة. لماذا؟! القلب وصاحبه ضعيفٌ
يبحث عن قوي، القلب وصاحبه فقيرٌ يبحث عن غني، القلب وصاحبه فانٍ يبحث عن دائم، القلب وصاحبه متضعضِع واهٍ يبحث عن ركنٍ شديد، وليس من بعد الله قوي ولا غني ولا دائم. فلماذا لا يطمئن قلبٌ انشدّ إلى الله وكان
له وصالٌ مع ذكر الله دائم؟!
والذين يذكرون الله يملكون وعياً، ويملكون رؤيةً وعرفاناً، يذكرون الله عظيماً، يذكرون الله لا فاعلية بدون غيره في الكون، يذكرون الله مالكاً لكل ذرةٍ من ذرات الكون، يذكرون الله لا غالب له، يذكرون الله على أن كل
شيء مغلوبٌ له.
عن أمير المؤمنين (ع): “الذكر يشرح القلب”. ساعة اللهو بعد الغم ليست متنفساً، المتنفس الحقيقي، الفرج، السعة في ساعة الذكر. إذا ألمّ من أزمات الحياة ما ألم، واشتدت علينا محنها، فلا لجأ لنا لأن نخرج من
الكرب وغمّ وهمِّ – لو وعينا – إلا أن نذكر الله.
وهذه كلمة عن إمامٍ معصومٍ حكيم وهو علي عليه السلام “الذكر يشرح الصدر”.
يموت الحبيب، يمرض الولد، تكثر المشاكل، يشتد المرض، ولا تلجأ لشيء يكشف عنك كربك من صديقٍ ولا حبيبٍ كالله سبحانه وتعالى، بل لا دافع، ولا مانع، ولا رافع إلا هو، والصدر لا يضيق مع ذكر الله، وما ضاق صدر
إلاَّ وانشرح بذكره.
وعن الإمام علي (ع): “مداومة الذكر قوتُ الأرواح ومفتاح الصلاة”(2) بدنك يجوع وروحك تجوع، روحك المتطلعة إلى الحق، المتطلعة إلى الهدى، المتشوفة إلى القوة، روحك وهي وعي، روحك وهي يقظة،
روحك شعور، أمَّا البدن في نفسه فموات بلا شعورٍ ولا إدراك.
نعم أنت في روحك شعور، أنت في روحك إدراك، أنت في روحك وعي، أنت في روحك تطلعاتٌ بعيدة، أنت في روحك تشوفٌ للحق والحقيقة. ما جوع الروح؟ جوع الروح أن تفقد الحقيقة، أن تفقد اللجأ، أن تفقد الركن
الشديد، أن تفقد المدد الدائم، أن تفقد الفيض الممطر المستمر، وكل ذلك تجده حين تذكر الله. فهي جائعة، هي سغبة، هي ظمآء حتى تذكر الله فينطفأ الظمأ، وتجد الشبع، إلا أنه شبعٌ يغري بطلب المزيد، ويدفع لتطلعٍ أكثر في لذة
وفي سرور.
والذكر يصح أن يكون مفتاح الصلاة؛ لأن الداخل للصلاة بلا ذكرٍ لله ليس له إقبالٌ على الله، وصلاته هي صلاة الأموات والجماد. صلاة الأحياء صلاة امرءٍ أقبل عليها ذاكراً لربه، لعظمته، لجلاله، لجماله، لنعمائه، لكبريائه،
لجبروته، لكماله. وإلا فكيف سيتأدب؟! وكيف سيقنت؟! وأي معنىً لركوعه وسجوده؟! وما هو مضمون الروحي الذي يستقيه من صلاته وقلبه ليس فيه ذكرٌ لله؟!
والصلاة الحقيقية هي صلاة تعطي من كنوزها لصاحبها، والصلاة كلها كنوز، والصلاة كلها غنىً، والصلاة كلها ثروة. صلاتنا ما لم تبننا صلاتنا، وتصنعنا أقوياء أطهارا؛ ليس بصلاة ولا نكون بها من المصلِّين حقاًّ وصدقاً.
عن الإمام علي (ع): “في الذكر حياة القلوب” ويوميات السوق، ويوميات الثرثرة، ويوميات الدنيا، ويوميات زخارفها، وهذا التراكم الكبير في كل يوم من انعكاسات الدنيا وغرورها على النفس والقلب يميت.
فالقلب في كل محطةِ صلاةٍ يتزود زاد حياة، وينبعث من جديد، والقلب إذا كان يتزود من الصلاة خمس مرات، فإن له في الذكر الدائم زاداً دائماً، وحياةً مستمرة، وانبعاثاً متجدداً، ونمواً مطرداً.
وحياة القلب لها مظاهر؛ أن أشعر بعظمة الله أكبر من عظمة أي شيء، أن أتحرك على خط الله. أتكون أفعالنا وردود أفعالنا دائماً منطلقةً من خشية الله وهيبة الله وتعظيم الله؟! قلوبنا تتعالى على مشكلات الحياة بما تجده
من زاد الوصال بالله؟ القلب من هذا النوع قلبٌ ذاكر, والقلب من غير هذا النوع قلبٌ غير ذاكر. القلب الذي يُكبِرُ الصغير، وينظر إلى الكبير صغيرا، القلب الذي ينصرف إلى شعاعٍ باهت، وكل خلق الله وإن عظم إنما هي
إشعاعاتٌ على تفاوتها بالقياس إلى الله باهتة قلب غير ذاكر.
حيث يكبر الباهت على المضيء في القلب فهو قلبٌ مريض، وحيث يعمى القلب عن الله، عن جماله، جلاله، قدرته، فاعليته، إرادته، فهو قلب ميت. والقلب الذي يذوب لخسارة مالية، قلب منصرفٌ عن الله ميت، ولو كان
ذاكراً لله لوجد في الله عوضاً عن كل خسارة.
“من ذكر الله سبحانه أحيى قلبه ونوَّر عقله ولبَّه”
تذكر الله سبحانه، يحيي قلبك، ينور عقلك، ولبك، يجعك الله وعياً، بصيراً.
قلبك حيٌ شاعر، دفاق الشعور بعظمة الله، والشعور بالسعادة من خلال الشعور بالصلة بالله. إنها فاعليةٌ مفاضةٌ من الله في طول ذكره.
“ذكر الله قوت النفوس ومجالسة المحبوب” أنت إذا جلست إلى محبوبك من أهل الدنيا أنست برؤيته، وماذا تريد من حضور محبوبك، وحضورك عنده؟! أنسك برؤيته، تلذذك بكلماته، ما يعكسه هذا المجلس على
قلبك من طمأنينة، من ارتياح. السعادةُ كل السعادة، الطمأنينة كل الطمأنينة، الشعور بالقوة، الشعور بالمنعة، الشعور بالعزة، الشعور بالكرامة، الشعور بالحماية، الشعور بالامتداد، الشعور بالغنى وعلى أتمه وبأعلى درجةٍ من درجاته
يكون من فيض الله سبحانه وتعالى على عبده عند ذكره. إنك بذكرك لله سبحانه تجلس إلى محبوبك الذي تجد فيه كل مبتغاك من عزةٍ وكرامةٍ ومنعةٍ وقوةٍ وأنسٍ وحمايةٍ، وكل ما تشتهيه النفس المستوية المتعلقة بالحق.
وأنت في مجلسك لله لا تشتهي باطلاً، ولا تشتهي سوءاً، ولا تشتهي عدوانية. إنما الجالسون لله يشتهون من موائد الله، وليس من موائد الله إلا الخير والحق.
“الذكر جلاء البصائر” لماذا لا نستوعب الدين؟! لماذا لا يلامس الدين أفئدتنا؟! لماذا لا يصوغ لنا الدين ذواتنا؟! لماذا لا نأنس بالدين ونشعر بلذته؟! لماذا يبعد عنا الله عز وجل في الفهم، وفي
الوجدان؟! ذلك لأن البصيرة علاها ما علاها من غبارٍ ومن ضلال ومن قذارات، ومن أراد أن يجلو مرآة قلبه، ليجد الله دائماً معه، وليشعر بلذة مجالسة الله عز وجل، فليذكر الله، وعندئذ ستصح بصيرته، سينفذ بصره، سترتفع
كل الحواجز والستور، وهناك تتنور السريرة.
“الذكر جلاء البصائر ونور السرائر” إن الله سبحانه جعل الذكر جلاءاً للقلوب فكيف يجعل الذكر القلوب، وماذا يحصل للقلوب بجلاء الذكر لها؟ تقول الكلمة عن أمير المؤمنين (ع): “تسمع به بعد الوقرة
“(3)، فهناك قلوبٌ لا تسمع هي قلوب الأنعام، تسمع أصواتاً لكن لا تهضم معاني، لا تتمثل القيم، لا تنفعل بالحقيقة، لا تهتدي بالمضمون، هذه قلوب بشرٍ تصم، ويصيبها الصمم من وقرة الباطل.
والغناء وقرة، واللهو وقرة، ومجالسة أهل الباطل وقرةٌ تمنع أذن القلب أن تسمع “إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتبصر به بعد العشوة”، ونحن على درجاتٍ من رؤية العين الحسية، وعلى
درجاتٍ من رؤية عين القلب، على درجاتٍ من السمع، وعلى درجاتٍ من البصر الماديين، وعلى درجاتٍ من السمع والبصر القلبيين، ومن أراد أن يعالج قلبه، لتنجلي سحبه، وترتفع وقرته، وتنتهي عشوته وعماه، فليذكر الله.
ويقول عليه السلام: وتنقاد به بعد المعاندة. القلوب تنقاد بجلاء الذكر لها للحقّ معاندتها ومكابرتها له حيث إنها صارت ترى نوره، وتعشق بعد عافيتها جماله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، ولوالدينا، ولأرحامنا، وجيراننا، ومن أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات إحساناً خاصاً.
اللهم أدخلنا وإياهم في كل خير أدخلت فيه محمد وآل محمد، وأخرجنا من كل سوء أخرجت منه محمداً وآل محمد، واجعلنا ممن دعاك لخيره فأجبته، وذكرك فذكرته، وشكرك فشكرته، ونصب نفسه لطاعتك فرحمته وقبلته.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق الإنسان من نطفة أمشاجٍٍ فجعله سميعاً بصيراً، وهداه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً، وأعد للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيراً، وأعدّ للأبرار كأساً طهوراً مزاجها كافوراً، عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها
تفجيراً، ووعدهم جنات وملكاً كبيراً.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماًَ.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله، وعدم مساواة الباقي بالفاني، والعظيم بالحقير، والحقّ بالباطل. فلنقدّم الله على كل شيء، ولنطلب سعادة الآخرة قبل كل شيء، وليكن الحق دليلنا ومبتغانا في كل أمر، ولنكن دعاة
خير، وأدلة هدىً ورشاد، فلن يصيب أحدٌ خيراً وهو يعدل بالله أحداً، ويختار دنياً على الآخرة، ويكون مسعاه ضلالاً، ومبتغاه باطلاً.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، ولا تجعلنا حيارى ولا ضُلاّلاً، وهب لنا هدىً لا يفارقنا ولا نفارقه أبداً، وملازمة للحق منجحة، ومباينة للباطل مفلحة.
اللهمَّ صل وسلم على نبي الأمة، والمنقذ من الغمة، محمد المصطفى خاتم الأنبياء وآله الأصفياء. اللهم صل وسلم على عليٍ أمير المؤمنين، وإمام المتقين.
اللهمَّ صل وسلم على فاطمة الزهراء، الصديقة الطاهرة المعصومة. اللهم صل وسلم على السبطين الزكيين، والإمامين الوليين المعصومين الحسن بن علي بن أبي طالب، وأخيه الشهيد الحسين.
اللهم صل وسلم على أئمة المسلمين، وهدى المتقين، علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفرٍ الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمدٍ
الهادي، والحسن بن عليٍ العسكري الهداة الميامين.
اللهم صل وسلم على قائم العصر، والقائد إلى النصر، محمد بن الحسن المنتظر.
اللهم عجل فرج وليك القائم، وسهل مخرجه، وانصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبيناً، وانشر به عدلك، وأظهر به دينك، وارحم به المستضعفين من عبادك، وأعزّ به المؤمنين والمؤمنات أجمعين.
عبدك الموالي له، السائر على منهجه، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والعاملين من المؤمنين والمؤمنات في سبيلك، وسائر المؤمنين والمؤمنات وفقهم لمراضيك، سدد خطاهم، بلغهم مناهم
مما تحب لهم وترضى.
والآن أيها الإخوة والأخوات في الإيمان ندخل الحديث الآتي في محاوره المختلفة:
ذكرى الرحيل المبارك:
يوم الذكرى للرحيل السعيد للسيد الإمام الخميني (ره) يوم فاجعة عاشتها الأمة الواعية، وواعيةٍ قاسيةٍ.
كان قائداً قرآنياً مجاهداً في الله، عنيداً في الحقّ، طالباً للآخرة، معلّم أمة، ومخرّجاً لأجيال على طريق الكفاح، ومدرسة هادية للحياة.
وليس من جاهد في الله كمن ضحى للدنيا، وليس من كان عناده وإصراره ومكابرته على الحق ومن أجل الحق كمن كان عنيداً في الباطل. لقد كان صدام عنيداً في الباطل، فهل كان صدام عظيماً؟!
وليست القوة أن تقاوم ولكن القوة أن تكون مقاومتك في سبيل الله. وليست الغلبة أن تغلب غيرك وأنت مغلوبٌ لنفسك.
سرّ العظمة في العظماء أنهم يغلبون أنفسهم أكثر مما يغلبون غيرهم الغلبة المادية، وهم في ذلك لا يغلبهم أحدٌ على دين، ولا يشتري منهم أحدٌ شرفاً، ويحدثون في نفوس الآخرين يأساً من أن يشتروا.
والسيد الإمام (أعلى الله مقامه) ما كانت أمريكا بإغرائها لتشتريه، فضلاً عن الشاه الذي كانت عروضه العريضة مبذولةً للسيد الإمام.
هناك نفوسٌ يبلغ بها كمالها بحيث لا يشتريها إلا الله، ونفوسٌ تبلغ بها وضاعتها أن يشتريها طفل، وأن يشتريها أفسق فاسقٍ في الناس، فمن تريد أن تكون؟!
اصنع نفسك غالياً تغل، ولن تستطيع أن تصنع نفسك غالياً إلا بأن تشد نفسك إلى ذكر الله وتلجأ إليه، وتكون كما أنت قزماً وأقل من قزم أمام الله.
كن لا شيء أمام الله، تكن الشيء الكبير العملاق أمام غيره.
إسلامُ وصياغة أرضية:
هناك إسلامٌ والصياغة سماوية، وهناك إسلامٌ والصياغة بشريةٌ أرضية.
هناك تحضير واسع في أمريكا وأوروبا ودولٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ لإسلام بديل، إسلامٍ على الكيف العلماني والمسيحي المحرّف، ليحل محل الإسلام الأصيل، إسلام القرآن الكريم والسنة المطهرة.
فأمريكا قبلُ اشتغلت على إعداد أئمة جماعة وجمعة لتحل محل أئمة جمعةٍ وجماعةٍ سابقين فيها لأداء هذه الوظيفة، وإنجلترا اليوم قررت جداً هذا الإعداد والاستبدال، وفرنسا تفرض على المسلمين إسلاماً يتنكر للحجاب ويعدّه
تخلفاً مقيتاً، ودولٌ عربية وإسلامية تسابق أمريكا وأوروبا في استحداث إسلام من تصميم وصناعة غربية، وتعد مناهج دينيةً جديدةً خاليةً من غير المسموح به غربياً، وتعدّ مبلغين وعلماء من طراز يتماشى وطموحات الخطة
الأمريكية لتثبيت الإسلام الأمريكي التقدّمي في أرض المسلمين، بل في عقولهم وأفئدتهم، ويأتي ذلك ركناً مهماً في مخطط الهيمنة الشاملة.
ويدعم هذا الإعداد مشاريع فساد بالجملة. في كل يومٍ تطالعك في الأرض الكبيرة، وفي الأرض الصغيرة، في الدولة الواسعة، وفي الدولة غير الواسعة مشاريع لهوٍ، ومشاريع فسادٍ، ومشاريع تحللٍ لا تكاد تعدها، وهي
تستهدف الشباب والشابات بل كل رجلٍ وامرأة لتضعهما على طريق الخطة الأمريكية والمصالح الغربية.
وعلى جماهير الأمة المسلمة أن تحمي إسلامها فكرياً وثقافياً من عمليةٍ تزويريةٍ كاذبةٍ تستهدف الإسلام، وتمكّن للعلمانية الفاجرة، وتحوّل الأمة إلى أمّة ذيليةٍ خاسئة.
وفي الوقت الذي تلقى فيه الخطة الأمريكية والأوروبية ترحيباً على المستوى الرسمي في ديار الإسلام، واحتضاناً مخلصاً على المستوى نفسه، يعلن في الصين رسمياً عن الإعداد لإعلامٍ متميز خاصٍ بجيل الطفولة، لحمايته
وإنقاذه من الوقوع في مخطط الغزو الثقافي الأمريكي والغربي عامة، حفاظاً على القيم الصينية. قارن واضحك، بل قارن وابكِ، لا، بل عاند وقاوم، وكن شرساً في عنادك ومقاومتك، فتمرد كل التمرد على مشاريع الفساد والتحلل
والانحراف، امسك ابنك، امسك ابنتك، انجُ بهما عن النار، أنقذهما من جهنم ومن غضب الجبار.
مرشحان لرئاسة العراق: الياور، والباجه جي:
ما المستكثر؟ المستكثر أن ينجح مرشح مجلس الحكم، أو المستكثر أن ينجح مرشح أمريكا؟!
لاشك أن المستكثر أن ينجح مرشح مجلس الحكم، والمستغرب والمثير ألا ينجح مرشح أمريكا، لأن أمريكا سيدة البلد وصاحبة الطول والحول، وهي سيدة الكلمة.
إذاً لماذا؟! إنها ظروفٌ انتخابيةٌ للرئاسة في أمريكا، وقرب للموعد المحدد للحكومة المؤقتة، وقد يكون هذان السببان وغيرهما مما سمح للياور أن ينجح، ولم ينجح بغير موافقةٍ أمريكية قطعاً، وإذا كان لمجلس الحكم أن يدخل
في خلافٍ مع أمريكا ففي حدود، وليس الباب مفتوحاً لمجلس الحكم أن يثير خلافاً مع أمريكا بصورة مطلقة.
المرشح الإسلامي لا يمكن أن يَرِد طرحه، والحكم الإسلامي في العراق وحتى على مستوى الطرح الابتدائي غير وارد؛ لأن فرعون لا يرضى بأن يحكم الله.
وأرض العراق مشتعلةٌ تحت أقدام الأمريكيين، ولابد من رحيل، ولكن المحاولة الأمريكية التي ستبذل من أجلها كل شيء هي ألا يكون رحيلٌ إلا بعد أن يكون التمكين للوكيل والبديل الذي يحفظ المصالح ويضمن تعميم الفساد
وبقاء الهيمنة، ويجتث القيم، وينفذ بكل أمانة خطة الإسلام البديل.
وعلى الشعب المؤمن في العراق أن يفهم – وهو فاهم – وعليه أن يقاوم – وهو مقاوم – .ويوم أن تصمم أمريكا – وهي مصممة – ويوم يصمم أذيالها في العراق – وهم مصممون – على تركيز إسلامٍ بديلٍ
في العراق، ستنطق المرجعية كلمتها، وسينطق الشعب العراقي كله كلمته، ولن تخرج العراق عن إسلامها، ولن يخرج شبرٌ من أرض الإسلام بإذن الله عن إسلامه.
وذلك بتوفيقٍ من الله لهذه الأمة، وشعوبها أن تعرف هويتها، وأن تمتلك إرادتها، وأن تفرض هويتها، وأن تقاوم كل المقاومة.
الإصلاح لا الشقاق:
المرجعية في النجف الأشرف وفي غيرها، والعلماء في العراق وفي غيره أهل إصلاحٍ لا شقاق، وإصلاحهم لا يعني إقراراً على الظلم، ولا يعني تسليماً بالفساد، ولا يعني ركوناً إلى ظالم، ولا يعني نسياناً للواجب ولا تخلياً عن
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنهم أحرص الناس على الوئام، وعلى وحدة الصف، وألا تكون أرض الإسلام مسرحاً للأحداث المدمرة، وهم طلاب علاقةٍ حسنة بين الشعوب والحكومات على أساسٍ من العدل والإنصاف
والمساواة، وعلى أساسٍ من اعتبار القيم واحترام الدين.
فموقف سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (حفظه الله) هو موقف مرجعية وموقف علماء في كل مكان.
الموقف واحد وهو السعي إلى الإصلاح، السعي إلى الهدوء لا الاستسلام، السعي لتحقيق مصلحة الأمة ولرعاية أمنها واستقرارها. فليس العلماء سُفّاك دماء، وهم بريئون كل البراءة من رغبة أن تسيل قطرة دمٍ لباطل،
والنفس الآدمية كلها على درجاتها المختلفة محل احترامٍ عند العلماء، وأكبر نفسٍ احتراماً هي نفس المسلم. نفس المسلم محترمةً كل الاحترام، ولا يجوّز عالمٌ أن تسيل قطرة دمٍ من مسلمٍ أو كافرٍ إلا بحقٍ وبميزان عدل.
ولكن كل ذلك، وهم أسخى الناس بالدم في سبيل الله، وأكثر الناس تضحيةً بالأرواح والأموال وكل شيءٍ من أجل الدين. وكانت سيرة المعصومين (ع) على هذا، وكان السيد الإمام الذي نؤبّن له اليوم على هذه السيرة؛ ما
أعطى من دماءٍ غزيرةٍ لم يكن استرخاصاً بالدم، ولكن لغلاء الدّين.
والمرجعية والعلماء نظرهم لله لا للناس، فليس مهماً أن ترضى عنك الصحافة أو لا ترضى، أن تعلق على كلمةٍ لك أو لا تعلق. كلمة الثناء من المخلوق لا تهز أهل العدل، كما لا تهزهم كلمة الذم من أهل الباطل.
لا كلمة ثناءٍ ولا كلمة ذمٍ تهز أهل الحق من أهل الدُّنيا، وكل النظر لتلك النفوس الطاهرة مصوَّبٌ لله سبحانه وتعالى.
اللهم صل على محمدٍ وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات. اللهم اجعل لنا من كل كربٍ وهمٍ وغمٍ وضيقٍ مخرجاً، وأنقذنا من كل سوء، وادرأ عنا البلاء، وآونا إلى ركنك الشديد، ووفقنا للعمل الرشيد والقول
السديد.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – سورة الرعد : الآية 28
2 – عن الغرر
3 – الوقرة: ما يسد السمع، والشئ يوضع في الأذن فيمنع سمعها.