خطبة الجمعة (155) 1 ربيع الثاني 1425هـ – 21 مايو 2004م
مواضيع الخطبة:
حضارة الإسلام (8) –أمريكا وإسرائيل معسكر الشر بحق – شأننا العام المحلي
نقول لأمريكا أن الدماء رخيصة، أن الرؤوس رخيصة، أن الأشلاء رخيصة على طريق علي والحسين عليهما السلام.
أرى في إطلاق المعتقلين أخذا بالصحيح، وفي الخطوة عدل، وفي الخطوة أمن أكثر، وفي الخطوة فتح لباب الحوار
لا الاحتراب.
الخطبة الأولى
الحمد لله مدبّر الأمور، العليم بما في الدهور، الخبير بما في الصدور. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الخالق القدير، السميع البصير، العليُّ العظيم. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله وأن نُحِلَّ ما أحلَّ، ونُحرِّم ما حرّم، ونأخذ بما أمر، وننتهي عمَّا نهى فهو أحقُّ مَنْ أمر ونهى، وهو السيد الأصل الحقّ وحده، وكلُ شيء مملوك له، ووجود كل شيء وعدمُه بيده، وما من حيّ إلا وحياته من فيضه.
فَلِمَنْ تكون الطاعة إن لم تكن لله؟ ومن ذا الذي يستحق الاستجابة قبل الله؟ وليس لله سبحانه من نفعٍ في طاعة المطيعين، ولا يناله ضرٌّ من معصية العاصين، فمن أطاع فلنفسه، ومن عصى فوبال معصيته عليها.
فلا يغرُّنّا الشيطان، ولا ننخدعْ بوساوس النفس عن طاعة مَن طاعته نجاة للمطيعين، ومعصيته هلكة للعاصين، وهو غنيٌّ عن العالمين.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وشرِّفنا بطاعتك، وأنقذنا من سوء معصيتك، واجعلنا من أهل رحمتك، ونجنا من أن نكون من أهل غضبك يا رحمن يا رحيم، يا عفوُّ يا كريم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فالحديث ما زال موصولاً في موضوع (حضارة الذكر وحضارة النسيان) فإلى بعض العناوين الفرعية تحت هذا الموضوع:
عوامل ذكر وعوامل نسيان:-
من الفكر ما هو فكر للذكر، ومنه ما هو فكر للنسيان. من الأشخاص من يلهيك ويغويك ويصرفك عن الله، ومنهم من يذكّرك الله، يذكّرك طاعته، يذكّرك حقه. من الممارسات ما يبعد بك عن الطريق، ومنها ما يضعك عليه.
هناك بيوت للذكر وأخرى للنسيان، هناك مشاريع للذكر ومشاريع للنسيان، سياسات للذكر، سياسات للنسيان، دول للذكر، ودول للنسيان، مساحة الحياة كلها متقابلات منها ما هو للذكر، ومنها ما هو للنسيان.
{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}(1) هذا كتاب، هذه ثقافة، هذا منهج، هذه اطروحة، هذا منبع للمعرفة، للذكر، لليقظة، لإحداث الوعي؛ لتوليده، لإثارته، لنموّه، لازدهاره، لتفتّح الضمير، ليقظة العقل، لنباهة النفس، لسموّ المشاعر.
{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}(2) {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }(3) هذا تبليغ لثقافة، وتبليغ لمنهج، وتبليغ لرؤية، فهناك تبليغ للإيقاظ، للذكر، وللنباهة.
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً}(4) فهناك بيوت في الأرض بيوت إشعاع، وبيوت إنارة وهداية تنطلق منها كلمات الوحي، وهدايات الوحي وإشعاعاته، الثقافة الخيّرة، ثقافة الرشد لا ثقافة الغيّ.
بيوت لا يُكبّر فيها إلا الله، لا يُعبد فيها إلا الله، قلوب أهلها متولّهة بذكر الله، ألسنتهم مترطبة بذكره سبحانه وتعالى، بيوت تخلو من كل مادة شيطانية، وتغنى بالمواد الرحمانية المربّية والمزكّية.
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}(5) هذه بيوت، وهي التي تحفظ الأرض من أن تمور، من أن تهتز، من أن تتزلزل.
هذه البيوت هي التي تحفظ للإنسانية خطها الكريم، وهي البيوت المقاومة للشر في الأرض ولكل الطغاة، وهي البيوت التي تورث الأجيال هدى ونورا وضياء ورشدا وحكمة وصلاحاً، وتضع المسيرة الإنسانية على الطريق.
وهناك رجال للذكر، حياتهم ذكر، ودورهم ذكر، ومجالستهم ذكر، والأخذ عنهم يثير الذكر ويغني بالذكر، ويضع على طريق الذكر.
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(6) ممارسات تعطيك الرشد، تلهب فيك الوعي، تثير فيك الشعور بالعبودية لله سبحانه وتعالى لتكون حرّا أمام كل شيء آخر.
{…. إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون}(7) “طوبى لعبد ذُكر الله من أجله(8)، – في المقابل – وويل لعبدٍ نُسي الله من أجله”(9)، هذا العبد الشقي يحلّ المنطقة فيملؤها طرباً، يشيع فيها الفساد، وروح التميّع، لا يأتي على يديه إلا ما يعطي حضورا للشيطان، ويمهّد القلوب لأن تنفتح على موائد الشيطان.
“أولياء الله الذين إذا رؤوا ذُكر الله”(10)
{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}(11) ممارسات هي من أجل النسيان، هي من أجل الهروب بالقلب عن الله عز وجل، هي من أجل سرقتك عن وعي ذاتك، من أجل سرقتك عن ارتباطك بآخرتك، عن توجهك بربك الكريم سبحانه وتعالى.
الخمر، الميسر مادة بغضاء، ومادة نسيان. “ويصدكم عن ذكر الله”، ومن طرق الشيطان للصد عن ذكر الله أن يربط الإنسان بالخمرة بالميسر بالزنا بالفساد.
موارد للتحدي:
النفس دائما مهيئة لأن تذكر، ومهيئة لأن تنسى، وفي كل المواقف نحن أمام تحدٍّ لأن يغلبنا الشيطان، نحن مهيؤون إلى أن نكون في معسكر الشيطان، وأن ننسى الله، وأن تلهينا دنيانا عن آخرتنا، وأشياؤنا التي بيدنا عن ذواتنا.
لكن موارد خاصة يزداد فيها التحدي، ويعظم الضغط، وتشتد المحنة حتى ليكون الإنسان وكأنه في مهب الريح، والأثقال الكبار تجد نفسها خفيفة حينئذ، وتحتاج كل النفوس إلى استمساك شديد بالله عز وجل حتى تثبت.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً} هنا النفس تحتاج إلى ذكر كثير، والنفس التي لم يكن لها اعتياد على الذكر الكثير، على الارتباط الشديد بالذكر كيف تستحضر أن تذكر الله عز وجل وقد عظم الموقف، واشتد الضغط، وانفتحت كلُّ السبل للشيطان؟!
في المواقف التي تحتاج إلى وزن كبير، وتكون الأوزان الكبيرة مهددة، كيف تثبت الأوزان الخفيفة إلا أن يَرحَمها الله.
في موقف اللقاء، لقاء الموت وجها لوجه، ليس بيني وبين أن أموت إلا أن أثبت، أكون أمام مورد من موارد للتحدي الضخم، وتحتاج إلى وزن ضخم، ونفس كان لجؤها دائما إلى الله، وتعلّمت أن تستلهم الصبر والصمود والمقاومة من ارتباطها بالله. فكيف بي إذا لم أكن على ارتباط بذكر الله والتضحية من أجله بكثير ولا قليل؟!
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً}ولعل بالك ينصرف دائما إلى جبهة السيوف والرماح والرصاص والقنابل والصواريخ، وهي جبهة فيها تحدي ضخم، وموجة التحدي فيها طاغية جداً، ولكنها في الكثير لا تكون جبهة دائمة.
وهناك جبهات دائمة تحتاج إلى استمرار مقاومة، واستمرار وعي، واستمرار يقظة، واستمرار صبر. قد يتحامل الإنسان على نفسه فيصبر ساعة، لكن أن يصبر الأيام والليالي المتواصلة فهذا أمر آخر.
والجبهات كثير منها الجبهة السياسيَّة والجبهة الثقافية، والجبهة الاجتماعية، والجبهة الاقتصادية، فالشيطان له عديد من الجبهات، والطغاة حوّلوا الدنيا كلها إلى جبهات شيطانية، والصمود، والصبر والمواجهة، والانتصار في هذه الجبهات يحتاج إلى نفس طويل، وصبر كبير، وكل ذلك مادته الأساسية ذكر الله سبحانه وتعالى.
“أكثروا ذكر الله عز وجل إذا دخلتم الأسواق” تدخل السوق وجيبك فيه القليل، والسوق فيه من زينة الدنيا الكثير، تثور المشاعر، قد تتحرك الحسرات، قد تقوم نظرة يائسة، نظرة مستصغرة للذات، قد تنسى قيمة إيمانك، تنسى قيمة ارتباطك بالله، قد ينشأ سخط على القدر أن خلى الجيب مما ثقلت به جيوب الآخرين، قد تنشأ مشاعر دنيوية تجعلك على طريق المساومة على ذاتك ودينك، لبضاعة راقت لك ولا تملك أن تشتريها.
والسوق فيها كثير من معروضات الدنيا، ومعروضات الشيطان، والكلمات الساقطة، وما يثير الشهوات والرغائب، فصارت موضعا خاصا للتحدي، ونحتاج فيها إلى الذكر.
“اذكر الله عند همك إذا هممت” “همّت به وهمّ بها” أي همّ كان، وعلى أي محمل حملنا ذلك الهم فإن الانصراف عنه، فإن مواجهته بعناد، وإصرار واستعلاء يحتاج إلى ذكر قلبي لله سبحانه وتعالى يغنى به القلب عن الدنيا، وتعظم خشية الله فيه حتى تسقط كل الضغوط أمام تلك الخشية.
“اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند لسانك إذا حكمت” العدل العدل، والعدل يحتاج إلى رؤية حقّة لعظمة الله سبحانه وتعالى، لأن الضغوط الدنيوية، ضغوط الصداقة، وضغوط العداوة، وضغوط القرابة كبيرة عند الحكم، ويحتاج ردّ كل ذلك ونسفه عن التدخل في الحكم إلى روح ذاكرة.
“اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي فلا أمحقك فيمن أمحق” لحظة الغضب لحظة فوران عواطف، لحظة غليان مشاعر، لحظة يحضرها الشيطان بكل قوة، وتكون النفس فيها أقرب ما تكون إلى أن تستمع إلى الشيطان ووسوسته، وأن تنتقم للذات، وأن تنسى القيم. والقيم ضوابط، الأخلاق مقيّدة، والنفس في تلك اللحظة تريد أن تثبت ذاتها، وتريد أن تتفلّت، وهي فيها مهيئة لأن تستعصي على كل القيم، وأن تقطّع كل الأحبال والقيود.
في هذه اللحظة حين يذكر ذاكر فهو حقّاً من الذاكرين، ومن ذكره لا تأتي كلمة على لسانه تغضب الله عز وجل، ويخلو جنانه مما يسخطه سبحانه.
آيات وتأديبات:
لله آيات للذكر تذكر الناس، تعلمهم، توقظهم، تلفت بصائرهم، تستنطق فيهم فطرتهم، تريهم الميثاق الكبير بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، تعطي لقوى الخير فيهم أن تتحدث إليهم، وأن تضبطهم، أن تضعهم على الطريق {وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }(12) آيات للتذكّر، وهناك آيات قرآنية، وهناك آيات كونية، آيات يحملها الكتاب المنطوق، وآيات يزخر بها الكون المنظور، وهذه آيات للتذكير، وتلك آيات هي كذلك للتذكير.
دروس الله عز وجل وآياته مبثوثة، وقد تقول لي أن هناك دنيا تنسينا، لكن أقول لنفسي ولك أيها الأخ الكريم وأيتها الأخت الكريمة أن هناك موتا يذكّرنا، أن هناك تقلُّبا في أحوالنا ونفوسنا يجعلنا نذكر من هو القوي، من هو المتصرّف، من هو المالك.
{… وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(13) {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(14).
{وَلَقَدْ أَخَذْنَاآلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}(15)
قلت هناك آيات وهناك تأديبات. قد يهرب الهارب، قد يشطُّ الإنسان عن الطريق، ويبعد عن الله، تضعف ذاكرته بمعنى أن نفسه تفقد كثيراً من قابلية الذكر لله لإضعافها على يده، هذه الحالة قد لا تكفي فيها الآيات المعتادة، ولابد من درس غليظ قاس مؤدّب رحمة بهذا العبد الناسي لربّه سبحانه وتعالى لعلّه يعود، وفي هذا الدرس حجة مضافة عليه.
انظر إلى آل فرعون استكبارهم، عصيانهم، إدبارهم عن الله عز وجل، عنادهم، مكابرتهم مع ذلك كانت رحمة الله تلاحقهم، وكان نداء الله مستمرّا ليردهم إلى الطريق؛ طريق النجاة، والله غني عن العالمين. الله محتاج إلى فرعون؟! إلى قوم فرعون؟!
أحيانا يكون في المحن رحمة. من المحن ما هو عقوبة، ومن المحن ما هو درس تأديبي يعود بالعبد إلى ربّه الكريم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات ولوالدينا وأرحامنا، ومن كان له حق خاص علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.
يا مالك القلوب، يا مقلّب القلوب، يا من يحول بين المرء وقلبه، ما كان من قلوبنا في سبات عن ذكرك فأيقظه، أو في غفلة عنك فنبّهه، واستقطب قلوبنا بأنوار جمالك، واشغلها بلذيذ مناجاتك، واملأ أوقاتنا بحمدك وثنائك.
اللهم أصلحنا بلطفك،وجميل إحسانك، وكريم فيضك، ولا تؤدبنا بعقوبتك، ولا تجعل طريق صلاحنا شديد بلائك يا رؤوف يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يُنعم متكرّماً، ويعفو متفضّلاً، وعقوبته عن عدل، ومثوبته عن إحسان، وليس كعطائه عطاء، وليس يَعْدل امتنانَه امتنان. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اتّخذه ربّاً لا يشرك به أحداً، ووليّاً لا يبتغي دونه بدلاً، صلَّى الله عليه وآله أهل الحجى والهدى.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخاطئة بتقوى الله الذي لا فوز ولا نجاة إلا بتقواه. وقلب تسكنه الدنيا لا تسكنه التقوى، وما اتّقى امرؤ قل صبره على الحقِّ، وتسليمه به. ومن لم يعرف قدر نفسه عظمت الدّنيا في عينه، ومن غفل عن الله هانت عليه نفسُه، وملكته شهوتُه، ولم تسمُ غايته.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، واجعل سبيلنا ما اخترت لنا من سبيل، وغايتنا ما رضيت لنا من غاية، وعاقبتنا خير ما انتهى إليه عبادك الصالحون من عاقبة.
اللهم صل وسلم، وزد وبارك على البشير النذير، والسراج المنير، الهادي الأمين، محمد وآله الطاهرين.
اللهم صل وسلم على عليّ أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على فاطمة الزهراء بنت نبيك الطاهرة المعصومة الزكية.
اللهم صل وسلم على الوليين الزكيين، والإمامين الرشيدين الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الشهيد الحسين.
اللهم صل وسلم على أئمة الهدى الإمام علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري عليهم السلام.
اللهم صل وسلم على إمام العصر والزمان، ومحيي القرآن، وباعث الإسلام محمد بن الحسن مقيم العدل، وناشر الأمن والسلام.
عبدك الموالي له، الآخذ بمنهجه، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والعاملين في سبيلك من المؤمنين والمؤمنات، وسائر المؤمنين والمؤمنات وفقهم لمراضيك، سدد خطاهم، بلّغهم مناهم مما يرضيك.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فموضوعات الحديث عن الشأن المحلي والأعم كالآتي:
أمريكا وإسرائيل معسكر الشر بحق:-
إذا كان بوش يرى أن معسكر الشر يعني غير المعسكر الذي يقوده فالحق الصُّراحُ والذي يتأكد على أرض الواقع يوما بعد يوم أن ليس هناك جبهة للشر في الأرض أقرب للشيطان من جبهة يقودها بوش وسياسته.
أمريكا وإسرائيل تشنان حربا ثقافية وأمنية واقتصادية وسياسية على أمة بكاملها، وفي كل شبر من أرض الإسلام، وفي كل شبر من أرض الله فيها هدى أو يُرتقب لها أن تكون أرض هدى وصلاح.
إنهما تفسدان الأرض كلها، ويثيران فيها الفساد بدرجة أكبر فأكبر كل يوم بل كل لحظة، وتشنان حربا عسكرية دموية قذرة وبلا قيم ولا ضوابط، ولا مراعاة لقانون دولي، ولا عرف إنساني في فلسطين والعراق وأفغانستان، وتتهددان كل أرض من أرض الإسلام، وكل الكيان الإسلامي.
الأمة كلها تشهد ضرب المقدسات، قتل الآمنين، تكسير العظام، ألوان التعذيب، الأساليب الساقطة خلقياً، تشهد فظائع في أرض الإسلام على يد هاتين السياستين الخبيثتين، على يد الطغاة في هاتين الدولتين الشريرتين بما لهما من قيادة، وبما لهما من سياسة، ولا نعني أنهما شريرتان بما لهما من شعبين بكل فئاتهما.
رفح وكوارثها، وتجاوز السياسة الإسرائيلية لكل متعارف على أرض رفح تُمثّل تحدّيا مخجلا لهذه الأمة، وتمثّل اختبارا لإرادتها. هل بقيت في هذه الأمة إرادة مقاومة أو لم تبق؟! هل بقي فيها إحساس بالذات أو لم يبق؟! هل بقي فيها تمسكّ بالمصلحة العامة للأمة أم لم يبق؟! هل هنا أمة؟! أو الأمة قد غُيّبت؟! هل هنا رجال أو لا رجال على الأرض؟! هل هنا استحضار للتاريخ؟! للدور الرسالي؟! للدور الخلافي؟! أهنا وعي هدف؟ وعي طريق؟! أم أنّ كل ذلك قد خسرته الأمة؟!
وافضيحتاه.. فإن الحدث المهول في رفح وفي العراق يثبتان على الأمة أنها على شفا انهيار.
سياسات متضعضعة متخاذلة متآمرة – هي على أقسام – وأمة قد أفقدتها هذه السياسات التي لعبت دورا كبيرا في إسقاط نفسيتها، وتجفيف منابع العزة والكرامة في صفوفها، وعملت كثيرا على قتل إرادتها، هذه الأمة فقدت الكثير من إرادتها، ولم تعد في الكثير قادرة فعلاً على كسر القيود، وعلى تكسير الأغلال، وعلى الانطلاقة المقاومة لكل الوضع الفاسد في داخلها من أجل حاضرِ عزةٍ، ومستقبل كريم.
والمسؤولية وإن كانت على كاهل الأنظمة بالدرجة الأولى لكن الأمة تبقى مسؤولة كذلك.
هذه مظاهرة تخرج اليوم لإنكار الوضع الفاضح السيء، والتّحدي الساخر لقيم الأمة، هل سنجد في المسيرة كبار سن؟ هل سنجد الأطفال؟ هل سنجد العجائز؟ أو أن الواجب تعتبره الأمة واجب شباب فقط؟
اليوم والمتحدّى علي والحسين عليهما السلام، أين الذين يملؤون المآتم؟ أين الذين يلطمون على الصدور؟ أين الذين يبذلون الأموال في عاشوراء وغير عاشوراء على خط الحسين عليه السلام؟ المتحدّى اليوم من أمريكا هو علي والحسين عليهما السلام(16).
نعم لبيك يا حسين لأن نداء الحسين هو نداء الله، نعم لبيك يا حسين لأن كلمة الحسين كلمة الله، نعم لبيك يا حسين لأن خط الحسين خط الله(17).
الخطوات العدوانية المتسارعة الراكضة المجنونة على أرض رفح، وعلى أرض كربلاء والنجف، وعلى أرض العراق أرض المقدسات هي لإذلال الأمة وتركيعها بدرجة أكبر، لزرع عقدة الحقارة في نفوس المسلمين، فهل تقبلون أن تكونوا حقيرين في أنفسكم إلى الأبد؟(18)
نقول لأمريكا أن الدماء رخيصة، أن الرؤوس رخيصة، أن الأشلاء رخيصة على طريق علي والحسين عليهما السلام(19).
نعم، إن ضرب المقدسات سيشعل فتيل العنف ويزيد أواره ليس في أرض العراق فقط، وإنه يكتب دينا ثقيلا في ذمة المعتدي لأمة قادرة على الانتقام واستخلاص الحق.
وأمريكا وإسرائيل لن تثبت لهما قدم في فلسطين والعراق لأن وراء فلسطين والعراق الأمة الناهضة التي بدأت بوادر نهضتها في الصف الإسلامي المتراص، وهذه الصحوة والنهضة ستستمر وستتسع ولها إرادة فولاذية للاستمرار والمقاومة والغلبة والنصر إن شاء الله.
وإن أمريكا لتنتحر من حيث يتراءى لها أنها تنتصر، إنها تنتحر لأنها تستثير أمة وإن أذلّتها السياسات الوضعية الظالمة، إلا أنها في رقدتها التي طالت، على ميراث كبير من إرادة العزة والكرامة والشموخ، وفي داخلها صوت من صوت رسول الله صلى الله عليه وآله، صوت من صوت علي، صوت من صوت ثورة كربلاء، وأمة في داخلها هذا الصوت وإن طال بها النوم وقتا ما إلا أنه لا يدوم، وهي لابد منتفضة، ولابد أن تسترد كرامتها وموقعها ليس في أرضها وإنما في كل الأرض.
مسيرة اليوم هي تعبير عن أن الأمة واحدة، وعن أن العدوان على الذات الحضارية للأمة بكاملها، وأن ليس هناك غيرا في العراق وغيرا هنا، وإنما هو جسم واحد، وذات واحدة في العراق، في فلسطين، في أفغانستان، في كل شبر من أرض الإسلام.
وإذا كانت تعبيرا عن الاستنكار على أصل العدوانية – وإننا لننكر العدوانية في الأرض كل الأرض، سواء كانت عدوانية على مسلم أو غير مسلم، على دم حرام في هذه الأرض أو في تلك الأرض، على حق تسلبه العدوانية في شرق الدنيا أو في غربها- فإن لنا إنكاراً آخر هنا؛ وهو الإنكار على العدوان السافر على قيم هذه الأمة، وعلى خطها الحضاري، وعلى رموزها الشامخة، من بعد رسول الله. من رمز أكبر من علي والحسن والحسين عليهم السلام بعد رسول الله صلَّى الله عليه وآله.
شأننا العام المحلي:
أرى في إطلاق المعتقلين أخذا بالصحيح، وفي الخطوة عدل، وفي الخطوة أمن أكثر، وفي الخطوة فتح لباب الحوار لا الاحتراب. على أن مشكلة المعتقلين مشكلةٌ عرض، وهناك مشكلة جوهر أساس، والعرض ما أن يذهب حتى يعود ما بقي الجوهر، فالعمل لابد أن يكون على تصحيح ما هو الجوهر، وعلى معالجة ما هو الجوهر.
المهم الاتفاق على الحقوق والواجبات والتقيد بها، والاحتكام إليها من خلال دستور أقرب إلى العدل، وأقرب إلى الاعتراف بحقوق الشعب.
والإصلاح حاجة الجميع وليس حاجة طرف واحد، وفي التأخر عنه مضرة الجميع، وكل يوم يمرّ ليتأخر الإصلاح هو في غير صالح البحرين بكاملها.
نحتاج إلى جد في مسيرة الإصلاح، وتسريع خطىً، وأجواء مساعدة من الطرفين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وهب لنا من لدنك رحمة تغنينا وتكفينا، وتؤوينا وننتصر بها، وتقربنا إليك.
يا من بيده النصر، وإليه مرجع الأمر كلّه فرج للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات فرجاً عاجلاً، وانصرهم نصرا عزيزا، وأذل طغاة أمريكا وإسرائيل، واهزمهم كما هزمت الأحزاب، وردّ كيدهم في نحورهم يا قوي يا عزيز.
اللهم اقضِ حاجاتنا وحاجات المؤمنين والمؤمنات في الدنيا والآخرة، وارزقنا خيرهما، واكفنا شرّهما يا حنان يا منان يا رؤوف يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – سورة ص 1
2 – 27 سورة التكوير
3 – 51 سورة القصص
4 – 34 سورة الأحزاب
5 – 36، 37 سورة النور
6 – 7 سورة الأنبياء
7 – 45 سورة العنكبوت
8 – يثير الذكر، سبب لذكر الله عز وجل، ولقد شرّفه الله بأن جعله سبباً لذكره.
9 – عن الرضا عليه السلام
10 – عن الرسول (ص) كنز – خ 1783
11 91 المائدة
12 – 22 سورة البقرة
13 – 25 سورة إبراهيم
14 – 27 سورة الزمر
15 – 13 سورة الأعراف
16 – هتاف سماحة الشيخ مع جموع المصلين (لبيك يا حسين).
17 – هتاف جموع المصلين بالتكبير (الله أكبر) والموت لأمريكا وإسرائيل.
18 – هتاف سماحة الشيخ وجموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
19 – هتاف سماحة الشيخ مع جموع المصلين (لبيك يا حسين).