خطبة الجمعة (152) 10 ربيع الأول 1425هـ – 30 أبريل 2004م

مواضيع الخطبة:

 

حضارة الإسلام (5) – أمريكا والعراق – وثيقة زواج.

 

إن المقدس أكبر من قيمة اللقمة في نظر المسلم، وأن تمسّ دم المسلم وهو مقدّس غير أن تمسّ مقدساته من قرآن وكعبة ومشهد


الخطبة الأولى

الحمدلله الذي تؤمن به القلوب وتطمئن لذكره، وتصدِّق بعظمته العقول وتذعن لأمره، وتسبح له الأشياء شاهدة بحمده. لا تراه العيون، ولا تناله الظنون، وهو الظاهر في كل شيء، الخافي عن كل شيء، القريب البعيد، الحميد المجيد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلَّى الله وسلّم عليه وعلى آله أجمعين.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخادعة لي بتقوى الله فما نال عبد خيراً بحقٍّ وهو مضيّع لتقواه، وما انتهى طريق مجانب للتقوى بصاحبه إلى فلاح، وهل يفلح من كانت عاقبته النّار؟! ألا إن بالتقوى تعمر الحياة، وتأمَنُ السبل، وينتفي الفساد، وتصلح الأمور، وتحفظ الذمم، وترعى الحرمات، وتحقن الدماء إلا من ظلم ظلما يرخص دمه، ومن نالت يده من دم الآخرين عامداً بغير حق.
وبالتقوى تُنال السعادة في الآخرة، وتُتبوأ الجنة، وتُتقى النار. وما بين الرجل وبين جنته وناره إلا نَفَسٌ أو أنفاسٌ قد تقلُّ أو تكثر ولكنها لا تدوم، ولا يزاد على معدودها المحتوم عند الله نفسٌ واحد، ولو تيسر لطالبه أن يبذل الدنيا كلّها ثمناً له. فنفسك نفسك أيها المتكلم، ونفسك نفسك أيها المخاطب قبل فوات الأوان.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، واسلك بنا طريق طاعتك، واحملنا على مركب النجاة من تقواك، وجنبنا ذلّ معاصيك، وعار مخالفتك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الله فلا زال الحديث في موضوع:
“حضارة الذكر وحضارة النسيان”
من بين الموضوعات التي تتدخل كثيرا في صياغة حياة الإنسان، وتستقيم بها على الدرب، أو تنحرف بها عن الجادة، وتنتهي بهذا الإنسان إلى جنة الخلد أو إلى قعر الجحيم هذا الموضوع وهو:
الشيطان:-
الشيطان كثيرا ما يكون قرينا للإنسان، وهو قرين سوء، وهو أساس جبهة الضلال، وله جند كثير، وجبهته عريضة، ولا تكف عن حرب مع هذا الإنسان وكيد به ليلا ولا نهارا.
الآيات الكريمة والنصوص الشريفة عامة تثير في الإنسان دائما عداوة هذا العدو، وتضع الشيطان بكيده ووسوسته وتآمره على النفس الإنسانية حاضراً في رؤية الإنسان، حاضرا في شعوره من أجل أن يحترس، من أجل أن يدخل في مواجهة جادة وحازمة مع هذا العدو الكبير.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }
كيف تكونُ موقفاً من عدو جار، يملك الكثير من وسائل الكيد، ومن وسائل الإضرار؟ أراك لا تهدأ لك عين وأنت تعيش جارا لذلك العدو، وأراك لا تدع وسيلة من وسائل الاحتياط والاحتراز إلا وطلبتها من أجل أن تواجه بها كيده.
الشيطان يصل من العبد إلى مداخل قلبه، إلى تلافيف نفسه، إلى مشاعره وخواطره، فهو أقرب عدو للإنسان بعد نفسه.
وهذا العدو إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير. أنت تلتف حول قيادة لتضعك على طريق الربح، لتضعك على طريق الهداية، لتصل بك إلى نتيجة طيبة، وهذه القيادة من بين قيادات السوء، وأكبر قيادات السوء تجمع من الناس أكبر عدد ممكن لتلقي بهم حطبا في جهنم، ولتنتهي بهم حجارة من أحجار النار.
قيادة تملك من وسائل الإغراء، ومن وسائل الاستقطاب، ومن أساليب الإيقاع ما لا تمتلكه قيادة أخرى وهي أضر القيادات، وأنتم ترون مثالا لهذه القيادة من قيادات الشر في الأرض؛ تلك القيادات التي تمتلك من وسائل الإعلام المضلل ما يوقع من تستعديه في شباكها وهو يشعر بلذة الاتباع، وبطمأنينة الاتباع، ويُغرى أيما إغراء، من القيادة التي تكيد به، وتستلبه. كم من دول، كم من أفراد علماء وعظماء يقعون أتباعا ذليلين وراء قيادات عالمية طاغوتية تسلبهم العزة والكرامة وتنتهي بهم إلى غضب الله؟!
هذه القيادات هي نموذج صغير من قيادة الشيطان الرجيم الذي يمتلك من الوسائل ما تمثل وسائل الإعلام المضل ووسائل الإغراء بيد البشر نسبة بسيطة مما يملك.
{فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} الشيطان غرور، كثير التغرير، كثيرا ما تكون له فرائس، كثيرا ما يكون له مغرّر بهم، وكثيرا ما يقع المغررون بسببه فريسة له. ماهر حاذق قادر على التغرير، على الإيقاع، على الإلهاء، على أن يفقدك تفكيرك، يفقدك شعورك بذاتك، على أن يفقدك الرؤية الصحيحة لما عليه واقع الدنيا، لما عليه واقع الآخرة. يستطيع وبكل أسلوب ساحر أن يحول الصغير في نظرك إلى كبير، ويحول الكبير في نظرك إلى صغير، أن يحول القبيح إلى جميل، أن يحول الجميل إلى قبيح، وهكذا يفعل المجرمون في الأرض من أتباع الشيطان.
من مراتب الذكر:-
الذكر ليس على مرتبة واحدة. وكما أن النسيان مراتب، فيمكن أن يكون النسيان لله، وللآخرة، وللذات نسيانا وقتيا، نسيانا جزئيا، وفي مساحة محدودة مما ينبغي أن يذكر، ويمكن أن يكون النسيان مستوعبا إلى حد أن يتحول بصاحبه إلى جهل كامل، كذلك هو الذكر على مراتب، فمن الذكر مرتبة عالية ومنه ما هو مرتبة أعلى. فعن الصادق عليه السلام:
“الذكر ذكران: ذكر خالص يوافقه القلب، وذكر صادق ينفي ذكر غيره”.
هناك لقلقة لسان لا تُعدّ ذكرا، وهناك درجة من الذكر تنفي ذكر غير الله، ولا تمثل ذكرا حقيقيّاً لله، ولكن تمثل نوعا من الاتجاه الإجمالي الضبابي الغائم لله سبحانه وتعالى؛ هذا الذكر وإن لم يمثل ذكرا حقيقيا لله سبحانه وتعالى إلا أنه يصرف عن ذكر غيره، وانصراف القلب عن ذكر غير الله فيه درجة من النجاة ويبقي القلب مستعدا بدرجة أكبر لذكر الله سبحانه وتعالى.
أما إذا حل ذكر غير الله محل ذكر الله في القلب فهنا الخطر الشديد.
أما الذكر الآخر فهو ذكر يوافقه القلب، يعيشه القلب، يحيا به القلب، يرى به القلب الرؤية الحقيقية، القلب فيه موصول بالله سبحانه وتعالى، يتغذى ويتربى، ويتزكى على ذكر الله وأسمائه الحسنى، يستمد ثقته، يستمد طمأنينته، يستمد قوته، يستمد معناه الكبير من ذكره لله سبحانه وتعالى.
ثمّ في حديث آخر عن علي عليه السلام:”لا تذكر الله سبحانه ساهيا لا هيا، ولا تنسه لاهيا – بلا ذكر أصلا – واذكره ذكرا كاملا يوافق فيه قلبك لسانك، ويطابق إضمارك إعلانك، ولن تذكره حقيقة الذكر حتى تنسى نفسك في ذكرك” حين يذكر العبد المُخلص لله سبحانه وتعالى أو الذاكر ذكرا حقيقيا لله سبحانه وتعالى فهو لا يرى إلا شيئاً واحداً؛ يرى الله سبحانه، يرى العظمة الحقيقية، يرى الكمال المطلق، الفاعلية الواحدة الشاملة، الإرادة الواحدة الطليقة، العلم الواحد المستوعب، الحياة الواحدة الكاملة، الجمال الواحد غير المحدود، أما ذاته فينسلخ في ذكره عن ذكره لها، ذلك لأن شيئيته إنما تمثل ظلا وانعكاسا محدودا، ضئيلاً، صغيرا لعظمة الله التي لا تحد، لوجود الله المطلق.
فلو ذكر الله ذاكر منا بحق لكان في ذكر الله شاغل له عن النظر إلى نفسه، لأنك وأنت تنظر إلى المصباح الذي يغطّي بنوره مسافة عشرة كيلو مترات لا يكاد يقع نظرك على الشمعة وذبالتها التي تكاد تموت، فكيف وأن ليس هناك شمعة أمام وجود الله سبحانه وتعالى تملك الاستقلالية والوجودية يالذات؟!
“ولن تذكره حقيقة الذكر حتى تنسى نفسك في ذكرك، وتفقدها في أمرك” مرة ألتفت إلى أني مصدر الفعل الذي يتم على يدي، أني مصدر الخير الذي يتحصل بسعيي فيما يتراءى لي، ومرة لا أرى أن لهذه الذات في نفسها أثرا، إنما الأثر الحق، والفاعلية الحقة، والإرادة الفاعلة هي إرادة الله سبحانه وتعالى، فحيث يرى أحدنا نفسه شيئا في قبال الله، وأنه له فاعلية في قبال فاعلية الله، وأن له إرادة في قبال إرادة الله سبحانه وتعالى، وأن الله يريد وأنا أريد ويكون ما أريد لا ما يريد الله فذلك نظر للذات، والنظر إلى الذات وأن لها فاعلية مستقلة هو كفر وشرك.
“وتفقدها في أمرك” بحيث ترى أن الأمر كله لله سبحانه وتعالى.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا، ومن أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات إحسانا خاصا برحمتك يا أرحم الراحمين.
يا من لا لجأ إلا إليه إليك لجأنا، ويا من لا مغيث دونه بك استغاثتنا، ويا من لا غالب له بك استنصرنا، ويا من إليه يفزع الخائفون إليك فزعنا فارحمنا برحمتك، ولا تردنا خائبين من فضلك يا الله يا الله يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}

الخطبة الثانية

الحمدلله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عند ربه، وهدى إلى سبيله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، ومجاهدة النفس عن الاستمرار في غيّها، والتمادي في معاصيها، وليُحصِ أحدنا من نفسه ما هي عليه من مخالفات ربه، وليستوقِفها عن جهلها، ويردها عن طريق هلكتها، ومن بدأ تقويم النفس من أجل الله وفّقه الله لأن يردَّها إلى سواء السبيل.
فمن وجد من نفسه أنها تغلبه مع صلاته وصومه ومواظبته على المساجد على سماع الغناء المحرم، ولا تنهاه صلاته عن مثل هذا الإثم مثلاً، فليبدأ جولةً من الكفاحِ ضدّ هواه مستعيناً بالله، فإن الله لا يخذله.
ولو مكث على ما هو فيه من مخالفة الله عزّ وجل مغلوباً لنفسه، منساقاً وراء شيطانه، مستخفّاً بربه، كان على كبيرةٍ ربما جرَّت إلى كبائر حتى ينتهي به الأمر إلى مكابرة ربه، ومحاربة دينه في المساحة الواسعة من حياته. وما يُدري هذا أنه لا يموت وآخِرُ ما ختم به حياته مجلس من مجالس الغناء، وسماعٌ إلى فاسق أو فاسقة من سفلة الخلق؟!
اللهم إنّا نعوذ بك وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من أن نضل ونغوى، وأن نسقط في طاعة الشيطان والهوى.
اللهم اجعل لنا حاجزاً من معرفتك عن كل ما يثلم الدين، ويباعد عك، ويوجب سخطك.
اللهم صل وسلم على خاتم النبيين والمرسلين، البشير النذير محمد بن عبدالله الهادي الأمين، وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم صل وسلم على علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على فاطمة الزهراء الزكية النقية، التقية المعصومة.
اللهم صل وسلم على الإمامين الوليين، والسبطين الزكيين الهاديين الحسن بن علي بن أبي طالب والشهيد الحسين.
اللهم صل وسلم على أئمة المسلمين، وهدى المتقين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري المتقين.
اللهم صل وسلم على وليك القائم المذخور لنصرة الدين، وإحياء شريعة سيد المرسلين، العدل المؤمل، والإمام المنتظر، المهدي بن الحسن المقتدى والمؤتمن الأغر.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين العاملين وكل مؤمن ومؤمنة وفقهم لمراضيك، وسددهم خطاهم، وبلغهم مناهم مما يرضيك، وينجيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها الملأ الكريم فالحديث في محورين:
أمريكا والعراق:-
1. القوّة مفصولة عن الحكمة تغرُّ وتضر وتجرّ إلى الغباء، فلو تجاوزت قوة الإنسان كثيراً مما هي عليه لم يكن إلا كثير البطش، كثير الظلم، مغلوبا لغروره، مأسورا لهواه.
هذا الإنسان يتحمّل درجة من القوّة، يتحمل درجة من الجمال، يتحمل درجة من الغنى، ولو زاد على هذه الدرجة لأهلكته زيادته، ولقد جاء على لسانهم عليه السلام ما معناه أن من الناس من يصلحه الغنى، ومنهم من لا يصلحه إلا الفقر، وكذلك من الناس من لا يصلحه إلا الصحة، ومنهم من لا يصلحه إلا المرض.
أمريكا قوية قوة مادية، ولا تمتلك الخلفية الحضارية التي تورث الحكمة والتعقّل، وتضع الخطى على طريق الهدى والصلاح. أمريكا تنطلق من خلفية الفلسفة البرجماتية النفعية الواقعية التي تلخّص الكون والوجود، وكل شيء في اللذة والمنفعة المادية.
القوة بيد أمريكا لا تورث إلا غرورا، ولا تورث إلا استكبارا، ولا تورث إلا ظلما وبطشا في الأرض.
2. أمريكا في العراق عاجزة عن كسب الود من الشعب العراقي، وكيف تكسب ودّا من شعب جاءت تأسره، وتستعبده، وتستنزف خيراته، وتسلبه حضارته وتحاربه في انتمائه؟! فليس أمام أمريكا من واقع فلسفتها، ومن واقع عدوانيتها، ومن واقع غزوها الجاهلي إلا الإفراط في استخدام القوة لإسكات الشعب العراقي، والإفراط في استخدام القوة سيظهرها وحشاً كاسراً للأرض كل الأرض، للناس كل الناس، ويسقطها حضاريّا في نظر كل الناس.
فأمريكا قد تربح ماديا إلى وقت ولكنها ستخسر حضاريا ومعنويا على المدى الطويل.
وإذا كان العالم يتذكر، ومن المؤسف أن العالم كثيرا ما ينسى فإن هذا العالم لن يصدق أمريكا في يوم من الأيام أنها منقذة للعالم، وبأن لها ديموقراطية تستهدف نشر العدل في الأرض، وتركيز أسس المساواة.
3. وتتذكر أمريكا أن شارون دنس المسجد الأقصى في يوم من الأيام، ولساعة أو أكثر قليلاً إلا أن تدنيسه للأقصى أعقب انتفاضة أعجزت ترسانته المتقدمة من السلاح أن تسكتها، وربما مضت هذه الانتفاضة على طريقها لا لتسقط شارون فقط وإنما لستقط الدولة الصهيونية بكاملها. فهل ستسقط أمريكا في نفس الخطأ فتقتحم كربلاء، وتقتحم النجف لتثير حفيظة الملايين من المسلمين في مختلف بقاع الأرض؟
إن المقدس أكبر من قيمة اللقمة في نظر المسلم، وأن تمسّ دم المسلم وهو مقدّس غير أن تمسّ مقدساته من قرآن وكعبة ومشهد.
4. المشاهد في العراق ليست للعراقيين كما تعلم أمريكا ويعلم كل الناس، المشاهد في العراق لملايين المسلمين في الأرض، وإذا كان يُنام على الجرح يمس البدن، ويمس المال فإنه لا يُنام على الجرح الذي يمسّ المقدسات.
ولن تستطيع أموال أمريكا ولا مكرها أن ينسي المسلمين ما لهم من ثأر في ذمتها إذا أُهين مرقد أمير المؤمنين عليه السلام أو مرقد الإمام الحسين عليه السلام أو العباس. وانتهاك حرمة كربلاء والنجف انتهاك لحرمة كل مسلم فلتدخل أمريكا في حسابها هذا الأمر بدقة.
وثيقة زواج:-
صدرت وثيقة للزواج باسم مركز البحرين لحقوق الإنسان. اطلعت عليها في شعبان، وجاءني بشأنها سؤال من زمرة مؤمنة من النساء، وكان لي جواب في ذلك الوقت على السؤال.
أتحدث عن هذه الوثيقة باختصار:
مضمون الوثيقة: أنها تضع شرطين على علاقة الزواج، على كل زواج يكون في البحرين.
والشرطان معاً للزوجة على الزوج.
الشرط الأول: أن تُملّك الزوجة بالطلاق نصف دخل الرجل مدة الزواج وذلك بقيود ثلاثة في الطلاق:
1. ألا يكون الطلاق بطلب من الزوجة.
2. ألا يكون بسبب سوء سلوكها.
3. أن لا يكون بسبب تخلّفها عن وظائفها.
وإذا تمت القيود الثلاثة ثبت شرط استحقاق المرأة على الرجل نصف دخله مدة زواجهما. هذا شرط.
الشرط الثاني: هو توكيل من الرجل للمرأة بلا عزل على طلاق نفسها، أو توكيلها غيرها في ذلك الطلاق، وذلك في اثنتي عشرة حالة.
ووقوع هذه الحالات وتحققها خارجاً متروك للمحكمة الشرعية، فهي التي تحقق أن هذه الحالة التي تمثل موضوعا لفعلية تلك الوكالة متحققة خارجا أو غير متحققة.
والسبيل إلى الحكم بهذا الأمر في الغالب هو الحلف، وليس شيئا آخر، لأنه يتعذر في العلاقات الزوجية وجود شاهدين على دخائل الأمور، وأن هذه المرأة مكّنت من نفسها لزوجها، أو لم تمكّنه مثلاً. من يدري بهذا؟ فلا بد في الكثير أن ستأتي قضية الحلف من ماذا؟
ملاحظات سريعة وليست على مستوى الدراسة لأن المقام لا يسمح:
وأؤكد في الابتداء أن اشتراط طلاق الزوجة لنفسها في بعض الحالات وفي بعض أمثلة من الأزواج وارد وجيد جدا وقد يكون ضروريا، وبابه مفتوح من ناحية شرعية.
وهذه بعض النقاط في الموضوع:-
1) التخريج الفقهي سهل للشرطين المذكورين، وقد تم تخريجهما منذ أمد بعيد، والتخريج لا يحتاج إلى كثير علم.
2) هنا نقطة، هذه الشروط مرة تُذكر في وثيقة الزواج، ويترك خيار الأخذ بها للزوجين، وأن الزوجين قد يتوافقان على الأخذ بهذه الشروط والالتزام بها كليا أو جزئيا، وقد يستغنيان عن هذه الشروط.
الحالة المأخوذة في الوثيقة ليست هذه، الحالة المأخوذة في الوثيقة أن هذه الشروط شروط لابدية، مفروضة على الزوج والزوجة، فكل زواج يجب أن يُربط بهذه الشروط، فأما أن يؤخذ بهذه الشروط فيكون عقد، أو لا يؤخذ بها فلا يكون عقد، وهنا الخطورة.
لأن التخريج الحرفي الفقهي للأمور قد يخرج بالتشريع من هدفه وحكمته وروحه، فمثلا: لو رسمنا اقتصادا جديدا يقوم على الربا بتخريجات معينة، – وهناك تخريجات للربا – فإننا سنكون أمام حالة شرعية ظاهرية، لكننا لن نكون أمام اقتصاد إسلامي يؤدي دور الاقتصاد الإسلامي، ويحقق أهدافه، وينهي المشكلة الاقتصادية في الأرض.
الطلاق بيد الزوجة التي لم تُكلّف مهراً، وبصورة واسعة، يخرج بالطلاق عن إطار الحكم من جعله بيد الرجل، وسيوسع من ظاهرة الطلاق توسعة هائلة فنحن نجد كثرة في الطلاق الآن، وقد تحوَّل إلى ظاهرة خطيرة، وهذه الظاهرة ستزداد بلا أدنى إشكال في ظل هذه الوثيقة. الطلاق سيكون بيد الطرفين، الزوج يستطيع أن يطلق، والزوجة تستطيع أن تطلق، والزواج في السن العشرين، في سن الثامنة عشرة، في سن الثانية والعشرين، ونحن نعرف الأجواء؛ أجواء الانفتاح على الاختلاط، وتبدّل الشهية عند الزوج، وتبدل الشهية عند الزوجة بمقتضى هذا الاختلاط بل الانفلات.
فكم ستكون حالات الطلاق من اثنين في سن الثانية والعشرين، في الثالثة والعشرين، ومن طرف لم يبذل فلسا واحدا في الزواج، وإنما تقاضى ألف دينار، ألفي دينار من دون أن يكلّف زواجه فلسا واحدا من جيبه؟
وأقول: تعالوا نضمّن الوثيقة شروطا للرجل أيضا من أمثلة: ألا تخرج الزوجة إلا بإذنه حتى في ما لا ينافي خروجها حق استمتاعه على القول بجوازه أصلا، وأن يشترط عليها بأن لا تعمل، أن يشترط عليها أن تخدم أمه وأباه العاجزين، وشرط مباح، أن أشترط على زوجتي في العقد أن تخدم أمي وأبي، تعالوا نعطي للزوج أن يشترط على زوجته عشرة شروط مباحة، ونعطي للزوجة أن تشترط على زوجها عشرة شروط مباحة.
سنكون أمام حالة فقهية صحيحة من ناحية ظاهرية، لكن كم سيكون من حاجز أمام هذا الزواج؟! وكم ستستثقل الزوجة هذا الزواج، وكم سيستثقل الزوج هذا الزواج؟! كم من صخرة كبيرة نضعها في طريق هذا الزواج؟! ونحن بهذا نحول الزواج إلى شركة تجارية، تقوم على المحاسبة الدقيقة، وعلى حساب الربح والخسارة من ناحية مادية، وسنجفف منابع ما أراده الله سبحانه وتعالى من كون هذه العلاقة علاقة مودة ورحمة بين رجل وامرأة.
ما النتيجة؟ من النتائج أن يتحول الزواج كما قلت إلى شركة تجارية خالية من المودة والرحمة والأجواء الرطيبة، والسكن والسكينة.
أترون أن الزوج حين تضايقه الشروط وقد تم العقد، وقد دخل بزوجته وكرهها بعد حين عاجزا عن أن يختلق ألف حيلة، وأن يمكر بزوجته حتى تطلب الطلاق؟ إنه ليستطيع أن يمكر بزوجته، ويؤذيها حتى تتوسل له بأن تبذل له، فضلا عن أن تطلب الطلاق ليتخلص من أن يدفع نصف ما كسبه طوال حياة زواجه، وسنكون أمام حالات كثيرة من الكيد والمكر بالزوجة.
كم هم الأغنياء؟ وكم هم الفقراء؟ كم هم الذين إذا طلقوا ليس بيدهم إلا ما قد يحفظ لهم حياة الكفاف؟ فهذا يعطي نصف دخله، إذا كان له بيت سكن فعليه أن يدفع نصف بيت سكنه ويخرج من بيته؟! أستسمح نفسه بهذا أم يرتكب ألف حيلة تجنبه هذه الورطة في نظره؟!
من ناحية عملية هذا الشرط لن يحقق كثيرا لحقوق المرأة لأنها ستكون في كثير من الحالات زوجة لرجل غير قادر على أن يدفع شيئا أصلا، فإما أن يبقيه القانون في السجن طوال حياته، وإما أن يعفيه.
على كل حال حتى لا يتوهم أحد أنني نصير الرجل دون المرأة أقول: إن هذا القانون وبكل اطمئنان قانون ضد المرأة بقدر ما هو قانون ضد الرجل، إنه سيهدم الأسرة ولن يبنيها، وأقول: من جهة أخرى أن الرجال آباء لأبناء وبنات، وأن النساء أمهات لأبناء وبنات، فالقانون الذي يظلم المرأة من أجل الرجل يسيء إلى كل الآباء، لأن الآباء آباء لبنات أيضاً، وليسوا آباء لأبناء فقط. هل يسهل علي أن أزوج ابنتي لتكون أمة بيد زوجها؟!
والقانون الذي سينتصر للمرأة على الرجل كما يسيء للرجل يسيء للمرأة، لأن المرأة يعزّ عليها أيضا أن تزوج ابنها ليكون عبدا بيد زوجته.
ما يسيء للمرأة في هذه العلاقة يسيء للرجل، وما يسيء للرجل في هذه العلاقة يسيء للمرأة، وعلينا أن نتمسك بقوانين الله سبحانه وتعالى، مستفيدين من المساحة المباحة، وأن لا يكون تحايلنا في إطار التشريع مضراً بروح التشريع نفسه.
شرط أن تطلق المرأة نفسها وكالةً في حالة غيبة زوجها سنة كاملة وارد لأن كثيرا من الزوجات قد لا تتحمل، وخاصة في زمن الحروب، وفي زمن الهجرة الكثيرة مثلا. وقد تأتي شروط من هذا النوع وهي معقولة جداً في بعض الحالات، لكن أن نربط عقد الزواج بمجموعة صعبة من الشروط فهنا معناه اعدلوا عن الزواج واقصدوا طريق السفاح، وطريق الشذوذ الجنسي، وأكثروا من الطلاق، وسيبحث الرجل عن ألف حيلة ليوقع بالمرأة، وفي حال آخر يظلم الرجل فيه المرأة ستبحث المرأة عن ألف طريق لتوقع بالرجل.
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآل محمد، واهدنا طريقك القويم، وصراطك المستقيم، وأنقذنا من كيد الظالمين، والحمد لله رب العالمين.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

زر الذهاب إلى الأعلى