عاشوراء – كلمة في مؤتمر عاشوراء الأول

عاشوراء من أجل مواجهة الانحراف الحاضر
والمستقبل في كل هذه الأبعاد، ومن أجل حماية الأجيال الناشئة ومدِّها بالأصالة
الفكرية، وأصالة الشعور، وقوة الإرادة، والرؤية الواضحة، والعزم الصُّلب، والتسليم
الفولاذي، وحصائل ثرة، وأخلاق كريمة، ومواقف صمود من شخصية الإمام الحسين (ع)


أعوذ بالله العلي العظيم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله، حبيبنا أبي القاسم محمد وآل محمد.
اللهم إنّا نؤمن بك، ونستهديك ونسترشدك ونتوكل عليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
دعوني أسأل:
لماذا عاشوراء؟ لماذا إحياؤه ؟ لماذا البدل الكثير فيه وهو على كثرته قليل؟ لماذا الوقت؟ لماذا المال؟ لماذا الجهد؟ لماذا تعطل حركة الإنتاج الاقتصادي لأكثر من يوم؟ 
لعل أحداً يستكثر هذا البدل بالنسبة للذكرى على كثرته، ربما يعترض البعض على هذا الاهتمام البالغ بعاشوراء.
عاشوراء من أجل أن لا يستولي يزيدُ والحسين (ع) في ذهن الأجيال الجديدة للأمة ونفسيتها، من أجل أن لا يبلغ الإعلام المظلل أهدافه في غشِّ الأمة وتظليلها وحرفها عن خط الأصالة الإسلامية.
من أجل أن لا يستوي ظلم وعدل، جهلا وعلم، فقد كفاءة وكفاءة، خيانة وإخلاص، جاهلية وإسلام.
وثورة كربلاء أصلاً كانت من أجل أن لا تستوي هذه المتقابلات, وأن ينفتح خطٌ لاهبٌ للوعي اللاهب, وأن يبقى الخط الأصيل للفكر الأصيل, وأن تبقى أصالة الدين في وعي الأمة لتكون الأمة الأصيلة.
كانت ثورة عاشوراء من أجل أن لا يُقبر الإسلام, وإحياء ذكرى عاشوراء يأتي على هذا الخط ومن أجل هذا الهدف, فحياة الحسين (ع) في قلوب المؤمنين، وفي واعيتهم, وارتفاع نداء الحسين في فضاءات المجتمعات الإسلامية يعني أن الإسلام حي ولا يُقبر.
أقول لكم بحق أن ما من أمة بلا محور فكري، قل لا أمة على الإطلاق بلا محور فكري يجمع شتاتها، يشدُّ إليها نخبها وجماهيرها، يجعل حركتها الفكرية متمحورة حوله. والفكرُ لا يحفظ أمّة ما لم يتحول إلى شعورٍ دفّاق فاعل متحرك.
فكانت عاشوراء من أجل تركيز وتأكيد المحور الفكري لهذه الأمة, ومن أجل إشعار الشعور به، وتأجيج وقدته في النفوس والأرواح. الأمة دائما تكون حيث يكون المحور الفكري القادر على استقطابها، والمحور الفكري القادر بطبيعته على الاستقطاب يكون حيث يكون الرمز الحي الكفوء على الأرض، وحيث يختفي الرمز تختفي الفكرة حتى يولد رمز جديد بمستوى الفكرة فكراً وشعوراً وإرادة وكفاءة وفاعلية.
والحسين (ع) على مستوى البعد التضحوي الصارخ للتصحيح الداخلي للأمة هو ألمع محور كان له تحركه في هذا الميدان من المنطلق الشعبي. كان أبوه (ع) محوراً هائلاً في هذا البعد – بُعد التصحيح الداخلي – في إطار الأمة من موقع الحكم.
والرسول (ص) الذي كان الإسلام رسالته الكبرى من ربه سبحانه وتعالى، وكان بمستوى الرسالة تأثيثاً واستمرارا, كان المحور الأول, الرمز الأول, القدوة الأسمى على الأرض للإسلام في أكثر من بعد, ولكن لم يكن صلوات الله وسلامه عليه قد ابتُلي تجربتُه التي عاشها بمواجهة حكومة طاغوتية جاهلية تحكم زورا باسم الإسلام, وكان هذا الامتحان قد واجه الإمام الحسين(ع), فأعطى النموذج الإسلامي الحيّ، والحجة الإسلامية القطعية على وجوب التصحيح الداخلي للوضع في إطار الأمة الإسلامية من خلال الموقع الشعبي للقيادة المؤمنة.

عاشوراء ليس للوقوف في وجه ظلم انطوى وجاهلية انحسرت ولفّها التاريخ، ليس لمواجهة فسادٍ ارتكبه يزيد الماضي، وإنما عاشوراء لمواجهة ظلمٍ قائمٍ الآن في الدنيا، أوضاع جاهلية تتستّر براية الإسلام، وهي تتآمر عليه وتنحرف به، وتقيم على الأرض أوضاع جاهلية صارخة تنقض البناء الإسلامي حجراً حجراً.
عاشوراء من أجل مواجهة التزوير الحديث للفكر الإسلامي، وللإرادة الإٍلامية، وللأهداف الإسلامية، وللإنسان المسلم. نحن نواجه عملية تخريب واسعة ومركّزة لمشروع الإنسان المسلم، وللإنسان المسلم الفعلي.
وعاشوراء من أجل مواجهة الانحراف الحاضر والمستقبل في كل هذه الأبعاد، ومن أجل حماية الأجيال الناشئة ومدِّها بالأصالة الفكرية، وأصالة الشعور، وقوة الإرادة، والرؤية الواضحة، والعزم الصُّلب، والتسليم الفولاذي، وحصائل ثرة، وأخلاق كريمة، ومواقف صمود من شخصية الإمام الحسين (ع)، ومن وقائع أرض الطّفّ، ومن شخصية كل شيخ طاعن في السن وشاب مفتول العضل، وامرأة شابة، وامرأة عجوز خاضوا معركة كربلاء.
عاشوراء من أجل أن لا يُزوَّر القرآن، وأن لا تُزوَّر السُّنّة، وأن لا تتسع رقعة التحريف لكتاب الله عزَّ وجل. الكتاب محفوظ حرفي، ولكن عملية التزوير المفاهيمي، وعملية التزوير لأحكام القرآن، وللقواعد القرآنية، وللرؤية القرآنية بدأت مبكّرا ولم تتوقف حتى الآن، وهي الآن تتضاعف بشكل كبير.
عاشوراء من أجل أن نقول لأمريكا أننا هنا، وأن الساحة للإسلام، وأننا قادرون من خلال خط أهل البيت عليهم السلام، ومن خط التمسك بالإسلام العظيم أن نُفشل خططكم.
من أجل أن نقول لهم و لغيرهم أإننا مع الإسلام لا مع غيره، مع الحسين لا مع غيره، مع كتاب الله لا مع غيره، مع الطرح الإسلامي النظري والعملي لا مع غيره.
من أجل أن نقول للآخرين أننا نجيء للحسين عليه السلام في هذا الموسم ونحن على دربه كل السنة، نجيء بتركيزٍ وبكثافة وبشوق عارم، وبجدية عالية، وبوعي أكيد، وبتصميم شديد تلاميذه نتعلم منه الإرادة الإيمانية الصُّلبة التي لا تلين أمام إغراء أو وعد أو وعيد.
لنقول إننا هنا لنُبطل محاولات التمييع، ومحاولات التغريب التي تعمل عليها الحفلات المائعة، واستيراد الجنس، وتكثيف الحالة اللاأخلاقية ليل نهار من أجل أن تقضي على رجولة رجالنا وشبابنا، ومن أجل أن تهزم الإرادة الإنسانية والعالية الخيرة في نفوس نسائنا وشاباتنا.
كيف نحيي عاشوراء؟
عاشوراء تُمثل الجد كل الجد، ومن يقول أن في عاشوراء هزلا؟ وإذا كانت عاشوراء هي يوم الجد، ويوم الكفاح، ويوم المنازلة للباطل فلا يصح أن يدخل في إحياء عاشوراء هزل ولا باطل، ولا يُصح أن تُميَّع عاشوراء بموسيقى، وبألحان المطربين. ع
عاشوراء وجه صريح وصارخ للجدية وللرسالية وللالتزام بالحكم الشرعي، والتقيُّد به في أحلك المواقف. ما فارق الحسين في كلمة، ولا في موقف، ولا يظهر من أحد أصحابه عليهم السلام أنه فارق الحق وخرج على قيد الحرام والحلال قيد شعرة في معركة الطف.
وهذا يقول لكم أيها الأخوة بأنكم إذا أردتم أن تكسبوا شرفاً بمشاركة الطّفّيين وأنصار الحسين عليه السلام فلتكونوا بهذه الدرجة من التقيُّد بالحكم الشرعي فيما تمارسونه في عاشوراء.
عاشوراء يوم التضحية السخية التي كشفت عن أن المسلم الحق لا يدّخر ليومه أو غده لنفسه أو ولده شيئاً يبخل به عن دين الله.
فلنكن في إحيائنا لعاشوراء مضحين بالوقت، مضحين بالجهد، مضحين بالمال، مضحين بالأنا من أجل مصلحة الإسلام.
اسحق ذاتك الأرضية لتولد ذاتك الإنسانية، ولتكون على خط الحسين (ع)، انسى أن هذا مأتمك، واستسخف نفسك حين تطالبك أن تكون رئيس المأتم ولو على حساب مصلحة الإسلام. انسى أنك تنتمي إلى هذا أو إلى ذلك المأتم، إلى هذا الموكب أو إلى ذلك الموكب. وإلا فأنت أين؟ والحسين أين؟ أنت في وادي سحيق، والحسين في عليائها.
يوم التعاون، يوم التكاتف، يوم الفداء، يوم التسابق للبذل للخيرات، فليكن إحياؤنا لعاشوراء من هذا النوع، نتعاون، نتكاتف، نوحد الصفوف، نوسع الموكب.
وأطالب بشدة بعدم التنازل عن وحدة المواكب في أي قرية من القرى، وفي أي منطقة من المناطق. وقولوا لمن يقف في وجه هذا المطلب أنت مطرود من صف الإمام الحسين (ع).
لا شك أن عاشوراء على يد الإمام الحسين عليه السلام كان أروع مثال لاتزام الهندسة والتخطيط، وما نجحت ثورته عليه السلام مع ضآلة إمكاناتها المادية، وضعف وسائلها الأرضية بعد توفيق الله عزَّ وجل إلا من خلال الهندسة الدقيقة، والتخطيط الحكيم.
فأدخلوا ضرورةً عنصر التخطيط والهندسة في إحياء عاشوراء، وليشارك الفكر الدارس المتأنّي المخطط في إعطاء مستوىً أكبر، وفاعلية أضخم، ومردود أثرى لإحياء عاشوراء.
التخطيط للموكب، التخطيط للمأتم، للحسينية، التخطيط للردّة والأنشودة الحسينية، التخطيط لكل فاعلية من فعاليات هذا الموسم الثر الكبير الكريم.
يوم عاشوراء يوم التقوى؛ التقوى التي أمسكت بالألسن عن الفحش والبلاء، ألسن أهل الطف من جبهة ابن رسول الله (ص)، أمسكت الألسن عن الفحش، والسيف عن النّبوِ بغير حق، عن أن ينبوَ فيصيب نفسا بغير حق، واليد عن البطش الباطل، وأمسكت حتى لسان المرأة الذي كان يُعرف عنها أنها متسرعة، وأنها منفعلة عن أن تقول كلمة لا تُرضي الله.
وهل كنت تتوقع من عين أنصاري من أنصار الحسين عليه السلام أن تمتد إلى محرم؟ أو أنت تتوقع لكلمة على لسان من أولئك النخبة، من أولئك الصفوة الذين كانوا يُعانقون الجنة أن تخرج في غير مرضاة الله؟ أو كنت ترتقب من شابة من شابات الطف هاشمية أو غير هاشمية أن يشتغل قلبها ولسانها وجوارحها بغير ذكر الله ومراضيه؟ فليكن يوم الطف على يدنا أخلاقياً هو يوم الطف أخلاقياً على يد الحسين (ع).
ولنحمي مواكبنا من عبث العابثين، وتصيُّد المتصيدين، ومحاولات حرف المسيرة الطاهرة عن طريقها الإلهي اللاحب. فلنكن كلنا جنداً في سبيل تأكيد الحالة الأخلاقية الرائعة الراقية في الموكب، وليس اعتمادنا على هيئة رسمية في ذلك. تُشكر الهيئة الرسمية لمواكب العزاء في المنامة إذ أدت واجبها في هذا الاتجاه، لكن هي شريحة من شرائح المجتمع، وتتحمل مسؤولياتها من خلال موقعها الإيماني قبل أن تتحمل مسؤولياتها من خلال موقعها الرسمي، والكل يشاركها في المسؤولية الإيمانية والتكليف الشرعي.
فليس لأحد أن يضع قيداً على المطالبة بالتزام الأخلاق، وبرعاية الحكم الشرعي في الموكب إذا لم يكن هذا المتحرك رسمياً. شرط الرسمية غير موجود في قاموسنا إطلاقاً إطلاقا لقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأطلب من الأخوة الشباب وغير الشباب، وحسنٌ أن يكون هناك شيبٌ أيضاً يُعطي الجميع جهدا مضاعفاً مباركاً في سبيل تنقية الحالة الأخلاقية في كل المواكب العزائية في البحرين، وعلى الأخص في العاصمة.
أريد ألا يكون أحدٌ من الجماهير، ولا من النخبة، ولا من صغار السن، ولا من كبار السن، من الرجال، ولا من النساء بعيداً عن تحمُّل دورٍ ملحوظ في حركة الإمام الحسين (ع) وإحياء أيام عاشوراء.
غفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زر الذهاب إلى الأعلى