كلمة بمناسبة مهرجان ”صرخة الحسين في القدس”

كلمة سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم بمناسبة مهرجان ”صرخة الحسين في القدس”

 

القدس والأقصى مأسوران في قبضة حديدية ظالمة
باغية، هي قبضة الاستكبار العالمي، هذا الأسر الذي طال مداه، أسر على خلاف إرادة
الأمة وتوجهها وطموحها ، عزتها ،كرامتها، أسر من هذا النمط وبهذا العمق من المضادة
لهوية الأمة وتوجهها

السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
محمد وآله الطيبين الطاهرين

القدس والأقصى مأسوران في قبضة حديدية ظالمة باغية، هي قبضة الاستكبار العالمي، هذا الأسر الذي طال مداه، أسر على خلاف إرادة الأمة وتوجهها وطموحها ، عزتها ،كرامتها، أسر من هذا النمط وبهذا العمق من المضادة لهوية الأمة وتوجهها. أسر يسجل فشلا ذريعا بلا شك، برغم المؤامرة العالمية، وبرغم الإرادة الظالمة للاستكبار العالمي، ألا فإن الأمة على الأرض، الأمة هنا ، وجود لذات ، تاريخ ممتد تمتلك حضارة سامقة وجودا عملاقا.


من أين جاء ضياع إرادتها، وسقوط إرادتها، وفشل إرادتها، أمام إرادة الطغاة العالميين؟
ولنا أن نطرح السؤال بهذه الكيفية: الفشل فشل أنظمة أم فشل أمة ؟ إذا اخترنا أن الفشل فشل أمة، فان هذه الأمة يوم إن كانت تحتفظ بمقومات هويتها وتستمسك بهذه المقومات، هي الأمة التي حررت القدس، وهي الأمة التي طهرت المسجد الأقصى، هذه الأمة هي التي أرغمت أنف الطغاة في الأرض، وهي التي قادت إلى الهدى، وهي التي عاشت العزة والسؤدد في ظل استمساكها بهويتها .


هذه الأمة هي التي علمت الدنيا ورشدتها، وأعطتها الهدى، وبعثت فيها الشعور بالعزة والكرامة الإنسانية. كان العرب قبل الإسلام، وكان العرب مع الإسلام، وكان العرب بعد أن فارق الإسلام، وليس للعرب يوم عز ولا يوم شموخ ولا يوم سؤدد ونصر، إلا اليوم الذي كانوا فيه مع الإسلام، واليوم الذي انضووا فيه تحت راية الإسلام، هو اليوم الأول والأخير الذي عرف فيه العرب العزة والكرامة والسؤدد والوزن الكبير.


إذن الفشل فشل أنظمة وليس فشل أمة، نعم نستطيع أن نقول بأنه فشل أمة نسيت إسلامها، فشل أمة خف وزن إسلامها في عقلها وفي نفسيتها، فشل أمة طال تأثير الأنظمة السلبية، بالتأثير التخريبي السلبي على وعيها، وشعورها بالعزة والكرامة والأصالة والهوية، يوم إن استطاعت الأنظمة المنحرفة عن طريق الله أن تطال بتأثيرها عقلية الأمة، وتلاحم الأمة ووحدتها وشعورها بالعزة والكرامة والأصالة، صارت الأمة لا تملك أن تواجه إسرائيل، أو أن تهزم إسرائيل أو تقف أمام الزحف الإسرائيلي وان هزم، ما كانت إرادة الطواغيت في الأرض كل الأرض لتستطيع أن تسحق إرادة الأمة، وأن تأسر القدس والأقصى

 لو كانت هذه الأمة على ما كانت عليه من الانتماء الواعي بالإسلام، والرؤية الواضحة لما هو الإسلام. لو تشبعت هذه الأمة بالرؤية الإسلامية واغتنت بالشعور الإسلامي، لما أمكن لقوة في الأرض أن تنمو، حتى تهزل أمامها الأمة ما كان نمو الأمة ليتوقف لخطه أو ليجارى فضلا عن أن يسبق، لو كانت القيادة بيد الإسلام ولو كان التوجيه بيد الإسلام، ولو لم تنقض على البلاد الإسلامية عملاء من داخل البلاد الإسلامية، لتخرب الإسلام ولتفصل الأمة عن الإسلام. انه فشل أنظمة منسحب على الأمة وسيبقى هذا الفشل تعيشه الأمة ما دامت تنسى إسلامها، وما دامت غير عازمة وجادة في استجماع قواها لأن تستعيد هويتها وتصر على خطها وتعدل بالسفينة على الطريق طريق الله اللاحب الهادئ المقدم الذي يمكن للأمة أن تتقدم وأن تقوى وأن تكتسب إيجابيات هائلة وأن تتقدم كل الأمم من خلال هذا الطريق هدى توجيهاته، أصالته، هويته المرتبطة بهذا الكون كله، أصالته المدعومة من تسبيح السماوات والأرض لله سبحانه وتعالى.


نقطة أخرى تأتي هنا القدس بين سلام واستسلام بين الحل الاستسلامي وبين حل إسلامي ، لابد من الاستسلام، لابد من الانهزامية، لابد من الاندحار والاندثار، لابد من الانسحاق مادام داخل الأمة غير مستوٍ وغير مبني ، مادام الإسلام مغيبا، ومادامت الإرادة الإسلامية محاربة مقتولة، ومادامت الرؤية الإسلامية يحول بين الأمة المسلمة وبينها أكثر من ضباب وأكثر من سحاب، ما يحول بين الأمة وبين رؤيتها الإسلامية ظلمات بعضها فوق بعض من فعل الإعلام الضال المضلل والتربية المنحرفة. واحد على ألف من طاقة الإنسان المسلم، من إيثار الإنسان المسلم، من تضحية الإنسان المسلم، من وعي الإنسان المسلم، لا يملكه إنسان لأمة اليوم ، الإسلام الموجود في الأمة قد لا يساوي واحداً على ألف من الإسلام الحقيقي . إذا وجد الإسلاميون فهم قلة جدا، من بين الإسلاميين إذا وجد إسلاميون حقيقيون، يعيشون الرؤية

 الإسلامية والصفاء الإسلامي يعيشون إسلام أمير المؤمنين (ع) بدرجة وإسلام أبى ذر يعيشون إسلام سلمان إسلام المقداد إسلام مصعب بن عمير إسلام الصحابة الأجّلاء ممن اقتدوا برسول الله (ص) وتربوا في أحضان توجيهه ومدرسته، هذا الإسلام إذا وجد اليوم فهو موجود من بين الإسلاميين بنسبة ضئيلة جدا، الإسلام الآن لا ُيحارب ، الإسلام الآن لا يواجه، الإسلام الآن لا يخوض معركة، إنما يخوض معركة أنظمة عربية، أنظمة متغربة ، أنظمة استبدادية للغاية وأمة هي بالتالي قد صنعت على أيدي هذه الأنظمة أمة غربية متغربة بنسبة كبيرة على مستوى العقلية على مستوى الرؤية ، على مستوى النفسية

 على مستوى الهم ، على مستوى الإرادة ، على مستوى الحس المعنوي، فإذن هناك ترابط شديد وتناسب إطرادي بين تخلف الإسلام في الأمة وبين واقع الهزيمة وواقع الانسحاب ، وواقع الإسلام ، ولا يكون حل إسلامي وهو الحل القائم على العزة، الحل الذي يقوم على أرضية الشعور بالكرامة، على الإصرار مع التمشي مع الإرادة الإلهية العادلة، الحل الذي يصر على إعادة الحق إلى أهله ، والحق إلى نصابه ، الحل الذي يعطي الكلمة العليا للحق وللعدل، هذا الحل لا يكون إلا حيث تعود الأمة إلى إسلامها، وبقدر ما تعود الأمة إلى إسلامها، ويحيا إسلامها في صفوفها سيقرب يوم هذا الحل، أما أن ندور على طريق هذا الحل من ناحية الخارج و على طريق الحل الآخر الحل الاستسلامي فهذا أمر مرفوض ، تقول صحوة كربلاء وتقول لنا صحوة خيبر، وتقول لنا الصحوة الإسلامية المترعرعة بأن الحل سيكون حلا إسلاميا إنشاء الله، حتى على تقدير أن يكون حل استسلامي فانه لن يطول مداه ولن يمكث على الأرض كثيرا، لأن إرادة الأمة بدأت تنتفض ، وعي الأمة بدأ ينمو، صحوة الأمة بدأت تنتشر

كربلاء بدأت تحضر الساحة، كربلاء بدأت تقود الجحافل، كربلاء بدت تجدد شباب الأمة، كربلاء بدت تزحف في اتجاه إسرائيل، ويوم أن تزحف كربلاء يوم أن تحضر خيبر، يوم أن تحضر روح رسول الله الأعظم (ص)، روح القادة الإسلاميين الأوائل روح علي والحسين والحسن، روح الصحابة الأجّلاء، يوم أن تحضر هذه الروح معارك المسلمين وتدخل نفسيتهم، فيوم النصر، ويوم الحل الإسلامي حتمي بلا شك، وقد بدأت كربلاء تقود ، وبدأت كربلاء تحرك، وبدأت كربلاء تغير الرؤية، وتغير الشعور، وترتفع بمستوى الهم وتفجر الإرادة. إذن نحن على طريق الحل الإسلامي، والوقت لا يسع للتفصيل وأطرح سؤالا أخيرا:

ما هو الأصعب على النظام العربي إسرائيل أم المارد الإسلامي الذي يخرج من قمقمه بقوة، وباندفاعة هائلة، وبإرادة صلبة مستميتة في فلسطين وفي غير فلسطين، ويمتلك الإصرار الكامل والنفس الذي لا ينقطع، والمواجهة التي لا تبخل بشيء، تملكه اليد وتسترخص كل ما تعطي، وتستقل كل ما تبذل، هذا المارد الذي يقدم رؤيته الإسلامية ويجاهد من أجلها ويقاتل من أجل الله ويرى أن ليس له دور في الحياة أكبر من هذا الدور الجهادي ، الذي يعيد الأمة إلى هويتها، ويعيد الأمة إلى خط قرآنها وسنة نبيه (ص). النظام العربي خوفه من هذا المارد الملائكي -إذا صح التعبير- أكبر من خوفه من إسرائيل تجيبكم مؤتمرات العرب، واجتماعات وزارات الداخلية، واجتماعات القمة العربية، اجتماعات المؤتمرات الحقيقية والقرارات الفاعلة، المطبقة على الأرض هي القرارات المتخذة لمواجهة الإسلام والإسلاميين في أرض الإسلام، أما المؤتمرات التي تنعقد باسم مواجهة إسرائيل فهي قرارات للإعلام قرارات للدعاية قرارات للتستر وراء الخطوات التصالحية والتساومات والتنازلات والحلول السلمية .


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ..

 

زر الذهاب إلى الأعلى