خطبة الجمعة (135) 2 ذي القعدة 1424 هـ – 26 ديسمبر 2003 م

مواضيع الخطبة:


الصدقة (2) – جمعياتنا الاسلامية

إن الجمعية من النمط غير الإسلامي ليس من الصعب أن يقاومها.. أن يفضحها.. أن يعزلها المجتمع الإسلامي، ولكن الجمعية حين تكون لافتتها التي تستقبل بها الآخرين لافتة إسلامية، وشعارها شعار الإسلام.. فإن هذا يخلق نوعاً من الصعوبة في الفضح عند الانحراف، وفي المقاومة والعزل الاجتماعي

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلق كل شيء وقدّره، وأتقنه وأحكمه، ودبّره وسيّره، وإلى الغاية التكوينية المرسومة هداه وأوصله.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نحمده على هداية الإيصال في التكوين، وهداية الدلالة والأمر والنهي في التشريع، سابغ النعم ودافع النقم، ونور المستوحشين في الظلم.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله تولاه بالرعاية الخاصة، واللطف البالغ، ونشّأه على الهدى، وحماه من الضلال، وبعثه بالرسالة، وحصّنه من الغواية، ووقاه بمنّه، وعصمه بفضله.صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.

علينا عباد الله بتقوى الله، وقليلٌ من التقوى يدعو إلى العبادة وإخلاصها، والعبادة المخلصة مثمرة للتقوى، يقول سبحانه في كتابه الكريم “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”21/ البقرة.

و من اتقى كان له من الكمال بقدر تقواه، وروحِ هذه التقوى من خوف أو رجاء أو حب وانجذاب. وكفى لأن يتقي امرؤ ربه العظيم ما قاله الكتاب المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه وآله: “وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ” 48/ البقرة. يوم عظيم هوله، وياله من هول يواجه الإنسان! وياله من وهن وفقدِ وسيلة تسقط معه حيلة الإنسان!
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وأعذنا والمؤمنين والمؤمنات من أن نجهل حق عبادتك، ومن التقصير في طاعتك، والزهد فيما عندك، واجعلنا من صالح عبادك يا كريم.

أما بعد أيها الأخوة والأخوات المؤمنون فعودةإلى موضوع الصدقة.

تقدم للصدقة معنىً، وهناك معنىً أوسع لها تطرحه النصوص: “إن على كل مسلم في كل يوم صدقه” قيل: من يطيق ذلك؟! قال صلى الله عليه وآله: “إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وردك السلام صدقة” (عن الرسول صلى الله عليه وآله). فكل مشاركة في دفع الشر، وإشاعة الخير، وخدمة الناس، وإسعاد المجتمع صدقة، وهو ما يقوله الحديث الآتي: “كل معروف صدقة” (عن الرسول صلى الله عليه وآله)، ومثله: “كل معروف صدقة إلى غني أو فقير”. وبهذا يستطيع الفقير الذي لا يجد مالاً أن يتصدق على أخيه الغني المكتنـز مالاً بما يملك من نصح، ورأي صائب وعلم نافع، فعن الرسول صلى الله عليه وآله:
” تصدقوا على أخيكم بعلم يرشده، ورأي يسدّده”.

هذا لونٌ، ويأتي لون آخر من ألوان الصدقة العالية يذكره الإمام الصادق عليه السلام:

” صدقة يحبها الله: صلاحٌ بين الناس إذا تفاسدوا، وتقاربٌ بينهم إذا تباعدوا”، وهو دور فعال خيّر مطلوب من كل مؤمن ومؤمنة بأن يكون في هذه الحياة قائماً ساعياً بالإصلاح وبناء المجتمع المؤمن وعلاقاته الإيجابية، وأن يرمم هذا المجتمع ويسد كل ثغرة يمكن أن تنشأ فيه، وأن يسعى جاداً في إصلاح ذات البين.

و هل لا يملك أحدنا كلمة طيبة يقولها؟! وابتسامة يلاقي أخاه المسلم بها؟! فعن الصادق الأمين صلى الله عليه وآله أجمعين: “الكلمة الطيبة صدقة “، وعنه صلوات الله وسلامه عليه وآله: “تبسُّمك في وجه أخيك صدقة “.
ما أجمل الإسلام وهو يخطط لما لا يلتفت إليه البشر، ويؤدّب أبناءه على أن يكون لهم الدور الكبير الفاعل الباني فيما لا تفترسه العيون من مسائل جزئية وزوايا خفية. وإنه ليريد إشاعة الخير، وأن يعم الإخاء، وتترطب الأجواء ليفرغ الناس من مشاكل هذه الدنيا لبناء ذواتهم على طريق الله.
و في توسع أكبر لمعنى الصدقة يتجاوز فعل الخير نجد هذا الحديث عن النبي الكريم صلى الله عليه وآله: “ترك الشر صدقة “، ومثله ما عنه صلوات الله وسلامه عليه وآله: “أمسك لسانك فإنها صدقة تصدّق بها على نفسك “، لا أقل من أن يتصدق أحدنا على نفسه بأن لا يلحق بها أذىً في الدنيا وسقوطاً اجتماعيا، وأن لا يتسبب لها عاراً أخروياً وناراً. إن لم نملك كلمة الخير فلا أقل من أن نمسك عن كلمة الشر.

صدقات متميزة:

كل الصدقات خير، وفي كل الصدقات التي تنطلق من منطلق الخير بناء، وفيها ثواب، ولكن الصدقة تتفاوت فضلاً في مصاديقها وفي مواردها وفي متعلقاتها.
قيل للنبي صلى الله عليه وآله: أي صدقة أفضل؟ قال: “أن تصدّق وأنت صحيح شحيح “، قد يكون الشحيح: الطالب للدنيا بحرص والممسك بما توفر له منها، “أن تصدّق وأنت صحيح شحيح “والحي صحيح الجسد شحيح، لأنه كما يقول الحديث “تأمل البقاء وتخاف الفقر “، ففي الحال الذي تأمل البقاء وتخاف الفقر يخالطك شحٌ بالمال.. فهنا الصدقة، وليست الصدقة إذا سقطت منفعة المال في نظرك بأن جاء الاحتضار، “ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا”؛ أعطوا فلاناً كذا، أعطوا فلاناً كذا، لم لا تعطيه وأنت حي صحيح؟! العطاء في حال الصحة تغلُّبٌ على شهوة المال، وتمرد على سلطان الدنيا وإغرائها، أما عند الموت ونحن نفارق المال وكل زينة الحياة فيمكن أن تكون عندنا درجة من السخاء، ولكنه سخاء لا يمثل تلك الثورة على الذات.

(تكملة الحديث) “ألا وقد كان لفلان” هذه الكلمة قد تكون من مقولة هذا الذي بلغت روحه الحلقوم، وكأنه ينبّه على حق في ذمته لفلان، فيقول أعطوا فلاناً تبرعاً، أعطوا فلاناً آخر تبرعاً، وأن لفلان الثالث حقاً ثابتاً في ذمته.وقد تكون هذه الكلمة هي من الصادق عليه السلام نفسه بمعنى أنه يقول لهذا الذي شح بماله في حياته وجاد به عند احتضاره: ألآن التفت أن لأخيك المحروم حقاً في مالك؟! أن لأخيك الضعيف حقاً في مالك؟! أو لم يكون عليك، أو يحسن بك أن تسد حاجة أخيك قبلُ والمال محل حاجتك، ومتعلَق أملك؟!، ألآن التفتّ؟!(1)
قيل للنبي صلى الله عليه وآله: أي الصدقة أفضل؟ قال: “جهدٌ من مقلّ إلى فقير في السرّ”.عطاء الغني قد يسهل، ولكن عطاء الفقير يصعب، وكلما صعب العطاء كلما عظم الأجر، ودل العطاء على سمو النفس.

” أفضل الصدقة صدقة اللسان، تحقن به الدماء، وتدفع به الكريهة (الفتنة الاجتماعية أو غيرها من المكاره) وتجر المنفعة إلى أخيك المسلم “عن الرسول صلى الله عليه وآله.

نعم ما أعظم شأن الإصلاح الاجتماعي في الاسلام، ودفع الأذى عن المسلمين، فالأهمية البالغة لهذه الصدقة من حيث أثرها في الإسلام، ومعالجة مشكلات المجتمع المسلم، ودفع الشرور عنه.فالشأن الكبير ليس لخصوصية اللسان دون بذل المال مثلاً.. وذكر اللسان بخصوصه قد يكون لدفع توهم الضآلة بما بذل صاحب الكلمة، وقد تكون الكلمة في بعض المواقف أغلى من المال.. والنفس التي تجود بها تعدُّ أسخى منها حين تجود بالمال.

عن الرسول صلى الله عليه وآله: “والذي نفسي بيده ما أنفق الناس من نفقة أحب إلي من قول الخير” لماذا يقول الرسول كذلك؟ لأن قول الخير يبني العقول والنفوس، ويبعثها على كل خير، ويعدل بها عن كل شر.قد يعطي أحدنا مليون دينارٍ، إلا أنه يقول كلمة الخير فيكون البذل الاجتماعي مئات الملايين من الدنانير، وقد يدفع بكلمة الخير ما لا يدفعه المال الكثير .

قيل للنبي صلى الله عليه وآله: أي صدقة أفضل؟ فقال: “على ذي الرحم الكاشح “هذا القول من الرسول صلى الله عليه وآله لشدة الحق الذي يقدم ذا الرحم على الأجنبي.” لا صدقة وذو رحم محتاج “، “إن الصدقة على ذي القرابة يضعّف أجرها مرتين “.” أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله “، تفضيلٌ ومضاعفةٌ لانضمام عنوان البر بالرحم إلى عنوان الصدقة، وتقديمٌ لشدة الحق بالنسبة للأجنبي..
” أفضل الصدقة على الأسير المخضّر عيناه من الجوع “، فليكن هذا الأسير مسيحياً فليكن هذا الأسير يهودياً.. ولكن هذا الوضع من هذا الأسير يقابله الإسلام بالرحمة والعطف ويدفع المسلمين إلى أن يتعاملوا مع مثل هذه الحالة التعامل المنطلق من الإيمان.وليس من قلب أرحم من قلب يملأه الإيمان..

“أفضل الصدقة إبراد الكبد الحرّى”، فلتكن كبد حيوان فضلاً عن أن تكون كبد إنسان، (هذا عن الصادق عليه السلام وسابقه عن الرسول صلى الله عليه وآله).تفضيل بلحاظ صدق الحاجة ووقوع الصدقة موقعها الذي كانت أساسا من أجله .
“إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ” 271 / البقرة، “الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله العبادة في السر أفضل منها في العلن” عن الصادق عليه السلام. استمعتم تفضيلات كثيرة: هذه الصدقة أفضل.. تلك الصدقة أفضل.. الصدقة الثالثة أفضل، كيف ينسجم أن تكون هذه الصدقات كلها أفضل؟ أليس في التفضيلات الكثيرة تعارض وتهافت؟ وكيف يكون هذا اللون من الصدقة هو الأفضل، في حين يكون اللون الآخر هو الأفضل؟! والصحيح أن لا تهافت.. فصدقة السر أفضل بالقياس إلى صدقة العلن من جهة خاصية العلنية والسرية.والصدقة على معلوم الحاجة أفضل من الصدقة على مجهول الحال بهذا اللحاظ الخاص.. والصدقة على ذي رحم أفضل من الصدقة على الأجنبي بلحاظ القرابة وعدمها بعد تساويهما في الجهات الأخرى.. وليس المعنى أن لوناً من الصدقة أفضل من كل ألوان الصدقة الأخرى ومع ذلك يكون لون آخر هو الأفضل مطلقا ليحصل التهافت والتعارض. فالتفضيلات في النصوص تفضيلات نسبية لا مطلقة، وإذا كان التصدق على ذي رحم أفضل منه على الأجنبي بلحاظ متانة العلاقة والقرابة فإنه يمكن أن يكون التصدق على الأجنبي أفضل من التصدق على ذي الرحم بلحاظات أخرى. قد يجتمع عدد من اللحاظات كظهور الحاجة، والإيمان وأمور أخرى ككون الصدقة عليه سرًّا تجعل الصدقة على الأجنبي أفضل.

اللهم صلى على محمد وآل محمد واهدنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين بالهدى الذي هديتهم به، وامنن علينا بالتوفيق للخيرات كما مننت عليهم، واجعلنا صادقين مصدقين بوعدك، وبالحق الذي أنزلته على نبيك ورسولك، متصدقين بما وسعت علينا من رزقك وأكرمتنا من فضلك.. اللهم اغفر لنا ولجميع أهل الإيمان والإسلام ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا ومن كان له حق خاص علينا من مؤمن ومؤمنة، يا أكرم من سُئِل وأجود من أعطى.

بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بعد فلا يرى، ولا يناله خيال ولا نهى، وقرب فشهد النجوى، وهو العليم بما تضمر القلوب وما هو أخفى، تنـزه عن مجانسة المخلوقات ومشابهة الممكنات وملامسة المصنوعات، وتعالى عن التحديد وأن يحيط به مكان أو زمان.(2) كل متصور دونه، وكل متخيَّل سواه، وكل عظمة أحاط بها عقل أو وهم أو خيال منحطةٌ عن عظمته .

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا عديل، خالقٌ غير مخلوق، ورب غيرُ مربوب، لا يلهو ولا يسهو ولا يغفل ولا تأخذه سِنةٌ ولا نوم.وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وبارك عليهم كثيرا .

أوصيكم عباد الله ونفسي المخادعة لي بتقوى الله، والاستعداد ليوم فيه الناس فريقان: فريق في الجنة وفريق في السعير.. فريق يقال لهم ” انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ، انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ، لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ، إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ، كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ”، وفريق يقول عنهم الله ربهم الكريم “إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ، وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”، وقد سماهم بفضله وتكرمه المحسنين، أما أولئك المكذبون فقوله عز وجل فيهم “كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ”، وهو تمتع رخيص زائل في الدنيا يعقبه في الآخرة عذاب أليم .

نعوذ بالله من سبات العقل، وغلبة الهوى، ومن الاشتغال بذكر الدنيا ونسيان الآخرة، واستغفر الله لي ولكم ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم صل وسلم وزد وبارك على البشير النذير محمد وآله الطاهرين.. اللهم صل وسلم على أمير المؤمنين، وإمام المتقين علي بن أبي طالب.. اللهم صل وسلم على كريمة نبيك فاطمة الزهراء التقية النقية.. اللهم صل وسلم على الإمامين الهاديين الزكيين الحسن بن علي والشهيد الحسين.. اللهم صل وسلم على أعلام الهدى والحجج على أهل الدنيا الإمام زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الأئمة الهداة.. اللهم صل وسلم على ولي الأمر، والقائد إلى النصر محمد بن الحسن القائم المنتظر.. اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه وانصره نصراً عزيزاً وافتح له فتحاً مبيناً ومكّن له تمكيناً.. اللهم المواليَ له الممهدَ لدولته والفقهاءَ العدولَ والعلماءَ الصلحاءَ والمجاهدين الغيارى والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم وسدِّدهم وأيدهم وادفع عنهم وبارك خطاهم على سبيلك يا كريم.

أما الآن أيها الأخوة فإلى الحديث في الموضوعات التالية..

أولا: جمعياتنا الإسلامية
ثانيا: بدايات لا بد أن تحتوى
ثالثا: الإسكان وتوزيع الوحدات
نتناول من هذه الموضوعات ما أمكن من حيث الوقت..

أولا: جمعياتنا الاسلامية.. حجم كبير وموقع مؤثر ومسئولية ضخمة..

الحجم: لماذا حجم جمعياتنا الاسلامية حجم كبير؟
هذا بلحاظ نوعية المنتمين.المنتمون للجمعيات الاسلامية هم الصفوف الشبابية النابهة، أصحاب الكفاءة والخبرة، المتميزون بالفاعلية، أصحاب المواقع الاجتماعية، ومثلهم غيرهم ممن تجاوز مرحلة الشباب.العينات في عدد من الجمعيات مختارة من ذوي القابليات المتميزة والخبرة والفاعلية الأشد.. إنهم من لُباب مجتمعنا، إن الجمعيات تأخذ من لُباب أبناء المجتمع وصفوة أبناء المجتمع، وتقتطع إمكانات وقابليات كبيرة من هذا المجتمع.. تقتطع ذلك على فرض أن تنأى عن الخط، وهي تضخ في المجتمع بهم دماً جديداً من جنس دمه، ووعياً دفّاقاً من وعيه إذا ثبتت على الخط..

وبلحاظ العدد هو نسبةٌ كبيرة.. حين تجمع كل المنتمين إلى الجمعيات الاسلامية من ثقافية وسياسية واجتماعية وغيرها ستجد أن العدد بالقياس إلى مجموع شبابنا عددٌ ضخم، وخاصةً بالقياس إلى النُخَب..

وبلحاظ الوسط: إذا كانت الجمعيات الأخرى تجد أعضاءها من الوسط الاجتماعي العام، فإن الجمعيات الاسلامية إنما تجد أعضاءها من الوسط الإسلامي الخاص.. فهي تتعامل مع وسطنا، وتسترفد منه، وتستعين به، وتفرِّغ مجالات أخرى من العمل النشط والعمل الرسالي إذا استوعبت هذا العددالكبير من الشباب.. تحتضن هؤلاء الشباب ليتلقوا تربية خاصة في أجوائها، ولتتخلق من خلال أجوائها أرضيةٌ لتكوين شخصيةٍ خاصة لهم. وجهود هؤلاء الشباب، وألوف ومئات الألوف وملايين الساعات من ساعاتهم ستتوظف في إطار هذه الجمعيات واستثماراتها.

ونحن نعرف أن الانتماء إلى أي مؤسسة له إيحاءاته التي تدخل تلافيف الشخصية وطواياها وتكوِّن نوعاً من الولاء والاعتـزاز بالانتماء والانتساب.. ثم إن هذه الجمعيات تتحرك باسم الإسلام وتتحدث باسم الإسلام، وهي مدرسة تشارك في صنع المجتمع ثقافياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً ومن حيثيات كثيرة.. تساهم في صنع الرأي العام والموقف العملي العام.إذاً هذه الجمعيات على حجم كبير حقاً.

الموقع المؤثر:

فرق بين مؤسسة تعمل في المجتمع الإسلامي باسم الإسلام، وأخرى تعمل بأسماء من لون آخر.. الجمعية التي تعمل باسم الإسلام توحي دائماً أن مواقفها.. أن آراءها.. أن مطروحها إسلامي، وهذا ما قد يميز البعض غثّه من سمينه، وما لا يميزه البعض الآخر.. فيتلقى هذا النشاط على إجماله وهذا الطرح على إجماله على أنه إسلامي، وخاصة بالنسبة للشباب في بدايات شبابهم وللناشئة، فإنهم يستقبلون معطى الجمعيات الإسلامية على أنه إسلام حق وإسلام صادق..

وإن الجمعية من النمط غير الإسلامي ليس من الصعب أن يقاومها.. أن يفضحها.. أن يعزلها المجتمع الإسلامي، ولكن الجمعية حين تكون لافتتها التي تستقبل بها الآخرين لافتة إسلامية، وشعارها شعار الإسلام.. فإن هذا يخلق نوعاً من الصعوبة في الفضح عند الانحراف، وفي المقاومة والعزل الاجتماعي .

وعند عزل أي جمعية من الجمعيات غير الإسلامية في المجتمع الإسلامي.. لن ينقسم الصف الاسلامي.وأما عند عزل أي جمعية من الجمعيات التي تتلفع بالإسلام – حتى مع تقدير الانحراف – فإنه من المتوقع أن تحصل بعض الشروخ في الصف الاسلامي.إذاً الجمعيات الإسلامية لها موقع مؤثر خطير !!

المسئولية:
نستطيع أن نستوعب مسئولية الجمعيات الاسلامية الضخمة من خلال النقطتين السابقتين: الحجم الكبير، الموقع المؤثر يستتبع مسئولية ضخمة.. فلابد أن تعمل هذه الجمعيات على أن تبقى على خط الاستقامة، وأن تتعامل مع مسؤولياتها بكفاءة..

تعدد أو توحد:

التعدد مرة يكون مدروساً، ومرة يكون ارتجالياً، ومرة يكون انفعالياً..

إذا كان تعددٌ فهو التعدد المدروس وليس التعدد الارتجالي، والأخس منه التعدد الانفعالي.تعدد الجمعيات من منطلق الانفعال لا شك أنه مضر.. من موقع الارتجال أيضا مضر.. إذا كان هناك تعدد فهذا التعدد لابد أن يكون مدروساً ومقدراً تقديراً دقيقاً.
التعدد مرة يكون تنوعياً ومرة يكون تكرارياً ..لا نقف مع التعدد التكراري، ويمكن أن نقبل بل ندعو إلى التعدد التنوعي .
التعدد مرة يكون مع التنسيق ومرة يكون مع التضاد والمواجهة.. لا بد أن نكون مع التعدد حين تقتضيه الظروف وتعدد الوظيفة.. ولكن مع التنسيق، أما التعدد مع المواجهة فلا بد أن تدرس أي حالة من حالات المواجهة لتُسقَط الجمعية المضرة، ويقف المجتمع مع الجمعية الأخرى التي تقف موقفا أقرب إلى الإسلام.

مرة يكون التعدد مع توفر القابليات ومرة مع ندرتها.. إذا جاز الأول فلا يجوز الثاني.وكذلك لا بد أن تلاحظ الإمكانات الأخرى من إمكانات مالية وإمكانات من نوع آخر..، فإن كانت الإمكانات تسمح بالتعدد عند وجود المقتضي أساساً قبلناه وإلا فلا تعدد.
وتبقى تكملة موضوع الجمعيات إلى الأسبوع القادم إن شاء الله.

اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولأخواننا الممؤمنين والمؤمنات أجمعين ولوالدينا ومن كان له حق خاص علينا من مؤمن ومؤمنة.اللهم اجعلنا وكل مؤمن ومؤمنة سعاة بالخير لا بالشر، ودعاة للهدى لا الضلال، وحماة للحق لا الباطل، وألسنة ناطقة بالحكمة لا الجهالة، وأيدي ناصرة للفضيلة لا الرذيلة.. واهدنا بهداك وتولنا برعايتك وكفايتك وكلاءتك.. يا احفظ من استحفظ وآمن من آوى.. يا قوي يا عزيز..

“إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – فهو ينبهه على خطئه وتسويفه، وأن نفسه لم تَجُد بهذا المال الفاني إلاَّ عند الفِراق.
2 – تتصور الأخيلة.. تتصور الأذهان رباً عظيماً وتعطيه العظمة التي تستطيع أن تصل إليها إلا أنه ليس الرب الحق وليس هو الله.كل ما وقع في ذهن العباد من عظيم فهو دون الله.

زر الذهاب إلى الأعلى