خطبة الجمعة (134) 25 شوال 1424هـ – 19 ديسمبر 2003م
مواضيع الخطبة:
موضوع الصدقة (1) – في ذكرى الإمام الصادق (ع) – سقوط الطاغية صدام – شيراك والقانون الذي يمنع الحجاب.
عار على المسلم أن يحزن لاعتقال صدام في نفسه، وبشاعة الصورة لهذا الاعتقال، والمصير المشؤوم الذي ينتظره, وهو الذي واجهت سياساته الباغية الطاغية الجاهلية لعشرات السنين أمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله بالهزو والسخرية والعِداء
الخطبة الأولى
الحمد لله غاية آمال العارفين، ومنتهى طِلاب الطالبين، وأقرب المسئولين، وأكرم المأمولين، وأنزه المقصودين، رب العالمين، ديان يوم الدين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا عديل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
علينا عباد الله بتقوى الله حق تقاته فما أخذ بالتقوى إلا سعيد، وما تخلى عنها إلا شقي، والحياة لا تسعد إلا بالأتقياء، ولا يشقيها إلا من طغى. ويسعد أكثر ما يسعد التقي بلقاء ربه، أما من نسي الله، فيوم لقائه بربه الكريم، يوم شقائه الكبير بما ابتعد عن الله، وأفسد ذاته بمتابعة الشيطان.
أيها الناس تواصلوا، وتراحموا، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، ولا يوقعن بينكم الشيطان الرجيم.
اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واجعلنا من أتقى الأتقياء، وأصلح الصلحاء، ومن المفلحين في علمك، والفائزين عندك يا غاية أمل الآملين، ويا أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.
والآن أيها الإخوة والأخوات في الإيمان مع هذا التعليم من تعاليم الإسلام، والتوجيه الاجتماعي والإنساني والخلقي والاقتصادي من توجيهاته، والمعالجة المباركة من معالجاته الوفيرة الغزيرة الناجحة لما يعترض مسيرة الإنسان، وحياة الاجتماع من مشكلات.
الآن مع تعليم الصدقة الذي أكد عليه الإسلام، باعتباره واحدا من شبكة واسعة من الأحكام والتعاليم، وخيطا من نسيج محكم، ولبنة في بناء رصين مرصوص مرصوف يواجه مشكلات الإنسانية بأكمل الحلول وأدقها وأرضاها علاجا شافيا من رب عليم حكيم رحيم.
موضوع الصدقة:
وقبل الدخول في الموضوع لا بد من عودة لاستذكار ما عليه الرؤية الإسلامية للمال في علاقته بمجتمع الإنسان، وهي الرؤية المستفادة من مثل قوله تبارك وتعالى: “وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ….” 5/ النساء، “هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً…” 29/ البقرة. هذه الرؤية التي لا تخص المال بشخص ولا جهة، ولا تحتكره في يد، وتجعل له وظيفة تحتم أن يكون لكل إنسان فيه حظٌّ، وهي وظيفة القوام والقيام، وأن يكون للمجتمع قبل أن يكون للفرد، كما يذهب إلى ذلك صاحب تفسير الميزان. على أن من أولويات المجتمع في الإنفاق بعد الحفاظ على أصل المجتمع وقوامه أن يسد عوز الأفراد الذين لا يستطيعون النهوض بمؤونتهم.
وهذا الاستذكار من أجل أن نعرف أن وظيفة الإنفاق على الشأن الاجتماعي، وفي معالجة المشكلات المعيشية الفردية لم تنشأ في الإسلام من فراغ، وأن الدعوة إليها تمتلك تأصيلا كافيا. وانسجام المسلم مع إسلامه يعني انسجامه مع هذه الوظيفة وتفاعله معها.
ولندخل في موضوع الصدقة التي منها واجب ومستحب، وهي تعني كما يقول الراغب الأصفهاني ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، واختص ما كان من الصدقة واجبا بالتشريع المباشر باسم الزكاة، دون ما كان مستحباً، وما كان وجوبه بمثل النذر والعهد واليمين.
والحديث في الصدقة المستحبة، ويوضع في نقاط:-
لم الصدقة؟ :-
باختصار هناك نظام اقتصادي متكامل عادل في الإسلام، وهو في واجباته وفي ما ألزمت به الشريعة كاف لحل المشكلة الاقتصادية. فأذن لم الصدقة المستحبة؟
أ. على مستوى الدور المعيشي:-
1_ هناك حالات طارئة تطرأ على الفرد مفاجأة، كما تطرأ على المجتمع، والنظام الاقتصادي في أصله ينظر إلى الحالة المعتادة، وتكون له ضماناته للحالات الطارئة، لكن الأحداث العملاقة التي قد تفترس المجتمع، قد تنزل به أكبر الخسائر وتربك كل الحسابات البشرية، وتبعثر كل الثروة المعدة، وتخلو منها أيد كثيرة مما يقّوِم حياتها، وقد يصل الأمر في هذه الحالة إلى وجوب التصدق، وقد لا يكون ذلك، ولكن يبقى المستوى المعيشي دون المطلوب بكثير فيأتي دور الصدقة المستحبة ضرورة من ضرورات التشريع التي ترفع من لم يصل نظره إلى أن الحالة توجب الصدقة، إلى الإسهام في حل المشكل، ومخففاً من هبوط الحالة المعيشية المتردية عند أهل الكفاف.
2_ وهناك المتعففون، الذين لا تبدو عليهم إلا سيماء الغنى، وهم في واقعهم على فقر، وهذه حالة تحتاج إلى مواجهة وراءها ضمير مسلم حي، وتعليم دائم بالصدقة يغري الإنسان المسلم بالعطاء الجزيل من عند الله، و حد الكفاية هو الذي يتكفل به النظام الاقتصادي في أعمدته الضرورية وخطوطه الأصيلة، وحدُّ الكفاف هو ما يجب الحفاظ عليه عند المسلم بالتكافل الاجتماعي وما بين حد الكفاية وحد الكفاف فرق تؤدى الصدقة المستحبة دوراً كبيراً في تغطيته في حالة الاختلال الاقتصادي وتخلفه عن التشريع الإسلامي وفي حالة رلأزمات.
3_ ماذا عن الصناديق الخيرية والتصدق المباشر؟ الصناديق الخيرية مشروع خير يؤدي دوره الاجتماعي الملحوظ، لكن لا يقوم مقام الصدقة المستحبة المباشرة. الصناديق الخيرية صدقة علنية، وهناك صدقة السر، والصناديق الخيرية حتى تصل منها الصدقة لمحتاج تحتاج لدراسة ومتابعة.
الصناديق الخيرية وفيها حفاظ على كرامة المؤمنين، إلا أن الصدقة المستحبة الخفية فيها من مراعاة شعور المؤمن وحفظ كرامته ما لا تحققه صدقات الصناديق الخيرية. هناك عدد من الأمور التي يجعل لهذه الصدقة دورها ولتلك الصدقة دورها، والحالات الخفية والمفاجئة التي قد تحصل في ساعة لا تواجهها إلا الصدقة المستحبة المباشرة التي تقوم على علم الجار بحال جاره، وعلم الرحم بحال رحمه، حين تكون الحالة حالة إسلامية تقوم على التواصل والتفقد.
ب. على مستوى التربية:
نقول لم الصدقة تربويّاً؟
” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم ” التوبة/ 103.
والآية فيما يذكروه المفسرون في مورد الزكاة الواجبة، ولكن ما يترتب على الزكاة الواجبة من تطهير نفس المعطي، وتزكيتها مترتب حتما على الصدقة المستحبة وربما بدرجة أكبر حيث إنَّ الدافع هنا فيه طواعية أكبر. “تُطَهِّرُهُمْ” النفوس تمرض، القلوب تخبث، الأرواح تتكدر، وكل ذلك بفعل الارتباط بالمادة، والركون إليها، والاستئناس والاعتماد والتوكل عليها، وتتطهر هذه النفوس بأن تعطي من هذه المادة ، عن إلزام أو طواعية، وأن تقدم مريدة مختارة على التضحية بهذا الصنم، وعلى إقناع الذات بـأنها ليست في قيمتها من قيمة هذا الذي باليد، والنفس قبل أن تتطهر لا تتزكى، فإن الزكاة نموٌّ، ونمو الذات دائما يحتاج إلى ذات من أرضية طاهرة، حين تنقى الأرض من الشوائب تعطي النماء وتخضل وتخضر، أما وهي فيها عوائقها وشوائبها فهي جدباء. نعم الروح تبقى جدباء لا تنمو ولا تخضر ولا تترعرع قيمُها العالية إلا بعد أن تتطهر.
شأن أرفع شأن:-
” أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ” 104/ التوبة.
يقول السيد صاحب الميزان عما توحي به كلمة الصدقات، أن الآية تغري المسلم، بأن يتصدق لهذا الشعور؛ شعور أن صدقته كأنه يصافح بها يد الله تبارك وتعالى وتنزه عن اليد والعين والرجل وكل ما جسم، وكل ما يحد. نعم هذا الشعور ينبغي أن يدفع الإنسان المسلم إلى مقدمة المتصدقين والمديمي الصدقة.
عن الصادق عليه السلام “إن الله تبارك وتعالى يقول: ما من شيء إلا وقد وكلت من يقبضه غيري إلا الصدقة، فإني أتلقفها بيدي تلقفا …”. تكريما للمتصدق، وتكريما للصدقة، تكريما للشعور الواثق في الله، الزاهد في الدنيا، الشعور المعتمد المتوكل على الحق سبحانه لا على الممكنات. الله عز وجل يتسلم صدقة العبد مباشرة، وفي ذلك لطف آخر غير ما تقدم، وهو أنك أيها العبد المتصدق هذا المال حيث يصل إلى يد أخيك ليس مالك وإنما هو مال قبضته يد الله، والله لا منة عليه من عبد، وأنك أيها الآخذ لا يكن اتكالك على العبد المعطي، وإذا شعرت بمنه فاشعر بالمنة لله وحده(1)، فإن صدقتك تصل من يد ربك إليك، ما أعظم تعاليم الإسلام، وما أغنى نصوصه بالإيحاءات التربوية العالية.
عن الرسول صلى الله عليه وآله: “خلتان لا أحب أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي فانه من صلاتي- يمكن أن يقبل رسول الله صلى الله عليه وآله من خادم من أن تصب على يده الماء بعد الغذاء، لكن لا يقبل أن تصب عليه الماء لوضوئه- وصدقتي فإنها من يدي إلى يد السائل، فإنها تقع في يد الرحمن” هي في الظاهر من يدي إلى يد السائل، وهي في المعنى من يدي إلى يد الله ثم إلى يد السائل، وهنا معنى لطيف آخر، وهو أن المعطي لا يتعامل مع السائل، وإنما يتعامل أساسا مع الله عز وجل.
عطاءات جزيلة:- تنوع ووفرة:-
1. وقاية وعلاج:
” إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصَّدقة الداء و الدُّبَيْلَة، – وهي الفجيعة- والحَرَق، والفَرَق، والهدم، والجنون- فعدّ صلَّى الله عليه وآله سبعين باباً من الشر”. و الدُّبيلَة: الداهية.
عن الرسول صلى الله عليه وآله: “الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء، وقد أبرم إبراما، ولا يذهب بالأدواء إلا الدعاء والصدقة”
تسألني لا أتعالج عند الطبيب، أقول لك تصدق وتعالج، وقد يكون توفيق الطبيب لعلاجك وتشخيصه الدقيق واختياره الدواء المناسب، بسبب هذه الصدقة. وليس على الله بكثير أن يشفيك بالصدقة مباشرة. ولكن الإسلام يريد لنا أن نكون في العادة طبيعيين جدا، متمشين مع القوانين الطبيعية، فعلينا مراجعة الطبيب، “الصدقة تدفع البلاء وهي أنجع دواء، وتدفع القضاء، وقد أبرم إبراما”، وقع الأمر – إذا صح التعبير- وقضي، وبقي شرط عدم الصدقة، فإن لم يتصدق وقعت البلية. إن وقوعها بتمام المقتضي وانتفاء المانع – كما يقولون – وإذا وجدت الصدقة، فالمقتضي للبلية قد يكون موجوداً، ولكن المانع أكبر، فلا تقع تلك البلية- “ولا يذهب بالأدواء إلا الدعاء والصدقة” كيف لا يذهب بالأدواء إلا الدعاء والصدقة(2)؟! قد يكون المعنى الدواء ألعبادي قد لا يذهب بالأدواء البدنية من بين العبادات إلا الدعاء والصدقة؛ فالعبادات الأخرى لها وظائفها الأخرى الكبيرة، ولكن وظيفة الشفاء بالعباده في أمراض البدن بتوسط من طبيب أو بلا توسط من طبيب – كما يحصل في حالات كثيرة – إنما يكون للدعاء والصدقة(3).
2. ” تصدقوا وداووا مرضاكم بالصدقة، فان الصدقة تدفع عن الأعراض والأمراض، وهي زيادة في أعماركم وحسناتكم” عن الرسول (ص).
2. مواجهة الفقر:
” استنزلوا الرزق بالصدقة” عن علي (عليه السلام)، “إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة” عن علي (عليه السلام)، قبل أن تسأل، تاجر الله بالصدقة وإن كنت فقيرا.
” إني لأملق أحيانا –تخلو يده، أو يقل ما فيه يده صلوات الله وسلامه عليه- إني لأملق أحيانا فأتاجر الله بالصدقة” عن الصادق (عليه السلام)
3. لا ميتة سوء مع التصدق:-
” إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء” عن الرسول (ص)
” الصدقة تدفع ميتة السوء” عن الرسول (ص).
4. عودة إلى الله:-
الصدقة تعود بك إلى الله، فقد تبتعد عن الله مسافات، ثم تعود بك الصدقة إلى ربك الكريم، وأنت المحتاج إليه.
” إن الصدقة لتطفئ غضب الرب” عن الرسول (ص).
5. وغداً: ماذا؟
” أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فان صدقته تظله” عن الصادق (ع)، عليك من صدقتك يوم القيامة والساحة نار ظلال.
” الصدقة جنة من النار”
” إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته” عن الرسول (ص)، ليس حر بدن، والله عز وجل قادر أن يذيق المرء حر البدن حتى في القبر.
اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن كان له حق خاص علينا من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ولجميع أهل الإيمان والإسلام يا كريم يا رحيم.
اللهم اجعلنا وإياهم ممن التزم فرضك، واستن بسنتك، ولم يستبدل عن دينك الذي أنزلته على رسولك طريقة أبدا، اللهم اكنفنا برحمتك في الدنيا والآخرة، وأظلنا بظلك، ونجنا بمغفرتك من لظى النيران يا رؤوف يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ْ (9)}
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي العز والجلال، العدل القهار، الحكيم الجبار، الذي لا تخفى عليه الأسرار، ولا تجري عليه الأقدار، ولا يغيره ليل أو نهار. لا يحتجب عن علمه محتجب، ولا يمتنع عن قدره ممتنع، ولا يرد قضائه راد، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، وهو على كل شيء قدير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم جميعا تحية وسلاما.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخاطئة بتقوى الله الذي له ملك السماوات والأرض، ولا سلطان لأحد مع سلطانه، ولا أمان لأحد إلا بأمانه، ولا يغني شيء عن عفوه وغفرانه، ولا مطمع في شيء كرضوانه.
ألا فلننظر إلى الأمور والحوادث بعين البصيرة، ونرد الأشياء إلى أصلها الأصيل، ووقائع الكون والحياة وسبَبِها البعيد، وعلتها الأولى، ومقدِّرها القدير المطلق العليم الخبير الحكيم. وإن الحوادث ناطقة بأنه لا إلا إله إلا الله، وأن من عداه وما عداه مدَّبر لا مدَّبر، ومحكوم لا حاكم، ومقهور لا قاهر، ومرفود لا رافد، وإن عزه عارية، وقوته سراب، وعظمته موهومة، وفاعليته محكومة، لا يملك في نفسه من أمره كثيرا ولا قليلا فضلا عن أمر من سواه.ألا فاعتبروا يا أولي الأبصار بانحطاط قوى القوي من دون الله، وذهاب العز، وانهدام الملك، وجريان المقادير القاهرة على الكبار مجراها على الصغار، وعلى الحاكمين على حد المحكومين، وعلى الطغاة الجبابرة على حد أضعف المخلوقين، وأتفه ما رأته عين.
اللهم إنا نعوذ بك من سوء السريرة، وقبح العمل، ومصارع الضلال، وخسارة الحياة، وشر المصير. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وأنقذنا من شر الفُرقة، ومن مضلات الفتن.
اللهم صل على البشير النذير، والسراج المنير خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين وآله الطاهرين. وصل وسلم على أمير المؤمنين، وإمام المتقين علي بن أبي طالب. وصل وسلم على فاطمة الزهراء بنت رسولك الطاهرة النوراء. وصل وسلم على سبطي المصطفى الإمامين الزكيين الحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء.
وصل وسلم على الأئمة الهداة والقادة الأباة السجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري أهل السداد والرشاد. وصل وسلم على الخلف القائم والإمام المنتظر محمد بن الحسن الموعود بالغلبة والنصر.
اللهم أنقذ به عبادك، وطهر به بلادك، وأعز به أوليائك، وأذل به أعدائك. اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه، وأملأ به الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ممن خالفك ظلما وجورا.
الموالي له، المناصر لقضيته، الممهد لدولته، والفقهاء الصلحاء، والعلماء العالمين في خدمة دينك، والمجاهدين الغيارى في سبيلك، والمؤمنين والمؤمنات وفقهم لمراضيك وبارك خطاهم، وسدد فعلهم وقولهم وأدفع عنهم، وانتصر لهم يا علي يا عظيم يا قوي يا عزيز.
أما بعد أيها الأخوة والأخوات المؤمنون الأعزاء فمع حديث في ثلاثة أمور تُتناول ولو باختصار، وقبل ذلك تستوقفنا مناسبة وفاة الأمام الصادق(ع).
الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
إمام رعى الأمة الإسلامية، ودينها ومسيرتها، ولقد تحققت على يده نجاحات باهرة، وإن كانت امكاناته الخارجية غير ناهضة. أما هو في ذاته بما رزقه الله من علم وعزم وعصمة وتوفيق وتسديد واستعدادات القيادة العالمية المتفوقة فلقد كان بعد الله هو السِّر لكل تلك النجاحات. ولقد حفِظ مذهب الإمام جعفر عليه السلام ما لو قد فات على المسلمين لارتبك فكرهم كثيرا.
أولا: سقوط طاغية
تحقق سقوط الطاغية صدام واعتقاله، وما من طاغية في الأرض سيدوم. والملك والعزة لله وحده، والفرق بين مؤمن عادل، وطاغية ظالم أن المؤمن العادل يرفعه عدله عند الله والناس، والطاغية تلاحقه اللعنة في الحياة، وبعد موت. وها هي صورة بشعة من الذل والعار، وقبلها صورة قاتمة من الظلم والاستبداد تطبع تاريخ الطاغية صدام، وتذل الأمة لو كان رمزا لها، وحاشا أمة الإسلام ذلك. والمناسبة مؤثرة فحق للمسلم أن يدمى قلبه وهو يشهد عجز الأمة وتهاونها في إسقاط طاغية كطاغية العراق تخلفا منها عن إسلامها، وتهاونا بقواعده وأسسه، حتى يؤول الأمر إلى دخول القوى الغازية المحتلة بلد الإيمان والمقدسات، ولا يكون سقوط واعتقال بطل الجاهليات إلا على يدها، وما يناسب موقع الأمة، ودورها الرسالي في الأرض هو أن يكون ذلك على يدها.
وعار على المسلم أن يحزن لاعتقال صدام في نفسه، وبشاعة الصورة لهذا الاعتقال، والمصير المشؤوم الذي ينتظره, وهو الذي واجهت سياساته الباغية الطاغية الجاهلية لعشرات السنين أمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله بالهزو والسخرية والعِداء، ومصالح الأمة الإسلامية والعربية بالاستخفاف وعمليَّة الإتلاف المتعمد، والحرق المقصود، وقد ارتكب من أقذر البشاعات ركامات أزكمت أنف الدنيا في سباق محموم مع أعتا الطغاة وأحقر المجرمين في التاريخ.
وكما أن المناسبة مؤثرة فهي معلمة جاهرة بأن عليّ – أنا الإنسان من أكون وفي أي موقع أكون- أن لا أكون طاغية، ولا أعبد طاغية، ولا أذوب في طاغية، ولا أكون من أهل الفساد في الأرض، وأن أخشى الله، وأنصرف بوجهي إليه.
الأمر الثاني: شيراك والقانون الذي يمنع الحجاب
نحن لا نتحدث هنا لنؤثر على شيراك، ولنغير من قراره الذي يدعو إلى سن قانون يمنع المسلمات في فرنسا من الحجاب، ولكن نتحدث لنعري حضارة، ولنعرف أنفسنا وما يجب أن يكون عليه موقفنا. أين حرية المرأة حين تختار الحجاب بمحض إرادتها فتقهر إرادتها يا غرب، ويا علمانيون… في كل مكان؟! أين الموقف المحايد للعلمانية من الدين ولو في المظهر الشخصي والمسائل الذاتية كما يَّدعى؟! الحجاب مسألة شخصية، تختار المرأة أن تتحجب أو لا تتحجب، مستجيبة لشرع الله أو خارجة عليه، والجسم جسمها، واللباس لباسها، والخيار خيارها، وهي تتصرف في ذاتها، ولماذا يكون للآخرين أي لباس يختارونه ولا يكون للمرأة أن تختار لباسها من باب الحرية الشخصية التي ينادون بها؟! ألم يمتلأ الغرب بتقليعات اللباس، وفي كل يوم تقليعة؟ ولماذا لا يكون في خيار المرأة أن تلبس هذا اللباس؟! أهو حياد أو مطاردة؟! العلمانية تقف موقف الحياد من تصرفات المسلم في نفسه وفي عباداته وشعائره، بعد أن تمتلك عليه الساحة الاجتماعية السياسية والاقتصادية التي لا تسمح له بأن يدنو منها؟! المساحة الباقية العلمانية تقف منها موقف الحياد، أو كما يقول قرار شيراك موقف المطاردة للإسلام خاصة ولكل دين؟
الغرب يناقش العصبية الدينية، وفي نفس الوقت يمارس العصبية الجاهلية ضد الدين. وهذه علمانية في مواجهة كل الأديان أو المقصود مواجهة الإسلام، تفاصيل قرار شيراك تؤكد على الثاني أكثر. أين تنوع الثقافات الذي يدعونا إليه الغرب وأتباع الغرب العلمانيون، يريد البعض أن يملأ البحرين ثقافات متعددة من كل لون، ما كان منها وثنيا وما جاراه، وشابهه. لماذا الذين يريدون أن نفتح كل أبوابنا لكل تقليعة، ولكل تقليد، ولكل سوء يأتي من غرب أو من شرق لا يحتَّجون على شيراك ويدينونه؟! ماذا يقول الغرب في تنوع الثقافات؟ يدعو لتنوع الثقافات في بلادنا ، لكن أين تنوع الثقافات عنده؟ أليس هذا من ثقافة الإنسان المسلم وهي ممنوعة عليه؟! أين الانفتاح على الآخر يا غرب يا فرنسا يا شيراك يا علمانيون؟ أين القبول بالآخر؟ أنا تريدني أن أقبل بالإنجليزية هنا تلبس لباساً فاضحا، وتركض في طول البحرين وعرضها، وتثير الفتنة في كل أجوائها، وترجسها بهذا اللباس، وأنت تمنع على أختي المسلمة في فرنسا أن تلبس الحجاب؟! أين كل الشعارات يا غرب، يا عشاق الغرب، يا علمانيون؟! إذا كان النظام العلماني من حقِّه أن يحمي نفسه من الدِّين، فلماذا يا علمانيون، ويا دول إسلامية لا يكون من حق الدِّين، وأي دولة دينَّية، وأيّ جمهور ديني أن يحمي نفسه من العلمانيَّة؟!.
يناقش العالم الغربي وأتباعه أحكام الذمة في الإسلام، حيث لا مجاهرة فيه بشرب الذمي الخمر وبيعه، وأكل الخنزير وتداوله مثلا، وهو اليوم يشترط المواطنية أي مسلم أن يذوب في علمانيته، وينسلخ من أحكام دينه الإلزامية، وقيمه الثابتة. ودول إسلامية قبل شيراك، تمنع من ارتداء الحجاب، وأخرى تخلق أمامه المضايقات في الجامعات وفي أماكن التوظيف، وفي كل ما تستطيع من مساحة، وتشجع ضده وتسيء إلى من تلتزم به من الفتيات المؤمنات.
( إن خطر ارتداء الحجاب في مدراس فرنسا شأن داخلي لا يحق التدخل فيه، ومن حق كل دولة أن تصدر من القوانين ما يناسبها). كلمة عالم دين يتبوأ منصبا كبيرا في عالمنا الإسلامي.
هذه اللغة أهي من اللغة الوضعية؟ أم من اللغة الشرعية؟ الثاني غير مفهوم مطلقا، وعلى تقدير الأول – ولا أظنه هو المراد، لأن الموقع موقع ديني- فإن أمريكا تتدخل في مناهجنا وتتدخل في قوانيننا، وتتدخل في كل تفاصيل حياتنا يا عالِم.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد واغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام ولوالدينا وأرحامنا وقرابتنا ومن كان له حق خاص علينا من المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم اجعل احتماءنا والمؤمنين بك، وهب لنا حمايتك، وقصدنا إليك، وأقبل علينا بوجهك الكريم، وسعينا في سبيلك، و ارزقنا توفيقك، وتقبل منا يا أرحم الراحمين.
” إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1– وهذا لا ينفي أن يشكر الآخذ المعطي الذي جعله الله سبباً في وصول رزق ربّه إليه، وفي ذلك تكريم وتشجيع على العمل الصالح.
2- أليس يشفى بالدواء المؤمن والكافر، ومن يدعو، ويتصدق، ومن لا يدعو، ولا يتصدق؟!
3- وكما يمكن أن يشفى المرض بالدواء المعنوي من دعاء وصدقة، يمكن أن يشفي بدواء مادي بلا دعاء ولا صدقة، وقد يشفي كل منهما مستقلا، وقد لا يشفي إلا بانضمام الآخر، والفاعلية الأصل والحق لله وحده. وتعاليم الإسلام وسيرة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله ولأمة الهداة من أهل بيته عل الإكثار من الدعاء والصدقة واستعمال الدواء المادي كما هو معروف.