خطبة الجمعة (133) 18 شوال 1424هـ – 12 ديسمبر 2003م.
مواضيع الخطبة:
هدفية لا عبثية – جد لا لعب – الأيام الوطنية – الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية
ينبغي أن تكون الاحتفالات في أيام الأوطان احتفالات، احتفال تكريم لمن بنى وأشاد وصحح من كل الفئات والمستويات ومن شهداء الحق والعدل والإيمان والمساواة، ولمن أنار طريق العلم والمعرفة وزرع وعمّر.
الخطبة الأولى
الحمد لله الحق الوكيل، القوي المتين الولي الحميد، حق مطلق لا حق مثله، وكيل بلا توكيل، قوي لا قوي يضارعه، ولا قوة لأحد إلا به، متين شديد لا يُنال منه، ولا تُطال قدرته، ولي لا قيام لشيء إلا بولايته، ولا استمرار لموجود إلا بتدبيره، حميد له الحمد أكمله وأجمله وأسناه، محمود في ذاته وأسمائه، وكل ما كان ويكون من فعله، ويفيض به على خلقه، ويدبرهم بتدبيره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله آمن به صادقاً، وتلقى وحيه موقنا راضيا، وصبر على طريق دعوته مجاهداً. صلى الله عليه وآله أهل التقى والهدى.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله؛ وهي تعني الإشفاق من خسارة رضاه، ورضاه وهو الجميل الكامل في طلب ما به جمال العبد وكماله، ورقيه وعلاه، واجتناب ما فيه قبحه ونقصه، وهبوطه وضعته. والكمال لا يطلب إلا على طريق الله، إذ لا كمال بالذات لغيره، والقبح لا يكون إلا في الطريق المخالف لطريقه. ومن سلك غير شريعة الله سلك غير صراطه، و لم تكن وجهته إليه، ولا تلقيه عنه، فهو سالك غير طريق الكمال، وآخذ بغير هدى، وراجع إلى ضلال.
اللهم صل وسلم على محمد آل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، واجعل أيامنا في هذه الحياة عروجا على طريق الكمال إليك، والدنو من رحمتك، والتشرف بكرامتك، ولا تعدل بنا عن صراطك لحظة عين يا رحيم يا كريم.
والآن أيها الأعزاء من الإخوان والأخوات من أهل الإيمان مع هذا الحديث:
هدفية لا عبثية – جد لا لعب:-
أ- خط الكون والانسان – خط الهادفية:-
هكذا تقول كلمات الله وبياناته، بسم الله الرحمن الرحيم
“وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ” 16/ الأنبياء.
“إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ” 13 – 14/ الطارق.
الكون لم يقم على لعب ولا للعب، وأمر التدبير من الفصل وليس من الهزل(1).
“وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ” 27/ ص.
“أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى” 8/ الروم.
يكفي أن يتفكروا في أنفسهم، أن يعملوا عقولهم، أن يطلقوا أفكارهم، ليعلموا أن السماوات والأرض وما بينهما ما خلقت إلا بالحق، وبالوجود المطلق، وللهدف الصحيح، والغاية الكريمة، وما أكثر النصوص التي تؤكد على أن كوننا إلى أجل مسمى.
“الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.
فئة الكافرين ترى أن السماء والأرض وما بينهما باطل، أو تحاول أن تغطي الحقيقة التي تعلمها من كون السماء والأرض وما بينهما حقا، أما الذين يذكرون الله قياما وقعودا ولهم عقول يفكرون بها، وقلوب يفقهون بها، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض فرويتُهم: ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.
عن علي (ع):”ما خلق الله سبحانه شيئا عبثا فيلهو، ما ترك الله سبحانه أمرا سدى فيلغو”.
الشيء اللغو: الشيء الفضول بلا قيمة، الشيء الزائد عن الحاجة، المعدوم الفائدة، الشيء الفاقد للهدف مما لا حكمة فيه ولا منفعة، وهذا منفي من الخلق. وما خلق الله سبحانه شيئا عبثا ولعباً واعتباطاً فيكون موصوفاً باللهو. وماكان مخلوقا لغاية ولهدف عليه أن يسلك درب الغاية والهدف، واللهو في هذا المخلوق هو عدول عن درب الغاية والهدف. وكما أنه ما من شيء فاقد للحكمة في الكون ليكون لهواً “ماخلق الله سبحانه شيئاً عبثا فيلهو” فكذلك لم يترك الله أمراً بلا حساب ولا تقدير فيكون هذا الترك لغواً ” ماترك الله سبحانه أمراً سدىً فيلغو” أن الله لا يفعل لهواً، ولا يترك لغوا. ما يتركه الله يتركه لحكمة، وما يفعله الله يفعله لحكمة.
هذا عن الكون.
وعن الإنسان:
“وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”.الذاريات 56
عن أمير المؤمنين (ع)”أيها الناس اتقوا الله؛ فما خُلق امرؤ عبثا فيلهو، ولا تُرك سدى فيلغو”.
فنحن أمام هذه الحقيقة الكبرى المؤكّدة قرآنيا وحديثياً وهي أن الكون خطه خط الهادفية والغائية، وأن الإنسان وهو المخلوق الشريف الكريم عند الله خُلق لغاية وهدف، وأن له في الحياة دوراً لابديّاً، وما أعظمه من دور حين يكون هو دور الخلافة في الأرض عن الله، وتحت رعاية الله، وبإذن الله، وبمدد الله.
أنت مَ؟ أنت الإنسانُ الهادف أو الإنسان العابث؟ في قرآنك وسنة رسولك وأوليائك صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أنت الإنسان الهادف.
ذاك أمر التكوين. وماذا في التشريع؟
ب- التشريع في خط التكوين: دائما التشريع الإسلامي في خط التكوين الخارجي، وفي خط التكوين النفسي، في خط التكوين الآفاقي، وفي خط التكوين النفسي والفطري للإنسان.
1) تنديد:
أقرأ نصوصاً:
“اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَة وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ…” 20/ الحديد.
هذا حينما تنفصل الدنيا عن الآخرة، فكل جدها يكون هزلا ولعبا، القصور، العمارة، الصناعة كل شيء من هذا الجد الذي نمسك به ونتمسك به يكون هزلا ولعبا إذا انفصلت الدنيا عن الآخرة.
“وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ… ” 6/ لقمان.
تجدون لهو الحديث مادة إفساد وإضلال.
“وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً(2) قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ”(3) 11/ الجمعة.
“اهجر اللهو فإنك لم تخلق عبثا ولن تترك سدى فتلغو” عن علي عليه السلام.
يعني اللهو يناسب من كان مخلوقا عبثا، فأنت لست موضوعا للهو لأنك لم تخلق عبثا(4).
“المؤمن يعاف اللهو، ويألف الجد” عن علي (ع).
يوجد تناف ونسبة تعاكسية بين الإيمان واشتداده وبين الأخذ باللهو.
2) مولد اللهو:
“اللهو ثمرة الجهل” عن علي (ع).
ماذا يولد اللهو؟ “اللهو ثمرة الجهل” وليس الجهل هو الأمية، الجهل جهل حكمة الحياة وحكمة الموت وحكمة الخلق والإنسان.
“أفضل العقل مجانبة اللهو” عن علي (ع).
فموجود نسبة اطرادية وتعاكسية؛ اطرادية بين اللهو وبين الجهل، وتعاكسية بين العقل وبين اللهو.
“المؤمن لا يلهو حتى يغفُل” فهناك تناسب بين اللهو وبين الغفلة عند المؤمن، المؤمن قد يلهو ولكنه لا يلهو في صحوة إيمانه وفي حضور إيمانه، إنما يلهو عندما يغفل. “فإذا تفكر حزن”(5) وجد نفسه على غير خطه. وأن ممارسة ما شاذة قد حصلت في حياته..
3) ماذا يعقب اللهو؟
عن علي (ع):”اللهو قوت الحماقة” يُغذّي الحماقة، “شر ما ضُيّع فيه العمر اللعب”، “لا تغرنك العاجلة بزور الملاهي، فإن اللهو ينقطع ويلزمك ما اكتسبته من المآثم”، “اللهو يسخط الرحمن، ويرضي الشيطان، وينسي القرآن”، “مجالسة أهل اللهو ينسي القرآن، ويحضر الشيطان”، “اللهو يفسد عزائم الجد”، “لا تفني عمرك في الملاهي فتخرج من الدنيا بلا أمل”، “مجالس اللهو تفسد الإيمان”، وعن أبي عبدالله عليه السلام:”… وإن المؤمن عن جميع ذلك لفي شغل، ماله وللملاهي فإن الملاهي تورث قساوة القلب وتورث النفاق”.
4) لا تدعُ أخاك إلى اللهو: تقول الكلمة عن أمير المؤمنين (ع)”غشك من أرضاك بالباطل، وأغرك بالملاهي والهزل” (6).
ج- نحن والغائية الكونية والإنسانية، إما أن نمضي حياتنا أو جزءاً منها لهوا وعبثا في ظل الغناء واللهو والطرب، وفي ظل الترخصات الخلقية الخارجة على الأدب الإسلامي فلا نكون بذلك على خط خلقتنا وغايتنا، وإما أن نستقيم على الدرب الإسلامي ونتأدب بأدب الإسلام، ونأخذ بما أحل، ونجتنب ما حرّم فنكون الإنسان الذي أراده الله، واقتضته حكمته.
أسأل بعد ذلك:
د- هل الحياة في الإسلام مأتم؟
1- ليست الحياة في الإسلام حياةً من حالةِ شد الأعصاب والتوتر والتشنج والاختناق المدمر.
2- وليست حياة انفلات ولهو ولعب.
3- وليست حياة قلقة بين حزن قاتل، وفرح مجنون، بل حياة توازن وانضباط واعتدال.
4- ليست حياة جد صارم على وتيرة واحدة لا يعترف بالقدرة العصبية المحدودة بالإنسان، ولا تسيّب ولعب وإهمال.
5- الحياة في الإسلام حياة اعتدال ووسطية فيها تعب واستراحة وتفكير وفكاهة، وطرائف حكمة، وابتسامة، وفيها تنوع نشاط وإعطاء قوى الذات الإنسانية حقها ومنها البدن، وفيها أفراح لا تُخرج عن الخط الهادف، ولا تكون مبرراً لتحطيم القيم… وفيها طيبات ولذائذ تبني ولا تُهير، وفيها مساحة هائلة للمباح والترويح. وهي في كل الأحوال حياة هادفة موجّهة غيرية بمعنى أنها تنظر للمستقبل، وتخطط للبعيد.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وقراباتنا ومن يعنينا أمره وكل من أحسن إلينا من مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة. اللهم عاملنا بعفوك وإحسانك، ولا تعاملنا بعدلك وانتقامك، اللهم نجنا من أن تكون حياتنا الغالية لعبا، وعمرنا العزيز لهوا، وأيامنا الثمينة سرفا، وخاتمتنا يوم القيامة من خاتمة الغافلين واللاهين واللاعبين المسرفين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8))
الخطبة الثانية
الحمد لله المحصي، المبدئ المعيد، المحيي المميت، الباعث بعد الموت، الرقيب الحسيب، الحي القيوم الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم، ولا يعرضه فوت، ولا يلحقه موت، وهو حق الوجود، وحق الحياة، وحق الكمال.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، عِلْمه علم الكتاب، وهداه من هدى ربه، ونطقه بإذنه، ومعرفته من فيضه، صلى الله عليه وآله الهداة الميامين.
أوصيكم عباد الله ونفسي الطموحة إلى ما فيه ضرّها بتقوى الله الذي لا هاديَ سواه، ولا منقذ من الضلالة كدينه، ولا مُنجي من السوء كاتباع شريعته، ولا قادر على دفع شرٍّ، أو جلب خير غيره. والتقوى مركب الأنبياء والمرسلين والأولياء والأئمة الهادين الذين أنقذهم من الغرق في بحور التِيه والضلال، وبلغوا به أكبر المنى والآمال في ما تحقق لهم من القرب الإلهي، والفوز برضوان الله، ونيل أرفع منازل الكرامة والحِباء في الرحاب المديدة غير المتناهية من فيض رحمته وإنعامه.
فاطلبي أيتها الأنفس المسكينة – نفسي ونفوس الآخرين- ما لا بد لك منه من خير الدنيا والآخرة بتقوى الله فهي أيسر طريق وأفسحه، وأهنأه، وأوصله، وأكرمه إلى ما هو خير حقا وصدقا.
اللهم إنا نعوذ بك من خزي الدنيا والآخرة، وهوان الدنيا والآخرة، وشقاء الدنيا والآخرة، اللهم لا تخرجنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات ومن يعنينا أمره من دنيانا هذه إلا وقد أذهبت بمغفرتك عنّا كلَّ سيئاتنا، ومحوت كل آثامنا، وعافيتنا من كل ما كسبته أيدينا مما يُخزينا بين يديك، ويُذلُّنا في الموقف يوم حسابك.
اللهم صل وسلم على البشير النذير، والسراج المنير، محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وآله الطاهرين. وصل وسلم على خليفة الرسول، وزوج البتول، سيف الإسلام، وآية الإيمان علي بن أبي طالب الإمام الهمام. وصل وسلم على قدوة الأجيال، وأم السادة الأبدال، بنت الرسول فاطمة الزهراء البتول. وصل وسلم على الحسنين الزكيين الهاديين الحسن بن علي والشهيد الحسين. وصل وسلم على أئمة الرشاد والسداد، والأدلة في العباد: علي بن الحسين السجاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري هداة الممر والمعاد.
وصل وسلم على ولي الأمر، وصاحب العصر، الموعود بالنصر، القائم المؤمّل والعدل المنتظر محمد بن الحسن الأغر.
اللهم عجل فرجه، وسهل مخرجه، وانصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا، ومكّن له تمكينا.
الموالي له، المناصر لقضيته، الممهد لدولته والفقهاء العدول والعلماء الصلحاء والمجاهدين الغيارى وسائر المؤمنين، وفقهم لأحسن النية، وخير العمل، وأصدق الجهاد، وأنجح المحاولة في نصرة دينك، والحفاظ على حرماتك، والذود عن شريعتك يا قوي يا عزيز، يا رؤوف يارحيم.
أما بعد أيها الأخوة والأخوات الأعزاء في الإيمان فالحديث ينصب على ما تُعورِف عليه في بلادنا الإسلامية من الأيام الوطنية وذلك في عدد من الفقرات، وينتهي إلى المسألة الدينية الحساسة جدا وهي مسألة الأحوال الشخصية:
أ- كيف نفهم اليوم الوطني؟
1- اعتاد الناس اتخاذ أيام باسم أوطانهم. وهذا لا كلام لنا فيه، فهو داخل في دائرة المباح إذا لم يعط صفة التشريع الديني، ولم يخرج عن حدود ما أحلّ الله.
2- وفيما ينبغي أن تكون عليه الأيام الوطنية في الأوطان الإسلامية أن تكون أيام وقفة على الهموم والآمال؛ هموم الشعوب قبل هموم الحكومات، وآمال الشعوب قبل آمال الحكومات، والحكومات إذا انسجمت مع شعوبها لم تكن لها هموم ولا آمال إلا من هموم وآمال شعوبها وهو ما ينبغي أن يكون عليه وضع أي حكومة عادلة.
وهذه الأيام يجب أن تكون أيام استذكار لتضحيات التحرير والإصلاح، – هناك تضحيات تحرير من عدو خارجي، وهناك تضحيات إصلاح داخلي – وأن تكون أيام مراجعة لمسيرة العدل والظلم، الائتلاف والاختلاف، المساواة والتفرقة، أن تكون أيام نقد للذات، للتركيز على الصالح ونفي الطالح.
ب- ماذا نريد لوطننا؟
1. حياة عزة وكرامة ومحبة وسلام.
2. حياة إنسانية نابهة زاكية تتترعرع في أجوائها إنسانية الإنسان، وتتفجر مواهبه الكبيرة، وتنشط دوافعه الخيّرة.
3. حياة تقدّم وسبق في كل ميادين المعرفة النافعة والإنتاج الخير المثمر.
4. حياة إيمانية تعي الرؤية الكونية الإلهية الثابتة وتحتضنها، وتتحرك في إطارها علما وقيما ومفاهيم وشريعة والتزاما إسلاميا بلا تمييع ولا تزوير، وبلا إضافة أو تزيّد من عصبية أو تشدد، ومن عنديات شخصية أو بيئية بلا دليل، فلا زيادة على الإسلام ولا تغيير بأفكار دخيلة تدجينية، ولا أفكار عندية مغالية وإرهابية.
5. ونحن نلتزم الدعوة للإسلام دائما، ونجادل في سبيلها بالتي هي أحسن، وننادي بالاحتفاظ والتنشيط لروح المقاومة للباطل، والجهاد والشهادة في الأمة في إطار ما للمقاومة والجهاد والشهادة من موضوع وقيم وضوابط كلية وأحكام تفصيلية بعيدة عن الهوى والارتجال، وإملاءات الانفعال والاعتباطية والتخبّط، والاجتهادات القاصرة والمقصّرة.
ونحن ننكر كل حالات الانفلات الأمني العشوائي في البلاد الإسلامية وفي العالم كلّه، ونبرئ الإسلام كما هو الحق من تبنّي سياسة نشر الرعب في الأرض، واعتماد الإرهاب أسلوباً أساسياً مطلوباً بالذات في التعامل الإنساني.
وآية إعداد القوة المرهبة لعدو الله وعدو أوليائه لها إطارها المعيّن وفهمها الدقيق الذي لا يصح مسّه، ولا يتهافت مع نبذ الزلزال الأمني الهائج قاعدة في الدعوة، وفي العلاقات الإنسانية وحل كل الأزمات.
ج- اليوم الوطني والانتماء للمبدأ والأمة:
1. أساليب الاحتفاء بالمناسبات تعبير صادق عن الذات يكشف عن مخزونها من الوعي والفهم والقيم وروح الانتماء.
2. وقيم المبدأ ووحدة الأمة ومرتكزات التاريخ وأحكام الدين لابد أن ترسم الإطار.
د- كيف يُحتفل؟
1. احتفال الكبار والصغار.
على الأوطان الإسلامية في كل أعيادها الدينية وفي كل أيامها الوطنية ومناسباتها المختلفة أن تحتفل احتفال الكبار، وأن لا تنزل بمستواها إلى مستوى احتفالات الصغار.
احتفالات الكبار احتفالات يؤطرها العقل، تُؤطرها الحكمة، يؤطرها الهدف النبيل، تؤطرها القيم الرفيعة، تحكمها الأحكام الشرعية الإلهية المقدّسة. واحتفالات الصغار انطلاقة انفعالية وراء مظاهر الفرح أو الحزن بلا حساب للقيم، ولا حساب لأهداف، ولا أحكام شرعية.
احتفالات الكبار احتفالات للمحاسبة، احتفالات للنقد، احتفالات للثورة على الذات، احتفالات لتقدير ما كرم، وللتخلص مما سفّ وسفل. أما احتفالات الصغار فهي نوع من الغرق في الشهوة واللذة وحالات الانفلات العاطفي غير المحسوب.
2. احتفال التبرير والمراجعة والتصحيح.
على الأمة الإسلامية إذا احتفلت أن تحتفل احتفال المراجعة والتصحيح لا احتفال تبرير الواقع بما فيه من سوء، بما فيه من قصور، وبما فيه من مظالم، وبما فيه من طلعات غير حميدة.
3. الأمة الإسلامية مطلوب منها احتفال المشاريع لا احتفال اللعب واللهو:
– عليها أن تحتفل احتفال مشاريع تؤكد على الهوية والانتماء.
– احتفال مشاريع تؤكد على الوحدة والشفافية.
– احتفال مشاريع شاهدة بالعدل والمساواة الاجتماعية.
– أن تجعل يوم احتفالها يوم إعلان للتخلص من الملفات الساخنة السلبية المثيرة.
وعندنا في هذا الوطن الكريم ملفات ساخنة مثيرة وما أجمل أن تكون مقدمة الاحتفال محاولة جادة لإعلان التخلص الصادق من هذه الملفات السلبية الخطيرة كملف التجنيس، ملف البطالة، ملف التفرقة، المسألة الدستورية محل الجدل.
– ينبغي أن تكون أيام الاحتفالات أيام تكريم لمن بنى وأشاد وصحح من كل الفئات والمستويات ومن شهداء الحق والعدل والإيمان والمساواة، ومن أنار طريق العلم والمعرفة وزرع وعمّر.
الموضوع الآخر: الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية:
1. لا تكون الأحكام شرعية في أي مساحة من المساحات حتى تكون الجهة المشرعة شرعية. والصلاة لو اعتمدنا فيها على قول الإنسان العادي وتعبّدنا بها على هذا الأساس لا تكون مجزية وإن طابقت الصلاة المأخوذة عن اجتهاد، وحتى لو طابقت الصلاة الواقع.
أقول إذا تعبدنا بقول من لم يتعبدنا الله بقوله فلا حجة لنا عند الله.
2. الشعب صوّت في شريحة واسعة منه ما قد تزيد على 65 ألف صوت صوتت على رفض التدخل في مساحة الأحوال الشخصية بما ينقل ملف هذه الأحوال من اليد الشرعية إلى يد الغير.
ما قيمة استفتاءات تجريها هذه الجهة أو تلك الجهة لشريحة محدودة بعد هذا الاستفتاء الذي في استعداده أن يضاعف العدد لو عمّ التصويت البحرين. نحن مسبّقا لا نثق فيما تتبناه هذه الجهة أو تلك الجهة من استفتاءات قد تأخذ شريحة معينة مختارة ولا نأمن من أن تأتي تزيدات أو تأتي نتائج لا تطابق الواقع بالكامل.
3. أنا أقول أن الشعب لم يستنفذ طاقته أو أساليبه في رفض المشروع، وأنا حريص جداً على أن تكون البحرين ليس بلد مظاهرات ومسيرات، وإنما بلد يكون الحوار فيه بأساليب أهدأ من ذلك.
4. ردات الفعل الشعبية لأي تعدٍّ وتدخل في أحكام هذه المساحة الشرعية يتحمل مسؤوليتها كاملة أصحاب التدخل أنفسهم، ولا لوم على المدافع عن دينه وعرضه.وندعو دائما إلى ضبط النفس كلما أمكن.
5. يُطلب لي من حيث كوني واحداً من طلاب العلوم الدينية وللأخوة الأفاضل العلماء والطلاب ممن قد يتعرضون لمقابلات صحافية وتصريحات بشأن المسألة الاحتراسُ كثيرا من أن تبدر كلمة على اللسان سَبْقاً ومن غير قصد تشعر قارءها بأن أحدنا يأذن بمس الشريعة، أو فتح باب من أبواب هذا المس، والعلماء المحترمون لا يعطون لأنفسهم هذا الحق قطعا ويتنزهون عن هذا الوهم.
والذين تقدموا بمشروع المناقشة من الإخوة الإسلاميين الكرام إلى المجلس النيابي لا نتهمهم في دينهم، ولكن نختلف معهم كثيرا فيما حصل لهم من تقدير لما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وأصدقائنا ومعارفنا منهم أجمعين، اللهم اعط المؤمنين والمسلمين النصر والعزة والغلبة واجمع كلمتهم على التقوى، وأظهر بهم الحق، وأمت الباطل.
اللهم اجعلنا سبب جمع اللكلمة على الخير، ونبذ الشر، ومن دعاة الهدى والصلاح والفلاح يا كريم يا رحيم.
{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – والقرآن والتشريع هو كذلك.
2- انظر إلى فاعلية اللهو يفصل عن الصلاة يقيمها رسوا الله صلى الله عليه وآله، يأخذ بقلوب المسلمين وهم صفوف وراء رسول الله صلى الله عليه وآله فينصرفون عنه وعن صلاته. أرأيت الفاعلية الساحرة؟ الفاعلية الشديدة المؤثرة للهو؟
3 – الآية الكريمة لم تقل خير من اللهو والتجارة بعطف التجارة مباشرة على اللهو بل فصلت بينهما بتكرار تعبير خيرٌ من. ولا شك أن ما عند الله خير من كل شئ ولكن كأنه أريد التفاوت بين التجارة وهي ذات قيمة دنيوية لا تساوى شيئاً من خير الآخرة، واللهو الذي فيه من الضرر البالغ ما فيه.
4 – وليس لك أن تتسيب حياتك على يديك، وأن تذهب أيامك خواء لأنك مراقب ومحاسب.
5- عن تنبيه الخواطر.
6 – أحدنا يكشف عن غشه وخيانته لأخيه إذا دعاه لما يسخط الله ويوقع في معصيته، وهو يغرّر به، ويِسرقُ حياته، وينحرف بها عن خط الهدف إذا كانت دعوته إليه إلى مجالس اللهو والهزل والطرب ولتَبذّل.