خطبة الجمعة (130) 12 رمضان 1424 هـ – 7 نوفمبر 2003م
مواضيع الخطبة:
القلب السليم(2) – تقنين الأحوال الشخصية – قانون الأوقاف في البحرين – إنهاء استقلالية أئمة الجماعة والجمعة واعتبارهم موظفين من قبل
الدولة -المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية -صندوق الزكاة والخمس- ومشروع في طريقه للخروج على الناس، وهو أن يمنع خروج المواكب الحسينية من الحسينيات يتقدم به نائب من نواب المجلس المنتخب..
نحن باسم الإسلام قبل كل شيء، وباسم مواطنيتنا، وباسم العدل وباسم الدستور، نطالب بالتخلي عن مجموعة هذه
المشاريع المتناقضة مع الحق الديني والحق الوطني والحق الدستوري ومع العرف العقلائي
الخطبة الأولى
الحمد الله الذي لا يعلم الغيب إلا هو، ولا يصرف السوءَ إلا هو، ولا يغفر الذنبَ إلا هو، ولا يجزي العملَ الصالحَ إلا هو، ولا يُقلِّب القلوبَ إلا هو، ولا يحييها بالهدى إلا هو. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي التي تخاعدني بتقوى الله، فإن تقوى اللهِ غاية العمل، ومنتهى الأمل، ودليل الرشد، وآية القوة، فضعيف من لم يكن على تقوى، ولا رشد له، وسعيه في ضلال.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعذنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من عمى القلوب والأبصار والبصائر، وسُبات العقل، وطيش الهوى، وظلمة الضلال، واغفر لنا ولهم وتب علينا إنك التواب الغفور الرحيم.
عودة أيها الأخوة والأخوات في الله إلى الحديث عن القلب مركز الهدى والضلال والرشد والغي، والبصيرة والعمى تحت عنوان:
القلب السليم:
في ضوء عدد من النصوص:
قوله تبارك وتعالى:” وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ” 87-89/الشعراء
فنعرف أن القلب قلبان: سليم وسقيم؛ سليم هو على فطرته، هو على هداه، هو على إشعاعه، هو على استقباله لمعرفة الله سبحانه، هو على الصفاء والنور الذي خلقه الله سبحانه وتعالى عليهما.
قلب للعلم، للرحمة، للإحسان، للنّية الصالحة، للعمل الصالح. قلب هو في أصل فطرته الهادية إلى الله، المشعة بنور الله، لا يميل إلى خبيث، ولا يطمئن لفساد ولا يجد راحته إلا بأن يُضيءَ بعلم، وإلا بأن يترشَّحَ عنه عمل صالح.
هذا القلب السليم الذي يتصاعد نوره ويتسع إشعاعه كلما عرف اللهَ, وكلما اهتدى بهداه، يأتي عليه إن يظلَمَّ، وأن تشتد به الظلمة حتى يكونَ وكر سوء، وحتى يكون مصدر ضلال، وحتى يعيث صاحبه في الأرض فسادا.
قلب إن احتلّه ذكر الله شعّ بالنور، وكان على جمال أخّاذ، ولاذ إليه صاحبه ليجد من زاده طُمأنينته، وليجد من محتواه – ذكر الله – غناه، وقوتَه، وثقتَه، وإن احتلَّه الشيطانُ حوَّله إلى ليل أظلَم، وحوَّله إلى خِزانة وحشة، ومصدر ضيق وخَناق، حتى يأتيَ من صاحبه أن يطلُبَ السعادةَ من خارجه، ولكنه يستحيل على المرء ما لم يكن له قلب موصولٌ بالله، مضيءٌ بنوره، جميلٌ بمعرفته أن يشعر بالسعادة.
ومن أجل السعادة المفقودة المستحيلة يعمل هذا المرء كل شىء عسى أن يطرد عن نفسه الوحشةَ، وعسى أن يجد في حياته معنىً، ولكنّه يطلب السراب.
” وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ “.
إذاً، الدنيا بزخارفها، بغرورها، بجمالها الأخّاذ للصغار، لم تستطع أن تنال من قلب إبراهيم (ع) موقعاً، ولم تستطع الدنيا أن تدخل في قلب إبراهيم (ع) بشيء من غرورها وزيفها، فكان قلبه عليه السلام القلب السليم البريء من العيب، من المرض، من الحقد، من الحسد، من النفاق، من الشك، من الشرك، من كل ما يَشين.
ودورك في الحياة أن تحافظ على سلامة قلبك حفاظا فوق ما أنت عليه من الحفاظ لسلامة بصرك، ولسلامة كل جوارحك، حتى سلامة قلبك العضو النابض بالدم، وأن تصنع هذا القلب أكثر طهارة، وأكثر نقاء، وأكثر ثقة، وأكثر قوة، بأن تأخذ به دائما صاعدا إلى الله.
وعن الصادق (ع) في قوله تعالى: ” إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” القلب السليم الذي يلقى ربه، وليس فيه أحد سواه كل ما سوى الله محدود… كل ما سوى الله وإن كان على كمال كبير لكنه ليس الكمال المطلق. أما الكثيرون المعادون لله سبحانه وتعالى فهم سوء وضلال ووحشة قاتلة، ولا يفعلون بالقلب إلا ظلمة وهبوطا واضمحلالا. وتتم بقوله:” وكل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط”.
فاطلبوا المعرفة بربكم، المعرفة بدينكم. وإذا كانت للحياة حاجات، وإذا كانت حركة الحياة تتطلب علما فإن سمو الآخرة، وجمال الآخرة، وخطورة الآخرة، وخلود الآخرة يتطلب منا علما أكثر.
صارت الحياة تتطلب خبرة متراكمة عالية جدا، وصارت حركة الحياة تأخذ بأخصائينا على درب طلب معرفة ما في هذه الحياة، وحسن أن نطلب معرفة ما في حياتنا، وخاصة على مستوى الأمة لا بد أن نسابق الآخرين في معرفة ما يُصلح حياتنا، ويتقدم بها على المسار المادي، ولكن ليس من الصحيح أبدا أن نطلب الدنيا بعيدين عن رؤية الآخرة، وعن فهم الآخرة، وعن معرفة الله العلي العظيم.
وعنه – أي الصادق – (ع) كذلك، في تفسيره للقلب السليم:”هو القلب الذي سَلمِ من حب الدنيا”.
إذا سلم القلب لله، وبرئ من الشرك، والشك في الله شغله ذكر الله، وحب الله، ومعرفة الله عن أي شيء آخر. فالدنيا الجميلة الأخاذة حينئذ لا تكون جميلة في نظر هذا الإنسان، وكل جمال يسقط عند الجمال الأكبر منه، و ليس أكبر من جمال الله، فإذا حلّ جمال الله في قلب وهو لا يحل في قلب على كماله وإطلاقه، وإنما الجمال الذي يراه قلبُ الإنسان هو جمالٌ إلى حد، وجمال الله في واقعه وحقيقته بلا حد، لكن الجمال المحدود الذي يقع في نفس المؤمن بالله عن الله عز وجل وجماله مطلق لا يوجد جمال مثله يمكن أن يصرفه عنه، أو يمكن أن يُشوِّش عليه.
وكذلك جاء عن الإمام الصادق (ع):”صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم…” هذه علامة كاشفة إذ القلب السليم دائما تترشح عنه نية سليمة، ولا تستقر فيه إلا النية الصادقة، والقلب غير السليم الذي يخالطه غير الله عزّ وجلَّ لابد له من نية قبيحة، وقصد غير محمود. فكلما وجد المرء من نفسه أنه لا ينوي إلا خيرا ولا يميل إلا إلى طهر ولا يريد في الأرض فسادا أبدا كلما انكشف له والحمد لله سلامة قلبه وطهر سريرته.
تقول الكلمة عنه (ع):”لأن سلامة القلب من هواجس المذكورات….” كل ما يمكن أن يذكر لا يبقى له هاجس في القلب الذي صار هاجسه الله، واستولى ذكر الله عليه، إذ كل الأشياء من دون الله صغيرة حقيرة. “لأن سلامة القلب من هواجس المذكورات تخلص النية لله في الأمور كلها” والنية الخالصة له سبحانه لا تكون إلا صادقة سليمة.
قال الله تعالى: ” يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”.
فعنايتك كل عنايتك، اهتمامك كل اهتمامك صُبَّه كثيراً كثيراً على سلامة القلب، يجب أن تهمنا سلامة القلب أكثر من أي شيء آخر. وعجباً لنا أن نطلب سلامة البيت، وسلامة السيارة، وسلامة أثاث حقير، بينما يأتي علينا الدهر لا ندري عن سلامة قلوبنا.
علينا أن نتفحص دائما قلوبنا لنجد هل مع الله فيها شيء، كم نعبد بهذا القلب من دون الله، من ولد صغير، وزوج، وصديق وعدو، فلنطلب تطهير القلوب لأنه لن ينفع شيء أحداً إلا من أتى الله بقلب سليم.
ومن المنقول عن الإمام علي (ع):” أسلم القلوب ما طهر من الشبهات”.
فإذاً مروّجو الشبهات أعداء القلوب، أعداء الفطرة، أعداء الإنسانية؛ حيث يدخلون الشبهة على القلوب. صاحب الإعلام المضل، ناقل الثقافة الغربية بقصد التضليل، قد لا يأخذ منك دينارا ولا درهماً، وقد يعطيك ما يملأ يدك من الدنانير ولكنه عدو لدود، بأنه أفسد عليك قلبك، وقلبُك معناك، وقلبُك ذاتك، وقلبُك إنسانيتك، وقلبك الروح الشفافة من عند الله، فيوم أن يفسد قلبك تسقط، ولا قيمة لمن فسد قلبه.
والقلوب الطاهرة من الشبهات هي التي جاء فيها عن المسيح عليه السلام:”القلوب التي لم تخرقها الشهوات ولم يدنّسها الطمع – ولم – يقسّيها النعيم فسوف تكون أوعية للحكمة”.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، ولوالدينا وأرحامنا وأزواجنا وجيراننا ومن كان له حق خاص علينا من كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة.
اللهم اجعل فزعنا إليك، وارحم فزعنا إليك في الدنيا وفي الآخرة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8))
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، ولا نصير من الضعف، ولا معين ولا مشير، وهو العليم الخبير، وعلى كل شيء قدير. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مشيئته نافذة، وإرادته قاهرة، وأمره لا معقِّب له، وهو العلي العظيم. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
أوصيكم عباد الله ونفسي المشفقَ عليها بتقوى الله الذي لا مالك لنا غيره، وكل أمرنا بيده، ولا فرار من حكومته، ولا غنىً عن فيضه، ولا ينجي من أخذه أحد، ولا يُؤي من قضائه ملتحد.
ولنكن على يقظة من أمر الحياة والموت، والدنيا والآخرة؛ فإن رواحل الأيام والليالي قد مضت بأهلٍ كثيرين وأحبة وأصدقاء. أليس كذلك؟! وليس لهم من عودة للديار، ولا يصار إليهم إلا بما تكره النفوس من مغادرة الحياة، وغربة الممات، ووحشة الفراق، وانقلاب الأحوال، واستقبال الأهوال، هذا هو الثمن للقاء حبيب قد فارق الحياة.
وحبيب الأمس بعد الموت تفرّ النفسُ من الرحيل إليه، وإن كانت لابد أن تصير إلى ما صار إليه، وتنقلب منقلبه، وتجد من أهوال عالمه ما لم يكن بالحسبان، إلا نفساً رحمها الله، وكسبت صالحاً، واطمأنت بذكر ربها فرجعت إلى بارئها الكريم في اطمئنان راضية مرضية، وكانت من أهل قوله تعالى:{ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) }.
عباد الله نحن بين دارين: دار دنيا لانزال منها في ابتعاد، ودار آخرة لا نزال منها في اقتراب، وإننا لنسيء التصرف، ونظلم أنفسنا حين ننفق بقية الأيام لدار نحن منها دائما في نأيٍ ينتهي إلى الطلاق، ونهمل داراً نحن منها في دنوٍّ مستمر لا ينتهي إلا بالتلاق. إن دنياً تنقطع، ولذاتها فانية تقديمها سفه ظاهر على آخرة تبقى ونعيمها مقيم.
اللهم إنا نعوذ بك من أن تشغلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات الدنيا عن الآخرة، وأن ينسيَنا ذكرك الشيطان الرجيم وحزبه الضالون، وأن تكون حصيلة أعمارنا مأكلاً ومشرباً ومسكنا، ولذات متقضية، وشهوات متصرمة تعقبها حسرة في الآخرة، ومنقلب إلى النار.
اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام وتب علينا وعليهم يا رحيم يا كريم.
اللهم صل وسلم على البشير النذير، والسراج المنير محمد خاتم النبيين والمرسلين. وصل وسلم على أمير المؤمنين، وإمام المتقين. وصل وسلم على أمتك الطاهرة فاطمة الصابرة الظافرة. وصل وسلم على سبطي نبيك المصطفى إمامي الهدى الحسن الزكي والحسين الشهيد بكربلاء. وصل وسلم على أئمة المسلمين أهل الرشاد والسداد علي بن الحسين السجاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري أنوار دينك في البلاد والعباد.
وصل وسلم على القائد المظفر، والكوكب الأزهر، العدل المنتظر، محمد بن الحسن القائم الأغر.
اللهم عجل فرجه، وسهل مخرجه، وانصره نصرا عزيزا، واظهر به صدق الدين، وعدل الشريعة، وعز المؤمنين يا علي يا عظيم.
الموالي له، المعادي لأعدائه، المؤمن بطريقته، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصالحين، والغيارى المجاهدين، والمؤمنين العاملين في سبيلك أيّدهم وسدد خطاهم، وانصرهم على مناوئيهم يا قوي يا عزيز.
والآن أيها الإخوة والأخوات في الإيمان إلى هذه القضايا:
* تقنين الأحوال الشخصية:
* قانون الأوقاف في البحرين.
* إنهاء استقلالية أئمة الجماعة والجمعة واعتبارهم موظفين من قبل الدولة.
* المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
* صندوق الزكاة والخمس.
* ومشروع في طريقه للخروج على الناس، وهو أن يمنع خروج المواكب الحسينية من الحسينيات؛ يتقدم به نائب من نواب المجلس المنتخب.
لكل مفردة دلالاتها الخاصة، ولهذه المجموعة من الإجراءات والتقنينات مجتمعة دلالتها الكلية.
1. تقنين الأحوال الشخصية: استبدال تشريع بتشريع. خطوة جادة على طريق علمنة هذه المساحة التشريعية، وقد يأتي إلغاء المذهب الجعفري بخصوصه ولو في بعض جزئياته في مثل هذا التقنين.
اقتراب من خط وابتعاد عن خط، الخط الأول غريب، والخط الثاني أصيل، خط البلد، خط الهوية، خط الإنتماء، خط الإطروحة التي ليس من مسار آخر لخير الدنيا ولا خير الآخرة غير مسارها.
الدين يرفض، ضمير الشعب يرفض، مصلحة الشعب ترفض، عِفّة الشعب ترفض. لن يُسكت مطلقاً على قانون ربما حوّل الزنا زواجاً والزواج زنا.
2. قانون الأوقاف في البحرين: يمثل فرض مذهب على مذهب؛ حين يكون المشروع الذي قُدِّم لحكم الأوقاف في البحرين، والتقنين لها هو مشروع يطابق المذهب السني بالكامل، على أننا نرفض أيضاً علمنة هذه المساحة كما نرفض فرض مذهب على مذهب فيها.
نحن هنا، نحن أكثر من النصف وليس من حق أحد أن يلغينا، وإذا كان المجلس قد أتى معتبراً نفسه قادراً على إلغائنا فسيجد حتماً أنه غير قادر على إلغائنا.
3. إنهاء استقلالية أئمة الجماعة والجمعة: هذا هو الثالث، ويعني تجنيد أئمة الجماعة والجمعة والمساجد والحسينيات تجنيداً سياسياً رسمياً، وسحب البساط من تحت الدين لئلا يتكلم كلمته العادلة المستقلة.
4. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: ويعني بالدقة إحلال مرجعية رسمية محل المرجعية الشرعية وفرض ولاية مكان أخرى. نحن نعرف أن المرجعية في أحكام الشريعة في زماننا للفقهاء وليس لغيرهم، والمجلس الأعلى لا يشترط وجود الفقيه في تركيبته، وعدد من أعضائه ليس له صلة بالعِلْم الديني، وإذا كانت له صلة فهي صلة الإنسان العادي جداً، فحينما يكون هذا المجلس مرجعاً لإعطاء الرأي في المسائل الدينية كما في نص من نصوصه، فإن هذا يعني مرجعيته التي تحل محل مرجعية الفقهاء، ويعني فرض ولاية تشريعية لم تفرض من الله سبحانه وتعالى.
ثم هو يعني من ناحية عملية هيمنة كاملة على مقدّرات المسلمين جميعاً هنا باعتباره المرجع الأول في البلد للشؤون الإسلامية، وهو يمثل أغلبية مذهب على مذهب وستأتي قراراته موافقة في الأكثر لمذهب على خلاف مذهب.
5 . صندوق الزكاة والخمس: ويعني تجفيف المنابع المالية الدينية وتحويلها إلى جيب الجهة السياسية، ويعني إحكام القبضة السياسية على المصادر المالية للدين ليبقى الدين من خلال علمائه مضطراً إلى السكوت والخضوع.
6. أما المشروع الأخير الذي حدثت نفس نائب به نفسه، فإنه إعلان صريح لعدم الاعتراف العملي بوجودٍ شيعي في البلد، وأنا أكره أن أكرر كلمة شيعي وسني لأن السني أخي، ولو ظُلم سني لحساب شيعي لَقسوت على الظالم، وكنتُ مواجهاً له مواجهتي لظالم الشيعي لحساب السني.
الشيعي والسنيُّ أَخَوانِ يجب أن يعاملا معاملة عادلة واحدة، ومن المعاملة العادلة أن تحترم مذهب هذا، ومذهب ذاك، أومذهب هذا وهذا، وليس هنا في الوطن الواحد هذا وذاك، ليس هناك أخ قريب، وأخ بعيد لنعبر عنهما بهذا وذاك، أنا أعبّر عنهما بهذا وهذا.
يريد هذا المشروع أن يعلنها صريحة بأنه لا وجود لكم هنا، وأن الشارع العام ليس لكم فيه حق. هناك حق في الشارع العام للسيارات، وهناك حق في الشارع العام للمظاهرات، وهناك حق عام في لشارع لحفلات الطرب، وللمهرجانات الشعبية وليس لكم شبر واحد في الشارع من أجل شعائركم.
أما الدلالة العامة الكلية لهذه المجموعة بكاملها فهي أنه لا استقلالية دينية ولا مذهبية، والمطروح حصار ثقافي واقتصادي، ومصادرة إمكاناتٍ وفرص.
لماذا الخصخصة في كل مجال حتى مجال الجامعة والتأميم في المجال الديني؟! لماذا إحكام القبضة الحديدية على المواقع الدينية وسحب البساط من تحت الكلمة الرسالية المستقلة؟! أين نريد أن نذهب، نريد أن نرتمي في أحضان الغرب؟! نريد أن نرتمي في أحضان أمريكا؟! إلى أين يراد بنا قولوا.
هذه المشروعات هل عرضت على رأي الدين، على رأي الدستور؟! أليس هناك حرية دينية، أليس هناك حرية مذهب، أليست هناك حرية شعائر؟! أليس هناك احترام مواطنين؟! أليست هناك مساواة؟! أين شعارات الدستور وأين حقائق الدين، أندوس على الجميع؟! ولأن المجلس الوطني قال كلمة، سواء وافقت الدستور أم لم توافقه، سواء وافقت الدين أم لم توافقه، تصير الحقَّ، وتكون الحكَم وتُكمِّمُ الأفواه؟!
نحن نحاسب هذه المشاريع وغير هذه المشاريع، نحاسب جملة الأوضاع على أساس أن الدولة دينية أو وضعية؟!
أنا لا أعرف كيف نجمع بين إباحة الخمر والاشتغال بالرقص واستيراد المغنيات وأهل الفاحشة، واستحلال الربا، وطروحات غربية، كيف نجمع بين هذا كله وبين المرجعية الفتوائية؟! المرجعية الفتاوئية لدولة تقول لا مصدر إلا الإسلام، وتلتزم النظام الإسلامي من ألفه إلى يائه، هذه التي يمكن أن تدّعي أن لها مرجعية فتوائية، أما الدولة التي لا تلتزم بهذا وتجعل الإسلام مصدراً من مصادر التشريع كيف يكون لها المرجعية الفتوائية في الشأن الإسلامي؟!. الدولة الواحدة يكون هناك التبرير الديني والتبرير الدستوري والتبرير العقلائي، التبرير العرفي، التبرير المنطقي لأنْ تجمع بين ما تقدم وبين جمع الزكاة والخمس، ووضع اليد على الأوقاف الدينية؟! مواقف غير منسجمة.
على أي أساس نحاسب الموقف، على أساس أننا أمام واقع إسلامي بالكامل، أمام واقع خليط، أمام واقع آخر؟! حدِّدوا لنا القاعدة لنحتكم إليها، فإذا كنا ديمقراطيين غربيين بالكامل فنحن نطالب بالديمقراطية الغربية في بعدها السياسي من جهة نجمع بين الديمقراطية، وبين التحكم. ومن جهة أخرى نجمع بين مشاريع لا تنسجم مع الشريعة وبين حق الفتوى الدينية، والسيطرة على الأوقاف، والسيطرة على منابع الدخل الديني، كيف ينسجم كل هذا؟!
نحن باسم الإسلام قبل كل شيء، وباسم مواطنيتنا، وباسم العدل، وباسم الدستور نطالب بالتخلي عن مجموعة هذه المشاريع المتناقضة مع الحق الديني، والحق الوطني، والحق الدستوري، ومع العرف العقلائي.
هناك مشكلتان؛ مشكلة القضاء، ومشكلة الأوقاف، والمشكلتان تكمنان في جهاز القضاء، وفي جهاز الأوقاف، والحكومة تصر على أن يبقى تعيين القضاة على ما هو عليه، وأن يكون تعيين هيئة الأوقاف على ما هو عليه. بينما يستمر السعي لعلمنة القوانين بدعوى إصلاح القضاء، وإصلاح الأوقاف.
إصلاح الأوقاف لا يتمثل في نقل الحكم من المذهب الجعفري إلى الحكم السني وإصلاح القضاء لا يتمثل في الانتقال من الحكم الشرعي الإسلامي إلى الحكم الوضعي العلماني، إنما يتمثل في إرادة جادة ومخلصة، وفي طريقة جديدة لتعيين القضاة وهيئة الأوقاف طبقاً لشروط معقولة.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وجيراننا وأصدقائنا ومعارفنا من المؤمنين والمؤمنات أجمعين ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة.
اللهم اجمع كلمتنا على التقوى، وسد ثغرات الفتنة والفرقة الداخلة علينا، وحقق لهذا الوطن أمنه وسلامه واستقراره على درب الخير، وعلى درب مصلحة الدنيا والآخرة، ووحد صفوف أبناء المسلمين في هذا الوطن وفي غيره من البلاد الإسلامية وأخرجنا من الظلمات إلى النور؛ نور دينك، نور توحيدك يا علي يا عظيم يا رحيم يا كريم.
{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}.