خطبة الجمعة (129) 5 رمضان 1424هـ – 31 أكتوبر 2003م
مواضيع الخطبة:
القلب موطن التقلبات (1) – المشكلة العراقية مشكلة أمة لا بلد
الأمة المعزولة، الأمة المغيّبة بكل قواها الضاربة وبكل طاقاتها العملاقة يجب أن يكون لها حضورها الفاعل
في قرارها الرسمي وإلا ستبقى الأنظمة ضعيفة مهلهلة، وستكون محل طمع الطامعين من الخارج.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أنزل الكتب هدى للمتّقين، وبعث الرسل رحمة للعالمين، ودلَّ بهداه على الصراط المستقيم، وحذَّر من الغاوين والمضلّين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه بالإسلام، وهدى به إلى طريق الإيمان، وجعله حجة على الأنام صلَّى الله عليه وآله الكرام.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله، ورعاية حُرماته، والذود عن معالم دينه، والحفاظ على حدود شرعه، وعدم الدخول في ما ينقض عُرى الملّة، ويهدم أركان الشريعة، فمن يفعل فقد اتخذ اللهَ عدوّاً، ومن يكن الله عدوا له فما له من ناصرين.
اللهم إنا نؤمن بك ونتوكل عليك، ونستغفرك ونتوب إليك. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات واكفنا جميعا أن يُخرجنا حب الدنيا من طاعتك، ويحول بيننا وبين خشيتك، وأن نجهل الأمور حتى نرى الضارَ نافعاً، والنافعَ ضارا فيقوى بنا الشر، ويضعف على يدنا الخير، وينتصر الباطل، ويُهزم الحق. اللهم صل على محمد وآل محمد الهداة الميامين.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فالحديث عن القلب الذي من شأنه أن يطمئن ويقلق، ويحب ويبغض، ويرق ويقسو، ويشفّ ويظَلَّم، ويؤمن ويكفر، ويأمن ويخاف وذلك في ضوء بعض ما جاء فيه من نصوص إسلامية وهي كثيرة.
والقلب عرضة لتقلبات الأحوال، والتنقُّل السريع من وضع لوضع، ومن صورة شعورية إلى صورة أخرى، وقد جاء فيه عن الرسول (ص):”إنما سُمَّي القلب من تقلّبه – أي إنما سُمّي القلبُ القلَب من تقلّبه -، إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة تعلقت في أصل شجرة تقلبها الريح ظهرا لبطن”. فالريشة المتعلقة بالشجرة والريح تعرُضها لا تثبت على حال، وإنما تقلبها الريح من ظهر إلى بطن،ومن بطن لظهر.
الحياة فيها أعاصير، وفيها محن وتتقلب ظروفها وفي كل ظرف محنة؛ ظرف الغنى فيه محنة، وظرف الفقر فيه محنة، الصحة محنة، والمرض محنة، والإنسان يخرج دائما من امتحان إلى امتحان، والامتحانات ما لم يثبت القلب على صراط الله تجده في تقلب دائم مع الظروف، ولا يثبت أمام ظرف من الظروف ليثبت على درب واحد.
ويحتاج القلب في ثباته على الطريق القويم إلى:
– رؤية مركّزة…
– وإلى ترسّخ في الإيمان…
– وإلى ترويض على التقوى…
فمن بعد الرؤية السديدة، والإيمان الأكيد والترويض على التقوى يكون للقلب ثباته وصموده فلا يذوب أمام الظروف، ولا يتمايل أمام ضغط الرياح.
والإنسان قيمة وجزاء وعقاباً بما عليه قلبه “لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم” فصور الأعمال الظاهرية ليست هي لُبَّ المسألة، أين نجد الإنسان حقيقة في مستواه، في استقامته، في انحرافه؟ إنما نجده في مضمونه الداخلي، وإذا صح المضمون الداخلي وجاءت النية سليمة جاءت الأفعال في الأكثر قويمة. ومن بعد نية صالحة وعلم صائب لا يأتي الفعل إلا سديدا رشيدا.
وبهذا يكون للقلب ما ليس لغيره من الإنسان من شأن وأهمية وعناية.
ونقرأ في أهمية القلب ما عن الصادق عليه السلام:”إن منزلة القلب من الجسد منزلة الإمام من الناس”. وأثر الإمام في الناس أنه يرسم طريقهم، ويأخذ بهم الوجهة التي يريدها بعد أن يكون إماماً يمتلك القوة والتأثير، والقلب إمامٌ يمتلك حكومة حقيقية، ويمتلك سيطرة على الجوارح حتى لا تخرج جارحة عن طاعة القلب في لحظة من اللحظات ما دام القلب على وعي ويقظة.
والإمام يهدي، والإمام يضل، وهناك أئمة هدى وأئمة ضلال، والقلب الضال لا يأخذ بالجوارح إلا على طريق الضلال، والقلب الذي اهتدى بهدى الله كل الجوارح المؤتمرة بأمره تجدها على طريق الطاعة، وتجدها على طريق الإنتاج الصحيح.
وعن النبي (ص):”القلب ملك وله جنود فإذا صلح الملك صلحت جنوده، وإذا فسد الملك فسدت جنوده”.
إنه الملك الآمر، وجنوده جنود مؤتمرة لا تتأخر عن أمره، فانظر كيف تريد أن تكون جوارحك، فإذا ما أردت أن تأتي جوارحك كلها صالحة، وكلها منتجة، وكلها لا تأتي إلا بخير، وكلها تزينك فاصنع قلبك على طريق الله وعلى هداه، لن تجد من نفسك من بعد ذلك شيناً، ولن يجد الناس الأخيار منك إلا ما يقع عليه منهم رضى وسرور.
وعنه (ص):” إذا طاب قلب المرء طاب جسده، وإذا خبث القلب خبث الجسد”.
يخبث الجسد بما يأتي من شر، وبما يحدث على جوارحه من سوء، ومن أعمال تخريبية هدّامة تنقض مصالح الحياة، وتضل الأحياء، وتؤزم المشاكل في الناس، أما القلب الطيب فلن ينبعث منه إلا ريح فعل طيب، فعل بنّاء، فعل خيّر، فعل صالح.
ومن جهة أخرى القلب يسوء حاله فيكون محِلَ الحسد والحقد، فيسوء به حال الجسد ليمرض ويسقم.
والسعي إلى الله، وقصده والعروج إليه، وعبادته الحقة إنما تكون بالقلب. وفي هذا المعنى ما عن الصادق عليه السلام:”القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من القصد إليه بالبدن، وحركات القلوب أبلغ من حركات الأعمال”.
يصلي أحدنا صلاة كثيرة طويلة بحضور قلبي على نسبة واحد إلى الألف، ويصلي الآخر ركعات يسيرة بحضور قلبي تام ونية صادقة ووعي لدلالات ما يفعل ودلالات ما يقول، وقلبه يعيش الانصياع والخشوع إلى الله، والتعبّد الحق لعظمته فيفوق الثاني في جزائه الأول بما لا نقدر له حساباً.
وعن الرسول (ص):” إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم – هذا عليه ملامح الزهد، وذاك يفتقدها، هذا يتخشع في مشيته وذاك لا يظهر منه تخشّع، هذه صور، وقد يكون ما وراء الصورة مطابقا لها، وقد يكون ما وراء الصورة مخالفا لها، فما هو محل نظر الله الصورة أو الواقع النفسي، واقع القلب، مستوى الروح، مستوى النية، أنت عملك أو أنت محتواك الشعوري ومحتواك الفكري، طموحاتك؟ وآمالك، أنت بالثاني أكثر منك بالأول، والأول إنما تكون له قيمة لخلفية من الشعور الصالح والفكر السديد – وإلى أموالكم }أقوالكم . خ ل{ ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.
ينظر إلى القلب أولاً، وإلى العمل ثانيا، فأعمال الطاعات كبيرة في نظر الله حينما تترشح عن قلب مطيع، عن قلب خاشع، عن شعور بالعبودية، وإن كان بعض الأعمال حسناً في نفسه فيحبه الله ولو لم يأت بنية صالحة ولا سيئة.
العمل الحسن في نفسه كالعدل، حيث تكون خلفيته سيئة ساقطة فإن هذه الخلفية تنعكس عليه، نعم، إذا جاء العدل على يد إنسان لا يريد به وجه الله سبحانه وتعالى ولا يريد به أن يكون مقدمة لفساد في الأرض مثلا فهذا العدل له نتائجه الموضوعية الإيجابية، ومردوده الطيب على فاعله، والوضع في الحياة.
وعن علي عليه السلام:”جعلنا الله وإياكم ممن يسعى بقلبه إلى منازل الأبرار برحمته – قضيتان: قضية أن السعي إلى منازل الأبرار بالقلب قبل أن يكون بالجسد، وسعي الجسد حينما يكون سعياً قبل ذلك من القلب إلى الله فهو مقدّر مقبول مجازى عليه، أما سعيٌ للجسد يرى صالحاً على خلافه القلب فذلك من العمل الخسار. وقضية أخرى هي أن السعي بالقلب إلى الله إنما يكون برحمته، فنحن دائماً نحتاج إلى طلب رحمة الله، إلى اللجأ إليه، إلى التعلق بكرمه سبحانه وتعالى، من أجل صلاح هذا القلب، من أجل أن يكون على الطريق، من أجل أن يَهتدي، أن يرشد. -، وشرف القلب أن يكون آنية لذكر الله، فإذا أردت قلبا شريفا زكيا فاجعله محلا لذكر الله، ومحلا لتنزيهه وحمده وشكره والاشتغال به عمن سواه، وفي ذلك طهره وقوته وصلاحه وتدفق الخير منه، وغناه بعواطف النبل والتسامح والعفة والكرم.
وعن الرسول (ص) في ذلك:”إن لله آنية في الأرض فأحبها إلى الله ما صفا منها ورقَّ وصلب، وهي القلوب؛ فأما ما رقَّ منها – الحديث يشرح تعبير ما رقّ من القلوب -: فالرقة على الأخوان – بأن لا يكون الإنسان غليظ القلب على أخوانه، يتوثب عليهم، يغتنم الفرص لإسقاطهم، وإنما يهمه دائما من الحفاظ على شخصية المؤمن، ما يجب أن يهمه من الحفاظ على شخصه، وأما ما صلب منها: فقول الرجل في الحق لا يخاف في الله لومة لائم – رقة في موضع الرقة، وصلابة في موضع الصلابة، شدة في موضع الشدة، ولين في موضع اللين، وذلك دائماً حسب التوجيه الشرعي والخلق الإسلامي وما يقتضيه رضا الله سبحانه وتعالى، فحين يتبين أن الكلمة حق، وأن قولها في الموطن حق وأنها أصلح للإسلام لا يتأخر القلب المؤمن بالله وهو يرتكن إلى قوته، وينشد إليه عن قول تلك الكلمة ولا يجد وهنا ولا ضعفا، – وأما ما صفا ما صفت من الذنوب” فالقلب المحبوب إلى الله هو القلب الصافي من الذنوب، وهو قلب شفّاف يتلقى فيوضات الله سبحانه وتعالى، ومؤهل لمعرفة الله، ومؤهل لئلا يصدر منه إلا ما يرضي الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وآمنا بأمن الدنيا وأمن الآخرة، واكفنا فزع الدنيا وفزع الآخرة، واغفر لنا ولإخوانا المؤمنين والمؤمنات، ولمن كان له حق خاص علينا منهم، ولوالدينا وأرحامنا وأزواجنا وجيراننا يا رحيم يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ(4))
الخطبة الثانية
الحمد لله السميع البصير، العليم الخبير الذي أحاط بكل شيء علماً، ووسع دقائق كل شيء وأسرارَه خُبرا، لا يغيب عنه غائب، ولا يخفى عليه خافٍ. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالرسالة التّامَّة، والكلمة الجامعة، والمنهج الكامل، والحل الشامل. صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله فهي عِصمةُ المعتصمين، ومنجاة الناجين، ولا يُغني عن التقوى شيء ففي الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:”التقوى لا عوض عنها ولا خلف” وما أعظمها من كلمة، والنفس التي تفارق التقوى تكون فريسة الشيطان، مهزومة للشهوات، ومستنقعاً للسيئات فمما جاء عن وصي النبي (ص):”إن من فارق التقوى أُغري باللذات والشهوات، ووقع في تيه السيئات، ولزمه كثير التبعات”.
اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن، ووسوسة الشيطان الرجيم، وخسارة التقوى، واضمحلال اليقين. اللهم صل وسلم على الصادق الأمين محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطاهرين. وصل وسلم على أمير المؤمنين علي إمام المتقين. وصل وسلم على الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء الصابرة. وصل وسلم على السبطين الطاهرين، والوليين الصادقين الإمامين الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الحسين، وصل وسلم على أئمة المسلمين، وقدوة الصالحين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الهداة الميامين.
وصل وسلم على بقية الله الأعظم السيف الصارم، والقرآن الناطق محمد بن الحسن المنتظر والمؤتمن.
اللهم عجل فرجه، وسهل مخرجه، واكشف به الضر، وأذهب الغمّة، وأنقذ الأمة، وانصره نصراً عزيزاً ومكّن له تمكينا.
عبدك الموالي له، المناصر لقضيته، المناهض لعدوه، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصالحين، والغيارى المجاهدين، والعاملين المؤمنين وفقهم وسدد خطاهم، وبارك جهدهم، وأبلغهم مأمولهم من الخير، وغايتهم من طاعتك ورضاك يا كريم يا رحيم.
أمّا بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فموضوع الحديث اليوم “المشكلة العراقية مشكلة أمة لا بلد”:
قضية فلسطين والعراق قضية حاضر أمة ومستقبلها.
وفلسطين والعراق حينما يخوض الإسلام فيهما صراعاً مع الانحراف الخارجي والانحراف الداخلي عن خط الله إنما يخوض هذا الصراع من أجل الأمة بكاملها حاضرها ومستقبلها، والقضيتان ترتبطان بالأمة، وتصوغان حاضرها ومستقبلها سلبا أو إيجابا، وتمثلان صراعا من لون واحد هو صراع الإيمان ضد الكفر، وصراع الإيمان ضد الفسق. وما زال الصراع قائماً في هاتين الجبهتين في كل الساحة اإسلامية؛ صراع يخوضه الإسلام مع الكفر العالمي، وصراع يخوضه الإسلام مع الانحراف الداخلي.
وهذا الصراع بلونيه لابد أن يستقطب الأمة، وهو منعكس حتما بقوة وفاعلية مؤثرة على وضعها في الحاضر والمستقبل، فإن لم تدرك الأمة ما عليه أهمية القضيتين فهي في سبات سيكون قاتلاً، وسيكون مؤدياً إلى غاية مؤلمة جداً، حين تعتبر القضيتان قضيتي بلدين من بلاد الإسلام مسؤوليتهما على البلدين المعنيين فإن ذلك يعني شعورا جديداً سلبيا في تاريخ الأمة، وهو شعور انفصالي، وشعور تفكك وتبعثر، وسيعني ذلك بالتأكيد هزيمة الأمة بكاملها.
العراق أمامه أكثر من حل، هناك الحل البعثي، والحل البعثي يعني بالضبط استعادة الطاغوتية الأولى مكان الطاغوتية التالية، والعودة إلى الاستئثار بالأرض والثروة، وإلى التصرف المطلق الفرعوني بالإنسان وما أنتجت يداه.
الحل الأمريكي وهو يتجه بالعراق إلى الهيمنة الأجنبية الشاملة، وإلى أن يكون صدَّام من خارج جسم الأمة؛ ونحن لا نفرق بين فرعون من داخل الأمة وبين فرعون من خارج الأمة، فرعونان ملعونان حيث لا يسعيان إلا بالفساد ومن أجل الفساد.
وهناك حل ثالث هو الحل التكفيري، حل جماعات أهل التكفير؛ تكفير المسلمين، وخلق الفتنة في داخل الأمة وأصحاب الفكر غير المدروس، الفكر الذي يحمل شعار القرآن وربما يخلص له ولكنه لا يهتديه.
وهو حل مدمّر وخطره على الأمة ليس بأقل من الخطرين السابقين.
الحل العربي الرسمي وهو حل استخذائي، حل ذيلي يتبع الإرادة الأمريكية وينأى بالأمة عن خط إسلامها، وخط رشدها، وخط قوّتها وعزتها وكرامتها، ويستسلم للقرار الأمريكي والهيمنة الأمريكية والإرادة الأمريكية من دون أن يعرف ما لهذه الأمة من وزن كبير، وتاريخ مجيد، ورصيد حضاري ضخم التفريط فيه ليس تفريطا في حقِّ هذه الأمة فحسب وإنما هو تفريط في حق الإنسانية بكاملها.
وهناك الحل العراقي الشعبي النابع من ضمير الأمة، ومن معاناتها، ومن أشواقها وآمالها، ومن انشدادها لله، للقرآن، للرسول صلى الله عليه وآله، لتاريخنا المجيد، لحضارتنا العملاقة.
يقف الحل الأخير أمام كل التوجهات الأخرى، ويصارع كل الحلول الأخرى وليس له من ناصر من بعد الله في الأرض إلا الصف الإسلامي الواعي من سنة وشيعة في كلّ الأرض….. إلا الصوت الشعبي الذي يعيش مأساة العراق، ومعاناة العراق، وآمال العراق، وطموحات العراق، والحسرة والمرارة التي يشعر بها العراقيون المسلمون حقاً.
مستقبل الوضع العراقي والمحيط العربي والإسلامي يعاني من غموض ويحتاج – من الأمة كلّها من مستوياتها الرسمية ومستوياتها الشعبية – إلى تفكير موضوعي يدرك واقع القوى والتحديات، ويحتاج إلى شعور إيماني ووحدوي، ويحتاج إلى تعقل كبير من الأنظمة التي تربط مصيرها بالمصير الأمريكي، وتتجه بالأمة على مساره المشؤوم، ولا تبحث عن أسباب القوة والصمود من الارتباط وتوثيق العلاقة بشعوبها، ولا تبحث عن الكفاءات الداخلية، وعن الأرصدة الضخمة التي تمتلكها الأمة لتقوى بها في مواجهة الإرادة الاستكبارية العالمية.
الأنظمة الرسمية محتاجة إلى أن تتفهم بأن هنا أمة، وهي أمة عملاقة، أمة أمجاد، وأمة حضارية كبرى، وهذه الأمة لا يُمكن أن تتنازل عن هويتها، ولا يمكن أن تستسلم لعدوها إلا بأن تحترق الأرض كلها.
من الخيال أن يُصدّق بأن المسلمين في شرق الأرض وغربها سيستلمون للإرادة الاستكبارية وسيتنازلون عن الإسلام وسينسون كبرياءه الحضارية، وسينسون ذاتهم العملاقة التي تستمد الشعور بالعزة والكرامة والإباء والشموخ والثقة من الصلة بالله سبحانه وتعالى.
الأنظمة لتكون للأمة، ومن أجل أن تكون الأمة معها، ومن أجل أن تنبي القوى الواحدة الضاربة القادرة على الصمود المستحيلُ عليها أن تستسلم محتاجة إلى مشاركة شعبية وتمثيل حقيقي للشعوب الإسلاميّة في صياغة القرار الرسمي.
الأمة المعزولة، الأمة المغيّبة بكل قواها الضاربة وبكل طاقاتها العملاقة يجب أن يكون لها حضورها الفاعل في قرارها الرسمي وإلا ستبقى الأنظمة ضعيفة مهلهلة، وستكون محل طمع الطامعين.
محتاجةٌ هذه الأنظمة إلى سياسة لا تقصي طرفا من أبناء الأمة لحساب طرف فهي أمة واحدة، إن تكن فيها أطراف فالطرفية هنا طرفيّة أخوَّة لا طرف عداوة.
تحتاج الأنظمة إلى تطور سياسي إيجابي جاد متوافق عليه بصورة سلمية لا تنجرّ بالأنظمة نفسها وشعوبها في آخر الشوط إلى مواجهات عنيفة تُنزل بهذه الأمة أكبر الهزائم.
محتاجة هذه الأنظمة إلى الكف عن سياسة الهيمنة المذهبية على المستوى السياسي والتشريعي والحقوقي والثقافي والتعبّدي. لابد من إقلاع عن سياسة الهيمنة المذهبية والقومية وغيرها ولا يبرر سياسة الهيمنة أن تطرح بعناوين وحدوية مع كونها ذات مضمون سلطوي يكرِّس روح الهيمنة والتحكم وإلغاء الآخر.
لابد للأنظمة والشعوب من التوافق على تقبل مبدأ النقد والمحاسبة للوضع الرسمي بلغة الأرقام والعلم وبعيدا عن اللغة الإعلامية الاستفزازية كلما أمكن الأمر، ولم تدع الضرورة البالغة لذلك، وأن تحترم هذه اللغة وتستتبع حقائقُها تعديلا في الأوضاع.
والظلم كارثة على الجميع، والأمثلة الحية تمدنا بالوعي في مسألة ما يستتبعه الظلم الفئوي، والظلم الطائفي، والظلم القومي من كوارث على البلد الواحد وعلى الأمة بكاملها.
الجزائر كانت ضحية الظلم، العراق كانت ضحية الظلم، لبنان في حربها الأهلية الممزقة كانت ضحية الظلم، أفغانستان في مسيرتها المضطربة وفي خسائرها الكبرى كانت ضحية الظلم. فلطسين اليوم وتحت وطأة العدو الشرس والهيمنة العالمية اليد التي يقال عنها بأنها قوية فيها وهي اليد الإسرائيلية لا يمكن أن يكون صحبها على أمن، ولا يمكن أن يطمئن، أو يستريح. أي بلد من البلدان وأي أمة من الأمم يدخلها الصراع الداخلي لا يهنأ فيها أحد، ويشقى فيها كل أحد.
تعالوا نكن أسرة وأسرة حقيقية، وشعار الأسرة شعار تكون له قيمته بمضمونه الحقيقي. تعالوا نكن أخوة وللأخُّوة حقوق، تعالوا نلتزم بحقوق الأخُّوة والأسرية، تعالوا نكن اخواناً على طريق الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واهدنا بهدى الإيمان، ولا تضلنا طرفة عين أبدا، أستغفر الله لي ولكم ولإخواني المؤمنين والمؤمنات أجمعين.
اللهم اغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”