خطبة الجمعة (126) 30 جمادى الثاني 1424هـ – 29 أغسطس 2003م
مواضيع الخطبة:
الإسلام – محاولة الاعتداء الآثم على آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم – اعتزال الأستاذ الفاضل المجاهد عبد الوهاب حسين للخطاب
السياسي – سنة دراسية جديدة ومسؤولية متجددة – مقارنة بين موقفين
الفقهاء العدول وصية الرسل في الأمة. الأمة موصاة من قبل الرسل والنبيين والأئمة عليهم السلام بحفظ
حصن الأمة والدين، والتضحية من أجل هذا الحصن لأنه لو انهدم ذهبت الأمة وانهدم الدين.
الخطبة الأولى
الحمد لله بجميع محامده كلِّها، على جميع نعمه كلها، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله الذي لا شيء يُخاف كما يخاف،
أو يرجى كما يرجى، أو تطلبه العقول كما تطلبه، أو تطمئن إليه النفوس كما تطمئن إليه، أو تتعلق به الأرواح كما تتعلق به، أو تتوله له القلوب تولهها لجماله وكماله.
إنه لو أصغى المرء إلى عقله، ورجع إلى حديث فطرته، ونظر واعتبر، وتفكر وتبصَّر لما وجد أن له أن يستكبر فيستدبر أمر ربه ونهيه، وأن يحتمي من الله بأعدائه من عبيده، وأن يطلب مهربا من حكومته في أرض أو سماء من صنعه، وقائمة بمدده وتدبيره، وأمرُها في يده. ويل لمن كانت طاعته لغير الله، ومن ظن أن له مهربا من الله، ومن شرق أو غرب يطلب العزة من غيره.
نعوذ بالله من غياب العقل، وغلبة الهوى، وضلالة الشيطان، وشر الفتن، وسكرة الغرور. ونستهديك ربنا، ونسترشدك، ونتوكل عليك، ونفوض أمرنا إليك يا أرحم الراحمين، وصل على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد يا إخوة الإيمان فليس كالإسلام في العدل، والإحسان، وفي الخلق الرفيع، والأدب الرائع، ولن تملك الأرضُ مبدءاً أو أطروحة تحيي الأنفس والحياة، وتتقدم بالإنسان وأوضاعه وشؤونه في المادة والروح كما هو الإسلام.
الأذكر بعض قواعد الإسلام وتوجيهاته التي لا يمكن أن تجاريها قواعد وتوجيهات أخرى في أي مبدأ من المبادئ، وأي اطروحة من الأطرحات.
من قواعد الإسلام وتوجيهاته في العلاقات بين الناس:
1. العدل: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ..”90/النحل. “إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً”105/النساء. “…. وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ..”80/المائدة. “…. فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ….”194/البقرة. “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ” 126/النحل.
قاعدة العدل قاعدة ضاربة الجذور في التصور الإسلامي، والعقيدة الإسلامية.
العدل مع الصديق والعدو، وفي كل الأحوال. فتشوا في الدنيا كلها عن قاعدة في أي مبدأ تجاري هذه القاعدة بسفنها واختلاف أبعادها وربطها بسلامة الدِّين وصدق الطاعة لربِّ العالمين.
2. الإحسان:
يتجاوز الإسلام بإنسانه من حد العدل إلى ساحة الإحسان، والإحسان أمر فوق العدل “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ….”90/النحل.
وانظروا قوله تبارك وتعالى:”وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ” اصبر وتفوق حتى على مسألة رد العدوان بمثله إذا كان ذلك لا يخالف مصلحة الدين ولا توجيهات أساسية أخرى تضمن عدم الفوضى الاجتماعية.
” ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ”وذيل الآية الكريمة فيه تأشير للأخذ بالعفو والمغفرة ما أمكن، وصلُح ذلك في الإسلام، ولمصلحة الحق.
3. الإيثار:
” وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ… “، ” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ” وهذا خلق رائع تتجاوز من خلاله النفس ما هو المعقول من السلوك عند أهل الأرض، ومن كل حبّهم محبون للدنيا، ولا يرجون شيئا غيرها. لا يؤثر على نفسه إلا من رجا الله وأمّل في ثوابه.
4. المكافأة الحسنة:
” وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا” الإحسان يأتي ابتدائيا، وأما المكافأة الحسنة فموضوعها أن يسبق ذلك إحسان، فإذا أحسن لك محسن فعليك أن تؤدي له إحسانه؛ هذا إذا لم تضف عليه وهو المطلوب أولاً.
“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ “.
تقول الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:”المكافأة عتق” من صنع لك جميلا حكم رقبتك، وملك عنقك، واسترقّك، ولا تخرج من رقِّه لك إلا أن تكافأ إحسانه.
“المعروف غلّ لا يفكّه إلا مكافأة أو شكر”.
في قوله تعالى:” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ” يقول الحديث عن أحدهم عليهم السلام وهو مذكور في المصدر:”جرت في المؤمن والكافر والبَرِّ والفاجر – آية:” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ” ليست خاصة بدائرة المؤمنين – من صُنع إليه معروف فعليه أن يكافأ به، وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتى ترى فضلك، – المطلوب الأول هو أن تزيد على صنع المعروف لك معروفا أكبر – فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء”.
5. تقابل الحقوق:
عن أمير المؤمنين عليه السلام:”ثم جعل – سبحانه – من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضا، ولا يُستوجب بعضها إلا ببعض” وهذا يعني أن ليس لك في المنطق أن تتمسك بحقك وأنت تهدم حقوق الناس وتتنكّر لها. أول ما تُطالِب به من حق هو أن تطالب نفسك بحق الغير.
6. رد فعل مترفع:-
“أقبح المكافأة المجازاة بالإساءة”.”من كمال الإيمان مكافأة المسيء بالاحسان”.
“من أكرمك فأكرمه، ومن استخفك فأكرم نفسك عنه”. في حديث آخر “من انتقم من الجاني أبطل فضله في الدنيا، وفاته ثواب الآخرة”. وكل هذا – أي مكافأة الإساءة بالإحسان والترفع عن رد الإساءة بالمثل – حيث لا يغري الإحسان الطرف الآخر بالإساءة خاصة تلك الإساءة التي تتعلق بالشأن الاجتماعي، ولا يؤدي الترافع عن الرد العادل إلى التمادي في السوء.
أما المسيء للدين، والمسيء للمجتمع المؤمن فإن مكافأته بالإحسان جريمة حين يدفعه هذا الإحسان إلى التمادي في الإضرار بالدين وبالمؤمنين.
وفي التعامل الفردي أنت تحسن لمن أساء إليك تربية له وتعطفا، وذلك ينتهي عند حدّ معين.
7. سقوط لا يرتكبه مؤمن وانحطاط إلى الحضيض لا يصير إليه مسلم:
“عادة اللئام المكافأة بالقبيح عن الإحسان”. أمر لا يرتكبه مؤمن أصلاً.
“شرّ الناس من كافأ على الجميل بالقبيح”. ولكن عزيزي لا تخلط فمن أعطاك دولاراً ليسلب منك دينك فقد أساء إليك ولم يحسن. لا تقل أن هذا أحسن إلي وعليَّ أن أحسن إليه.
من قدم لك الدنيا كلّها لينزل بك درجة واحدة في الجنة فقد خانك وأساء إليك.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وزيّنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات بأخلاق أهل محبتك، واجعلنا من الصادقين في ولايتك، وهب لنا رأفتك ورحمتك، واغفر لنا ولهم، ولوالدينا وأرحامنا، وكل من كان له حق خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4))
الخطبة الثانية
الحمد لله مالك الملك، مجري الفلك، مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، لا مالك إلا بتمليك منه، ولا متصرف إلا بإذن من عنده، و لا نور هدى إلا من فيضه، و لا حق فيما خالف دينه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وسلاما.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، وكقى بالتقوى شرفا أنها غاية الصراط المستقيم والمنهج القويم. قال عز من قائل:” وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” 153/ الأنعام، ويقول سبحانه:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “183/البقرة. وعن أمير المؤمنين عليه السلام:”التقوى ثمرة الدين وأمارة اليقين”.
وتبلغ التقوى بصاحبها أن يكون حصنَ أمان في الناس فعن الصادق عليه السلام:”العلماء أمناء، والأتقياء حصون، والعمال سادة”.
عباد الله خذوا حظكم من الدنيا، وتزودوا للتي هي أبقى، وعن قريب ينظر الناظر فيرى أن ليس له في آخرته إلا ما قدمت يداه في دنياه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، والله ولي الأمر كله وهو أرحم الراحمين ولا يظلم ربنا أحدا.
نعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، ومن خزي الدنيا والآخرة. ربنا آتنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار.
اللهم صل وسلم على البشير النذير، والسراج المنير محمد ابن عبد الله الصادق الأمين، ورسول رب العالمين، وعلى آله الطاهرين. وصل وسلم على الإمام الزاهد، والولي العابد علي ابن أبي طالب، وصل وسلم على الصديقة النوراء، فاطمة الزهراء، وصل وسلم على السبطين الزكيين، والإمامين الرضيين الحسن ابن علي ابن أبي طالب وأخيه الحسين. وصل وسلم على أئمة المسلمين، وهدى المؤمنين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري أعلام الحق المتقين. وصل وسلم على مظهر الشريعة والدين، ثاني عشر الوصيين، القائد الأغر محمد بن الحسن المنتظر. اللهم عجل فرجه، وانصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبينا، ومكن له دينه الذي ارتضيته له، وأظهر به الحق، وأزهق به الباطل يا قوي يا عزيز
الموالي له، المعادي لأعدائه، المشفق على أوليائه، المناصر لمنهجه، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الأخيار، والمجاهدين الغيارى، والعاملين في سبيل الله، المبلغين لكلمات دينه، والمؤمنين والمؤمنات وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم في سبيلك، واسلك بهم صراطك المستقيم، وانصر بهم منهجك القويم وباعد بينهم وبين ما يريده بهم الظالمون من سوء يا كريم يا رحيم.
أما بعد أيها الأحبة في الله فهذه قضايا من قضايا الخارج والداخل يتناول الحديث منها ما وسع الوقت:
1- محاولة الاعتداء الآثم:
محاولة الاعتداء الآثم على آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم حفظه الله وأيّده، وحفظ مراجع الدين وأيدهم.
– مراجع الدين رصيد ضخم للدين والأمة ومستوى نادر فقد لا تلقى في الألف فقيها، وقد لا تلقى في خمسة آلاف فقهيا، وقد لا تلقى في مائة ألف فقيها. والفقيه الفذ قد لا تلقاه في عدد من الملايين، والمراجع عملة صعبة لا تعثر عليها الأمة بسهولة.
– هم حصن منيع للدين، صمامات أمان لحفظه، وحفظ الأصالة والاستقلالية والعزة والكرامة. هم ربّان سفينة الدين للأمة. ذهاب الفقهاء بدايةٌ؛ نهايةُ محق الأمة منها ليست بعيدة.
– هذا الوجود الضخم، هذا الرصيد الهائل، هذا الحصن المنيع لا بد أن يكونوا مستهدفين من أعداء الله، ومن أهل العصبية العمياء.
– ولا يسع المؤمنين في كل الأرض والمسلمين المخلصين أبدا أن يفرِّطوا بمحل وصية الرسل والأئمة عليهم السلام من الفقهاء العدول. الفقهاء العدول وصية الرسل في الأمة. الأمة موصاة من قبل الرسل والنبيين والأئمة عليهم السلام بحفظ حصن الأمة والدين، والتضحية من أجل هذا الحصن لأنه لو انهدم ذهبت الأمة وانهدم الدين.
2- اعتزال الأستاذ الفاضل المجاهد عبد الوهاب حسين للخطاب السياسي يوم الجمعة وفي جلسته الأسبوعية الخاصة:
– أنا لا أشارك الأستاذ في قناعته مع لقاء متعدد لي به في هذه المسألة.
– أما المعتصمون عند منزله لعودته لصلاته وخطابه فقد عبروا عن واجب، وتحمّلوا مسؤوليتهم في هذا الجانب، وأبدوا وعيا وفهما والتفافاً بمن يستحق الالفتاف، وهم مشكورون.
– الأستاذ لم يقع في عزلة ولا انعزال من ناحية سياسية بالكامل إنما فيما أصر عليه أنه سيتوقف – لا أدري إلى متى – عن الخطاب السياسي، ولن يبخل بمشورة أو مشاركة في رأي. سيبقى الأستاذ عبدالوهاب يحترم العلماء ويحترمونه، ويساند العلماء ويساندونه، ويحترم الرموز السياسية من إخوته المؤمنين ويحترمونه، ويساندهم ويساندونه، وسيبقى صوتا ناطقا بالحق إن شاء الله، ولمعاناة المؤمنين، وناطقا بضميرهم، وبوعيهم الديني وما هم عليه من استمساك بالدين القويم.
3- سنة دراسية جديدة ومسؤولية متجددة:
– كل سنة دراسية تتباعد بالطالب أو تقترب به من الخط الصحيح، والخلق القويم، ومن هوية الأمة، ومن منابع الدين ومن الارتباط الواعي بقضيته الحضارية، وبكتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
– ومطلبنا الملح هو أن تعمل الحكومة والوزارة والمدرسة والمدير والأستاذ والأب والأم والمحيط وكل فرد على أن يقترب الطالب في سنته الجديدة من أصالته، من خطه الحضاري، من الخط الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة الوسط، الأمة الرائدة والمنقذة للناس من الهوى والجهل والبغي في الأرض.
والمسؤولية مسؤولية لا تقاس بالنسبة للأب والأم، مسؤولية الإثنين كبيرة في حق ولدهما. الأب والأم اللذان يعز عليهما أن يصاب ولدهما أو بنتهما بشوكة، ولو أصيب بشوكة لأصيب بهذه الشوكة قلبهما؛ عجباه كيف يعز على قلبهما أن تمسّ شوكة قدم الولد، ولا يعز عليهما أن يتحول الولد وقوداً للنار “… قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ… ”
– هناك تطلع متعلق بالأجيال الصاعدة وهي أن تكون لهذه الأمة، وأن تكون لقضاياها ولمصالحها ولأصالتها ولرسالتها في الأرض لا أن تكون عوناً لطغاة الأرض على المؤمنين والمسلمين في ديارهم.
4- مقارنة بين موقفين:-
– كان كلام في الخارج عن الوضع السياسي الداخلي، وهذا الكلام هو من الكلام الذي يقال في الداخل ولا يزيد عليه. هذا موقف.
– موقف آخر هو أن هناك إعداداً خارجيَّاً للقادة المستقبليين في الداخل. وهو إعداد من أمريكا كما ذكرت الصحف، وأن أمريكا لها مشروع قائم على الأرض يتكفل بإعداد قادة مستقبليين لبلادنا العربية والإسلامية.
إذا كان الموقف الأول يمثّل خطراً، وليس كذلك لأن الكلمة ذات المضمون الواحد، والعلنية، والتي لو قيلت هنا لشرّقت وغرّبت، ولو قيلت هناك لوصلت هنا، هذه الكلمة لو قيلت في الخارج فهي لا تحمل خطرا أكبر من أن تقال في الداخل.
مع ذلك أقول لو كان ذلك الكلام يحمل خطرا فأي الموقفين يحمل خطورة أكبر على الأمة، على تاريخها، مستقبلها، أصالتها، مصالحها، هويتها؟ أن يقال كلام عابر من ذلك النوع وإن كان في بلد آخر، أو أن يتدخل الأجنبي مباشرة في صناعة رجال المستقبل هنا، وتحت سمع وبصر الكل. وعجبا من الصحافة أن تواجه الكلام الأول المذكور بالاستنكار والتوعد الشديد، وتشن حملة شرسة على الكلمة وقائلها.
أما الموقف الثاني وهو التدخل الأجنبي، فالصحافة تقدّمه بصورة مغرية للناشئة والشباب وكأنها دعوة صريحة لكل نابه في هذه الأرض، ولكل عقل ترتقب منه الأمة خيرا إلى أن يلتحق بالقافلة الأمريكية التي تغزو أمتنا على كل الأصعدة والمستويات. هنا لغز، وكثيراً ما يُسكت عن الألغاز.
وهل أمريكا تعرف العدل والإحسان؟ تبحث عن أذكيائنا لتصنعهم صنعا لنا؟ تبحث عن العقول هنا لتربيها هناك فتأتي رجالاتٍ تحمل رسالة الأمة وهمها، وتعمل على طرد عدوها الغازي المستكبر الأجنبي من أرضها؟ هذا تفعله أمريكا؟ هذا يتجاوز الإحسان، هذا يمثل حالة انتحار للذات، أتنتحر أمريكا هذا الانتحار؟ أمريكا يمكن أن يدخل في قاموسها عدل أو إحسان؟!
الفلسفة التي تقوم عليها الحياة الأمريكية من ألفها إلى يائها رسميا هي مبدأ المنفعة واللذة المادية. وكل شيء وسيلة، والمنفعة واللذة غاية. والدين واحد من مراكب أمريكا إلى تحسين الوضع الاقتصادي الأمريكي، والرفاه الأمريكي، والغطرسة الأمريكية.
هذه الفلسفة يدخل في حسابها إحسان أو عدل؟! وماذا يقول الواقع؟ العقل الذي ربّته أمريكا ليحكم أفغانستان ربّته لمصلحتها أو لمصلحة أفغانستان؟ الآن لو تأتَّى لها الأمر في العراق فمن ستأتي به للحكومة؟ هناك الآن في الحكومة الانتقالية عناصر إسلامية ولكن هذه العناصر الإسلامية فرضها الواقع وليس هو شيئاً من تبرع أمريكا. دخول العناصر الإسلامية في الحكم الانتقالي في العراق ليس هدية من أمريكا، وليس تبرعا، ولا عدلا ولا إحسانا. إنه الواقع العراقي القوي الذي يفرض نفسه.
وهي تحاول في العراق أن تستلب كل مقدراته ومقدراته وأن تذله.
اللهم صل وسلم على نبيك وحبيبك المصطفى، وعلى آله أهل الوفاء، واجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات لا نوالي عدوك، ولا نعادي وليك، ولا نطلب العز والرفعة إلا منك بالطاعة والذل بين يديك، واجعل ثقتنا بك وتوكلنا عليك، وادرأ عنا الشرور والآفات. اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن يهمنا أمره ومن علَّمنا علما نافعا يقربنا منك وينجينا عندك، ومن أحَسَنَ إلينا من مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة يا كريم يا رحيم.
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)النحل/90