خطبة الجمعة (121) 24 جمادى الأول 1424هـ – 25 يوليو 2003م.

مواضيع الخطبة:

الموت تعقبه حياة – الصداقة البحرينية الأمريكية – الندوة المعارضة للتجنيس – قتل عدي وقصي

والتجنيس السياسي إضراري ولا يوصف بأنه عدل أو إحسان للغير، وما وقع على وجه الظلم وخارج القانون
بقاؤه تكريس للظلم واختراق للقانون.

وكيف يكون التجنيس السياسي عدلاً وفيه ظلم للمواطن؟! وكيف نقول أننا نحسن للمجنسين
من الخارج ونفخر بذلك في حين أن هذا التجنيس نتيجته الحتمية ظلم المواطنين؟!

الخطبة الأولى

الحمد لله رب الآخرة والأولى، القائم بالقسط، القاضي بالحق، الحاكم بالعدل، لا يغادر حفظه كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، ولا تضيع مظلمة مظلوم في حكمه، ولا مفرّ لظالم من قدرته، إليه المنقلب ولا منقلب لغيره، وإليه المرجع ولا مرجع لسواه، كل الخلائق تقف بين يديه، وحسابها عنده، وجزاؤها بيده، ولا حول ولا قوة إلا به.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صدّق به عن معرفة يقينٍ، وعبده عبادة المخلصين، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين. صلى الله عليه وآله الطاهرين.

أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله والاهتداء بهداه، والإتباع برسالاته، والإقتداء بأنبيائه ورسله وأوليائه، والاعتصام بكلمته، فمن اعتصم بكلمة الله كان فيها نجاته، ومن رضي عنها بدلا كان وليه الشيطان الرجيم، ومن يكن الشيطان وليَّه فهو له في النار قرين.

اعلموا عباد الله أنه لن يجمع أحد للدنيا ما يحول بينه وبين يوم الفراق، ولن يؤخره عن أجله أن يكون قد احتاط للبقاء، وكم احتمى الطغاة الجبابرة عن الموت، وزوال الملك بالمال والجند والقلاع والدعاية والإعلام والسلاح وغلب الرجال، فما منع شيء من ذلك هجمة الموت، وانقضاض المنية، وسوء المصير.

وكم من معذّب منهم في حياته لا ينقذه منقذ من قدر الله على ما يتراءى بيده لنفسه وللمغرورين الغافلين من حول وطول وأسباب.


اللهم أعذنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من غرور الدنيا، ومضلات الفتن، ولا تجعل آمالنا معلقة بزينتها الزائلة، وزخرفها الفاني، واصرف وجوهنا إليك، وهممنا إلى طلب رضوانك، وصلّ على محمد وآله وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد أيُّها المؤمنون والمؤمنات..


فحريّ بنا أن نتأمّل قوله تبارك وتعالى:”يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره”.

والآيتان تقدمان للإنسان تصورا خاصا، التصور الذي يعيشه الإنسان المسلم أخذا بما جاء به دينه أن الموت تعقبه حياة، وأن اليوم زرع، وغدا حصاد، وهذه الدنيا لها غاية، وإنما تقع الدنيا بالقياس إلى هذه الغاية موقع الإعداد، هذا خط.

خطٌّ آخر؛ أن الرصدَ لثواني الحياة، ولذرات الأعمال، ولرمزات الألحاظ، ولهواجس القلوب، ولخطرات النفس، ولكل ما أتته يد في هذه الحياة رصد شامل، والحفظ لكل ذلك حفظ كامل، والعرض لما رصد من حياة الإنسان سيكون عرضاً تامّاً إلا أن يتوب تائب عما أذنب فيستر الله.

والحساب حساب دقيق، والجزاء جزاء عادل لا ظلم فيه، ثمّ إنّه “لكل نفس ما كسبت، وعليها ما اكتسبت” وأنّه “لا تزر وازرة وزر أخرى”.

احمل معك هذا التصور، وقد أقمت الاعتقاد به على دليل قاطع فيما يُفرض، وهذا التصور ينبت مشاعر، وتقوم عليه أحاسيس، وترتسم في ظله نفس، مما يعطيه هذا التصور الشعور بالوقت، وبقيمته العالية وهو شعور لا يسمح بهدر لحظة ولا تضييع ثانية، في ظلّ هذا التصور ترتفع قيمة الوقت بما لا ترتفع به في ظل أي تصور آخر، ويكفي لأن تأخذ الثانية الواحدة من العمر قيمة عالية في نفسك أن تتذكر بأن ثانية من الطاعة قد تُكسبك خلود السعادة، وأن ثانية من المعصية قد تنقلب بصاحبها إلى النار.

مع الشعور بالوقت أو هو منه، الشعورُ بمسؤولية العمل، والشعور بنوع العمل من خير أو شر، فحينما نعرف أن الوقت ثمين، وأن غلاء الوقت من خطورة النتيجة التي يُعقِّبها العمل وقيمتها، فلابد أن يقوم في النفس شعور بمسؤولية العمل. تعني قيمة الوقت تماما قيمة العمل، فإذا كانت اللحظة الواحدة ستؤول بي إلى جنّة، أو ستنقلب بي إلى النار فلابد أن أشعر بالمسؤولية اتجاه الثانية وما سأعبء به هذه الثانية من العمل.

وهنا تقف النفس عند العمل لتتبيّن ما هو منه خير، وما هو منه شر، الثانية من عمل الخير جنّة، والثانية من عمل الشر نار، فإذا لابد أن أعرف نوع العمل الذي أعبء به الثانية، وأنا أختار منقَلباً إلى الجنة أو منقلبا إلى النار.

من الشعور الذي يقوم على التصور الإيماني بالآخرة وحسابها وثوابها وعقابها، ويومِ الزلزال هو حسّ المستقبل. المؤمن لا يمكن أن يكون البهيمة التي لا يُشغل نفسها إلا شعور لحظتها وحاضرها، قد تمتدّ نظرة إنسان امتداداً مستقبلياً، ويدخل المستقبل في حساباته ولكن ليس كالمؤمن أحد يدخل المستقبل في حسابه، ويشعر بمسؤولية المستقبل وثقلها.

هذا الإحساس بالمستقبل عند الإنسان المؤمن يكون في صورة قلق وخوف من هول المستقبل، وفي صورة أمل مخضلٍّ وسامق في عطائه وخيره الذي وعد به الله، وهو حسٌّ يصنع حركة الحياة على مسار الخير والفضيلة.

ومع هذا الحس حس آخر؛ هو ما نستطيع أن نطلق عليه بالحس الغيري، حيث تكون منفعة الغير من عمل الخير الذي يجتني الفاعل ثمرته. الإسلام جعل الدنيا طريق الآخرة، ولا يكلّفك الإسلام أن تفعل لغير صالح ذاتك، لا يطلب منك الإسلام المستحيل بأن تنسلخ عن حب ذاتك، إنه يريد لك أن تنسجم دائما مع حب ذاتك، وكيف يريد الله عزّ وجل منك أن تنسلخ عن حب ذاتك وقد زرع في فطرتك هذا الحب؟! وهذا الحب هو سرُّ خيرك، وسر بقائك، وكل ما يريده الإسلام منك هو أن تعرف كيف تحب ذاتك، أتحب ذاتك بأن تأخذ بها على طريق النار؟!
وطاعة الشيطان؟! أو أن حب الذات لا يكون حقيقياً وصادقاً إلا بأن يضع المرء خطاه على طريق الله؟! وحيث تؤثر غيرك على نفسك بدنيا، ويعطيك الله عزّ وجل أضعافا مضاعفة فيها أو في ما هو خير منها من الآخرة فأنتَ وأنتَ تؤثر على نفسك؛ إنما تطلب خيرها. أنك قد تبذل القليل لعباد الله ولكن قد ضمن الله، عز وجل لك بأن يعوّضك الكثير.

هذا الحس الغيري أتم ما يتم وأركز ما يتركز حيث يكون الإيمان بالآخرة ووعد بالثواب والعقاب وإيمان بذلك، لأننا نرى من الواقع أن الدنيا قد يضيع فيها إحسان المحسن، وقد يأخذ المسيؤن موقع المحسنين، وكثيراً ما يتنكر الناس الجميل، وكثيرا ما تبقى شخصيات عملاقة لا يعرفها أحد لتنال منه أي تكريم.

هذا الحس الغيري الذي يبني المجتمعات، ويعمر الدنيا، ويُبقي على الأمم، ويتقدم بها أنبت ما ينبت في ظل الإيمان؛ الإيمان بالآخرة، الإيمان بيوم الزلزال، بيوم الحساب، بيوم الثواب والعقاب، وإنه ليغني الذات، ويرتفع بمستواها قيمة في نفسها.

أنا لا أرى لنفسي قيمة عالية لو كان آخر مطافي فيما أعلم هو أن أتحول إلى جثة هامدة، وإلى جيفة منتنة، إنما تكبر ذاتي في ذاتي حينما أعلم أن هذه الذات مؤهلة إلى أن تخلد في السعادة، وإلى أن تسابق الملائكة حتى تتجاوزهم مقاما.

فالحس الأخروي لا بد أن ينعكس على الذات إيجابيا في قيمة الشعور بذاتها.الحس الأخروي يقوم عليه شعور آخر، الشعور بأن لا خسارة حيث تكون القدم على طريق الله، وأن مشاكل الدنيا مشاكل منقضية، وأن متاعبها لا يكون منها تعب صبرت عليه النفس في سبيل الله إلا وكان من ثواب الله عوضا عنه ما يسر النفس.

هذا الشعور يقي من الانهيارات النفسية أمام مصاعب الحياة، ويثبت القدم على الطريق، ويعطي قوة المقاومة والمناطحة لكل باطل وشر.ينضاف شعور آخر، هو الشعور بالزهد في هذه الحياة زهداً لا يقلل من الحركة والفاعلية فيها، ذلك أن النفس – نفس المؤمن – ترتفع مستوى، وتتعملق في الشعورُ بالقيمة حتى لا يساوي هذا الشعور بين النفس وبين الدنيا، ولا يرضى هذا الشعور للنفس أن تكون قيمتها الدنيا، فزهد الإنسان المؤمن في الدنيا في أكبر القصور… في أبذخ حياة… في أضخم المراكب… في الحقول الممتدة ليس زهدا مرضيا، إنما هو الزهد الاستعلائي. نفس كبرت ورأت أنها قبس من نور الله ولا يصح لهذا القبس من نور الله أن يذوب في الطين، وإنما ينوّر هذا القبس الطين… يرتفع بمستواه… يعطي له مسحة الإيمان، أن يرتفع بمستوى الطين، أن يعطي للطين مسحة الإيمان، يعطي ويحرّكه في مسار العدالة، ويضفي عليه حركية في اتجاه الله يضفي على الطين ومتحولاته وكل شيء في هذه الحياة دوراً رسالياً فاعلا مربّياً، ويجعل الطين كلّه وسيلة في الاتجاه الصاعد إلى الله سبحانه وتعالى. فهو زهد لا يعطّل الحياة، وإنما زهد يفعل في الحياة من أجل هدف أكبر
من الدنيا.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واحمنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من وسوسة الشيطان وهوى النفس، وغرور الدنيا، ونسيان الآخرة، واجعلنا من أهل طاعتك، والجد في مرضاتك، وسلم لنا ديننا ودينانا.واغفر لنا جميعا ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن كان له حق خاص علينا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم
الراحمين.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ )

الخطبة الثانية

الحمد الذي بعد فلا يرى، وقرب فشهد النجوى، لا تدرك ذاته، ولا يحاط بصفاته، حاضر كل ملأ، عالم كل نبأ، خبير بما ظهر وبطن، محيط بما كان، وما يكون، وما كان ولا يكون شيء إلا بإذنه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم شرفا وكرامة.

أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله فللمتقي كما عن علي عليه السلام “هدى في رشاد، وتحرج عن فساد، وحرص في إصلاح معاد”. ومن عطاء التقوى ما حملته الكلمة عن الصادق عليه السلام:”ما نقل الله عز وجل عبدا من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه من غير مال، وأعزه من غير عشيرة، وآنسه من غير بشر”.والتقوى أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، وطريق العبد إلى ربه تقواه، وهي نعم المركب إلى رضوان الله، وليس من غاية فوق رضى الله الجليل الجميل، العلي العظيم.

اللهم انقلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من ذلِّ المعاصي إلى عز التقوى، وشرف الطاعة، وحصن الإيمان. اللهم صل وسلم على حبيبك المصطفى، نور الوحي وكلمة التقوى، محمد النبي الأمي وآله قادة الورى. وصل وسلم على علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين. وصل وسلم على فاطمة بنت النبي، وزوج الوصي، وأم الحسنين الشهيد والزكي. وصل وسلم على إمامي الهدى، وعلمي التقوى، والعروة الوثقى الرضيين الوفيين الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الحسين.

وصل وسلم على الخلفاء الراشدين، والأئمة المعصومين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الهداة المهديين.
وصل وسلم على الإمام العالم، والقائد القائم محمد بن الحسن المنتظر والمؤتمن.

اللهم عجِّل فرجه، وسهِّل مخرجه، وانصر ناصره، واخذل خاذله، واملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملأها الطغاة جورا وظلما.اللهم الموالي له، المؤمن بدولته، المناصر لقضيته، الممهد بالحق لظهوره، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء العاملين، وأبناء الإسلام المجاهدين في سبيلك اجعل عملهم صالحا، وسعيهم رابحا، وجهادهم مفلحا، وانتصر لهم، وانصر بهم دينك، وأعز بهم ملتك يا قوي يا عزيز يا فعال لما يريد.

أما بعد أيها الجمع الكريم فالقضايا المختارة للحديث ثلاث:-

القضية الأولى:الصداقة البحرينية الأمريكية:-

1- الموضوع هو علاقة صداقة بين أمريكا والعرب. والفعلي من هذا الموضوع هو علاقة الصداقة بين أمريكا والبحرين.
2- والمبادرة من مؤسسات أمريكية وحسب ما يقال، أنها خاصة غير حكومية. وهذا القول غير مأخوذ على نحو أنه هو الواقع.
3- المحرك لهذه الصداقة شفقة هذه الجهات الأمريكية على العرب، هذه الشفقة دفعت للعمل على تحسين صورتنا في أمريكا. فالغرض من هذه الصداقة والذي فكر فيه الأمريكيون هو أن تتحسن صورة العرب عند الأمريكان (1).

4- البحرين وحدها وقبل موافقة أي دولة عربية وعبر وزارة الإعلام أعلنت موافقتها على تسيير قافلة صداقة إلى أمريكا وحسب المقترح الأمريكي، وتضم القافلة مفكرين وطلبة، وكلفة المشروع عشرة ملايين وفي مقدمة داعميهم النادي الروتاري في البحرين. ويستمر المشروع لمدة عام كامل تزور فيه القافلة حوالي مائة مدينة أمريكية. ويشمل المشروع الذي ستلعب البحرين دورا فاعلا في دعمه فعاليات ثقافية واجتماعية.

ممن يشارك في القافلة مجموعة من الجهات في البحرين منها الفرق الفنية والمفكرون ورجال الأعمال، والشخصيات النسائية القيادية. وسيكون منتدى مباشر بين المدارس في ميرلاند والمدارس في الدول العربية المختارة وتحديدا كما يقول الخبر البحرين. وقد تم اختيار فرقة محمد بن فارس الشعبية للمشاركة في القافلة كمرحلة أولى، في الطريق إلى اختيار فرق وهيئات أخرى لعرض الفنون الشعبية، إضافة إلى عرض للأزياء التقليدية البحرينية.

ما هو الصدق يا وزارة الإعلام؟ المطروح صداقة أو بيع شعب وحضارة وتاريخ، وأخلاق وقرآن؟ ما نؤمن به أن المطروح مسخ هوية، وعدوان على الأمة وكرامتها؛ وحضارتها وتاريخها. المطروح صناعة طواقم أمريكية من داخل البحرين ومن داخل الوطن العربي والأمة الإسلامية لنشر القذارات الأمريكية في بلادنا.

انظروا من سيمثّل حضارتنا في الحوار مع أمريكا إذا كان حوار وليس من حوار إنما هو استسلام، وإنما هي تلمذة الذي سيمثلنا نادي الروتاري، وهو المؤهل لأن يتحدث بلغة القرآن وبالأصالة الحضارية وهموم الأمة وتطلعاتها. والممثل الآخر لحضارتنا العريقة وإسلامنا الكبير، ولقرآننا المجيد، ولخطِّ نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله هي الفرق الفنية الشعبية فمبروك لنا وألف مبروك.

آخرون يقاتلون من أجل الهوية، ويبذلون الدم ويفارقون راحة الدنيا ومكاسبها من أجل الحفاظ على الذات الحضارية، وحتى حضارات مادية هابطة لا تقبل الغزو الثقافي الأمريكي، وتتنازلُ عن مكاسب وأرباح مادية هائلة من أجل الحفاظ على هويتها، أما نحن فنبيع الهوية والدين وندخل في التآمر على الأمة وكيانها ومع ذلك ندفع الثمن، فلا ندري كم هي الحصة التي سندفعها من عشرة ملايين – ميزانية المشروع الهدام.علينا أن نستحي: لأن بلداناً تخوض معارك دموية من أجل الحفاظ على الهوية، ونحن نعطي من ميزانية المحرومين للحرب على الدين والقيم والمصالح القومية والوطنية.

نحن نعلم أن هدف هذه مشاريع الأول هو التصفية المعنوية لكيان الأمة، وعلى العابثين بمصير أمتنا أن يتوقفوا عن ذلك.ثم إن على الشعوب أن تتحمل مسؤوليتها وهي لا تشهد مسرحية تآمر إنما تشهد واقعا صارخا من التآمر وهو واقع لن يبقى من هويتها ولن يذر.

القضية الثانية: الندوة المعارضة للتجنيس:

الصحيح أن يقال بأن الندوة الشعبية المعارضة للتجنيس والملف الوثائقي المرتبط بقضيته إنما هما لون من الاستجابة لتطلعات الشارع الذي زحف جموعا كبيرة لحضور الندوة، وما ينبغي أن يقال عن هذه الندوة بأنها تجييشٌ وتهييجٌ للشارع الذي لم يترك الحديث عن مشكلة التجنيس في يوم من الأيام منذ أن تم فتح ملف هذه القضية، وبدأ الشعب يتنبه على خطرها، وبدأت تضغط على أوضاعه المعاشية والاجتماعية وغيرها.ومن جهة أخرى لا يعني وجود المجلس النيابي ولو في أتم صوره الديموقراطية أن يفقد الشعب كلمته، ويجمِّد دوره، وينعزل عن المشاركة السياسية بكل مستوياتها، ويهمل مطالباته العادلة بحلول المشاكل الخانقة، وليس صحيحاً من النواب أبداً أن يؤسسوا لهذا التهميش واللامبالاة والمشاكلُ المتراكمة والمتجددة على مستوى الحياة المادية والروحية أكثر وأكبر من أن تحل على يد المجلس النيابي من غير مشاركة شعبية فاعلة.

والتجنيس السياسي إضراري ولا يوصف بأنه عدل أو إحسان للغير، وما وقع على وجه الظلم وخارج القانون بقاؤه تكريس للظلم واختراق للقانون.

وكيف يكون التجنيس السياسي عدلاً وفيه ظلم للمواطن؟! وكيف نقول أننا نحسن للمجنسين من الخارج ونفخر بذلك في حين أن هذا التجنيس نتيجته الحتمية ظلم المواطنين؟!

نعم، لابد من مواجهة لمثل هذه الخروقات، ولابد من مواصلة المطالبة والعمل على حل المشاكل.وأقول في نفس الوقت وبمقتضي المصلحة العامة يجب أن تكون مشاركة جميع الأطراف في معالجة الأوضاع بأساليب وضغوط سياسية متزنة موافقة لأحكام الشريعة وناظرة إلى الدستور والأمن الوطني والوحدة العامة.وكل ذلك لا يعرقل مسار المطالبات العادلة بحلول المشاكل، ولم تعد الشعوب يناسبها أن تظل غافية، وأن تعطي الوكالة المطلقة لنائب أو بعض النواب بأن يرسموا مصيرهم من غير أن يعلموا هم شيئا(2).

القضية الثالثة: قتل عدي وقصي:

قُتل عدي وقصي أم لم يقتلا فإن الشعب العراقي غير متمثل في هذين الإثنين ولا أبيهما، وهو أكبر من أن يتلخص في هؤلاء الثلاثة وأمثالهم، ولا تعني نهايتهم لو كانت نهاية الخلاف مع الوجود الأمريكي المحتل أبداً، فإذا كانت للثلاثة وحزبهم وأضرابهم مقاومة فهي مقاومة مصلحية، أما مقاومة الشعب الأبي العراقي في أكثريته فلها مع بعد الحفاظ على الثروة والمكاسب المادية وخيرات الأرض وكنوزها من نهب المحتلين بعدٌ حضاري رسالي ثابت لا يتزلزل.

فموت عدي وقصي وموت صدام إذا حدث سيخفف من تعقيد الساحة العراقية بدرجة ما، أما الصراع مع المحتل فسيبقى ما بقي سببه من محاولةإذلال الشعب وتركيعه، والتنكر لمقومات حضارته، ومحاربة قواه الخيرة، وتقزيم رموزه الصادقة، وفرض الهيمنة على مؤسساته وقراراته، واستلاب خيراته، ونهب ثرواته والتحكم في حاضره ومستقبله. والسياسة الأمريكية التي تقف وراء الغزو ووراء الاحتلال هي سبب الصراع، وكلما بقي السبب بقي المسبب.

وكما تؤكد أمريكا أنها لا تقبل من الآخرين إلا بشاهد الأفعال، دون معسول الأقوال، فكذلك الآخرون لا يصغون لما تعد به أمريكا من ديمقراطية وإنهاء للاحتلال وهي المخلفة عادة للوعد، والناقضة للعهد، هذا وقد صرحت كثيرا بأهدافها العدوانية السيئة.

ومعلوم أن الشعب العراقي إلى الآن لم يدخل في مواجهة عامة جادة مع المحتلين لأرضه وسمائه، ولا زال يسمع الكلمات المهدئة من كثير من رموزه ومرجعياته. ويوم أن يُستثار بدرجة أكبر أو ييأس لابد أنه سيثور على ما يعاني منه ويثقله من آلام وجراحات.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحم أمة الإسلام في كل أقطارها، وأبدلها عن ضعفها قوة، وعن تفرقها وحدة، وعن ذلها عزة، وعن هزيمتها نصرة، وعن الفاسد من ولاة أمرها ولاة أمر صالحين. اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين ومن كان له حق خاص علينا منهم ولوالدينا وأرحامنا وأزواجنا وجيراننا يا كريم يا رحيم.

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -ولتتحسن صورتنا عند الأمريكان علينا أن نحقق مطامعهم فينا كاملة، ونناهض كل ما هو إسلامي، ونكون دعاة لكل ما هو أمريكي،
ونمسح أحذيتهم راكعين صاغرين.
(2) – أو يشاركوا بفعل. 

زر الذهاب إلى الأعلى