خطبة الجمعة (116) 19 ربيع الثاني 1424هـ – 20 يونيو 2003م

مواضيع الخطبة:

 

الأمانة (2) – أمريكا وإيران –
أمريكا و عراق 
– الشأن العلمائي

 

إيران لا تكون المواجهةُ معها
نزهة كما يعبرون وذلك لأكثر من جهة، وليس مثلُها مثل العراق وأفغانستان، والفرق ليس
فرق شعوب، وهي شعوب كلها رجولة، وكلها صمود، وكلها مواجهة، وإنما فرق أنظمة وعلاقة
بين كل نظام وشعبه، وفرق تربية عامة للشعب والجيش وكل القوى المقاتلة، وفرق قدرة
تسليحية جاهزة.

الخطبة الأولى

الحمد لله بديع السماوات والأرض، بارىء النسم، خالق ما يُرى وما لا يُرى، لا يغيب مخلوق عن علمه، ولا يقوم شيءٌ من دون إذنه، ولا حفظ لشيء إلا بأمره، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله صلاة كثيرة نامية.

أوصيكم عباد الله ونفسي المخادعة لي بتقوى الله، والبخلِ بالعمر إلا على رضوان الله والجنة؛ بأن لا يُنفق إلا في ما يرضيه سبحانه، ولا تُباع لحظة منه إلا في طاعته، ولا تُهدر في باطل فتكون غداً عذاباً، ولا في فراغ فتُرى يوم القيامة حسرة. وكم من مشترٍ بعمره العزيز ناراً؟! ومستبدل بأيامه عاراً؟! وكم من إنسان آلت نعم الله عنده على يده الآثمة وبالاً؟! ولا عاصم من أن تركب النفسُ الهوى، ويستبدَّ بها الشيطان الغوي إلا أن تذكر الله فتخشاه، وتُلازم منهجه وتقواه، ولن يكل الله نفسا إلى هواها وهي تطلبه، ولن يسلمها إلى شيطانها وهي تسترفد الهدى من عنده والنجاة.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولا تكلنا للهوى، ولا تُسلِمنا للشيطان، واجعلنا من أهل مودتك، والسعداء من أهل رضوانك يا كريم.

أما بعد أيها الأخوة والأخوات في الله فهذه مواصلة لحديث الأمانة:-
حكومة القيم:-

“لا تخن من ائتمنك وإن خانك، ولا تذع سره، وإن أذاع سرك” ثمّ وهكذا لا تظلمه وإن ظلمك. ولا تعتدي عليه بأكثر مما اعتدى عليك. ولا تنل من عرضه وإن نال ظلما من عرضك، كلّ ذلك لا من منطلق المصلحة الدنيوية وإنما من منطلق تقوى الله.

فالحكومة عند المسلم في قلبه، وعلى القرار الذي يتخذه إنما هي حكومة القيم، وليس أن تصرفاته وردود فعله من منطلق الانفعال. غير المؤمن يمكن أن يعطي ردود فعل طائشة من موقع الانفعال، وروح النقمة ولأن نفسه تُصرع للأحداث، أما المؤمن فإن له حكومة من حكومة العقل والدين والقيم، وكلّما كان الإنسان أكثر إيماناً كلما كانت أفعاله وردود فعله ليس لها من منطلق إلا حكومة القيم.

إنه إنسان غير مغلوب لهواه، وغير مغلوب للحدث الخارجي، والتحدياتُ التي تواجهه يرد عليها بمواقف يمليها الدين والعقل والقيم، وهذا صادق على مستوى الفرد المؤمن، وعلى مستوى الجماعة المؤمنة، والأمة المؤمنة.

وتعجز الدنيا عن صناعة هذا الإنسان، وعن أن تنتج النفس التي يخونها غيرها فلا تُقدم على خيانته، ويُذاع السر لها، وهي تحتفظ بسجل كبير من أسرار هذا المعتدي فلا تبيح لنفسها أن تكشف سرّه. أتدرون كم تحتاج النفس هنا من حالة الانضباط، ومن التحكّم في القرار؟ إن كاشف السرّ يريد أن ينسف حاضرك ومستقبلك، ربما كان السر الذي في يده فيه حياتك، وربما كان فيه شرفك وموقعك، فحين يقدم على كشف هذا السر إنما يقدم على تصفيتك الجسدية أو المعنوية، وأنت تملك أن تحدث له تصفية أسرع، ولكن لك من الدين ما يحكم تصرّفك، فلا تسيء مثله. ومن اتقى حماه الله وكفاه، وكان حارسه.

أي اطروحة في الأرض، وأي تربية ينتجها علم النفس وعلم الاجتماع تستطيع أن تعطي نفسا من هذا الطراز؟! القوة كل القوة أن تكون مع عقلك ودينك ورؤاك الأصيلة في أشد المواقف خطورة، وفي أقصى الحالات التي تثير الانفعال، ونفسٌ تملك نفسها، وتملك قرارها العاقل، وقرارها الحكيم أمام كل عواصف التحديات لا يمكن أن تصنعها غير الصناعة الإيمانية, وإلا فمن ذا الذي لا يخون من ائتمنه وهو يخونه، ولا يذيع سر من أذاع سرّه الذي فيه عنقه؟!

نعم، تعجز الدنيا كل الدنيا، ويعجز العلم البعيد عن الإيمان، وتعجز التربية الأرضية والتربية السماوية المحرّفة على يد الإنسان الآثم أن تخرّج مثل هذه النفس، ويأتي الحديث هنا ليُعلن هذه الحقيقة “من لا إيمان له، لا أمانة له”. لا أمانة له بلا هذا التحدي، لا أمانة له بهذا الامتحان الصارخ، والمؤمن على أمانة دائماً وإن عظمت التحديات.

مثالية لا تهدم نفسها:

ولا تذهب بك المذاهب إلى أنّ الإسلام يعيش مثالية تهدم نفسها، صحيح أن المثالية التي لا تعترف بالواقع، ولا تعطي حسابا للواقع هي مثالية تنتهي إلى هدم نفسها، ولا يبقى لها رموز في الأرض، والإسلام ليس كذلك، الإسلام على مثاليته أعرف المبادئ بالواقع، ومن أكثر المبادئ حساباً لمعادلات الواقع، ولكنه لا يذوب فيها وإنما يحاول دائماً أن يرتفع بها إلى مستوى القيم.

نقرأ الآية الكريمة هنا لنجد أنّ القيم الإسلامية ليس من نوع القيم التي تتسبب في القضاء على نفسها:} وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ{58الأنفال.

الآية في سياق آيات أخرى تتحدث عن مثل هذا الموضوع، وتقيد مجموعة الآية الكريمة أنه إذا كان قوم كثرت منهم الخيانة، وكان دأبهم ذلك كان على الإسلام أن ينازلهم المنازلة الشديدة، فإذا كُتب للمسلمين النصر عليهم، كان على المسلمين أن يعطوا منهم درساً يكفُّ المعتدين الآخرين والخائنين الآخرين عن أي يعملوا في الأرض بالخيانة ونقض العهود. أما القوم الذين لا تظهر منهم أمارات الخيانة فالمسلمون دائما على وفاء للعهد معهم، ولا ينقض المسلم عهداً أعطاه لأحد، وعهود المسلم دائما عهود لا تميل عن خط الله.

وهذه شريحة ثالثة، ونموذج في الأرض ثالث: قوم عوهدوا، وظهرت منهم أمارات الخيانة للعهد، ما موقف القيادة الإسلامية منهم؟ } فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ { القِ عليهم عهدهم، ارم به إليهم، وأعلن لهم أن استعدوا، ولا تباغتهم وإن بدت منهم أمارات الخيانة المباغتة التي تسجّل موقفا خيانياً، ففي الوقت الذي لا مباغتة خيانية وإن بدت أمارات الخيانة من الطرف الآخر لا استنامه، ولا استسلام، ولا إغفال للواقع بل يُرمى بالعهد الذي بين المسلمين وبينهم في إعلان صارخ بأن الأمر هو المواجهة.

} إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ { وإذا كانت الخيانة من الكافر مبغوضة لله فإن الخيانة من المؤمن لا بد أن تكون مبغوضة له سبحانه إن لم تكن أكثر مبغوضية.

دين كذب:-

}وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{(1) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما قرأ هذه الآية قال:”كذب أعداء الله، ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة، فإنها مؤداة إلى البر والفاجر”.

أهل الكتاب قسمان على الأرض، وفي الواقع: قسم لا يسحره المال، ولا يغلبه على نفسه حين يكون مؤتمنا عليه، وإن كان هذا المال طائلاً، وهو ما عُبِّر عنه بقنطار، وقسمٌ يغلبه الدينار على نفسه إذا أؤتمن عليه، فلا تسمح له نفسه بأن يؤديه، وأكثر من ذلك أنه يفلسف عدم أداء الأمانة عن طريق الدين كذبا على الله.

هذا النموذج لا يؤدي إليك دينارك إلا ما دمت عليه قائماً، تلحُّ عليه، وتلاحقه، وتضايقه، وما هو التبرير؟ قالوا: } لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ {.

الناس طائفتان في هذا النظر: طائفة هم أهل الكتاب، والمعني عند اليهود هم اليهود، والدنيا كلها أميون في مقابل أهل الكتاب، فمن لا كتاب له فهو أمّي، والكتاب لبني إسرائيل، والكتابي لا يكون إلا إسرائيليّاً، والإسرائيلي كتابي كان ملتزما أو غير ملتزم.
فالأميون قد أُبيح مالهم، ودمهم، وعرضهم وكلّ شي فيهم، } لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ { ليس لهم حق، ولسنا محاسبين على ما نفعله بهم. إنهم آلة لخدمة بني إسرائيل.

الآية الكريمة تقول:} وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ { ليس لبني إسرائيل قرابة نسب مع الله وحاشا الله، ولا يتقدم عبد عند الله إلا بخالص عبوديته وتقواه، أما الدم الإسرائيلي… أما القومية الإسرائيلية فليس لها وزن عند الله، يسقط كل القوميات، وكل الدماء ويعطي لهذا الدم والقومية كل الامتياز.

ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث المنقول عنه يقول:”كذب أعداء الله..” وفعلا هم أعداء الله، فمن تبنّى هذه المقولة كان عدواً لله، لأنه يبدّل عدل الله ظلماً، ويوقوقع شأن الله سبحانه وتعالى وعظمته وكرمه ولطفه ولأنه يكذب عليه سبحانه. “كذب أعداء الله، ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة – والأمانة هنا أو تعبير عن كل ما كان حسنا مرضيا عند الله مما كانت تعرفه الجاهلية – فإنها مؤداة إلى البر والفاجر”.

}إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{(2)

وعن الرسول (ص)”ليس منا من حقر الأمانة حتى يستهلكها إذا استودعها”.

أهل الكتاب كذبوا على الله فقالوا ليس علينا في الأميين سبيل، وأهل الكتاب أقاموا دليلاً باطلاً على هذه القضية الكذب “ليس علينا في الأميين سبيل” وهو أن أهل الكتاب لا يكونون إلا من بني إسرائيل، وغيرهم لا يمكن أن يستوي معهم على صعيد، فالمائز عندهم قومي، والفضيلة لا تتعدّى قوميتهم، وليس لأحد اختيار في أن يتوفر عليها.

انظر إلى مقياس الإسرائيلي وهي الإسرائيلية، وإلى مقياس الإسلام وهو التقوى، } إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ{ مقياس التقوى مفتوح على كل القوميات، على كل مكان، على كل زمان، على كل فرد.

مقياس الإسرائلية مقياس منغلق، متقوقع، ضيّق خانق. يجعل الله عزّ وجل شحيحاً، ويجعل الله عز وجل متحيزاً من غير موجب، أما مقياس التقوى فيعني الكمال، وأكرم الناس على الله عز وجل هو أكملهم، ولا كمال إلا عن طريق التقوى. المقياس الإسلامي يدفع بمستوى الناس إلى الأمام، ومقياس بني إسرائيل ييئس كل القوميات، ويسقط قيمتها.

انظر إلى الدينين؛ الدين المحرّف والدين الأصيل الصحيح، الدين المحرف يقول: ليس علينا في الأميين سبيل، مهما كان الأمر… أذنبوا، أو أحسنوا، فبما أنهم ليسوا من بني إسرائيل فليس علينا فيهم سبيل، بينما القرآن الكريم هذا طرحه: }إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ ثم عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما سبق من القول وهو:”ليس منا من حقر الأمانة حتى يستهلكها إلى استودعها”.

وأيُّ ثمن مهما عظم قليل أمام الخيانة، فمن خان عهداً فالدنيا كلُّها لو أعطيها ثمن قليل. نعم أي ثمن يحرم صاحبه من الجنة فهو قليل وإن كثُر.

اللهم صل على عبدك الأمين، ورحمتك في العالمين محمد وعلى آله الطاهرين واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واهدنا صراطك المستقيم، وآمنا من فزع يوم الدين، واحشرنا في فوج النبيين والمرسلين. اللهم اغفر لوالدينا وأرحامنا ومن كان له حق خاص علينا من المؤمنين والمسلمين يا كريم يا رحمن يا رحيم.

بسم الله الرحمن الرحيم
(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)

الخطبة الثانية

الحمد لله المهيمن القادر، الأولِ قبل كلِّ أول، والآخر بعد كلِّ آخر، العزيز الجبار، العظيم القهّار، عالم البواطن والظواهر، مقلِّب القلوبِ والخواطر.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا عديل، ولا خلف لقوله ولا تبديل، ولا يعتريه تحوّل ولا تغيير، وليس له شبيه، ولا على غيره تعويل. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أمات برسالته الباطل، وأقام الحق، وأنار السبل، وتنزّلت البركات. اللهم صل على محمد وآله الهداة.

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فقد قال سبحانه:} إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ{، وقال عز من قائل:} إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ{، وقال متكرماً: }إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ{ 54-55/ القمر. فإن تكن تقوى يقبل الله العمل، والعمل عن تقوى وعلم لا يكن إلا صالحاً، وعمل بلا تقوى لا يزكو ولا يطيب، وهل يقبل الله إلا صالحاً طيباً؟! وحياة كلها عملٌ لا يقبله الله؛ حياةٌ حقيرة خاسئة خاسرة، وعمل هو كذلك مما يذهب بقيمة الحياة، ويجعلها وبالاً.

وهنيئاً لمن كان عند الله الكريم في مقام أمين لا يمسه شيطان في الدُّنيا، ولا يضر به كيد الكائدين، ولا يناله في الآخرة عذاب ولا تأثيم.
وما أعظم التقوى حيث تستقر بأهلها في جنات ونهر، وما أجلَّ ما يناله المتقون وهم } فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ {.
اللهم اجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من المتقين، وأخرجنا من الدنيا آمنين، واجعلنا عندك في أعلى عليين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على البشير النذير، والسراج المنير، عبدك الصادق الأمين، محمد وعلى آله الطاهرين. اللهم صل وسلم على علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على كريمة الرسول، فاطمة الزهراء البتول. اللهم صل وسلم على إمامي المسلمين، ونظام الملة والدين الحسن بن علي الزكي وأخيه الشهيد الحسين. اللهم صلّ وسلم على أولي الأمر بعد الحسين، الأئمة المعصومين، والهداة الميامين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الأولياء الصادقين.

اللهم صلّ وسلِّم على الإمام العالم، والمنقذ للعالم، محمد بن الحسن المنتظر القائم.
اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، وانصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً قريباً، وأصلح به أمور المسلمين، وأظهره على الكافرين والمنافقين، وأقم به عدلك في العالمين يا رحمن يا رحيم يا كريم.

اللهم الموالي له، السائر على نهجه، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء المجاهدين، وكلّ حماة الدين من المؤمنين والمسلمين احمهم، وادفع عنهم، وبلغهم النصر والعز، واكتب لهم الغلبة على أعدائك، وأعداء أوليائك، يا من هو غالب لا يغلب، وقاهر لا يقهر، يا قوي يا شديد.

أما بعد أيها الأخوة الأخوات في الله فهذه أكثر من وقفة مع أكثر من أمر:
أمريكا وإيران:-
1. الكلام عن أمريكا المنقذة المعلّمة للدنيا محور الخير، محور الهدى في الأرض كما تقدم نفسها، وعن أمريكا الشيطان الأكبر كما وصفها الإمام الراحل الخميني أعلى الله مقامه… أمريكا المستكبرة الفرعونية. الكلام عن أمريكا بذاك الوصف كما ترى، وبهذا الوصف كما ترى كل الدنيا، وعن إيران الضلع في محور الشر كما ترى أ مريكا، وعن إيران الإسلامية إيران الصحوة، إيران الديموقراطية، إيران التي لا تُشع إلا بالهدى والخير كما هو نظر غير أمريكا وغير الكفر وبهذا الوصف.

2. إذا كانت إيران قويَّة بدرجة ما من الناحية العسكرية، وقوية في مبدأيتها ونظامها الإسلامي، وفي الكثير من شبابها المؤمن الرسالي المضحي، وفي مواقف النُّصرة لقضايا الأمة، وإذا كانت تصرُّ على حريتها واستقلاليتها فهي ضدٌّ يُفسد على فرعون ألوهيته الكاذبة بمقدار، ويقف أمام طموحاته الخيالية في القضاء على كلمة الإيمان الحق في الأرض، واستمساك أي أمة بانتمائها، وتأبّيها على بيعة العبودية الكاملة للشيطان الذي يدَّعي الألوهية زورا.

وهذا الضد العنيد لابد أن يكسِر القرارُ الأمريكي حسب المشتهى إرادتَه ومقاومته، ويقهره على الاستسلام أو النهاية.
وإيران لا تكون المواجهةُ معها نزهة كما يعبرون وذلك لأكثر من جهة، وليس مثلُها مثل العراق وأفغانستان، والفرق ليس فرق شعوب، وهي شعوب كلها رجولة، وكلها صمود، وكلها مواجهة، وإنما فرق أنظمة وعلاقة بين كل نظام وشعبه، وفرق تربية عامة للشعب والجيش وكل القوى المقاتلة، وفرق قدرة تسليحية جاهزة.

وعليه يكون المفضّل تجنّباً للعواقب الوخيمة للمجازفة العسكرية الأمريكية المباشرة، والتي يمكن أن تلحق بالطرف الأمريكي الغازي، واستغناء عن التبريرات المتكلَّفة، والمكشوف زيفها أن يُعمل على إسقاط النظام الإسلامي في إيران من الداخل عن طريق العملاء، والمغرّر بهم، ومن يناصبون الإسلام العداء.

وهذا الخيار لاشك أنه تواجهه صلابة إيمانية، ووعي سديد، وتمسك بالعزّة والحرية، وذلك على مستوى القيادة والقاعدة في شرائحها العريضة الواسعة، وتعرِّي أهدافه السيئة تجارب أمريكا في فلسطين وأفغانستان والعراق، ويصطدم بواقع مرجعية دينية متماسكة وعملاقة تتحمل مسؤولية خاصة عالية في تبصير جماهير المؤمنين بما يخطَّط لها، وما يراد لها وللإسلام من أقسى الضربات المميتة القاضية.
وانتشار الوعي الفكري والموضوعي عند الجماهير المؤمنة وبدرجات عالية وعلى مستوى واسع، وانتفاضُ الإرادة الإيمانية، وتيقّظ روح الغيرة على الإسلام من شأنه أن يسبب إحباطاً كبيراً لهذا الخيار على المدى القريب وإن كان العدو لا يكف أبداً عن إحداث الثغرات في حصن الأمة والتسلل إلى قلاعها المتينة من خلال كل المحاولات المستمرة، والمكر الدائم، ووسائل التمييع والتغرير والإثارة، والتشكيك وشراء الضمائر، والوعود المعسولة والأمنيات الكاذبة التي يُسوِّقها هو وعملاؤه في أوساط المسلمين.

ومع ذلك لا ترفع أمريكا الغاشمة يدها عن استعمال السلاح الفتاك والغزو المدمِّر، ولكن قد تحتاج على طريق استخدام القوة الباطشة إلى عدد من التمهيدات التي تضعف الطرف الآخر ماديّاً ومعنويّاً وإن استغرق ذلك بعض الوقت. ولا يتصور أن تتسرع أمريكا في الضربة العسكرية لإيران لكل الحسابات المتقدمة وغيرها، وإن كنَّا في عالم ينهزم أمام الجبروت الأمريكي، ولم يبق إلا الصوت الإسلامي جاهراً بالمعارضة للشيطان، ومتمرداً على قراراته.
وإيران لن تهزم إذا استمسكت بإسلامها، وتماسكت جبهتها الداخلية المؤمنة، وصبرت في خندق المواجهة، وكان للحوزة العلمية المباركة حضورها المسؤول الذي يرتفع إلى مستوى الحدث وحجم التحدي والمحنة، وإذا أعطى النظام فيها عناية متميزة لحل مشكلات البلاد التي تساهم القوى الشيطانية المتآمرة في صنعها وتغذيتها في كل البلاد الإسلامية وخاصة مثل إيران بدرجة عالية ومكثفة.
الديموقراطية الأمريكية وتطبيقاتها في العراق.

من هذه التطبيقات:-

1. الحكومة لابد أن تكون أمريكية لا عراقية، وإذا كانت الإدارة المأمورة من العراقيين فلا بد أن تكون من رؤساء العشائر، وآخرين تختارهم أو تحدد مواصفاتهم سلطة الاحتلال الجاثم على صدر العراق، ونصيب الأحرار المخلصين في هذه الإدارة لابد أن يكون ضئيلاً. رقم كبير من أرقام الديموقراطية الأمريكية في العراق.

2. الإعلام يجب أن يكون أمريكياً ومتهتكاً فاضحاً على الطريقة الأمريكية، ولا إعلام للإسلاميين الذين لم يتعلموا الانصياع للإرادة الأمريكية، ولم يستذوقوا فن الرقص الأمريكي، والعري، واللقاءات الجنسية المكشوفة. ومن هنا يأتي اقتحام محطة تلفاز في النجف الأشرف، وإيقاف صحيفة صدى الأمة هناك لأن صوت الأمة يجب أن يخفت، وكيانها لابد أن يقبر كما تحاول أمريكا، ولكن يأبى الله إلا أن يستمر هذا الإسلام قوياً، وأن تتقدم الأمة وتنبعث من جديد. والنصر للإسلام والمسلمين.

وهذه هي الديموقراطية المحمولة إلى بلاد المسلمين على قاذفات الصواريخ، وعبر قصف الطائرات والهول والرعب والتدمير والقتل والخراب، أو عبر اللقاءات الاستسلامية والمؤتمرات الخيانية، وتوقيعات الذل والهوان، وعبر قناة الأمركة لحياة المجتمعات المسلمة، وللأسرة المسلمة، ولمساجدنا وجامعاتنا ومدارسنا وكل مرافق الحياة الإسلامية أمركة تستوعب السطوح والأعماق.

مع الشأن العلمائي:-

1. من قوام أي مجتمع إسلامي أن يتواجد فيه علماء من علماء الإسلام لهم حصيلة وافية من علم الدين، وزينة من أخلاقه الكريمة، وصفاء من صفائه، وإرادة من إرادته، ولهم دور فاعل، وحضور نابه، وتعاون في الخير، وتناصر في المعروف، قد يلتقون في عمل مؤسسي واحد، وقد تتعدد أوجه نشاطهم، وقد تضمهم مؤسسات، وقد يعملون جماعات وأفراداً، ولكنهم لا يتصادمون، ولا يهدم بعضهم بناء بعض، ولا يسيئه ما لم يكن ذلك البناء ضلالاً. وعالم متقٍ لا يقوم على يده إلا بناء مما يرضاه الله.

أما اجتماعهم في عمل واحد وتحت توجيه عملي متحد – وهو محل تطلّع الكثيرين – ففي ما عدا حالات خاصة استثنائية فإن أمامه شروطاً خِبرَويَّة ونفسية وموضوعية وفكرية كثيرة لا تتوفر في كثير من الفروض وعلى المستوى الواسع. وتفصيل ذلك متروك في هذا المقام.

والعالم الكفؤ في أبعاد متعددة يتطلبها ملء المواقع العلمية والعملية ذات الأهمية؛ يمرُّ تكوينه – أي تكوين ذلك العالم – بمخاضات طويلة صعبة، وتجارب مريرة، وليس على المستوى الفكري فقط، ولا يكاد مجتمع من المجتمعات وكل بحسبه أن يجد من هذه الكفاءات العلمائية ما يسدُّ حاجته الكاملة. ولستَ تجد من أصحاب الكفاءات المتميزة صلاحيةَ أن يملأ أيٌّ منهم أيَّاً من المواقع على تعدد طبيعتها؛ فربَّ موقع من المواقع تجد له أكثر من كفاءة، أمَّا موقع آخر فقد لاتجد له كفاءة واحدة جاهزة.

والعلماء الدينيون المتميزون كفاءة وإخلاصاً بأوزانهم المختلفة كغيرهم من الأصناف المهمة الأخرى لا يستغني عنهم المجتمع. ومجتمع لايجد من هؤلاء الحد الأدنى مما تستدعيه حاجته مجتمع مصاب بواحد من أشدّ ألوان الفقر المستتبع للخلل في مختلف الميادين.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، وأدخلنا جميعاً في كل خير أدخلت فيه محمداً وآل محمد، وأخرجنا من كل سوء أخرجت منه محمداً وآل محمد صلواتك عليه وعليهم أجمعين. واغفر لآبائنا وأمهاتنا ومن كان له حق خاص علينا من المؤمنين والمؤمنات أجمعين.


(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 75/ آل عمران
2 – 77/ آل عمران.

 

زر الذهاب إلى الأعلى