خطبة الجمعة (112) 21 ربيع الأول 1424هـ – 23-5-2003م

مواضيع الخطبة:

الشفاعة (3)  –  الأحوال الشخصية  –  التجنيس

أن الإرهاب بمعنى سياسة تبادل نشر الرعب في الأرض، والإخافة والاغتيال والتدمير والتفجير في صورة عدوانية ظاهرة فتّاكة وهي من الأمراض الأكثر خطورة والسارية، وعلى العالم كلّه أن يفكر بجدية تفكيرا موضوعيا في أسبابها الأصلية، وجذورها الأولية، وأولُها روح الاستكبار على الآخر واستنزافه وسحقه واستضعافه. وكل هذا ممارسة أمريكية مكشوفة.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي إليه يعود إليه إحسان المحسنين، وإليه يرجع تفضُّل المتفضلين، ولا تكون إلا به شفاعةُ الشافعين، وعن بلوغ حقِّه يقصر شكرُ الشاكرين، وحمدُ الحامدين، ولا تجزي آلاءه عبادةُ العابدين، وطاعة المطيعين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله التي لا غنى عنها لسعادة دنيا ولا آخرة، ولا فلاح لفرد ولا لأمة إلا بها، وبالتزام حدود الله، واحترام أحكامه، وعدم التعدِّي على حرماته فإن جبروت الله أشد ما يُخشى، وعدله أكبر ما يُتَّقى، وعذابه للعاصين أخوف ما يخاف، ولا يحول بين غضبه والعاصين من عباده حائل إلا من رحمته، ولا ينقذهم من عذابه إلا رأفتُه، ومن لم تصبه رحمة من الله بما كسب واستدبر واستكبر فقد هلك، فلا يُهلكن أحد نفسه بالإعراض عن الله، والهزءِ بأحكامه وحرماته، والاستخفاف بدينه، والاستبدال عن شريعته.

اللهم صل على محمد وآل محمد، ومُنَّ علينا بنعمة التقوى، واجعلها لنا لباساً دائماً، وزينة مقيمة، وحصناً واقياً ثابتاً لا ينفذه كيد الشيطان، ولا يتخلله هوى النفس الأمارة بالسوء.

أما بعد فهذه متابعة سريعة لحديث الشفاعة، وأقول سريعة لأن ليس من شأن الحديث هنا أن يستوعب ويستقصي ويتمكث تدقيقاً:-

ثبت عندنا سابقا أن الشفاعة في الأصل ليست إلا لله وحده، وهذا واضح عقلا ونقلا، كما ثبت قرآناً أن الله عز وجل يهب لمن يشاء مقام الشفاعة بإذنه تفضّلا وتكرّما وإظهاراً لشان الشفيع عنده سبحانه من حيث صدق عبوديته، وخالص طاعته، والشفاعة من هذا المنطلق لا يمنع منها العقل أبدا، أما الشفاعة وإن كانت تبعية إذا كانت من منطلق الضغط عليه سبحانه وإلجائه فهو منزه عنها لتفرُّده بالخلق والملك والعلم والتدبير، وانتفاء أي حول أو طول عن غيره إلا من جهته وبعطائه، ولغناه تبارك وتعالى وكماله المطلق الدائم.

والشفاعة التبعية لغير الله سبحانه وبإذنه تواجه أكثر من قيد:-

صحيح أن الله سبحانه وتعالى يعطي الشفاعة التبعية لبعض عباده، ولكن هل هذه الشفاعة التبعية ثابتة مطلقا؟ أو أن عليها قيودا؟

قيد الشفعاء:
تقول الآية الكريمة: ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)(1).
فلابد من درجة من الطاعة وإخلاصها لتأهيل العبد تأهيلاً خاصّاً لأن يكون شفيعاً عند الله مرضيا عنه رضا يمنحه هذه المنزلة. فوصول درجة الشفاعة بأن يكون للشخص شأن الشفاعة يحتاج إلى تأهيل، وليس من تأهيل للعبد عند الله إلا عبر الطاعة وإخلاصها.
ثم إن مراتب الشفاعة مختلفة، فالشفيع بدرجة قد لا يكون شفيعا بدرجة أخرى؛ إذ قد تختلف مراتب الشفاعة من حيث العدد ونوع المعاصي ودرجات الجنة، كما تختلف منازل الشفعاء ودرجة قبولهم من الله، فكلّما كان العبد أرضى لله سبحانه وتعالى كلما كانت دائرة شفاعته، وعمق شفاعته، والرفعة المترتبة على شفاعته أكبر.

( يَوْمَئِذٍ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً )(2)

هذه الآية الكريمة تضع كذلك قيدا على الشفعاء وأن الشفيع لابد أن يكون ممن رضي الله عنه ورضي له قولا حتى يُعطى منزلة الشفاعة.
( وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )(3) والقول الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى هو القول بالحق، والشهادة بالحق والقول بالحق هما القول بالتوحيد، والشهادة بالتوحيد.

والشهادة بالتوحيد شهادة فكر وقلب وعمل، ( إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) هناك تفسير يذهب إلى أنهم يعلمون بحال المشفوع له، وأنّه ممن يرضى الله تبارك وتعالى أن يشفع له. النبي الذي يشفع لشخصٍ مطلوب فيه أن يعلم أن هذا الشخص ليس من المطرودين عن رحمة الله، وليس ممن لا يرضى الله سبحانه وتعالى التشفّع فيهم، وهذا المعنى صحيح كل الصحة وإن كان سياق الآية قد لا يميل إليه، وليس المقام مقام الشرح، إلا أننا قد لا نفقد نصوصا أخرى بهذا المعنى.

وكما أن الشفيع له قيده وأن ليس كل شفيع مقبول الشفاعة، وإنما الشفيع المقبول هو من رضى الله له قوله، ومن شهد بالحق، وممن كان له عند الله عز وجل مقام من خلال توحيده وطاعته وعبادته؛ فكذلك المستشفع له يواجه تقييداً، فليس الكل داخلاً تحت الشفاعة.

قيد المستشفع له:

( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ{(4) ويستظهر من الآية الكريمة ما عليه الشفعاء من مقام عظيم في طاعة الله، وعلم جمٍّ، وأدب رفيع في دعائهم وتوسُّلهم، فقد اعطوا علماً يُميزِّ لهم من يرتضي الله، ومن لا يرتضي، وأدباً يمنعهم من أن يَسألوا الشفاعة له من ربهم سبحانه لمن لآ يرضى، وهم مع ذلك خائفون أن يخرجوا في دعائهم وشفاعتهم عن حد العبودية.
. هذا النص كاف لا ثبات أن الشفيع لا يشفع لكل أحد، إنما يشفع لنفرٍ ممن يدخلون تحت موافقة الله سبحانه وتعالى بأن يُشفع لهم، فالشفاعة أولا وأخيرا بإرادة مستقلة من الله سبحانه وتعالى.

فشرّق، غرّب، اطلب وسيلة إلى النجاة من غير أن تقصد الله أولا فلن تجد.

والظاهر أن الشفعاء صفوة يخشون أن يميل قول لهم عن مرضاة الله. وكبار الشفعاء كالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليس أخشى عندهم من أن تميل منهم كلمة عن مرضاة الله سبحانه وتعالى.

“عن حسين بن خالد قال قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله – ما أعظم مستفتى يُقال له: يا ابن رسول الله عن قرب، وليس ابناً نسبيا فقط إنه ابنه بمعنى أنه من خزّان علمه، ومن من يحملون بين جنبتيهم وحيه – فما معنى قول الله عز وجل }وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى { قال: لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه”.(5)

فصلب الموضوع أن نحصل على رضى من الله عز وجل ننجو به بعمل صالح ومغفرته.
وعن الصادق عليه السلام”اعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئاً لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا من دون ذلك، فمن سره أن ينفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه”(6).

وكأن روح شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلاً هي أن الله تبارك وتعالى أراد أن يكرم نبيّه، ويظهر له شأنا من بين خلقه، وكذلك بالنسبة لسائر الشفعاء.

قد يقرب ملكٌ شخصية معيّنة إلى جنبه ومعها شخصيات أخرى لم تقرب ويريد بذلك أن يظهر شأنه، وهكذا يفعل الفقيه، وغيره، والله عز وجل يريد أن يريَ مقاماً كبيراً لطاعة نبيّه، وإخلاص نبيه، وعبودية نبيه، ويجعله شفيعاً، وإلا فرحمة الله عزّ وجل هي الوسيلة الحقُّ، وليست رحمة الله محتاجة إلى ضمِّ شيء آخر.

ونفهم من الآية والأحاديث أن هناك مستويات ساقطة لا تنفع معها شفاعة.
وتقول آية أخرى:( وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ).(7)
هناك فهم آخر، ولكن يمكن أن نفهمها بهذا الفهم وأنها أخرجت نفسها عن رحمة الله، بحيث لا تنفعها شفاعة بمعنى أنها قد منعت وحجبت نفسها عن رحمة الله سبحانه وتعالى، ولأنه لا شفاعة بلا رحمة من الله عز وجل فالمحجوب عن الرحمة محجوب عن الشفاعة. ومن انتقاء الشفاعة عن عبد نعرف أن الرحمة محجوبة عنه لحجبها عن نفسه بنفسه، لسوء ما عمل وعظيم ما فرّط.

(وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) إذاً كل الوسائل مسدودة، لا يقبل منها عدل وهي الفدية، ولا يوجد ثمن يشتري به العبد العاصي الخارج عن رحمة الله نجاته أبداً، وضم شفاعة الشفعاء، وتوسُّط الوسطاء ساقط أيضاً ولا تنفعها شفاعةً، وأىُّ حول أو طول من أي جهة بعد منع رحمة الله لا يوجد. (وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ).

فالعبد هنا في الحياة الدنيا يمكن أن يوصد على نفسه في الآخرة كل أبواب النجاح، وفرص النجاة.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ…).(8)

اللهم صل على محمد وآل محمد، واهدنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات هدى لا نضل بعده أبدا، ولا تجد الشبهات إلى قلوبنا سبيلا، ولا الشهوات عليها سلطانا. ربنا ولا تجعل للأحقاد المسخطة لك في قلوبنا مكانا، وهب لنا من النار أمانا، وفي الجنان مع السُّبَّقِ إليك مقاما كريما. اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام، واجعلنا من سعداء الدارين بفضلك وعطائك، واغفر لآبائنا وأمهاتنا، وكل من كان له حق خاص علينا من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.

بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)

الخطبة الثانية

الحمد لله الرقيب الحسيب، العليم الخبير الذي لا يخفى عليه من أمر خلقِهِ كبيرٌ ولا صغير، وكلُّ شيء إليه يصير، ولا يحدث حادث خارج تدبير منه وتقدير، وهو بكل شيء محيط، وعلى كلّ شيء قدير.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ندَّ ولا شبيه ولا نظير، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله نِعْمَ البشيرُ، ونِعْمَ النذير صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.

أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله وذكر الآخرة حتَّى ينكسرَ من النفس غرورها، ولا يستبدّ بها جهلها، ولا تذهبَ مذاهب الشيطان الرجيم، فهي إما ذاكرة لله مراقبة لأمره ونهيه، طالبةٌ لمرضاته، محترسة من غضبه، خائفةٌ من هَجْرِه وعقوبتهِ، سائرةٌ على صراط مستقيم، مستكملةٌ حظّها من السعادة، وإمَّا أن تكون مأسورةً للهوى، سادرةً في الغيّ، مستولياً عليها الشيطان، آخذةً في سَفَال، منحدرة إلى الحضيض، منحطّة إلى سقر.

وليس أعزّ على أحد من نفسه، ولكن من سفه وأخذ بدرب الشيطان لا يُبقي من نفسه لنفسه منقذاً من النار، ولا من عمله صارفاً عنها.

اللهم اجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات لا نملك من أنفسنا شيئاً إلا وأنفقناه في طاعتك، وتقرَّبنا به إليك ليكون منجاة لنا من غضبك الذي لا يُخشى شىء مثل خشيته، ووسيلةً لنيل رضوانك الذي لا يطمع ذو لبٍّ في شيء طمعه فيه.
اللهم صلّ وسلّم على البشير النذير، والسراج المنير، الصادق الأمين، محمد وآله الطاهرين. اللهم صل وسلم على عليّ أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صلّ وسلّم على الطاهرة الزكية، فاطمة الهادية المهدية. اللهم صل وسلم على البدرين التامَّين، والسبطين الطاهرين، والإمامين الرضيّين الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الحسين.

اللهم صلّ وسلم على أئمة المسلمين، وحجج ربِّ العالمين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، علي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الهداة الميامين.

اللهم صلّ وسلّم على القائد المظفَّر، والإمام المنتظر، محمد بن الحسن الأغر.
اللهم عجِّل فرجه، وسهِّل مخرجه، وكُفّ عنه يد أعدائه، وكثِّر أولياءه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً، وأقم به عدلَك، وأظهر به دينك، وأعزَّ به أولياءك يا قوي يا عزيز يا لطيف يا رحيم.

اللهم الموالي له، السائر على منهجه، الممهّد لدولته، وسائر الفقهاء العدول، والعلماء الصالحين، والمؤمنين المجاهدين، والعاملين من أجلك في سبيلك وفقهم لمراضيك وارزقهم نصرك وجنّبهم خذلانك وأعزّهم واعزز بهم دينك وأهل ملتك يا علي يا عظيم، يا رحيم يا كريم.

أما بعد أيها الأخوة والأخوات في الله فهذه قضايا يتطرق الحديث منها لما يسع إليه الوقت:

نرجع إلى قضية الأحوال الشخصية لأنه قد كثر الكلام حولها.

ما معنى التقنين؟ ما معنى أنّ المجلس الوطني يقنن؟ ما معنى أن المجلس الوطني يمثّل مؤسسة تشريعية؟
يأتي مشروع القانون ومسودّة القانون إلى المجلس التشريعي – سواء من جهة الحكومة أو من جهة نائب أو أكثر -وأسأل هل وظيفة المجلس النيابي عندئذ هي أن يقرأ مشروع القانون ليوقّع عليه؟ لا. المجلس التشريعي يقرأ كلّ مادة بمفردها، ويطرحها للنقاش والمداولة، حتى إذا تمّ النقاش حولها ارتفعت الأيدي للتصويت على الموافقة وعدمها، عليها في صورتها الأولى، أو عليها منقوصاً منها، أو عليها مضافا إليها. فهذا تشريع، وكما أن الله سبحانه وتعالى يشرع بأن يحرّم ويحلل ويوجب ويبيح المجلس النيابي وضعه هكذا.

هل قانون الأحوال الشخصية مستثنىً من هذه العملية؟ توجد مادة دستورية تقول هكذا؟ توجد ضمانة في الأعضاء كلّهم أن يلتزموا هذا الالتزام؛ وأنّه لو رُفع إليهم مشروع قانون الأحوال الشخصية موافقا عليه من قبل الفقهاء فان موقفهم سيتمثّل في إمضاء هذا القانون فقط؟ وإذا حدث هذا في هذه المرّة نضمن حدوثه في كل دورة انتخابية؟

فإذاً المجلس النيابي وظيفته التشريع وليس الموافقة على تشريعات الآخرين، وإمضاء تشريعات الآخرين، لو دخل القرآن للتصويت والتزم المجلس النيابي بوظيفته التي حددت له لصُوِّت على كلّ آية آية.

هناك قضية أساس لابد أن يلتفت إليها المكلفون، – ونعني المكلَّفين من الله سبحانه وتعالى – نسأل أنفسنا: أمتعبدون نحن بتشريع الله أم مشرّعون؟ فيما اختار الله للمسلم إذا أسلم حقّاً لله يملك رأيا في قبال ما شرّع الله أو لا يملك رأياً؟

عزيزي… أنا إنساناً دوري هذا، أن أبحث دقيقاً ومعمّقاً عن أحقية دين الله، أو عدم أحقيته؛ فإن وصلت إلى عدم أحقيته فأنا حر كل الحرية، وإذا وصلت إلى أحقيته وأن الله حق، والإسلام حق، والرسول حق، والكتاب حق. فهناك أحكام حكم وجوبي، وحكم تحريمي لا خيار لي فيهما أصلا، وهناك حكم بالإباحة أشرب هذا الماء أو لا أشربه وأنا في غير شهر رمضان؟ هنا يتخيّر المكلّف التخيّر التشريعي، بمعنى أن له أن يشرب ولا اثم عليه، وله أن لا يشرب ولا اثم عليه. فبما أنني إنسان اعترفتُ بالعبودية لله سبحانه وتعالى أين تكون حريّتي؟ لا تكون لي حرية إلا في مساحة المباحات، وليست في مساحة الحلال والحرام، والصحيح والفاسد. فهناك زواج صحيح أو زواج فاسد هذا لا حرية فيه، وإذا وجبت الصلاة فلا خيار لي،وإذا حرم الخمر فلا خيار لي، وإذا بطل الزواج فلا خيار لي، وإذا صح الطلاق فلا خيار لي.

وقوانين الأحوال الشخصية هل هي مؤطرة بالمباح؟ أو إطارها يتناول الواجبات والمحرمات والصحيح والفاسد للأمور؟ لاشك أنه يتناول الواجب والمحرم والصحيح والفاسد. هذا الوضع صحيح: هذا النكاح صحيح أو هذا النكاح فاسد، هذا الطلاق صحيح أو هذا الطلاق فاسد سيكون داخلاً في وظيفة المجلس الزظني في تقنينه للأحوال الشخصية.

فأنا الملكفُ مختارٌ في أمر التوقيع وعدمه؟ إذا كان التشريع للأحوال الشخصية أعرفُ منه أو أتوقّع كثيراً إلى حدِّ الاطمئنان بأن هذه الأحكام ستتعرض للتغيير بسببه، في الدورة الأولى الانتخابية الأولى أو غيرها، وستأتي غير شرعيه فهل لي أن أتفرج وأنا أستطيع أن أقول كلمة؟!

إذا عرف المكلّف أن دين الله سيتعرض إلى هذا الخطر هل له خيار في أن يوقع أو لا يوقّع؟ هذا أمر بمعروف ونهي عن منكر بحدّ الوجوب فلا يسعني أن لا أوقع إلاَّ إذا كنت أملك وسيلة أكثر فاعلية أو مساوية لدرء الخطر وأخذت بها. أنا لمّا لا أوقّع من باب التصويت الكيفي مع الرافضين، وإنما أوقّع على الرفض من باب امتثال الأمر الإلهي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تخلّفي يعني معصية واضحة، وخذلانا لدين الله.

أنا في كلّ مكان أتأخّر عن نصرة الدين أكون خاذلاً لدين الله، إذا كنت أملك الكلمة وكنت قادرا على إنقاذ دين الله بها وتأخرت عن ذلك فأنا أكون خاذلاً لدين الله، إلاَّ أن أفعل ما يقوم مقام الكلمة أو أكثر.
ما معنى الخذلان لدين الله؟
عدم النصرة، ونحن كلنا نتحمل أمانة الدين، إن قمتُ بها وفّيت، وإن لم أقم بها لم أوفِّ.
ونحن أمام تقنين الأحوال الشخصية نحتاج إلى العلم بالخطر، ونحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي وليس بعد الحكم الشرعي انتظار قناعة، وإلا فعليك أن تدرس الصلاة وآثارها لتقرر أني مع الصلاة، أو لستُ مع الصلاة، تدرس صوم شهر رمضان وتوقيته، وفرضه في الصيف القائض وتقرر برأيك أنك مع الصوم أو لست مع الصوم. مسألة الأعراض والأنساب من المسائل الاحتياطية في الشريعة، يعني ذات الحرمة الهائلة الكبيرة جدّاً فليست أقل من صومك وصلاتك، وفي الصلاة لو تساهلت مع الصلاة كان الأثر شخصيا – وأؤكد أن الصلاة عمود الدين، ولا دين من غير صلاة، والمستخف بصلاته آثم – لكن مسألة الأعراض وهي مسألة داخلة في الدائرة الاحتياطية عند الفقهاء، التفريط فيها تفريط في الإسلام الاجتماعي، والتفريط في الإسلام الاجتماعي يهدم الإسلام الفردي وينهيه في النتيجة.

وأسأل: القضية الهندسية، القضية الرياضية، القضايا العلمية الأخرى، القضية الطبية نظن أن الحقّ فيها مع الرأي الأكثر خبرة وعلماً ودقّة، أو نظنه مع الأكثرية؟ هل يقرر الحقّ في المسائل العلمية بالتصويت؟ أو أن المحاولة في التوصل إلى الحق في المسائل العلمية عن طريق أهل الاختصاص؟ والمسائل الفقهية مسائل علمية دقيقة تتعبُ أذهان عمالقة الفكر، فهذه يصوّت على حقانيتها ويتوصل إلى حقانيتها بأكثرية الأصوات؟! ومن غير أهل الخبرة؟! ومن البعيدين كل البعد عن الأجواء الفقهية؟! كثير من أعضاء المجلس النيابي لهم اختصاصاتهم الثانية التي هم ناجحون فيها، ومتقدّمون فيها إلا أنهم لا صلة لهم بعالم الفقه.

وينتقل الحديث إلى موضوع التجنيس.

وأؤكد أننا نؤيد كثيراً دراسة ملف التجنيس داخل المجلس النيابي دراسة دقيقة، ونحن مع المطالبين بتوفير كل المعلومات والأرقام والخلفيات المتعلقة بهذا الملف لصالح موضوعية وجدية هذه الدراسة وحتى لا تبقى الحقائق في الظلام، ولتُتلاقى أيضا كثرة الاتهام، كما نؤيد كل جهد سياسي شعبي صالح بنّاء يصب في صالح التحقيق في هذا الأمر الحسّاس.

ثم أن الإرهاب بمعنى سياسة تبادل نشر الرعب في الأرض، والإخافة والاغتيال والتدمير والتفجير في صورة عدوانية ظاهرة فتّاكة وهي من الأمراض الأكثر خطورة والسارية، وعلى العالم كلّه أن يفكر بجدية تفكيرا موضوعيا في أسبابها الأصلية، وجذورها الأولية، وأولُها روح الاستكبار على الآخر واستنزافه وسحقه واستضعافه. وكل هذا ممارسة أمريكية مكشوفة.

وعلينا في البحرين أن نعمل جاهدين جميعا لتحصين هذا البلد الصغير من هذا الشر المستطير فالعدل العدل، والتعقل التعقل، والدين الدين، فالظلم والتهور ونسف الدين والقيم أمور لا تبقي ولا تذر.

اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام، ولمن كان له حق خاص علينا منهم ولوالدينا، وتولّنا برعايتك وكفايتك وكلاءتك، واجعلنا من دعاة الصلاح، والساعين في الناس بالإصلاح، والهادين إلى طريق الفلاح، يا رحمن يا رحيم يا كريم.

“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)” النحل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 26/ النجم.
2 -109/ طه.
3 – 86/ الزخرف.
4 – 28الانبياء.
5 – ميزان الحكمة ج 5 ص 114.
6 – المصدر
7 – 123البقرة.
8 254البقرة.

زر الذهاب إلى الأعلى