خطبة الجمعة (111) 14 ربيع الأول 1424هـ – 16-5-2003م
مواضيع الخطبة:
الشفاعة (2) – أسبوع الوحدة – تقنين الأحوال الشخصية
أوجه ندائي لكل الأخوة والأخوات المسلمين والمسلمات في البحرين بأنَّ من عزَّ عليه دينه ومذهبه فليوقع ضد تقنين الأحوال الشخصية عن طريق المؤسسة الوضعية.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي تحتاج إليه الخلائق كلها وهو غني عنها، وكلها مقهورة وهو القاهر فوقها، لا سلطان إلا سلطانه، ولا أمان إلا أمانه، ولا غفران إلا غفرانه. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين والمرسلين، والحجة على العالمين، صلى الله عليه واله أجمعين.
عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، وأن تكون لنا من ذهاب الماضين عبرة، وفي طريقة أهل العصمة قدوة، وفي حياة خاتم المرسلين أسوة. لقد عاشت بلايين الناس على الأرض ومضت جثثاً هامدة تحت التراب، ورميماً وعظاماً سحقتها السنون حتى الضياع.
وبلايين الماضين منهم غني وفقير، وقوي وضعيف، ومشهور ومغمور إلا أنَّ أحداً منهم لم يذهب بشيء يُنتفع به مما تنافسوا عليه في دنياهم من أشيائها، وفي ذلك عبرة، وأن من عاش لدنياه انتهى بنهايتها إلا شقاءه وعذابه.
ولقد تحدثت حياة المعصومين، وحياة خاتم المرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين بأنهم باعوا الدنيا الفانية بالآخرة الباقية، ولم يبيعوا آخرة الأبد بدنيا الكبد، ولقد رأوا في الدنيا هواناً إلا تكون مزرعة خيرٍ للآخرة، ولما بعدها شاناً عظيماً يُطلب بالحياة، وخطرا جسيما يدفع بأعز ما فيها. وفيهم عليهم السلام قدوة، لأنهم أهل الحِجى – العقل الحكيم -، وهم الأفذاذ عقلاً، والكبار إرادة، والأطهار روحا، والأزكياء نفسا، والأصوب رؤية والأكمل ذاتا، وهم الذين لا يُظن بهم سوء، ولا في رأيهم خلل.
فلا إصغاء أيها المؤمنون لما يُحدِّث به الشيطان من خيار غير خيار الصفوة، ولا تقديم لدنيا على آخرة، ولا عدول عمن جعلهم الله لعباده قدوة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل ديننا ما ارتضيته لنا دينا، وإمامنا من أقمته لنا إماماً، واجعل دنيانا مزرعة بركة لأُخرانا، وجنة الخلد مع أوليائك وأصفيائك مثوانا يا كريم يا رحيم.
وأما بعد فهذه متابعة لحديث الشفاعة تحت العناوين التالية:-
الشفاعة لغير الله والنفي المطلق:
هناك نفيٌ مطلقٌ للشفاعة من غير الله سبحانه وتعالى، هناك طائفة من النصوص تقرر أن لا شفاعة لأحد غير الله سبحانه، نقرأ من هذه الطائفة:( قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) كل الشفاعة لله، وليس فرد من أفراد الشفاعة لأحد غير الله مطلقاً.
الشفاعة لله وحده، كما هو مفاد الآية الكريمة، وتقريرها صريح في أن الشفاعة كلها له عز وجل، إذا لا شيء من الشفاعة لأحد غيره، والأسلوب أسلوب حصر (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ ) ويؤكد الحصر لفظة جميعاً.
( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ) (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ… )70/ الأنعام لا شفاعة بالأصل، ولا شفاعة عَرْضِيَّة لغير الله سبحانه وتعالى، ليس من أحد يملك مع الله شفاعة، و من دون إذن الله تبارك وتعالى. هناك شفاعة؛ ولكن الشفاعة للملك المقرب أو للنبي المرسل ليست من نفسه، ولا يملك من أمرها بالأصل شيئا أبدا، فالشفاعة الثابتة للشفعاء بنصوص أخرى إنما هي شفاعة متنزلة من الله عز وجل، موهوبة منه للخُلص من عباده، فهي شفاعة طولية وليست عَرْضِيَّة.
وكما أنه لا شفاعة في الأصل لأحد من دون الله، لا شفاعة لأحد بعطاء من الله لضغط على الله، فالله القوة التي لا يضغط عليها شيء، والملِكُ الذي لا ملك معه، والمالك الذي يدخل في ملكه كل شيء.
إنّه لا يمكن أن يأتي شيء على الله ينفعل به، لا شكر، لا حب، لا ضعف. و ليست من قوة أبدا يمكن أن تضغط على الله عز وجل حتى من خلال الحب،والله فاعل، غير منفعل أبداً. ومن فعله أن يتكرم بموقع الشفاعة على من ارتضاه، وواضح انتفاء الشفاعة بالأصل و انتفاؤها بالتبع من موقع الضغط على الله سبحانه وتعالى مادام هو الملك الذي لا ملك معه، و المالك لكل شيء سواه.
ولكن ما معنى شفاعة الله؟
( قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ) نحن نعرف أن الشخص يشفع إليه غيره، يعني يستشفع عنده غيره لطرف ثالث، أما كيف أُشفِّع نفسي لأجيب طلب ولدي؟
فكيف يكون الله عز وجل هو المسؤول و هو مالك الطلب ثم ويكون مع ذلك شفيعاً إلى نفسه؟!
شفاعة الله عز وجل معناها، فيض رحمته على عبده الجاني الضعيف، وهنا في الحقيقة فيضان؛ فيض رحمة على الشفيع كالرسول صلى الله عليه وآله، وفيض رحمة على العبد المذنب الذي سأل الله عز وجل شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبلغة واضحة رحمة الله أعطت كرامة لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، وأعطت فرصة لنجاة العبد المذنب إذا انضمّ إلى طلبه واستغفاره وتوبته الاستشفاع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن مالك الشفاعة؟ إنما هو الله سبحانه من الشفيع الحق الأصل؟ هو رحمة الله وكرمه.
فلا نجح لطلب الطالب، ودعاء الداعي، واستغفاره وتوبته إلا برحمة الله ولطفه وكرمه وإن انضم كل الشفعاء في الأرض والسماءإلى طلب الطالب.
فإذاً إذا طمعت في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله فليكن طمعك بالأصل في شفاعة الله، في رحمة الله وفيضه.
فأين هذه الشفاعة من الشرك؟ لا مقام للشرك في مثل هذه الشفاعة مطلقاً، وهذا هو الفهم الدقيق للشفاعة عندنا.
و ألفت نظركم إلى أن النصوص التي قرأتها في الطائفة الأولى كلها تعطي العلة بوضوح لانحصار الشفاعة في الله، ولو قرأتموها لفهمتم ذلك ببساطة. مثلاً (قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون) لماذا لهعز وجل الشفاعة وحده وكلها له؟ لأنه مالك السموات والأرض ولا مالك معه، والآية الكريمة الأخرى تقول ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ من ولي ولا شفيع…) وهي مثل اختها في الاستدلال. وكثير من الآيات التي نقرأها، وتطرح قضايا قد لا نكتشف بالنظرة الساذجة دليلها في الآية الكريمة، وقضايا كثيرة في الكتاب الكريم إن لم يكن كل القضايا تحمل دليلها في النص القصير المختصر جدّاً.
الشفاعة لغير الله، والنفي المقيّد.
قرأنا طائفة من النصوص تثبت الشفاعة كلها لله، تنفي الشفاعة عن أحد غير الله نفيا مطلقا، وهذه طائفة أخرى تنفي الشفاعة عن غير الله، ولكن هذا النفي مقيّد وليس مطلقا.
(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) لا تجدون هنا نفياً مطلقاً للشفاعة، و إنما تجدون نفياً للشفاعة من غير إذنه سبحانه، ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) فيوجود هنا استثناء، النفي كان هناك مطلقاً لأن المنفي الشفاعة الأصلية، والمثبت هنا بالاستثناء أو ما يسمى بالشفاعة الطولية أي الشفاعة الموهوبة من الله. (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) لا أحد يشفع عنده هذا نفي، (إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) يثبت شفاعة لكن ليس المثبت هنا هو عين المنفي. المنفي نوع من الشفاعة، والمثبت نوع آخر من الشفاعة. الآية الكريمة في قوله تبارك وتعالى: ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ ) تنفي الشفاعة نفيا مطلقا وهذا المنفي نفيا مطلقا هو الشفاعة الأصلية، التي يستقل بها الشخص، ولا يستطيع أحد أن يتصرف فيها، وليست موهوبة له من غيره، هذا النوع من الشفاعة منفيٌّ، والمثبت، الشفاعة التي بالإذن وتعني شفاعة منزّلة من القوي للضعيف، ولو كان الشفيع مالكا للشفاعة في نفسه لما احتاج إلى الإذن، فذكر الإذن هنا يحمل قضيتين؛ قضية أن هناك شفاعة، وأن هذه الشفاعة لغير الله شفاعة منطلق كرم الله، و تفضُّله على بعض عباده، فهي شفاعة تبعية، فنفهم من كلمة ( إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) أن الشفاعة تبعية وليست استقلالية ولا يملك منها الشفيع في الأصل شيئا أبداً، وإلا لما احتاج إلى إذن الله.
ونقرأ للنفي المقيد قولة تبارك وتعالى ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ )الله خالق لكل شيء، ومدبّر لكل شيء،وليس لغيره شيء أصلا، يستند إليه ويضغط به، (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) . فالآية الكريمة لها مالسابقتها من مضمون ينفي الشفاعة الاستقلالية ويثبت الشفاعة التبعَّية.
اللهم صل وسلم على محمد وآله محمد، وشفّعهم فينا وفي المؤمنين والمؤمنات، وارفع عندك درجاتنا، وامح عنا سيئاتنا، وضاعف حسناتنا، وأكرم لديك مثوانا، وثبِّت أقدامنا يوم تزلُّ فيه الأقدام.
اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام ولوالدينا ومن كان له حق خاص علينا من أهل ملتك، وشفّع فينا رحمتك، ولا تحرمنا كرامتك يا أكرم من كل كريم، ويا أرحم من كل رحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالْعَصْر إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
الخطبة الثانية
الحمد لله الكريم الوهّاب، الغفور التوّاب، مالك الملك، باسط الرزق، الولي الحميد. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله هادياً للناس بعد الضلالة، ومنقذاً لهم من الهلكة، ودليلاً على الصراط، وآخذاً إلى النجاة صلى الله عليه وآله الهداة.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تقية من لا يرى غيره سبحانه مغنيا عنه أو نافعا، ولا رادّاً لقضائه ولا دافعاً، ولا مؤجلا لضرٍّ أراده أو مانعاً، ولا مقرّباً لأجل أو مؤخّراً، ولننظر إلى الدنيا كما هي مدبرة فانية، وللآخرة كما هي مقبلة باقية، وشتّان بين مستدبَرٍ ، و مستقبَل، و ما أبعدَ بين مقيم وفان، وحاشا لعاقل أن يستقبل مستدبَرا، ويدير بوجهه لما هو قادم عن قريب، وأن يُعظِّم فانياً، ويستخف بالمهمّ المقيم.
اللهم ارزقنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات بصيرة لا تزيغ، وحكمة لا تضل، ولا تجعلنا ممن أنساهم غرور الدنيا عظيم أمر الآخرة.
اللهم صلّ وسلم على معلِّم الكتاب والحكمة، ومزكّي الأخلاق وسراج الأمة، خاتم النبيين والمرسلين محمد الصادق الأمين وعلى آله الطاهرين. اللهم صلّ وسلم على عليّ أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على الهادية المهدية، فاطمة الزهراء الصديقة الرضية. اللهم صل وسلم على إمامي الهدى، وعلمي التقوى، السبطين الوصيين الحسن بن علي ابن أبي طالب وأخيه الحسين.
اللهم صل وسلم على أئمة المسلمين، وهداة العالمين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري القادة الميامين.
اللهم صل وسلم على إمام العصر، والموعود بالنصر، محيي الدين، وباعث شريعة خاتم المرسلين، الحاكم بالقسط، القائم المنتظر، محمد بن الحسن الأغر.
اللهم عجل فرجه، وسهّل مخرجه، وأعزَّ شأنه، وقوّ سلطانه، وانصر ناصريه، واخذل خاذليه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً.
اللهم الموالي له، الآخذ بنهجه، الممهّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والعاملين في سبيلك أيدهم وسددهم وأنجح سعيهم، وكد لهم ولا تكد عليهم يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
بعد هذا أيها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات يتناول الحديث بعض قضايا باختصار:-
مناسبة المولد الكريم، وأسبوع الوحدة:-
رسول الله صلى الله عليه وآله هو رسول التوحيد، ورسول الوحدة، ورسول الرحمة. لأنه لا مالك إلا الله، و لا علم إلا من جهته، و لا حكمة إلا من جهته، و لا هداية إلا من جهته، ولا حول ولا قوة إلا من جهته، و لا تدبير إلا من جهته، فإذاً لابد أن يكون المرجع إليه والتمحور حول قضية التوحيد له.
كل المحاور عداه سبحانه وهمية، كل الآلهة من غيره سراب، كل ما في الكون من صغير وكبير وعباقرة وعلماء وفلاسفة عدمٌ بالأصل، و فقر محض أصلاً. إذاً والوجود الحق ليس هو إلا الله، والعالم ليس هو إلا الله، والحكيم ليس هو إلا الله، ومنبع الخير كله ليس هو إلا الله فإن كان تمحور حوله كان الخير، وكان الهدى، وكان العلم، وكانت البركة، وكان الأمن، وكان الاستقرار، وكان الكمال.
وأما إذا كان التمحور حول إلهٍ آخر، وكل الآلهة من دون الله زيف وكذب وافتراء، فإن العالم هنا لابد أن يكون ركضه وراء السراب، والذين يركضون وراء غير قضية التوحيد، ويعبدون غير الله، ويحاولون أن يصوغوا حضارة راقية لا تستمد هدى من الله ولا علما ولا حكمة من نهجة إنما هم في ضياع، أما ما في العالم من خير فهو برحمة الله المتنزلة على المطيعين والعاصين كرما منه وتفضُّلا.
لقدكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجل قضية التوحيد، رسالة وجهادا وحياة وتخطيطا وكلمة وفعلا. فهو أكبر هادٍ في الأرض، والأرض كلّها تحتاجه ما دام هو الأقرب إلى التوحيد، والأكثر توفرا على فكرة التوحيد، وعلى الشعور التوحيدي، والرؤية التوحيدية، السلوك التوحيدي.
هو السراج الذي لا ينطفئ، وهو السراج الذي لا غنى للأرض عنه مطلقا، وإذا استقامت الأمور في أمريكا أو غير أمريكا صدقوني بأنها لا تستقيم بعض الشيء إلا بما اقتربت من الفطرة وبقايا وآثار من أنوار رسالات السماء في أمريكا، هذه البقايا هي التي تقترب بأمريكا من قضية التوحيد بعض الشيء، وتحافظ عليها هده المحافظة.
الإنسان و أي شيء في الكون ينفصل عن التوحيد تماماً يكون من العدم المطلق، لو انفصلت المسيرة البشرية على الخط الإرادي عن الله، عن قوانين الله، عن فطرة الله، عن أخلاقيات الله، عن هدى الله، عن علم الله لحظة لغرقت في العدم الكامل، وأقول ذلك بكل يقين.
رسول الله صلى الله عليه وآله رسول التوحيد، رسول الوحدة، ولا وحدة من غير توحيد، ورسول الله رسول الرحمة، والأرض دائما محتاجة إلى الرحمة لأنها فقيرة بما عليها ومن عليها ، والرحمة ليست لها جهة أخرى غير جهة الله سبحانه وتعالى.
العالم دائماً يحتاج إلى التوحيد، يحتاج إلى الوحدة، يحتاج إلى الرحمة. وللوحدة من جهة التوحيد خطوط عريضة رئيسة ثابتة لو رفعت الأرض عنها يدها لكان مصيرها الهلاك، وسعادتها وشقاؤها مربوطان نسبياً بالإقرار الفكري والعملي والشعوري بهذه الأساسات.
ما يُسمَّى الإرهاب :- ولأسمه نشر الرعب في الأرض، واتخاذ الإخافة والقتل والتخريب مهنة ووظيفة يمثل فسادا كبيرا، ويخلق فُوضى عامّة، ويحوّل الحياة عذاباً لجميع الأطراف، وكل إرهاب ابتداءً يبرر إرهابا بعده.
والعنف الابتدائي يستجلب العنف، والفوضى الابتدائية تستجلب فوضى أخرى، ونحن ضد الإرهاب، وعلينا أن نعمل دائما ضد الإرهاب، وعلينا أن نكرّس ونركز تربية تنأى بالناس عن الإرهاب، ولكن الذين يدّعون محاربة الإرهاب وعلى رأسهم القائمة أمريكا نسألهم أهم يحاربون الارهاب أو يسوقونه؟
أمريكا حيث احتفاظها بأفتك سلاح في الأرض إلى حدٍّ يمكّنها من تصفية أهل الأرض مرّات ومرّات ومرّات، وتطويرها لهذا السلاح، ودعم حليفها الإسرائيلي في توفّره وتطويره للسلاح الفتاك، وإصرارها على تجريد الآخرين من السلاح الذي يدافعون به عن أنفسهم _ وإذا ملكت أمريكا السلاح النووي فأي دولة أخرى لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أمام أمريكا إلا بسلاح نووي، فإما أن تُجرّد الأرض كل الأرض من السلاح النووي وإما أن يفتح الحق لكل دولة بأن تتملّك السلاح النووي دفاعا عن نفسها_
المهم، هذه مفردة؛ مفردة التوفّر على أفتك سلاح نووي وجرثومي وكيمياوي وتطويره. ثم إن هناك فرض حكومات وسياسات قهرية على الآخرين، والديموقراطية الأمريكية ديموقراطية مشروطة بأن لا تؤدي إلى الإسلام، ولا تفتح الباب على حكومة إسلامية.
مفردة أخرى وهي فرض الهيمنة الثقافية ومواجهة قيم الدين وأحكامه في الشعوب المؤمنة به، وأمر آخر وهو سلب ثروات الآخرين والسيطرة على رؤوس الأموال العملاقة، ويضاف إلى ذلك الوجود العسكري الضخم في مناطق مختلفة من العالم إعلاماً بالاحتلال، وفرض الإرادة والهيمنة.
كل ذلك يعني تسويقاً للإرهاب، لأنّه لابد من أحد أمرين؛ إما أن يفقد الناس إرادتهم أمام الهيمنة الأمريكية ويستسلموا للقرار الأمريكي الذي يذبحهم، وإما أن يحتفظوا بدرجة من الإرادة، وبدرجة من الإنسانية والكرامة. في الفرض الأول تنتهي إنسانية الإنسان وإن لم يكن إرهاباً إلا من طرف واحد، أما إذا كان للشعوب والأمم أن تحتفظ بشيء من إرادتها، وبشيء من وعي ذاتها، وبشيء من أصالتها، ومن الحفاظ على كرامتها ومصالحها فإن كل المفردات المتقدمة نداء صارخ بالإرهاب المتبادل في الأرض كل الأرض.
أما كيف نتخلص من الإرهاب فلنرجع إلى الحديث عن التوحيد والوحدة والرحمة فلابد من قيم، لابد من دين؛ والدين الحق هو دين التوحيد، ولابد من فهم قويم للدين، لا يحوله إلى أحقاد وعصبيات بغيضة، وتعطُّشٍ لدم الآخرين.
نحن بعيدون عن هذه التربية، ولا نؤمن بها، ونشجبها كل الشجب، وقبل أن يُشجب أيّ طرف لابد من تشديد الشجب والإنكار والسخط على الإرهاب الأمريكي الغاشم.
تقنين الأحوال الشخصية:
التقنين المراد تشريع:
إنه تشريع في قبال تشريع الله عز وجل، فإما أن يخرج هذا التقنين على الحكم الشرعي كلّه وهذا تشريع واضح، وإما أن تُقدّم فتوى أبي حنيفة على فتوى الشافعي أو المالكي أو غيرهما، وتترك كل الفتاوى، وكل الأحكام إلا حكما واحداً تختاره الأغلبية في المجلس الوطني.
ولابد أن تكون أكبر من الشافعي ومن مالك ومن أبي حنيفة لتقدّم رأي أحدهم على الآخر، أكبر، ولابد أن تكون أكبر من الإمام جعفر الصادق عليه السلام حتى تختار على رأيه رأياً آخر، أو حتى لا تُضفى الشرعية على رأيه عليه السلام إلا من خلال رأيك، يعني المجلس الوطني الذي سيضفي الشرعية على رأي الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي هو حكم جدّه صلى الله عليه وآله وحكم جده حكم الله مباشرة لابد أن يكون أعلى من هذا الامام ومَنْ فوق هذا الامام.
بهذه المجلس الزطني مشرع أو ليس بمشرع؟!
والتشريع حق مَنْ ؟ }قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً {تفاحة، فضلا عن أعراض الناس، عن الأنساب، عن مال اليتيم، تفاحة تحكم بحرمتها أو حلّيتها إما أن تأخذ الحكم من الله وأن تكون من المستوى الذي يقيم الدليل، وإما أن تعطي الحكم من عندك فتكون مشرعا مفترياً على الله عز وجل } قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ {والآية الكريمة الأخرى } وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ { رسول الله صلى الله عليه وآله فضلا عن النائب الفلاني.
وفي حكم الدستور المجلس الوطني سيد الشعب، أو أن الشعب سيد المجلس النيابي؟ النائب في المجلس النيابي وكيل، والوكيل عمله من رأي الموكّل، وهو قابل للفصل في أي لحظة من قبل موكّله، فلا يتحول الوكيل سيد الموكّل، ليمتنع على الموكّل أن يقول كلمة في شأن من الشؤون، وأن يبدي رأياً في قضية من القضايا.
الشعب يراقب المجلس الوطني، ويحاسب المجلس الوطني، ويتظاهر ضد المجلس الوطني، ويرفع العرائض ضد المجلس الوطني إذا أساء، ويكون أن يستفتى فيسقط شرعية المجلس الوطني قانوناً، ومن وكّل النائب في تغيير الشريعة؟ وفي فرض مذهب على مذهب؟ وفي النأي بالأحكام الشرعية عن حدّها الشرعي والخروج بها إلى الفضاء الوضعي غير المنضبط والقذر؟ ومتى كان للنائب في المجلس النيابي أن يلغي وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى من العلماء؟ متى كان لنائب هذه السلطة التي لا يملكها حاكم؟ ولا يمكن أن يعترف لأحدٍ في الأرض من قبل المسلمين بها مطلقاً، والعرائض ضد العبث بالأحكام الشرعية نهي عن منكر وأمر بمعروف.
والعرائض والتوقيعات لا تحمل مواجهة سياسية وإنما عزّ على أصحابها دينهم، وعزّ على أصحابها مذهبهم، وهم يريدون أن يوضحوا بأن هذا البلد هويته إسلامية، وأنهم ساعون لسد باب منكر خطير جداً يتهدد الأعراض والأنساب ويعبث بالأحكام الشرعية، ويلغي هذا المذهب أو ذاك.
أقول لكل الأخوة المسلمين _ وليس للشيعة فقط لأن قانون الأحوال الشخصية سينتهي إلى الحالة الوضعية، ولو جزئياً، وأؤكد هذا وبكل يقين بأنَّ من عزَّ عليه دينه ومذهبه فليوقع ضد تقنين الأحوال الشخصية عن طريق المؤسسة الوضعية الوضعية الوضعية.
رفض التقنين الوضعي – التفتوا – يعني احترام الإسلام ومذاهبه المختلفة، واحترام المذاهب يقضي على العصبيات الطائفية، أنا لمَّا أحترم تعبّدك بمذهبك، وتحترم تعبُّدي بمذهبي هل هذا طائفية؟ لِمَ المغالطات؟ أسفاه أنكم تقرؤون في الصحف ملايين المغالطات، وهذه المغالطات تكوِّن رأياً عامّاً ويعزُّ على الإنسان، ذلك ولكن هل نطارد كل كلمة كلمة؟ لو حاكمنا كثيراً مما في الصحافة لنسفناه نسفاً.
نعم واحترام المذاهب يقضي على العصبيات الطائفية، والفتن العملية، ودعوتنا احترام لكل المذاهب.
والحديث في هذا المسجد ليس واحدا من حيث الموضوع، كان الحديث عن الدستور، عن الميثاق، عن العمال، عن العدل الاقتصادي، عن الحرب، عن السلم، عن الخلل السياسي، عن الأخلاق، عن العبادة، عن كثير من الموضوعات ولكن حديثنا دائما هو من منطلق واحد منطلق الرؤية الإسلامية، وبما أن ذلك كلّه من الدين. وليس علينا أن نراعي الخواطر.
أشكر الأخوة الناشطين في التحرك للتوقيعات في كل المناطق شكرا جزيلا، وشكري ليس عليه معوّل، وإنما الشكر الحق من الله سبحانه وتعالى، وأرجو للأخوة أن يخلصوا لدينهم ويسعوا للحفاظ على سلامة أولادهم وأعراضهم، ويحموا شريعة الله من الذوبان.
وبمناسبة زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمملكة البحرين هذا الوطن العزيز، نؤكد ترحيبنا بكل علاقة إيجابية متينة لله ولرسوله فيها رضى بين أي بلدين مسلمين أو أكثر تقوم عل تبادل المصالح، والاحترام المتبادل، وتوظف من أجل مصلحة الأمة الإسلامية واستقلالها وعزّتها ووحدتها الكبرى وقيمها العريقة الثابتة.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واكفنا وإخواننا المؤمنين والمؤممنات والمسلمين والمسلمات شر الأشرار، وكيد الكفار، ونوازل الليل والنهار، وأنلنا رحمتك، وأنزل علينا بركتك، ولقّنا غفرانك ورضوانك، واغفر لآبائنا وأمهاتنا ومن كان له حق خاص علينا من مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة يا جواد يا كريم، يا رحمن يا رحيم.
“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)” النحل.