خطبة الجمعة (108) 23 صفر 1424هـ – 25-4-2003م
مواضيع الخطبة:
الدعاء(6) – تريدنا أمريكا أمَّةً بلا إسلام بلا إرادة مقاومة
أمريكا تريد إسقاط إسلامنا، تريدنا بلا سلاح، تريدنا بلا إرادة مقاومة، وهذه إرادة الفاعل، ولكن الفعل كما يحتاج إلى إرادة الفاعل يحتاج إلى استجابة المنفعل، يحتاج إلى قابل كما يقولون، وهذه الإرادة الأمريكية لها شرط؛ وهو شرط أن نكون في موقع القابل الذي لا يقاوم، الذي لا يرفض، الذي لا يتحرك
الخطبة الأولى
الحمد لله السميع البصير، العليم الخبير، الرزاق الفتاح الغفور الشكور.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بالنور الساطع، والبرهان القاطع، والدين الكامل، والرسالة الخاتمة. صلى الله عليه الله وآله الهداة الميامين.
عباد الله أوصيكم ونفسي الخطّاءة بتقوى الله، وأن نتخذ منها لباساً ساتراً يمنع العيوب والسيئات، وزينةً رائعة بإنبات المكارم والحسنات، فهي خيرُ ما ستر، وخير ما نفع، ولقد قال الله سبحانه وهو أصدق الصادقين:(يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ).
إنَّ ما ستر البدن من لباس يُخفي العيب مع بقائه، وكذا ما أخفى عيوب النفس من تصنّع أو ثناء مكذوب، أما التقوى فلا تُبقي في النفس عيباً، ولا تترك سيئة، وإذا كان الغنى والعلم، والتصنّع، والثناء يحجب بعض العيوب مؤقتاً، فالتقوى تستأصل كلَّ العيوب، وتستر عن القبائح دائماً أبداً. ليس أنها تستر القبائح وإنما تستر عن القبائح، بحيث تستأصل الموضوع أصلاً. وإذا كان نفع أي لباس وزينة لهذه الحياة أو بعضها، فلباس التقوى ستراً ونفعاً وزينة وإنقاذاً وإعلاء ورفعة للآخرة والأولى.
ألا عباد الله لا نفع ولا ضرَّ، ولا خير ولا شر لكم إلا بإذن الله، فلا تطلبوا رضا أحد كما تطلبون رضاه، ولا تحذروا غضباً من أحد كما تحذرون من غضبه. ورضاه سبحانه في طاعته، وغضبه في معصيته، وكان في الطاعة رضاه لأنها كمال العبد، وفي المعصية غضبه لأنها طريق الانحدار، والله كاره لانحدار عبده، محب لكماله.
اللهم إنَّا نستهديك، ونسترشدك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
أما بعد يا أخوة الإيمان فهذه حلقة أخرى من حلقات الحديث عن الدعاء، وتتضمن لفتات من الكتاب والحديث:-
الأولى: كرم وحكمة:-
إنَّ الله كريم حكيم، ولا حدَّ لكرمه وحكمته ولا لأي اسم من أسمائه الحسنى، فالكرم منه سبحانه لا تقلِّله الحكمة، وحكمته لا يضيق بها كرمُه، والعبد قد يسأل ما يوافق الحكمة والرحمة والجود، وقد يسأل ما يخالف ذلك كلَّه، ويستعجله فلا تأتي الاستجابة كما يهوى فيهلك بجهله حكمةً من الله ورحمة ولطفاً وكرماً، فخير الدعاء في ما نجهل وهو كثير ما أُوكل فيه الأمر إلى الله، وكان قائماً على طلب الخيَرة منه لما فيه صلاح عبده وعافيته.
وهذه طائفة من النصوص في هذا الأمر:
( وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً )(1)
من قال أنّ ما ندعو به مما نجهله ليس شرا لنا؟ قد يكون كثير مما ندعو بع ونحن نجهل عاقبة الأمر فيه وما يؤول إليه حالنا بالاستجابة له من الشر الذي يخفى علينا.
(فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ)(2)
(عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(3)
حبنا للشيء ليس من منطلق العلم بالواقع دائماً، أو من مطابقة علمنا للواقع دائما، قد نرى ظاهراً من الأمر فنحسب فيه الخير لنا فيأتي منّا الدعاء على طبق هذا الظاهر، إلا أن هذا الظاهر قد لا يوافي واقعا مطابقاً، وإنما هو مخالف لواقع المصلحة في علم الله، وقد يحمل من المضرة لهذا العبد ما لا يقدّره.
للإنسان تسرُّعه غير المدروس، وتعجُّله وتهوره، وله جهله وهو كثير، وما أقل ما نعلم وما أكثر ما نجهل “وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً”، وكثيراً ما حرص الإنسان على ما فيه شرُّه، وزهد في ما فيه خيره، وبادر داعياً وساعياً يطلب الأول، ويدفع الثاني، جهلاً منه لخير الخير، وشرِّ الشر، واندفاعاً بلا حساب على طريق هذا الجهل.
ولا يستجيب الله العليم الخبير الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولا يواري عن علمه مكان ولا زمان كلّ ما سأله عبده وإن كان فيه شرُّ دنياه أو آخرته، مما كان يحسبه خيراً، ويراه غنماً وذلك من لطفه ورحمته، ولكنَّ العبد قد يجهل من جديد، ويُسيء الظن في ربّه، ويخرج عن حدِّ الأدب في حقّه بما يعتريه من أوهام – لتأخُّر الإجابة – بعيدةٍ عن مقتضى الكرم الإلهي، والقدرة المتعالية، والرحمة الواسعة، واللطف الكبير.
على أنَّ البطء بالإجابة كثيراً ما كان بسبب الداعي نفسه فعن أمير المؤمنين عليه السلام:”لا تستبطئ إجابة دعائك وقد سددت طريقه بالذّنوب”، “وروي أن موسى عليه السلام رأى رجلاً يتضرع تضرّعاً عظيماً، ويدعو رافعاً يديه، ويبتهل فأوحى الله إلى موسى: لو فعل كذا وكذا لما استجبتُ دعاءه، لأن في بطنه حراماً، وعلى ظهره حراماً، وفي بيته حراماً”.(4)
وهذا من حِكَمِ التأخر بالإجابة:
1. “في الزبور؛ يقول الله تعالى:ابن آدم تسألني فأمنعُك لعلمي بما ينفعك، ثم تُلحّ عليّ بالمسألة فأعطيك ما سألتَ فتستعين به على معصيتي، – كان التأخير لدفع هذا العبد عن المعصية، لكن بعد أن يلحّ يستجاب له لا رحمة وإنما عقوبة، وتأتي النتيجة أنه يعصي الله بما أعطاه مما سأله – فأهمُّ بهتك سِترِك، فتدعوني فأستر عليك، فكم من جميل أصنع معك، وكم قُبحٍ تصنع معي. أن أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها أبداً”.(5)
إن السوء في الظن بالله، والإلحاح من منطلق تهمة الله عز وجل في حكمته أو كرمه ولطفه، ومعاودة الذنب بعد الذنب،وإلاصرار على ذلك قد يأتي بنتيجة بالغة الصعوبة؛ فليس أقسى على عبد من غضبٍ لجبار السماوات ولأرض عليه لا يشمله بعدها رضاه أبداً.
وربُّ داعٍ يلحّ في مسألته، ولكن ما سأله مؤد إلى معصيته لربه، وفي ذلك هلكته، وتراه بعد ذلك مستحقاً للهتك لولا دعاؤه بالسَّتر، وربما عاد يدعو بما فيه ضرره، ويلح إلحاح الشَّاكِّ في حكمة ربه ورحمته، ثم يعود في معصيته حتى ينتهي به الأمر إلى تعريض نفسه إلى غضبة قاضية من الله لا يعقبها رضى، ولا تناله بعدها رحمة.
وقد تقدّم من الحديث حول الدعاء أن الإلحاح فيه محبوب إلى الله، ولكن حيث يعني الإلحاح الأمل والتصديق بالحكمة والرحمة والكرم والتعلّق بالله والولع بذكره ودعائه، أمَّا الإلحاح القائم على الرضا باختيار العبد، والاستبطاء المتِّهم للربِّ فهو مما يوجب السُّخط، ويقضي باستحقاق العقوبة.
2. “إن الله تبارك تعالى يقول: إنَّ من عبادي من يسألني الشيء من طاعتي لأُحبَّه فأصرفُ ذلك عنه لكي لا يعجبَه عمله”.(6)
هذا العبد سأل طاعة مستوجبة في علم الله معصية أكبر محبِطة لعمله، فكانت الرحمة به صرفَ ما سأله عنه. ما سأله هو طاعة. افرضوا أنه يسأل الله عز وجل التوفيق لصلاة الليل، ويعلم الله عز وجل من وزن عبده ومن دخيلة نفسه أن صلاة الليل تكبر عليه، بحيث يرى من نفسه أنه أسدى لله جميلاً، ويصاب بالغرور من صلاة الليل، فيمنع الله عز وجل عنه صلاة الليل رحمة به.
3. “قال الله تعالى: وعزَّتي وجلالي وعظمتي وبهائي إني لأحمي وليّي أن أعطيه في دار الدُّنيا شيئاً يَشغلُه عن ذكري حتى يدعوني فأسمع صوته، وإنّي لأعطي الكافر مُنْيَتَه حتّى لا يدعوني فأسمع صوته بُغضاً له”.(7)
هذا العبد إنما منع ليزداد خيراً، ويُدفع للطاعة والزلفى.
4. “إن الربَّ لَيَلِي حساب المؤمن فيقولُ: تعرف هذا الحساب، فيقول: لا، ياربّ، فيقول: دعوتني في ليلة كذا وكذا في كذا وكذا، – أي في المسألة الفلانية والمسالة الفلانية، تريد ولدا تريد مالا- فذخرتها لك، – إجابة دعائك دخرتها لك، لم أعطك الولد ولا المال الذي طلبت، ولكن أعطيتك عن ذلك جزاء الآخرة – قال: فمما يرى – أي بسبب مايراه – من عظمة ثواب الله يقول: يارب ليت أنَّك لم تكن عجَّلت لي شيئاً وادَّخرته لي”.
هذا العبد طلب قليلاً، وجُزيّ بفضل الله كثيراً، وكانت نتيجة التأخير أربح من التعجيل، بحيث لو علم ما في الآجل لشُغل عن طلب العاجل.
أما عدم الجمع فليس لضيق في القدرة، ولا محدودية في الكرم، ولكن لدقة في موازين الحكمة، وخبرة لا متناهية بحال العبد.
وقد تكون الإجابة في الدنيا وبالا عليه؛ فالولد قد يسيئه، والمال قد يبطره.
اللفتة الثانية: أمورٌ لا يطلبها عارف:-
ليس أحسنَ من الله صُنعاً، ولا أدقَّ منه تدبيراً، ولا أعدل شرعاً، ولا أكمل نظاماً، ولا أصلح حكماً، ولا أكثر خُبراً؛ فكل دعاء لا يراعى فيه شأن الله العظيم، ولا يليق بعظمته، أو يكون خارجاً على حكمته وتقديره فهو ساقط، ولا يصدر من عارف بحقِّ الله، مقدِّر لعدله وشريعته. فقد ذكرت الأحاديث نماذج من هذا الدعاء الساقط، أقرأُ منها بعض الشيء:
1) الدعاء بالمستحيل عقلاً:-
لا تدعو بما يستحيل عقلاً “قيل لأمير المؤمنين عليه السلام أي دعوة أضلَّ؟ قال: الداعي بما لا يكون”.(8)
إما بما لا يكون في العقل، أو بما لا يكون في الحكمة، أو بما لا يكون في الشرع، ونأخذ الأول وهو ما لا يكون في العقل.
المستحيل من الأمور كأن يكون الوقت الواحد في المكان الواحد ليلاً ونهاراً لا يقبل فيض الوجود لنقصه فلا يكونُ، فالدعاء المتعلِّق به دعاء ضالٌّ حيث لا يرمي إلى غاية ممكنة، وليس له هدف يقبل الوجود.
2) الدعاء يما يحرم:
عن أمير المؤمنين عليه السلام:”يا صاحب الدعاء لا تسأل ما لا يكون ولا يحل”.
إنما يكون الدعاء بالجميل الذي يحب الله، لا بالقبيح الذي لا يحب، وما حرَّم إلا قبيحاً مما فيه مفسدة، فلا يكون من العاقل أن يدعوَ بما حرَّم الله.
3) الدعاء بما يخالف التدبير الحكيم:
“أربعة لا يستجاب لهم دعاء – والمذكور هنا-: رجل جالس في بيته يقول: ياربّ ارزقني فيقول له: ألم آمرك بالطلب؟…..”(9) ألم آمرك بالسعي للرزق؟
بالكسل والخمول تتوقف حركة الحياة، وتذبل زهرتها، ويستوي الإنسان والحجر حيث لا فاعلية ولا إنتاج، وتأسن المشاعر، ويتغيَّب الدور الخلافي للإنسان في الأرض وما يرافقه من بناء هذا المخلوق لذاته وتنضيج وجوده، وتفجير طاقاته، وتكميل نفسه. وهذا على خلاف ما قضت به حكمة التدبير، والهدف من هذه الحياة.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واهدنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ولا تُضلِّنا، واقبلنا ولا تطردنا، واجعل عمرنا في طاعتك، ولا تجعلنا ممن يغشى معصيتك، واغفر لنا ولهم ولمن كان له حق خاصٌّ علينا منهم ووالدينا وأرحامنا وجيراننا يا كريم يا رحيم.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)
الخطبة الثانية
الحمد لله الملك القدُّوس، السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر القهار العظيم. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله الكرام الميامين.
عباد الله علينا بتقوى الله، والحذر من مصائد الشيطان، وأهل الكفر والنفاق؛ الذين لا يفتأون يصدّون عن ذكر الله، ويصرفون عباده عن منهجه الذي لا نجاح لهم بغيره، ولا نجاة إلا بالتمسُّك به، وينأون بهم عن خط طاعته، ويقيمون أنفسهم فيهم أربابا من أرباب السوء، وآلهة من آلهة الشر، وقد غرَّتهم نعم الله التي كانت لهم استدراجا، ومهلة أيامهم التي تعقبهم عذابا.
إن أهل الحق يموتون، وأهل الباطل يموتون، ولا يبقى إلا وجه الله الكريم، فيمِّموا بوجوهكم إلى بارئكم، ولا تقصدوا وجها فانياً، ولا تركنوا للعبيد المملوكين، ولا تعوّلوا على قوة زائلة، ولا تعطوا طاعة لعدو من أعداء الله، وشقي من أشقياء النار.
اللهم أرنا الحقّ حقاً فنتبعه، والباطل باطلا فنجتنبه، وباعد بيننا وبين أهل النار.
اللهم صل وسلم على البشير النذير، والسراج المنير، محمد الهادي الأمين وآله الطاهرين. اللهم صل وسلم على علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على كريمة الرسول، فاطمة الزهراء البتول. اللهم صلّ وسلّم على الإمامين الزاكيين، والسبطين الهاديين الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الحسين.
اللهم صل وسلم على أئمة المسلمين، والقادة الميامين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الخلفاء الراشدين، والأولياء الصادقين.
اللهم صل وسلم إمام العاَلم العالِم، ومنقذه من الضلال المنتظرِ القائم.
اللهم عجل فرجه، وسهل مخرجه، وافتح له فتحا يسيرا، وانصره نصراً عزيزاً، واملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت به ظلماً وجوراً.
اللهم الموالي له، الممهِّد لدولته، المعد لنصرته، المصدق بدعوته، والفقهاء العدول، والعلماء الصالحين، والمجاهدين الغيارى، والعاملين في سبيلك كن لهم معينا، ولسعيهم مباركا، ولقضيتهم ناصرا، ولهم حافظا، وأحسن لهم أجرا وأنت خير المحسنين.
أيُّها المؤمنون والمؤمنات أضع الحديث في النقاط الآتية:-
1. تريدنا أمريكا أمَّةً بلا إسلام، بلا سلاح، بلا إرادة مقاومة.
ثلاثة مطالب، والأمة التي تجرد من مبدئها تهلك، والأمة التي تجرد من سلاحها تغلب، وهي مهزومة أكثر، وضعيفة أكثر ومغلوبة بدرجة أسهل حين تفقد إرادة المقاومة، والمطالب الثلاثة محلُّ الإرادة الشريرة لأمريكا بالنسبة لهذه الأمة.
بعد فصل الأمة عن الإسلام المطلوب سلب سلاح اليد، وسلب سلاح النفس. وحين يسلب سلاح اليد ويبقى سلاح النفس من إرادة المقاومة يمكن أن يستعاد ذلك السلاح، أما حين تسلب إرادة المقاومة من النفس فلا فرصة من جديد للنهوض، إلا أن يعود هذا السلاح ذاته.
وإسقاط روح المقاومة من طرقه:
التهويل، والتهديد، والتقزيم للتخويف، والتيئيس.
التهويل في حجم العدوّ، والتهديد لفريسته، والتقزيم لهذه الفريسة في الإعلام وفي الخطط للتخويف والتيئيس.
التمييع:
وطريق آخر هو طريق التمييع، والأمة التي تميع في نفسيتها وسلوكها لا تبقى قادرة على المقاومة وتخسر نهائيا إرادة المقاومة.
التشكيك في الفكرة المحور:
من الطرق لقتل روح المقاومة التشكيك في الفكرة المحور، وفي المبدأ الذي يمثل محور الالتفاف عند الأمة. وإنما تتحرك الأمه جادّة وجاهدة وتناضل في التفافها حول هذه الفكرة أو تلك لأنها تستحوذ على اهتمامها، وتأخذ حركتها قيمتها من قيمة تمحورها حول المبدأ والفكرة، فحين تسقط الفكرة في نظر الأمة وفي نفسيتها تفقد السبب الأصل لديمومة الحركة، وروح المقاومة.
الاستضعاف:
كلما استضعفت الأمة عمليا، وكلما عاشت حالة الفرقة كلما وجدت شراذم الأمة ضعفا داخليا يمليه الضعف الخارجي القائم على أرضية الفرقة. فحين نفترق سنة وشيعة، وعربا وأتراكا وأكرادا وأفغانا فسنفقد سببا من أسباب القوة، وسببا من أسباب استمرار روح المقاومة وهي الوقود الأصل لحركة الذات في البرهنة العملية على ذاتها وعلى طريق مواقعها المتقدمة.
التشكيك في القيادات:
وهو أسلوب استعماري يمارسه العدو بكل دهاء وخبث التشكيك في القيادات، والتهزيل لها، والتهوين من شأنها يسقط روح المقاومة؛ ذلك لأن محور حركة الأمة والجماعة يتمثل في أمرين معا: في هيبة الفكرة، في وقدسيتها، وفي هيبة الرمز والقدوة.
وحين تفقد الأمة الفكرة المحور تسقط بسقوط روح المقاومة وروح الحركة، وحين تسقط قيمة القدوة أيضا تنتهي الأمة بانتهاء روح المقاومة.
لو كان الإسلام حقا في نظر الأمة، ولكن سقط من شخصيات الأمة من عدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفرغ تاريخ الأمة كله من الشخصيات القدوة وفرغ الحاضر من أي شخصية قدوة لكان الأمر أمر الأمة إلى انحدار وشتات.
الأمة بلا محور من رمز وقدوة أبعاض ضعيفة متفرقة تنتهي إلى الفردية المحضة والهروب عن الفكرة.
إظهار جانب الخيانة في الأمة:
إظهار أي حادثة خيانة واختلاق حوادث خيانة تعرض على الأمة من أجل الشك في قدواتها أسلوب مستعمل على طريق تفتيت وحدتها. والصحيح أن وصف رمي أي قدوة بالخيانة لا يترك للجماهير وإنما تشخيصه دائماً يُترك للنُّخبة، لأنهم الأقرب إلى فهم القدوة، وكان الإمام جعفر الصادق عليه السلام تبلغ زرارة منه كلمة جرح، – زرارة من خلّص تلامذة الإمام عليه السلام فيسيئه ذلك، فيرسل إليه الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قالها، ولكن قالها حفاظا على زرارة، واعتزازا به، وادّخارا له بما هو رصيد إسلامي ضخم.
أمريكا تريد إسقاط إسلامنا، تريدنا بلا سلاح، تريدنا بلا إرادة مقاومة، وهذه إرادة الفاعل، ولكن الفعل كما يحتاج إلى إرادة الفاعل يحتاج إلى استجابة المنفعل، يحتاج إلى قابل كما يقولون، وهذه الإرادة الأمريكية لها شرط؛ وهو شرط أن نكون في موقع القابل الذي لا يقاوم، الذي لا يرفض، الذي لا يتحرك، أما الأمة التي تعيش وعي الرفض، وتعيش روح المقاومة وتعيش سلوكية الحركة فإرادة العدو لا تنجح معها.
2- لغة أمريكا في مواجهة الدول والقيادات اليوم على طريقة استسلم طوعا أو كرها.
على إيران أن تستسلم طوعاً أو كرها، على سوريا أن تستسلم طوعا أو كرها، على كل بلد إسلامي وعربي أن يستسلم طوعا أو كرها. هذا ما تعرضه أمريكا. وقد تعرض هذا على فرنسا، وقد تعرضه على روسيا أيضا.
والعالم الإسلامي مجتمعاً هو في نظري أقوى من أمريكا، لأن أمريكا إما أن تشن حربا عادية، أو تشن حربا نووية ساحقة؛ على مستوى الحرب العادية فحربها في العراق إنما نجحت بالمسلمين أنفسهم، أما حين تدخل في مواجهة الأمة بكاملها وتدخل الأمة مجتمعة في مواجهتها فهذا أمر آخر، وأما الحرب العالمية فكما ستسحق العالم الإسلامي ستسحق أمريكا بكل تأكيد.
والعالم الإسلامي منقسما ومتشتتاً وخائفاً أضعف من أمريكا بلا أي إشكال، فنحن الذين نغلب أنفسنا، ونحن الذين نجعل أنفسنا في هذا الموقع الضعيف؛ موقع أن تقول لنا أمريكا استسلم طوعا أو كرها.
3- وهي بالنسبة لعالمنا الإسلامي قد أعطت نفسها وأعطتها ذيلية كثير من الأنظمة، وإضعاف هذه الأنظمة لشعوبها موقع ولي أمر المسلمين الأكبر.
يستكثر المسلمون أن يكون في البلد الواحد منهم ولي أمر لهم باسم الإسلام، ولكن ومن ناحية الواقع العملي قد أعطوا لأمريكا أن تتبوأ هذا الموقع؛ موقع ولي أمر المسلمين الأكبر، وإن كان على غير الطريقة الإسلامية.
وها هي تأمر الدول واحدة واحدة، وترسم لها سياساتها، وتجعلها في طابور واحد في مواجهة أي بلد مسلم من غير أن تكاد دولة أن تستعصي.
وها هي تنصب قرضاي في أفغانستان ولي أمر للمسلمين، وتفرض نفسها في صياغة الحكومة الفلسطينية، وتفرض الجلبي أو غيره في العراق، بعد الجنرال الأمريكي المتقاعد، وغداً تنصِّبُ حاكماً في سوريا ثم في غيرها ولها لكل بلد حكومة جاهزة، والآمر والناهي لكل هذه الحكومات إنما هو السيد الأمريكي الذي يتمتع بولاية مطلقة على المسلمين جميعا إن لم يكن على العالم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وردّ كيد أعداء الدين في نحورهم، ولا تجعلنا فتنة للذين ظلموا، وانصر ناصريك، واخذل مناوئيك، يا قوي يا شديد.
اللهم اغفر لنا، ولإخواننا وأخواتنا في الإيمان والإسلام، ولكل ذي حق خاص علينا منهم، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وأصدقائنا وتب علينا وعليهم يا غفور يا رحيم يا تواب يا كريم.
“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)” النحل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 11/ الإسراء.
2 – 46/ هود.
3 – 216/ البقرة.
4 – بح/ ج93/ ص372
5 – بح/ ج77 ص43.
6 – بح/ج93/ ص371.
7 – بح/ ج93/ ص371.
8 – بح/ ج77/ ص377
9 – بح/ ج17/ ص344
[highlight][/highlight]